الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين يشتمل تناول الموضوع الجوانب التالية:

معنى ربط القلوب

القرآن الكريم وربط القلوب …. بيان الأهمية والدلالات

وسائل تحقيق ربط القلوب

من ثمار تحقيق ربط القلوب

أولا- معنى ربط القلوب

ربط على قلبه أي قواه بالسكينة والطمأنينة والصبر، وأصل الربط الشدة والتقوية للشيء ومنه قولهم فلان رابط الجأش أي قوي القلب.

ثانيا- القرآن الكريم وربط القلوب … بيان الأهمية والدلالات

(وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [القصص:10].

(وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَٰهًا ۖ لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا) [الكهف:14].

(إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ) [الأنفال:10].

أهل الحق يمرون بالتمحيص والابتلاء وهذه سنة كي يميز الله الخبيث من الطيب (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ)، والبلاء يصيب الفرد كما يصيب الفئة من الناس وقد يعم ليقع على الجماعة والأمة والحال في هذا بين مقل ومكثر قال السعدي رحمه الله: “والناس في هذا المقام درجات لا يحصيها إلا الله فمستقل ومستكثر…، فالابتلاء والامتحان للنفوس بمنزلة الكير يخرج خبثها وطيبها”.

أهمية ربط القلب للفرد عندما يواجه بلاء أو فتنة

بالنظر لآيات ربط القلوب أعلاه يظهر لنا جليا أهمية ربط القلب للفرد عندما يواجه بلاء أو فتنة (لا سمح الله) كما وقع لأم موسى حين وضعت ولدها في البحر فأصبح فؤادها فارغا من كل شيء إلا من موسى من شدة وجدها وحزنها (إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) لتظهر أنه ذهب لها ولد وتخبر بحالها لولا أن الله ثبتها وصبرها وربط على قلبها فكانت العاقبة لها ولولدها خيرا وفرجا (فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ).

وحالة أم موسى مع ولدها تذكير للمؤمنة اليوم وبخاصة في غزة العزة حيال ما تلاقيه من الصهاينة المعتدين الذين لم يتركوا طفلا ولا امرأة ولا شيخا إلا ونالوا منه في مجازر لم يسبق لها مثيل في التاريخ المعاصر ، ومع هذا البلاء الشديد لا تزال المرأة الفلسطينية صامدة صابرة محتسبة لأن الله سبحانه ربط على قلبها فصمدت من قبل ومن بعد وربت أجيال المقاومة المجاهدين الذين نشاهد اليوم بطولاتهم وانهيار جيش العدو أمامهم في طوفان الأقصى المبارك منذ 7 أكتوبر وحتى كتابة هذه الأسطر نسأل الله النصر والتمكين لأوليائه الصادقين.

ربط القلوب في قصة الفتية الذين آمنوا بربهم

ثم نأتي لحال ربط القلوب في قصة الفتية الذين آمنوا بربهم وكيف أنهم ثبتوا أمام قومهم ووقفوا ضدهم قائلين:

(ربنا الذي آمنا به وعبدناه هو رب السماوات ورب الأرض لن نعبد سواه من الآلهة المزعومة كذبا، لقد قلنا إن عبدنا غيره قولا جائرا بعيدا عن الحق)1(1) [المختصر في تفسير القرآن الكريم].

(وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ) “قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: أي ثبتناها وجعلنا لها رباطا لأن جميع قومهم على ضدهم ومخالفة القوم تحتاج إلى تثبيت لا سيما أنهم شباب، والشباب ربما يؤثر فيه أبوه فيقول له: أكفر، ولكن الله ربط على قلوبهم وثبتهم”، وتأتي أهمية ربط القلوب عندما تكون الأمة في مواجهة عدوها في ساحة النزال ولكل فئة عددها وعدتها وفي الغالب كان ميزان القوة المادية في حروب المسلمين يميل لصالح عدوهم وكان المسلمون قوتهم في قوة إيمانهم بالله وثقتهم بنصره ومدده (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ) (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً) (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) ففي بدر الكبرى نرى هذا النصر يتجلى لأوليائه المؤمنين قبل المواجهة وأثنائها قال تعالى: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ) [الأنفال:11]..

يقول السعدي رحمه الله: “ومن نصره واستجابته لدعائكم أن أنـزل عليكم نعاسا (يُغَشِّيكُمُ) [أي] فيذهب ما في قلوبكم من الخوف والوجل، ويكون (أَمَنَةً) لكم وعلامة على النصر والطمأنينة. ومن ذلك: أنه أنـزل عليكم من السماء مطرا ليطهركم به من الحدث والخبث، وليطهركم به من وساوس الشيطان ورجزه. (وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ) أي: يثبتها فإن ثبات القلب، أصل ثبات البدن، (وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ) فإن الأرض كانت سهلة دهسة فلما نـزل عليها المطر تلبدت، وثبتت به الأقدام.”

“يرعى اللهُ أولياءه وهم أحوجُ ما يكونون إلى تلك الرعاية، فقد نقل المؤمنين هنا بالنوم من أجواء الحرب إلى أخصِّ أجواء الأمان.

إن نصرَ الله قد يجيءُ بسببٍ يسير، ففي هذه الغزوة نزل ماءٌ من السماء فطابت به نفوسُ المؤمنين حين تطهَّرت به، وثبتت به أرضُهم وقلوبهم، وزَلِقت به أرضُ الكافرين وأفئدتُهم.

وأنعمَ الله على الصحابة بتثبيت القلوب، فثباتُها ثباتٌ للأبدان، كما أنعم عليهم بالطهارة، فللطهارة أثرٌ في تطمين النفوس”2(2) [نقلًا من مصحف التدبر من النت]..

ثالثا: من وسائل تحقيق ربط القلوب

1- أن من حقق التوحيد يتحقق له ربط القلوب وذلك باستشعار معية الله لأوليائه فينصرهم ويهديهم قال تعالى: (كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ).

2- كثرة التضرع إلى الله بالدعاء والثبات وصدق اللجوء إليه سبحانه (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك).

3- كلما قوي الإيمان وتحققت الهداية انعكس ذلك على القلوب فيحصل لها الثبات والربط قال تعالى: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) [الكهف:13].

4- التحلي بالصبر والمصابرة والمرابطة وتقوى الله عز وجل تحقق الفلاح وتُكسب من تحلى بها رباطة الجأش وقوة القلب قال تعالى: (يا َأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران:200].

5- الاعتبار بسير من صبر من الأنبياء والصالحين من الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام وذلك بقراءة سيرهم وما تتضمنه من العناية بصلاح القلوب وكل ما يقويها ويثبتها على الحق عند الشدائد وهذا الاطلاع يكسب صاحبه التشبه بهم والتخلق بأخلاقهم قال الشاعر:

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم     إن التشبه بالكرام فلاح

رابعا: من ثمار تحقيق ربط القلوب

حال الإنسان متقلب بين القوة والضعف بين الشدة والرخاء بين الفرح والحزن وبين الغنى والفقر، وكل هذه الأحوال وغيرها تحل على القلب فهو عاصمة الجسد فمن كان قلبه مليء بالإيمان والصلاح يجد الخير والفلاح وحسن العاقبة سواء أصابته سراء أو ضراء فأمر المؤمن كله خيركما جاء في الحديث، وأيضا ينصلح حاله بصلاح قلبه (إنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله).

ومن الثمار الظاهرة أن من امتلأت قلوبهم بالإيمان يرزقهم الله سبحانه السكينة قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ) [الفتح:4].

وكذلك من عمرت قلوبهم بالذكر يربط الله عليها فتغشاهم الرحمة وتحفهم الملائكة، فهم صامدون حين يتزعزع الناس وثابتون على الحق عند اضطراب الأحوال وفشو الفتن (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ) [إبراهيم:27].

وفي الختام أسال الله الكريم من فضله العميم أن يربط على قلوبنا وقلوب أهلنا في غزة وفلسطين وفي بلادنا وكل مصاب ومبتلى من المسلمين، كما أسأله أن يفرج على أهلنا في غزة ويتقبل شهدائهم ويداوي مصابهم ويجعل عدوهم شذر مذر، وأسأل الله ربنا ألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأسأله سبحانه أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الهوامش

(1) [المختصر في تفسير القرآن الكريم].

(2) [نقلًا من مصحف التدبر من النت].

المصدر

رابطة علماء إرتريا، إسماعيل عمار.

اقرأ أيضا

الثبات على دين الله .. وميادين الثبات

من عوامل الثبات على دين الله

الثبات على المبدأ ورفض المساومة عليه .. (1-2)

القرآن .. والثبات

التعليقات غير متاحة