تتوالى الضربات على المسلمين، ويضيع القدس من بين أيديهم بإشراف “الأنظمة” ثم يأمل الناس في هذه الأنظمة نفسها..! وتُشل حركتهم ويعجزون عن التغيير والإنقاذ؛ فما السبب..؟

يوقدون للحروب

يجهّز المجرمون الصهاينة ـ بمساعدة الداعم الإقليمي والغربي ـ حروبا متتابعة ضد غزة وأهلها، وبين كل فينة وأخرى تتلقة “الأمة” ضربات في “غزة”.

ويجهّز المجرمون وأتباعُهم في المنطقة لإتمام “صفقة القرن” التي تُعنى بتسليم القدس للصهاينة وتصفية “القضية الفلسطينية” ـ هكذا يسمونها ـ لتنجح الفكرة الصهيونية في تركيع الأمة واستذلالها وسلبها مقدساتها ومقدراتها، بعد تقزيم قضاياهم المصيرية التي يتتابع العالَم الصليبي والوثني والملحد لتحقيق السيطرة الصهيونية وإنجاح مشاريعهم وتحقيق رمز السيطرة بالاستيلاء على القدس.

يأتي العالم الصليبي والصهيوني متكاتفا؛ بينما تتقزم قضايانا في تصورها وفي عرضها.

وهذا التقزيم مقصود من المجرمين الذين يتحكمون في مناهج الإعلام، والتعليم، وفي عرض القضايا السياسية، والتحدث باسم الأمة.

البديل الذي تحتاجه الأمة

الأمة تحتاج إلى بديل كامل وقوي يستند إلى قوة الشعوب ويواجه بها حجمًا هائلًا من الفساد والمظالم واللصوصية.

بديل يحدد الوجهة الصحيحة بناء على مفهوم عقدي صحيح؛ بالتزام عقيدة السنة، ويعرف خريطة القوى الدولية والاقليمية وتوازناتها، ويمتلك أوراقا قوية، ويمتلك مهارة استخدامها لتحصيل المنافع للأمة.

ولكن يحول بين الأمة وبين هذا البديل وجود “الاضطراب العقدي والسياسي” في عموم الأمة، وكذلك في النخبة نفسها.. وهذا أشد.

وكلما ألمح بعض الدعاة والعلماء والمهتمون الى هذا الجانب ثارت تساؤلات حول معنى هذا الاضطراب ومظاهره ونتائجه.

ولهذا نلمّح الى بعض هذا الاضطراب وبعض مآخذه وآثاره.

التصور المهيض للمرجئة

والمقصود بهذا القول هو أن من كان تصوره للواقع والمجتمع أن الشرعية الإسلامية موجودة في الأنظمة العلمانية قبل “الثورة” وكذلك بعد “الانقلاب”، وأن المفاهيم الشرعية والعقدية للإسلام متوفرة في المجتمع بصورة كافية؛ فمثل هذا التصور يدفع صاحبه ليكون عمله ودوره هو “استكمال نقص وتصحيح انحراف طارئ”، كعمل روتيني في أي مجتمع بشري.

ومثل هذا فتصوره للأنظمة العلمانية هي أنها امتداد لانحراف بدأ منذ “يزيد بن معاوية” أو “عبد الملك بن مروان”، في باب المظالم السياسية وتوريث الملك، ويرى أن الأمر سياق واحد..!

وهذا التصور يُغفل صاحبه عن “الانقلاب الهائل” الذي حدث أول القرن العشرين بإسقاط حاكمية الشريعة والشكل السياسي الموحّد للأمة، وبروز الأنظمة والقوانين العلمانية، وبروز “الدولة القومية” القائمة على تنحية الإسلام من الهوية.

فكان هذا “الحدث الهائل” يوجب تصحيح الخلل العقدي الذي سمح بسقوط الأمة وتنحية الشريعة والشرعية وتنحية الهوية الإسلامية.

فمن كان عنده غفلة عن الواقع ـ مع صدْقه ـ فهذا يتبين له الأمر مع الأحداث لو صدق، لأن العلمانيين والملاحدة والإباحيين لا يفتأون ولا يملّون يُظهرون ما عندهم من عداء للإسلام ويُظهرون المسافة الكبيرة بينهم وبين دين الله، ويُظهرون المسافة الكبيرة التي يريدون أن يقطعها المجتمع وأجياله القادمة مبتعدين فيها عن دين الله تعالى. ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا﴾ (مريم: الآية 83)

لكن لو كان عنده خلل في المفهوم الشرعي العقدي، للتوحيد والإيمان فالأمر سيكون أصعب ولا تزيده الأحداث وتداعياتها إلا خبالًا. فلو دخل الهوى وعقدوا صفقات مشبوهة مع المبدلين وأعداء هذا الدين فقد استحكم الأمر.. إلا أن يشاء الله.

كل هذا سينتج مواقف خاطئة، أو قاصرة، أو ليست على قدر الصراع ومستواه.

قصور الفهم السياسي

ومن كان تصوره أن القرار لبلاد المسلمين في المنطقة العربية والاسلامية هو أمر محلي، وغفل عن دور “القوى الكبرى” التي تسير البلاد في فلَكها، ولم يدرك أن الاستعمار ما زال باقيًا ولم يدرك طرق الهمينة الكثيرة على بلادنا..

وأيضا من لم يدرك إرث “أجهزة الاستبداد” ونفسيتها وعقيدتها وتبعيتها، ولم يدرك تصورها أن تسليمها البلاد لـ “مدني” يعتبر خيانة..!

ومن لم يدرك ـ بدون الاحتياج لتجربة مريرة ـ (حجم) الفساد وتغلغله وسطوته وأجهزته والتوافق عليه! ولم يدرك (مجالات) الفساد سواء في المؤسسات السياسية أو الإدارية أو الدينية، أو غيرها من المؤسسات التي تبدو شريفة للوهلة الأولى، أو يُفترض فيها ذلك..!

ومن لم يدرك إرث وأطماع “العسكر” ونظرتهم بأحقية امتلاك البلاد وثرواتها، ولم يدرك دورهم المنوط بهم من الغرب، وتربيتهم الخارجية؛ وأثر “الدورات الدراسية الخارجية” المتلاحقة على تصورهم لبلادهم وأمنهم وعقيدتهم..

من لم يدرك هذا لم يعرف زمانه لتستقيم طريقته..

وبالتالي فمثل هذا يضطرب تصرفه، ويُحسن الظن بالعدو القريب، ويأمل خيرا فيمن هم مصدر البلاء على الأمة، ويضع الأمانة في رقبة المغرِقين في الخيانة، ويستتب به أمر من يقومون بدور منتظم في سلخ الأمة عن دينها؛ عقيدة وخلقا وثقافة..!

وهذا وبال كبير. ما زلنا نعاني من آثاره الى هذه اللحظة.

انحراف الغلو بأصحابه عن الطريق

وفي المقابل من كان تصوره للأمة أنها كفرت عن بكرة أبيها! ولم يدرك أوضاع الاستضعاف، ورأى أن من واجبه أن يكون (منصفًا!) فيكفّر صاحب الراية الإسلامية المستضعَف الذي يحاول الخروج من الاستضعاف والعلمانية إلى الإسلام، أسوة بالعلماني الذي يرسخ العلمانية ويخرج بالأمة مما تبقى لها من دينها إلى ما هو أبعد من أشواط من سبقه؛ فيسوّي بينهما ويرى أن هذا هو “العدل الواجب”..! ويخلط بين المناطين والوصفين.

فمثل هذا قد تخلى عن مشروعٍ كان يجب مساندته، واستغله عدوه حتى أسقط به أخاه، ثم أسقطهما معًا؛ بل وحشده عدوه ليقف ضد راية الإسلام نفسها، توهمًا وخداعًا، حتى استغفله وأسقط به أمله المنظور، ثم عاد يبكي أنه لم يجد من “يحنو عليه”..!

فتشابه موقف الاضطراب تفريطًا وغلوًا.

تكبيل الأمة عن الحسم

كل هذا وغيره من الحقائق الغائبة، وموازين القوى، مع غياب القدرة على تصرفات كثيرة تتراوح بين الحسم حينًا والمرونة أخرى، ومعرفة أن الأمة تحتاج إلى بديل كامل وقوي يستند ـ بعد الله ـ إلى قوة الشعوب ويواجه بها حجمًا هائلًا من الفساد والمظالم واللصوصية، ويواجه بها حجمًا هائلًا من التزوير والتزييف، ويعرف أن ثمة مراحل طويلة وأشواطًا تحتاج الأمة إلى قطعها للعودة.

غياب هذا وغيره من الحقائق الكثيرة التي يطول شرحها سينتج مواقف خاطئة وهزيلة، أو ضعفًا، أو تخلّيًا عن الزخم الثوري في حينه، أو الاطمئنان إلى ما لا يُطمأن إليه، أو غير ذلك من التفاصيل التي بمجموعها تضيع الفرصة ونفقد الطريق.

هناك الكثير من الحقائق والبيان تحتاجه الأمة وتحتاجه الحركة الاسلامية.. لكن ما سطرته هنا قد يكون كافيًا للإشارة إلى نوعية الاضطراب.. والله تعالى العاصم!

اقرأ أيضا:

 

التعليقات غير متاحة