لا ينتهي حلم أعداء هذا الدين والطامعون فيه بأن يكسروه. ويفشلون.. وقد يُحبَط بعض أهله لقسوة الأحداث وتكالب المخالب. لكنه أمر مؤقت فيُظهره الله مرة بعد مرة فتتجدد الحياة والقلوب، ويحق وعد الله.. 

معنى الدين الحق .. وضابط معرفته

قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ (التوبة :33).

والدِّين الحقُّ يقابله الدِّين الباطل. ومن الدِّين الباطل الدِّين المبدَّل والمحرَّف..

وقد بيَّن، جلَّ وعلا، ما هو الدِّين الحقُّ في قوله: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾. (التوبة /29)

الدين الحق يشمل العقائد والشرائع

فبيَّنت هذه الآية أنَّ الدِّين الحقَّ يشمل أمرين:

1- العبادات، والعقائد التصوُّريَّة: ﴿لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾.

2- الشرائع القانونيَّة: ﴿وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾.

كما بيَّنت الآية حكمَ الله في اليهود والنَّصارى، و أنَّه يجب قتالهم حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون.

وهذه الآية محكمة لم ينسخها شيءٌ، وهي في سورة التوبة وهي آخر سورة نزلت من القرآن فأحكامها نهائيَّة.

العجز لا يعني التبديل أو الحرج مما أنزل الله

وإذا كان المسلمون اليوم عاجزين عن ذلك؛ فالواجب عليهم إزالة أسباب العجز والسَّعي لتحصيل القوَّة التي تمكِّنهم من تنفيذ هذا الحكم الإلهي، والإعداد إيمانيًّا وعقائديًّا وماديًّا..

وما لا يتمَّ الواجب إلا به فهو واجب.

قال تعالى: ﴿المص * كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ (الأعراف:1-3).

واتِّباع ما أُنزِل من الله في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ هو الذي يُحقِّق إيمان المؤمن وإسلام المسلم؛ لا تحريف الدِّين وتبديله ليوافق أهواء النَّاس وماهم عليه.

ولذا فالواجب على كلِّ مسلم اليوم ـ وأهل العلم خاصَّة ـ التمسُّك بالثوابت ونشرها كتابةً وخطابةً وتدريسًا وتوريثًا…

نعم قد يتعذَّر شيء من ذلك أحيانًا لسطوة متجبِّر؛ لكن يجب علينا ألا ننسى ثوابت ديننا مهما كانت الخطوب والمؤامرات..

وأن نعمل جاهدين لنشر ذلك سرًّا وعلانيةً، ليلًا ونهارًا؛ كما قال سيِّدُنا نوح عليه السلام: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا﴾ (نوح : 5-9).

وأمَّة محمَّد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما زالت حيَّة، وستظل فيها الحياة حتى يرث الله عز وجل الأرض؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك».(1)

أمثلة مصدّقة لوعد الله وحيوية هذا الدين

مثال تركيا أتاتورك

وها نحن  نرى ـ على سبيل المثال ـ دولة كبيرة مثل تركيا؛ فرغم أنَّ مصطفى كمال أتاتورك العلماني الخبيث، الذي انقضَّ على دولة الخلافة، ومَن جاء بعده من طواغيت نجحوا قبل حوالي قرنٍ من الزمان في مسح كلِّ القِيَم الإسلامية؛ حتى حوَّلوا المساجد إلى متاحف، وحاربوا الشعائر والشرائع الإسلامية، وحوَّلوا دولة الخلافة التي تحمي بيضة الإسلام إلى دولة علمانية تحارب أيَّ مظهر إسلامي..

ورغم كلِّ هذا الإجرام والقمع لكلِّ ما هو إسلامي، وفتح المجال للملحدين وعموم الفجرة، ونهب الأخضر واليابس في تركيا خلال القرن المنصرم ما زال كثير من المسلمين بها متمسِّكين بدينهم حتى خرج من بينهم نجم الدين أربكان وأردوغان وإخوانهما؛ ليتمكَّنوا من إزاحة هذا الجاثم على صدور المؤمنين، ويطوروا تركيا إلى الأفضل دينيًّا ودنيويًّا.

ومع القصور الشديد في الالتزام بالإسلام عقيدة وشريعة إلا انه ما زال الأمل يزداد بمزيد من التمسك بالدين والرجوع إلى منابعه الصافية..

وهذا مثال يردُّ به على اليهود وأمثالهم وأذنابهم أنَّ الزمان مهما طال ومهما غفل المسلمون دهراً فإنهم راجعون ـ لا محالة ـ لدينهم، وسيستأصلون شأفة الفتن وأهلها عاجلاً أم آجلاً..

مثال اليمن الشيوعية

ولقد فرض الحزبُ الاشتراكي الشيوعيَّةَ في عدن، وحاول مسخ هويَّة الشعب المسلم في جنوب اليمن؛ فأرهبوا الناس ونشروا الإلحاد والإباحيَّة والخمور..

حتى شهد بعضُ زعماء الشيوعيَّة في العالم أنَّ الاشتراكيَّة طُبِّقت في عدن أكثر من تطبيقها في موسكو ذاتها.

فماذا كانت النتيجة؟! انهيار الشيوعيَّة والاشتراكيَّة في عدن بعد أقلِّ من ثلاثين عامًا، وعودة المجتمع إلى التديُّن ومبادئ الإسلام، بفضل الصحوة المباركة.

وذلك أنَّها هويَّة أمَّة، وأنَّها دين الله ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾. (التوبة :32)

فلسطين .. المثال القادم

إنَّ الإسلام دينٌ حيوي؛ مهما انشغل عنه أهله زماناً سيعودون إليه، وقد ذكرنا ـ مراراً ـ المبشِّرات التي تؤكد تمسك طائفة من المسلمين بدينهم وانتصارهم على اليهود ـ خصوصاً ـ في آخر الزمان..

واليهود ما زالوا بغبائهم وتصرفاتهم الطاغوتية الحمقاء يحافظون على العداء حاضراً في قلوب وعقول كلِّ المسلمين.

والمتأمل يجد أن الإشكال الحقيقي، والذي سيعمل على تغييب مفاهيم المسلمين، هو أن يعيد اليهود شيئاً من حقوق المسلمين..

فلو فتحوا الحدود ويسروا أمور المسلمين في فلسطين وأحسنوا إليهم ـ أقلَّ إحسان ـ لنسي الكثير منهم حقيقة الصراع بين اليهود والمسلمين خاصة، وبين الكفار وبين المسلمين عموماً، ولصعُب على علماء المسلمين التذكير بخبث اليهود وأذنابهم..

وهيهات أن يعقل اليهود ذلك؛ لأنهم يرون قوتهم وضعف المسلمين مما يدعوهم للمزيد من التجبر والصلف والغرور.. أذلهم الله تعالى ورد كيدهم في نحورهم.

غراس رباني

فعلى كل مسلم أن يزرع أملاً فيمن حوله: أنَّ الدين لن يتغير مهما خذله أهله، ومهما نزل بالمسلمين من نكبات، والله غالب على أمره ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون..

عن أبي عنبة الخولاني رضي الله عنه ـ وكان قد صلَّى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ قال:

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته».(2)

قال ابن القيِّم، رحمه الله تعالى:

هم أهل العلم والعمل؛ فلو خلت الأرض من عالم خلت من غرس الله .اهـ(3)

نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعلنا ـ وإخواننا جميعاً ـ منهم، وأن يردَّ كيد الطواغيت في نحورهم.

الهوامش:

  1. رواه مسلم (1920) من حديث ثوبان رضي الله عنه مرفوعاً ، وهو مروي عن جماعة من الصحابة مرفوعاً بألفاظ متعدِّدة في الصحيحين وغيرهما.
  2. رواه ابن ماجه (8) وغيره، وحسنه الألباني: في السلسلة الصحيحة (2442).
  3. مفتاح دار السعادة (1/ 144).

اقرأ أيضا:

إقامة الدين سعادة في الدنيا قبل الآخرة

المستَقبل لهذا الدّين

الدين كضرورة نفسية.. واجتماعية.. وحضارية

5 1 vote
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments