في كل صفحة من صفحات التاريخ، نقف أمام مآلٍ واحد مشترك بين معظم الطغاة: نهايات مخزية، وسقوط مدوٍّ، ولم تنفعهم حشودهم، ولا أموالهم، ولا الإعلام الذي زيف لهم صورة المجد ..

الظلم وإن طال أمده إلى أفول

قال الله العليم الحكيم:

{فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَتَحْنَا عَلَيْهِمُۥٓ أَبْوَٰبَ كُلِّ شَےْءٍۖ حَتَّيٰٓ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوٓاْ أَخَذْنَٰهُم بَغْتَةٗ فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَۖ فَقُطِعَ دَابِرُ اُ۬لْقَوْمِ اِ۬لذِينَ ظَلَمُواْۖ وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ اِ۬لْعَٰلَمِينَۖ} (سورة الأنعام 45 ـ 46)

ما من طاغيةٍ في الأرض إلا وقد أغراه تماديه في البطش بدون رادع عاجل، وظنّ أن دوام الجبروت ممكن، وأن قبضته الملطخة بدماء المستضعفين دائمة لا تزول؛ لكن سُنن الله تعالى لا تحابي أحدًا، والميزان الإلهي لا يختلّ. فإذا تمادى الظلم، واستعلى المستكبرون، تهيأت أقدار الله تعالى لتكتب على صفحات التاريخ حكم الزوال.

فالظلم، وإن طال أمده، إلى أفول، والطغيان، وإن خُيّل لصاحبه أنه فوق المحاسبة، موعود بلحظة سقوط لا تخطئها السنن. تلك لحظة لا تنفع فيها القوة، ولا تُجدي الحيلة، لأن الذي قضى بها هو الله سبحانه جل وعلا: “إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ “.

بشارات للمضطهدين والمظلومين

الآيتان أعلاه، من سورة الأنعام تصور مشهداً قرآنيا بليغاً من سنن الله في الظالمين، وفيها عبر عظيمة، يمكن أن تُستنبط منها بشارات كثيرة للمضطهدين والمظلومين، منها:

الاستدراج سنة إلهية في الظالمين:

الله تعالى قد يفتح على الظالمين من خيرات الدنيا استدراجًا لهم، وليس كرامة، وهو تمهيد لهلاكهم المفاجئ.

 الفرح بالنعم قد يكون مقدمة للهلاك:

فرح الظالمين بما أوتوا من القوة والثروات والهيمنة لا يدل على نصر حقيقي، بل قد يكون لحظة الهدوء التي تسبق عاصفة هلاكهم.

 الأخذ بغتة من صفات عذاب الله:

عذاب الله لا يأتي تدريجيًا في كثير من الحالات، بل قد يأتي فجأة، وهم في غفلتهم، ما يشير إلى أن زوال الباطل قد يكون فجائيًا، والشواهد من التاريخ القديم والحديث كثيرة ومتعددة.

كثير من الظالمين أُخذوا على حين غرة. شواهد القرآن والتاريخ واضحة:

هلاك فرعون: “فَأَخَذْنَٰهُ وَجُنُودَهُۥ فَنَبَذْنَٰهُمْ فِے اِ۬لْيَمِّۖ” [القصص: 40]

هلاك قارون: “فَخَسَفْنَا بِهِۦ وَبِد۪ارِهِ اِ۬لَارْضَ” [القصص: 81]

هلاك قوم عاد وثمود: “فَكُلّاً اَخَذْنَا بِذَنۢبِهِۦۖ ” [العنكبوت: 40]

المباغتة تصدم الظالم وتُبطل مكره:

“فإذا هم مبلسون” أي يائسون محبطون، دليل على أن الأخذ الإلهي يربكهم ويتركهم بلا حيلة، رغم كل ما أعدوه.

 تكذيب الحق سبب الهلاك:

حين ينسى الظالمون ما ذُكّروا به من الحق والدعوة إلى الخير، فإن سنة الهلاك تُفعّل عليهم، وهذا ما يحدث لمن يكابرون في وجه الحق.

 كثرة النعم لا تعني رضا الله:

النعم قد تكون فتنة، ومن أُعطي ولم يُشكر ولم يُصلح، كان في طريق السقوط، فغطرسة العدو بما يملك لا تبشر بخير لهم، بل هي علامة النهاية.

 تمكين الباطل مؤقت، والحق منتصر بإذن الله:

“فتحنا عليهم أبواب كل شيء” يُفهم منه أن الله قد يُمهل العدو، لكنه لا يُهمله، فكلما تمادى كلما اقترب أجله.

 عاقبة الظلم الخذلان واليأس

حالهم بعد الأخذ هو “مبلسون”، أي يائسون صامتون من شدة الهول، وهذه النهاية ستكون مآل كل من ظلم وتجبر على المقهورين.

 الظلم لا يدوم وإن طغى:

الآية تطمئن كل مظلوم أن المكر والبغي لا يدومان، وأن الله يُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلتْه.

بشارة للمستضعفين بالنصر

هذا الوصف يزرع الأمل في قلوب المؤمنين أن نصر الله لا يتخلف، وأن نهاية المتكبرين المتجبرين الذين يسفكون الدماء واقعة، ولو بعد حين.

ولا يعني هذا أن يبقى المستضعفون متفرجين ينتظرون انهيار الباطل؛ بل عكس ذلك تماما، على المستضعفين أن يتخذوا كل الأسباب المشروعة والمطلوبة من أجل مواجهة الباطل، ويبذلوا من أجل ذلك كل الوسع والجهد، ليقضي الله بعد ذلك أمرا كان مقدورا.

خلاصة:

في كل صفحة من صفحات التاريخ، نقف أمام مآلٍ واحد مشترك بين معظم الطغاة: نهايات مخزية، وسقوط مدوٍّ، ولم تنفعهم حشودهم، ولا أموالهم، ولا الإعلام الذي زيف لهم صورة المجد .. لأن الطغيان حين يتجاوز حده، يستدعي النقمة لا محالة، وتبدأ علامات الخسران تظهر، ولو ببطء.

وهكذا، ما بين الغفلة والبغي، تُنسَج خيوط نهاية المستكبرين، ويُسدل الستار، ليبقى العدل الإلهي شاهدًا أن الأرض لا تحتمل الظلم طويلًا، وأن ربنا جل وعلا لا يضل ولا ينسى.

والحمد لله رب العالمين

المصدر

موقع منار الإسلام، محمد حمداوي.

اقرأ أيضا

سنة الله في تدمير الظالمين

سُنة “الإملاء” و”الاستدراج” للكافرين والظالمين

متى يُهلك الله الظالمين؟!

التعليقات غير متاحة