ليس كل من عارض الاستبداد يكون مأمونا أو محل ثقة؛ فكثير من معارضي الاستبداد يطلبون شهرة، ولبعضهم مشاريع خطرة؛ إن لم يكن بالقوة الغاشمة فبالتدسس الفكري.
الخبر
جاء على موقع (CNN بالعربية) تحت عنوان (مفكر مصري يثير ضجة بـ”إساءة للخلفاء الراشدين”)
“أثار، منكر السنة النبوية، المفصول من جامعة الأزهر، أحمد صبحي منصور، وتصريحاته التي أدلى بها بموضوع الخلفاء الراشدين، جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، دفع بالقناة للاعتذار وإعلانها سحب الحلقة.
“منصور” قال في مقابلته التي بثها التلفزيون العربي: “السياسة ما دخلت في شيء إلا أفسدته، يعني شوف خلي بالك، الجماعة الي هم مردوا على النفاق، ربنا قال ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾ دول الي هم تولوا الخلافة..”
وأضاف أن هؤلاء ـ الخلفاء الراشدين ـ جواسيس أرسلتهم قريش وتولو بعد رسول الله، واستغلوا الإسلام وحاربوا به الأمم الأخرى”.
ونشر التلفزيون العربي بيانا في أعقاب الحلقة قال فيه: “نبهنا بعض المشاهدين مشكورا إلى جملة وردت في كلام أحد ضيوف برنامج عصير الكتب يسيء فيها إلى الخلفاء الراشدين.. ومن نافل القول أن هذا الكلام لا يمثل خط العربي، بل نرفضه فالتلفزيون يعتز بحضارته وهويته، وقد حذفت الحلقة مع اعتذار إدارة القناة عن عدم تنبيه المحرر إلى هذه الجملة قبل بثها”. (1موقع ( CNN بالعربية) بتاريخ 16/6/2019، على الرابط:
“مفكر مصري يثير ضجة بـ”إساءة للخلفاء الراشدين”.. القناة تعتذر.. ونجل القرضاوي يهاجم عزمي بشارة“)
التعليق
إجراءات تافهة
هذا ما قامت به القناة فقط، بكل برود أعصاب وأريحية، وكأن الأمر بسيط وكأن شيئا لم يقع، وسيستمر المحرر “بلال فضل” ـ عدو الله ورسوله والذي ينتهج في حواراته واختيار محاوريه نهج التعدي على أحكام الله وتحريفها وتوسيع المجال للإلحاد من داخل الإسلام ـ سيستمر في تقديم حلقات أخرى ليلدغ الإسلام وأهله لدغات جديدة، بإشراف “عزمي بشارة” وأمثاله.
فتن في زمن التيه
في حالة التيه التي يعيش فيها الكثير، ومع تلاطم أمواج الفتن في أيامنا هذه بالأمة؛ إذ بها تقع تحت طائلة أكثر من مصدر للفتنة.
فـ “الاستبداد” فتنة، و”الغلو” المنتسب للإسلام فتنة أخرى، وفي مقابل الاستبداد يبرز من يعلنون حُداءا خاصا بالأمة؛ فيرطنون برفض الاستبداد فيظن بهم البسطاء خيرا؛ لكنهم لا يملكون مشروعا متوافقا مع هوية الأمة ودينها؛ بل يمتلكون مشاريع أكثر انسلاخا من الإسلام وأشد عداوة له وأشرس رفضا له.
وهذا يناسب الغرب الخبيث؛ إذ إنه يجعل الاستبداد ـ خاصة الجمهوري العسكري ـ البديل المفضل؛ لكن لأنه ممكن السقوط في أي لحظة تحت طرقات استبداده وتجاوزاته، وقد ترفضه الجموع رفضا لا يصلُح أن يكمل مهما تجمل، وبالتالي تسقط المصالح التي يرعاها للعدو الغربي.
وبالتالي لا يترك الغرب إمكانية السقوط التي تعني بديلا واحدا هو الإسلام وإرادة الأمة؛ ولهذا يجعل بديلا يمثل الفهم الغربي بهدوء وتسلل، وبخطاب يبدو وكأنه “ثقافي” “ومتحضر” ..! بينما هو أشد فتنة وجاهلية.
ثمة وجهان يجعلهما العدو خيارين له:
- وجه الاستبداد بغشمه، ويخدّم عليه مجموعات وقطعان الفنانين والصحفيين والجنود.
- ووجه الإقناع والثقافة الليبرالية العلمانية بأوجهٍ شتى.
وفي هذا الإطار يأتي ما يقوم به “تليفزيون العربي” وخطه، والممول من “قطر” ـ والذي يشرف عليه “عزمي بشارة” ـ فهو يستضيف معارضين للاستبداد، وقد بدا للمسلمين أنهم غير مستقيمين وأنهم غير بعيدين عن المستبدين، وملاحظة هذا لا يتطلب جهدا، بل فقط يتطلب عدم الانخداع بالشعارات.
ومن خلف هذا يقبع أمثال “عزمي بشارة” القابع في “قطر”. ولهذا الأمر خطورة ودلالة؛ فهذا الشخص يمثل “مدرسة” قومية وعلمانية في “قطر”، وله تأثيره البادي الملامح على سياساتهم وتوجهاتهم.
تحذيرات ومحاور
وعلى هذا نرغب في التحذير القاطع والحاسم على عدة محاور:
1) نحذّر من الأقليات من غير المسلمين؛ فانتماؤهم عليه ملاحظات ومراجعات، ويجب الحذر الدائم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً﴾ (آل عمران: 117). ومن أغفل كلام ربه فلا يلومن إلا نفسه.
2) يسعى بعض الأفراد الانتهازيين ـ وما أكثرهم ـ في غيبة الأمة وتغييب خيارها وقادتها الربانيين؛ يسعون الى اقتناص “الشهرة” و”ذيوع الصيت” وغيرها من المآرب الساقطة؛ ليكونوا في محل التأثير والتوجيه، وهو في الحقيقة تأثير وتوجيه للخبل والاضطراب.
وهم لا يستقرون على أمر مشرّف، فقد يدعمون ثورات الشعوب وانتفاضتها ثم يعادون الأوضاع الناتجة عنها لو جاءت بالمسلمين. ولهؤلاء الأفراد سوابق تعرفها الأمة ويحفظها أبناؤها وقد تكشّف هؤلاء الأفراد الانتهازيون عبر المحطات المختلفة التي مرّت بها الأمة وشعوبها كما هو الحال في مصر، ولُدغ منهم من لم يعط لكلام ربه الحجم اللائق به، وخُدع بأماني السياسة المنفلتة من عقال التوجيه الرباني.
فاضطرابهم وتقلباتهم علامة، وثمة علامة أكثر وضوحا، وهو موقفهم من دين الله وثوابته وتاريخ الأمة ورموزها الأخيار، وخلفائها الراشدين والسماح بسبّهم ووصمهم بالنفاق وتوعدهم بالعذاب ومعاداة حركة الفتوح الإسلامية.
3) وأما الدول فلا بد من الحذر الشديد؛ إذ لم تخرج دولة فضلا عن “دويلة” عن الخط الغربي المسمى بـ “الخط الدولي” ولم تخرج إحداها عن قوانين الغرب المسيطر المسماة بـ “الشرعية الدولية”.
كما لم تستقر أحد هذه الدول ـ كدولة ـ إلا من خلال ولائها للكافرين وفتح بلادها قواعد لقواتهم، وهي تتفاخر على جاراتها من الدول أيضا المنتسبة للإسلام بأن سيدها الغربي أكثر رضا عنها من تلك. في مشهد بائس وقذر كتنافس النساء على قلب رجل..!!
اتساع النظر لعدم الانخداع
ومن هنا فإذا استمع الناس الى إعلام به “بعض الحقائق” كالجزيرة؛ فلا ينسى أن الجزيرة أيضا هي من يَدخل عبر “الكيان الصهيوني إسرائيل” الى أهلنا وبلادنا في فلسطين، وهي من يُطل المتحدث باسم جيش مجرمي الصهاينة عبر شاشاتها، هو ومحللوه ومسؤولوه، الى بيوتنا؛ ليكون التطبيع النفسي وقبول الاستماع منهم واستماع آرائهم في “الإرهاب” الإسلامي الذي يمثل جهاد ومقاومة الأمة في فلسطين لاحتلال الكافر الصهيوني. وكأن للصهاينة وجهة نظر يمكن أن تُعتبر أو يُستمع اليها.
وإن ساندت بعض حركات الجهاد والمقاومة في فلسطين؛ فهي التي تستضيف القواعد الأمريكية والفرنسية في أرضها، وهي التي تستضيف أكبر مخازن للأسلحة التابعة للأمريكيين خارج أمريكا، وتعتمد أمريكا عليها في حراكها العسكري من المغرب العربي الإسلامي حتى الصين. وفي حروب الكيان الصهيوني على غزة يكون مدده بالذخائر من هذه القواعد، بينما تنقل قناة “الجزيرة” أخبار القتلى وتبكي عليهم في الوقت عينه..!
وإن دعمت قطر ثورات الشعوب فـ “الجزيرة الانجليزية” كانت تروج لحقوق المثليين قريبا، وتراجعت عن تقارير تشكك في الرواية الصهيونية للهولوكست. ولم تكتف بحذف التقرير كما فعل “تليفزيون العربي” بل فصلت الصحفيين الذين قاما بالتحقيق الصحفي.
وإن ساندت قطر والجزيرة بعض فصائل التيار الإسلامي؛ فلها علاقاتها وتحالفاتها المخوفة مع “إيران” وهي مروجة للسيطرة الشيعية على العراق والتي تسمي شيعة العراق وحشدهم بأنهم “الجيش العراقي”.. وهكذا.
خلاصة
إننا نطلق هذه الصرخة لئلا نستسلم للسذاجة ولا ننخدع بمن يساند الأمة في “بعض” قضايا أو في “بعض” المراحل فلا أحد الآن يلتزم خطا عقديا وشرعيا وشعبيا صحيحا يمكن مساندته بإطلاق.
فإن قبِلنا من أحد دورا فبحذر، ولا يعمينا هذا عن رؤية خطه ومعرفة منهجه والحذر الشديد؛ إذ يعلم العدو أن الأمة تحت هذا القهر تبحث عن صوت قريب منها، والخشية أن يكون “توفير” هذا الصوت بإشرافه أيضا وتحت تحكّمه وإدارته.
غابت القيادات الحقيقية للأمة فكانت حالة السيولة هذه، والتي نرجو للأمة الخلاص منها، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
……………………………………..
هوامش:
- موقع (CNN بالعربية) بتاريخ 16/6/2019، على الرابط:
“مفكر مصري يثير ضجة بـ”إساءة للخلفاء الراشدين”.. القناة تعتذر.. ونجل القرضاوي يهاجم عزمي بشارة“