يخطب المسلمون ـ بطيبة مفرطة ـ ودَّ الأقليات؛ يحدثونهم عن سماحة الإسلام وعدله. وهذه الأقليات لا ترفض الإسلام لنقص في عدله أو رحمته، بل لبغض عقدي يجب أن يرى القوة، ثم يرون العدل والسماحة والرحمة.
الخبر
“قام الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” يوم الخميس (6/8/2020) بجولة في شوارع بيروت التي لحق بها الدمار وذلك بعد يومين من انفجار هائل، وطالبه لبنانيون خلال الجولة بالعمل على إنهاء نظام الحكم الذي يقولون إنه مسؤول عن الفساد وعن جر لبنان إلى كارثة. وقال ماكرون وكأنه حاكم البلاد: “لكن المطلوب هنا هو تغيير سياسي. وهذا الانفجار يجب أن يكون بداية لعهد جديد”..!
وقال شخص مسيحي حاقد بين المتجمهرين حول ماكرون طالبا المساعدة من فرنسا القوة الاستعمارية السابقة في لبنان “سيادة الرئيس أنت في شارع الجنرال “غورو”. وقد حرَرَنا هو من العثمانيين. حررنا أنت من السلطات الحالية”.
وذلك في حي تقطنه أغلبية مسيحية في العاصمة بيروت.
وفي حين تتضح علامات الهيمنة بل التهمة على فرنسا وماكرون؛ أعلن “فؤاد أقطاي”، نائب الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، السبت (8/8/2020)، أن تركيا مستعدة لإعادة إعمار مرفأ بيروت والمباني المجاورة له، وأن ميناء مرسين التركي “سيكون في خدمة اللبنانيين. وأضاف: “أكدنا للرئيس اللبناني استعداد تركيا لتقديم المزيد من المساعدات الغذائية والطبية”، وتابع بالقول إن “كافة مستشفيات تركيا وطائراتها الإسعافية في خدمة لبنان”. (1موقع “رويترز”، على الرابط: “ثورة” .. لبنانيون غاضبون يحثون ماكرون على المساعدة في إحداث التغيير
موقعCNN، على الرابط: تركيا تعلن استعدادها لإعادة إعمار مرفأ بيروت: ميناء مرسين في خدمة اللبنانيين)
التعليق
بداية؛ فالجنرال “غورو” الذي ينادون “ماكرون” بأن الشارع الرئيس مسمى باسمه؛ هو الجنرال الذي دخل دمشق عام (1929) ووصل الى قبر صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، قائلا: “يا صلاح الدين أنت قلت لنا إبان حروبك الصليبية: إنكم خرجتم من الشرق ولن تعودوا إليه، وها نحن عدنا فانهض لترانا فى سوريا”.
وقد أردنا في ذكر هذا الخبر لفْت أنظار الأمة الى خطورة نصارى الشام وإهمال ولاءات الأقليات عموما..
ففي مقال سابق حذرْنا من خطر الرافضة (“الفشل” .. تحت رعاية الرافضة)؛ لكن الأقليات الدينية خطر كذلك لا يقل عنهم بل قد يزيد..
ففي مصر يساندون الطغاة والعلمانية وتمزيق البلاد والتواصل مع الصهاينة ومخططات التقسيم ودعوى الاضطهاد..
وفي سوريا هم مع الطغاة يساندونهم ويمنعون وقوعهم بكل ما أوتوا..
وفي لبنان اليوم يوقعون عريضة بأكثر من (35) ألفا يستدعون فيها الاحتلال الفرنسي ليعود الى لبنان؛ ليقوم بمجازره المعروفة حيث قتل ثلث الشعب المصري المسلم في الحملة الفرنسية، وقتل ثلاثة ملايين جزائري مسلم، وكان مثالا للوحشية والترويع والإجرام.. لكنه الانتماء العقدي الذي يعبر الأوطان والقوميات ويكشف زيف عقيدة الوطن المكذوب والكاذبة..! ويوضح امتداد الانتماء الديني لهذه الأقليات لِما تذهب بهم أديانهم.
المفارقة الكاشفة
ومع هذ الانتماء العقدي، والنداء الوقح للفرنسيين لاحتلال جزء من بلاد المسلمين ـ مهما كان حاله اليوم مؤقتا ـ وكأنها بلادهم، وإنما هم بقايا الحملات الصليبية التي أحسن اليهم القائد المسلم والملك الصالح “صلاح الدين الأيوبي” ـ رحمه الله ـ مع هذا تظهر المفارقات..
فثمة مفارقة تظهر في أنهم مَن نفَث أوار الدعوة الى القومية العربية لينسلخ الناس من الإسلام ويكونوا هم في إطار قومي تاريخي، كإخوانهم من نصارى مصر وهم ينادون بالوطنية الفرعونية، كلٌ ينادي بما يتخلصون من به من الانتماء الإسلامي..
فأول من نادى “مصر للمصريين” في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين كانوا نصارى لبنان..!
والمفارقة الأخرى أنهم يعادون تركيا بسبب توجهاتها الإسلامية رغم أنها تعرض إعادة إعمار المرفأ وما حوله، دون طمع في لبنان.. بينما يرحبون بماكرون وهو أحد المتَهمين بالتفجير نفسه، لأنه أعقب زيارة وزير خارجيته، والذي أعقبه استقالة وزير خارجية لبنان ـ المسيحي حسب الترتيب الطائفي للمنصب ـ أعقبه في اليوم التالي التفجير؛ الذي جاء في بلد فاشل بين الرافضة والنصارى والعلمانيين.
وكان الدور المنوط بفرنسا في الشرق العربي الإسلامي، والذي تولاه نصارى لبنان هو معاداة مشروع الخلافة وتنفير الناس من العثمانيين وتشويه تاريخهم في الفن والتمثيل والأغاني والروايات والتأريخ المغرض، والتواصل الثقافي مع الغرب ومعاداة الهوية الإسلامية، واستعمال القومية بديلا عن الإسلام الى حين، ثم التغريب الصراح.
لقد أفرد المؤرخون المسلمون والباحثون الغيورون على الإسلام ـ أفردوا فصولا وأبحاثا عن دور الأقليات؛ وما أخطرها. وهذا الخبر بهذا النداء بذلك الإسم البغيض للمسلمين ـ الجنرال غورو ـ والذي يجرحهم في انتصار عزيز عليهم وينكأ جراح فترة شهدوا فيها وحشية وقذارة الصليبيين ـ في هذا الخبر توكيد لهذا الخطر الذي يجب أن يُلتفت اليه كثيرا.
خاتمة
يتعجل المسلمون بطرح حقوق الأقليات وكونهم مضمون لهم العدل وكذا، بل ويتنفل البعض فيجعلهم ركيزة أساسية في تشكيل الدول الحديثة والأنظمة، بل ويبادر المنافقون ـ ببغض شديد منهم وبلاهة شديدة من جهلة المسلمين ـ بالتخلي عن شريعة الله مراعاة لهذه الأقليات..! ونبذ الهوية الإسلامية مراعاة لعدم جرح مشاعرهم..!! والبعض يرى نفسه عقلانيا ـ وهو نفاق أكبر ـ حين يقول يجب أن تكون هناك صيغة غير الإسلام لتلتحم بها الشعوب وإلا فالإسلام خطر إذ يفرق الوطن..!!
بينما هؤلاء المتنفلون يفتتون أمة ويفرقون المسلمين شراءا لخواطر قوم لا ينتمون اليهم بل يستدعون لهم العدو، ويهدمون لهم الوطن في لحظة وكلمة ولا يبالون بشعاراتهم أنفسهم، ولا بما أصّلوه سابقا؛ إذ تبقى العقيدة في مكانها تهتف بمقتضياتها؛ فمتى يفيق المسلمون ويقررون قراراتهم وهويتهم ودينهم..؟
نعم إن العدل في الإسلام، والرحمة في هذا الدين، ولن يجد أحد طعم الحياة كما يجدها في ظل الإسلام؛ ولكن قبل التطوع ببذل ما يرفضه الآخرون يجب تقرير الحق كما أنزله الله بقوة وعزة، ومن خلالها يقدَّم للخلق العدل فيعرفون قيمته، والرحمة فيدركون نعمتها.
……………………………..
هوامش:
- رويترز”، ، على الرابط: “ثورة” .. لبنانيون غاضبون يحثون ماكرون على المساعدة في إحداث التغيير
موقعCNN، على الرابط: تركيا تعلن استعدادها لإعادة إعمار مرفأ بيروت: ميناء مرسين في خدمة اللبنانيين