هذا التكاثر صار من سمات هذا العصر الرأسمالي الذي تربى فيه البشر على القسوة والوحشية والأثرة والأنانية، ولسوف يقودهم ذلك نحو الهلاك والبوار في الدنيا والآخرة، ونذر ذلك في الدنيا ماثلة للعيان في المشكلات الاقتصادية، والقلاقل والفتن التي تنتج عنها.
الأحاديث النبوية في ذمّ التكاثر في متاعِ الدنيا الزائلِ
الحديث الأول
عن عباس بن سهل بن سعد قال سمعت ابن الزبير على المنبر بمكة في خطبته يقول: يا أيها الناس إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «لو أن ابن آدم أعطي واديا ملئا من ذهب أحب إليه ثانيا، ولو أعطي ثانيا أحب إليه ثالثا، ولا يسد جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب»1(1) البخاري (6438) ط. طوق النجاة، مسلم (1048)۔. وفي رواية أخرى «ولن يملا فاه إلا التراب»2(۲) البخاري (6439)..
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كشف المشكل من حديث (الصحيحين) معلقا على هذا الحديث:
(اعلم أن آثر الأشياء عند الإنسان نفسه، فأحب الأشياء إليه بقاؤها، ولشدة حبه البقاء لا ينقطع أمله من الحياة، ولو عاين الموت . فلما كان المال سببا للحياة أحب سبب البقاء والاستكثار منه؛ لحبه البقاء. وقوله: «ولن يملا فاه إلا التراب» الإشارة بالمعنى إلى حرصه، وبالصورة إلى دفنه في القبر)3(3) كشف الشكل من حیث الصحیحین 1/355..
وقال ابن بطال رحمه الله تعالى:
(وقد أخبر الله تعالى عن الأموال والأولاد أنها فتنة، وقال تعالى: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) ، وخرج لفظ الخطاب على العموم؛ لأن الله تعالى فطر العباد على حب المال والولد، ألا ترى قوله صلى الله عليه وسلم: «لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغی ثالثا» فأخبر عن حرص العباد على الزيادة في المال، وأنه لا غاية له يقنع بها ويقتصر عليها، ثم أتبع ذلك بقوله: «ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب» ، يعني إذا مات وصار في قبره ملأ جوفه بالتراب، وأغناه بذلك عن تراب غيره حتى يصير رمیما . وأشار صلى الله عليه وسلم بهذا المثل إلى ذم الحرص على الدنيا والشره على الازدياد منها؛ ولذلك آثر أكثر السلف التقلل من الدنيا والقناعة والكفاف فرارا من التعرض لما لا يعلم كيف النجاة من شر فتنته، واستعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من شر فتنة الغنى، وقد علم كل مؤمن أن الله تعالى قد أعاذه من شر كل فتنة، وإنما دعاؤه بذلك صلى الله عليه وسلم تواضعا لله وتعليما لأمته وحضا لهم على إيثار الزهد في الدنيا)4(4) شرح ابن بطال على تصحيح البخاري 10/160..
الحديث الثاني
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أكثر ما أخاف علیکم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض»، قيل: وما بركات الأرض؟ قال: «زهرة الدنيا» ، فقال له رجل: هل يأتي الخير بالشر؟ فصمت النبي صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أنه ينزل عليه، ثم جعل يمسح عن جبينه، فقال صلى الله عليه وسلم: «أين السائل؟» قال: أنا قال: أبو سعيد لقد حمدناه حين طلع ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: «لا ياتي الخير إلا بالخير، إن هذا المال خضرة حلوة، وإن كل ما أنبت الربيع يقتل حبطا، أو يلم إلا آكلة الخضرة، أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت الشمس فاجترت، وثلطت وبالت ثم عادت فأكلت، وإن هذا المال حلوة، من أخذه بحقه، ووضعه في حقه، فنعم المعونة هو، ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع»5(5) البخاري (6427)، مسلم (1052)..
يعلق الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى على هذا الحديث الشريف فيقول:
(فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه إنما يخاف عليهم الدنيا، وسماها زهرة، فشبهها بالزهر في طيب رائحته وحسن منظره وقلة بقائه، وأن وراءه ثمرا خيرا وأبقى منه .
وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم» هذا من أحسن التمثيل المتضمن للتحذير من الدنيا والانهماك عليها والمسرة فيها، وذلك أن الماشية يروقها نبت الربيع فتأكل منه بأعينها، فربما هلكت حبطا. و(الحبط) انتفاخ بطن الدابة من الامتلاء أو المرض، يقال: حبط الرجل والدابة تحبطا حبطا إذا أصابه ذلك، ولما أصاب الحارث بن مازن بن عمرو بن تميم ذلك في سفره فمات حبطا، فنسب الحبطي كما يقال: السلمي، فكذلك الشره في المال يقتله شرهه وحرصه، فإن لم يقتله قارب أن يقتله، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «أو يلمه» ، وكثير من أرباب الأموال إنما قتلتهم أموالهم فإنهم شرهوا في جمعها، واحتاج إليها غيرهم فلم يصلوا إليها إلا بقتلهم، أو ما يقاربه من إذلالهم وقهرهم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «إلا آكلة الخضر» هذا تمثيل لمن أخذ من الدنيا حاجته مثله بالشاة الآكلة من الخضر بقدر حاجتها، أكلت حتى إذا امتلئت خاصرتاها، وفي لفظ آخر «امتدت خاصرتاها»، وإنما تمتد من امتلائها من الطعام، وثنى الخاصرتين؛ لأنها جانبا البطن.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: « استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت» ثلاث فوائد:
إحداها: أنها لما أخذت حاجتها من المرعی تركته وبرکت مستقبلة الشمس، لتستمرىء بذلك ما أكلته .
الثانية: أنها أعرضت عما يضرها من الشره في المرعى، وأقبلت على ما ينفعها من استقبال الشمس، التي يحصل لها بحرارتها إنضاج ما أكلته وإخراجه.
الثالثة: أنها استفرغت بالبول والثلط ما جمعته من المرعي في بطنها، فاستراحت بإخراجه، ولو بقي فيها لقتلها، فكذلك جامع المال مصلحته أن يفعل به كما فعلت هذه الشاة.
وأول الحديث مثل للشره في جمع الدنيا الحريص على تحصيلها؛ فمثاله: مثال الدابة التي حملها شره الأكل على أن يقتلها حبطا أو يلم إذا لم يقتلها، فإن الشره الحريص إما هالك وإما قريب من الهلاك، فإن الربيع ينبت أنواع البقول والعشب؛ فتستكثر منه الدابة حتى ينتفخ بطنها لما جاوزت حد الاحتمال، فتنشق أمعاؤها وتهلك، كذلك الذي يجمع الدنيا من غير حلها، ويحبسها أو يصرفها في غير حقها. و آخر الحديث مثل للمقتصد بآكلة الخضر الذي تنتفع الدابة بأكله، ولم يحملها شرهها وحرصها على تناولها منه فوق ما تحمله، بل أكلت بقدر حاجتها، وهكذا هذا أخذ ما يحتاج إليه ثم أقبل على ما ينفعه، وضرب بول الدابة؛ وثلطها مثلا لإخراجه المال في حقه حيث يكون حبسه وإمساکه مضرا به، فنجا من وبال جمعه بأخذ قدر حاجته منه، ونجا من وبال إمساكه بإخراجه؛ کما نجت الدابة من الهلاك بالبول والثلط .
وفي هذا الحديث إشارة إلى الاعتدال والتوسط بين الشره في المرعى القاتل بکثرته، وبين الإعراض عنه وتركه بالكلية؛ فتهلك جوعا.
وتضمن الخبر أيضا إرشاد المكثر من المال إلى ما يحفظ عليه قوته وصحته في بدنه وقلبه، وهو الإخراج منه وإنفاقه، ولا يحبسه؛ فيضر حبسه، وبالله التوفيق)6(6) عدة الصابرين ص366- 368ت: سلیم الهلالي..
الحديث الثالث
عن مطرف عن أبيه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) قال: «يقول ابن آدم: مالي مالي. قال: وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، او لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت»7(7) مسلم (2958)..
وفي رواية أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول العبد: مالي، مالي، إنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فاقتني. وما سوى ذلك فهو ذاهب، وتارکه للناس»8(8) مسلم (2959)..
قال في حاشية السندي على النسائي:
(يقول ابن آدم: مالي. كأنه أفاد بهذا التفسير أن المراد التكاثر في الأموال، وإنها مالك يا ابن آدم، إنكار منه صلى الله عليه وسلم على ابن آدم بأن ماله هو ما انتفع به في الدنيا بالأكل أو اللبس أو في الآخرة بالتصدق. وأشار بقوله فأفنيت فأبليت. إلى أن ما أكل أو لبس فهو قليل الجدوى، لا يرجع إلى عاقبة. وقوله: أو تصدقت فأمضيت. أي أردت التصدق فأمضيت، أو تصدقت فقدمت لآخرتك)9(9) حاشية السندي على الشمائی 6/238..
الحديث الرابع
عن عروة بن الزبير أن المسور بن مخرمة رضي الله عنه أخبره أن عمرو بن عوف، وهو حليف بني عامر بن لؤي، وكان شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صالح أهل البحرين، وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف، فتعرضوا له، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم، ثم قال: «أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين؟» فقالوا: أجل يا رسول الله قال: «فأبشروا، وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم، کما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها، کما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم»10(10) البخاري (4015)، ومسلم (2961) ..
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في فتح الباري عند هذا الحديث:
(وقال الطيبي: فائدة تقديم المفعول هنا الاهتمام بشأن الفقر، فإن الوالد المشفق إذا حضره الموت كان اهتمامه بحال ولده في المال، فأعلم صلى الله عليه وسلم أصحابه أنه وإن كان لهم في الشفقة عليهم كالأب، لكن حاله في أمر المال يخالف حال الوالد، وأنه لا يخشى عليهم الفقر كما يخشاه الوالد، ولكن يخشى عليهم من الغني، الذي هو مطلوب الوالد لولده .
والمراد بالفقر العهدي، وهو ما كان عليه الصحابة من قلة الشيء، ويحتمل الجنس، والأول أولى، ويحتمل أن يكون أشار بذلك إلى أن مضرة الفقر دون مضرة الغنى؛ لأن مضرة الفقر دنیوية غالبا، ومضرة الغنى دينية غالبا.
قوله صلى الله عليه وسلم: «فتنافسوها».. والتنافس من المنافسة، وهي الرغبة في الشيء ومحبة الانفراد به والمغالبة عليه، وأصلها من الشيء النفيس في نوعه.. ونفس الشيء بالضم نفاسة صار مرغوبا…
قوله «فتهلككم» أي؛ لأن المال مرغوب فيه، فترتاح النفس لطلبه، فتمنع منه ، فتقع العداوة المفضية للمقاتلة، المفضية إلى الهلاك .
قال ابن بطال: فيه أن زهرة الدنيا ينبغي لمن فتحت عليه أن يحذر من سوء عاقبتها وشر فتنتها، فلا يطمئن إلى زخرفها، ولا ينافس غيره فيها)11(11) فتح الباري 11 /245..
الحديث الخامس
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «إن المكثرين هم المقلون بوم القيامة، إلا من أعطاه الله خيرا، فنفخ فيه يمينه وشاله وبين يديه ووراءه، وعمل فيه خيرا»12(12) البخاري (6443)، مسلم (94)..
وفي رواية عند الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه: «المكثرون هم الأسفلون، إلا من قال بالمال هكذا وهكذا هكذا وهكذا. أمامه، وعن يمينه، وعن شماله، وخلفه»13(13) مسند أحمد (9526)..
قال ابن حجر رحمه الله تعالى في شرحه لحديث أبي ذر رضي الله عنه: (والمراد الإكثار من المال والإقلال من ثواب الآخرة، وهذا في حق من كان مکثرا، ولم يتصف بما دل عليه الاستثناء بعده من الإنفاق)14(14) فتح الباري 11/266..
الحديث السادس
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى واحد. يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله»15(15) البخاري (6514) ومسلم (2960)..
الحديث السابع
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة. ومن كانت الدنيا همه، جعل الله فقره بين عينيه، ومزق عليه شمله، ولم تأته من الدنيا إلا ما قدر له»16(16) الترمذي (8472) وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة 2/ 670..
قال في تحفة الأحوذي في شرحه لهذ الحديث:
(قوله: «من كانت الآخرة» بالرفع على أنه اسم کانت (همه) بالنصب على أنه خبر كانت، أي قصده ونیته . وفي المشكاة: من كانت نینه طلب الآخرة «جعل الله غناه في قلبه»، أي جعله قانعا بالكفاف والكفاية، كيلا يتعب في طلب الزيادة. «وجمع له شمله»، أي: أموره المتفرقة، بأن جعله مجموع الخواطر. بتهيئة أسبابه ، من حيث لا يشعر بهن، «وأتته الدنيا»، أي: ما قدر وقسم له منها، «وهي راغمة» أي: ذليلة حقيرة تابعة له، لا يحتاج في طلبها إلى سعي کثير، بل تأتيه هينة لينة على رغم أنفها وأنف أربابها. «ومن كانت الدنيا همه»، وفي المشكاة: ومن كانت نيته طلب الدنيا. «جعل الله فقره بين عينيه»، أي جنس الاحتياج إلى الخلق کالأمر المحسوس منصوبا بين عينيه «وفرق علیه شمله»، أي أموره المجتمعة. فقال الطيبي: يقال جمع الله شمله أي ما تشتت من أمره، وفرق الله شمله أي ما اجتمع من أمره، فهو من الأضداد. «ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له» أي وهو راغم، فلا يأتين ما يطلب من الزيادة على رغم أنفه وأنف أصحابه)17(17) تحفة الأحوذي 7/ 139، 140..
الحديث الثامن
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنکبي، وقال: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل». وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك18(18) صحيح البخاري (6416)..
قال ابن بطال رحمه الله تعالى في شرحه لهذا الحديث:
(قال أبو الزناد: معنى هذا الحديث الحض على قلة المخالطة وقلة الاقتناء والزهد في الدنيا، بيان ذلك أن الغريب قليل الانبساط إلى الناس، بل هو مستوحش منهم، إذ لا يكاد يمر بمن يعرفه فيأنس به ويستكثر بخلطته، بل هو ذليل في نفسه خائف.
وكذلك عابر السبيل لا ينفذ في سفره إلا بقوته وخفته من الأثقال، غير متشبث بما يمنعه من قطع سفره، معه زاد وراحلة يبلغانه إلى بغيته من قصده .
وهذا يدل على إيثار الزهد في الدنيا وأخذ البلغة منها والكفاف. فكما لا يحتاج المسافر أكثر مما يبلغه إلى غاية سفره، فكذلك لا يحتاج المؤمن في الدنيا إلى أكثر مما يبلغه المحل.
وقوله: «إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء»، حض منه على أن يجعل الموت نصب عينيه، فيستعد له بالعمل الصالح، وحض له على تقصير الأمل وترك الميل إلى غرور الدنيا ، وقوله «خذ من صحتك لمرضك» حق له على اغتنام صحته فيمهد فيها لنفسه ، خوفا من حلول مرض به يمنعه من العمل، وكذلك قوله: «ومن حياتك لموتك» تنبيه على اغتنام أيام حياته، ولا يمر عمره باطلا في سهو وغفلة، لأن من مات فقد انقطع عمله، وفاته أمله، وحضره على تفريطه ندمه، فما أجمع هذا الحديث لمعاني الخير وأشرفه)19(19) شرح ابن بطال لصحيح البخاري 10/ 149 ..
الحديث التاسع
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكثروا ذكر هاذم اللذات، فإنه ما كان في كثير إلا قلله، ولا قليل إلا جزأه»20(20) الطبراني في الأوسط 6/56 (5780 ) وقال الهيثمي: إسناده حسن 10/309..
وفي رواية عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أكثروا ذكر هاذم اللذات، فما ذكره عبد قط وهو في ضيق إلا وسعه، ولا ذكره في سعة إلا ضيقه عليه»21(21) صحیح ابن حبان 7/260 والبيهقي في الشعب 7/ 354. وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن. ۔
الحديث العاشر
عن عبد الله بن مسعود عمر رضي الله عنه قال: «دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد نام على رمال حصیر وقد أثر في جنيه، فقلنا: يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاء، تجعله بينك وبين الحصير يقيك منه؟ فقال: ما لي وللدنيا، ما أنا والدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها»22(22) الترمذي (2604)، ابن ماجة (9109)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5669)..
ويعلق الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى على هذا الحديث فيقول:
(فتأمل حسن هذا المثالي ومطابقته للواقع سواء؛ فإنها في خضرتها کشجرة، وفي سرعة انقضائها وقبضها شيئا فشيئا كالظل، والعبد مسافر إلى ربه، والمسافر إذا رأى شجرة في يوم صائف لا يحسن به أن يبني تحتها دارا ولا يتخذها قرارا، بل يستظل بها بقدر الحاجة، ومتی زاد على ذلك انقطع عن الرفاق)23(23) عدة الصابرین ص197-196 تحقيق: زكريا علي يوسف..
الحديث الحادي عشر
عن المستورد بن شداد رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه هذه» وأشار يحیی بالسبابة «في اليم، فلينظر بم يرجع»24(24) رواه مسلم (2858)..
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى عند هذا الحديث:
(وهذا أيضا من أحسن الأمثال؛ فإن الدنيا منقطعة فانية، ولو كانت مدتها أكثر مما هي والآخرة أبدية لا انقطاع لها، ولا نسبة للمحصور إلى غير المحصور، بل لو فرض أن السماوات والأرض مملوءتان خردلا، وبعد كل ألف سنة طائر بنقل خردلة لفني الخردل والآخرة لا تفنى، فنسبة الدنيا إلى الآخرة في التمثيل كنسبة خردلة واحدة إلى ذلك الخردل)25(25) عدةة الصابرین، ص۱۹۷..
الحديث الثاني عشر
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا، وقنعه الله بها آتاه»26(26) رواه مسلم (1054) ..
الحديث الثالث عشر
عن الضحاك بن مزاحم عن الأسود قال عبد الله: لو أن أهل العلم صانوا علمهم ووضعوه عند أهله، لسادوا به أهل زمانهم، ولكنهم بذلوه لأهل الدنياء لينالوا به من دنياهم، فهانوا على أهلها ، سمعت
نبیکم صلى الله عليه وسلم يقول: «من جعل الهموم هما واحدا كفاه الله هم آخرته، ومن تشعبت به الهموم وأحوال الدنيا، لم يبال الله في أي أوديتها وقع»27(27) مصنف ابن أبي شيبة (35454)..
الحديث الرابع عشر
عن کعب بن مالك الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه»28(28) الترمذي (2376)، مسند احمد (15784). والمعنى أن الحرص على المال والشرف أكثر إفسادا للدين من إفساد الذئبين الجائعين للغنم.
الحديث الخامس عشر
عن کعب بن عیاض رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي في المال»29(29) الترمذي (2336) وقال حسن صحيح..
الحديث السادس عشر
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، وتعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع»30(30) البخاري (۲۸۸۷)۔.
الهوامش
(1) البخاري (6438) ط. طوق النجاة، مسلم (1048)۔
(2) البخاري (6439).
(3) كشف الشكل من حیث الصحیحین 1/355.
(4) شرح ابن بطال على تصحيح البخاري 10/160.
(5) البخاري (6427)، مسلم (1052).
(6) عدة الصابرين ص366- 368ت: سلیم الهلالي.
(7) مسلم (2958).
(8) مسلم (2959).
(9) حاشية السندي على الشمائی 6/238.
(10) البخاري (4015)، ومسلم (2961) .
(11) فتح الباري 11 /245.
(12) البخاري (6443)، مسلم (94).
(13) مسند أحمد (9526).
(14) فتح الباري 11/266.
(15) البخاري (6514) ومسلم (2960).
(16) الترمذي (8472) وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة 2/ 670.
(17) تحفة الأحوذي 7/ 139، 140.
(18) صحيح البخاري (6416).
(19) شرح ابن بطال لصحيح البخاري 10/ 149 .
(20) الطبراني في الأوسط 6/56 (5780 ) وقال الهيثمي: إسناده حسن 10/309.
(21) صحیح ابن حبان 7/260 والبيهقي في الشعب 7/ 354. وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن.
(22) الترمذي (2604)، ابن ماجة (9109)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5669).
(23) عدة الصابرین ص197-196 تحقيق: زكريا علي يوسف.
(24) رواه مسلم (2858).
(25) عدة الصابرین، ص197.
(26) رواه مسلم (1054) .
(27) مصنف ابن أبي شيبة (35454).
(28) الترمذي (2376)، مسند احمد (15784).
(29) الترمذي (2336) وقال حسن صحيح.
(30) البخاري (۲۸۸۷)۔
اقرأ أيضا
أمثلة نبوية للتعريف بحقيقة الدنيا وفنائها
سورة التكاثر وما ورد في معناها من آيات