إذا وجدنا حاكما قد أبطل شعيرة من شعائر الإسلام كشعيرة عيد الأضحى ثم وجدنا من ملتزمي طاعته من يبرر له فلا بد أن نتذكر أن إبطاله الالتزام بالشريعة والتزامه بغيرها (اللادينية) لا تظهر أمامه مفاسد الكلام والأهواء فإن كل كفر وانحراف في الدنيا هو جزء من اللادينية.
ما لكم كيف تحكمون؟!
حتى لا ننخدع بأبواق الباطل ينبغي التمييز بين درجات المخالفة فمحاربة الشريعة أعظم بكثير من تعطيل شعيرة الأضحية ولكن العلماء التابعون يتظاهرون بالإنكار على الملك في هذا الموطن ولا ينبسون ببنت شفة في موطن محاربة الشريعة لذلك لما والى ملوكهم الكفار الحربيين ونشروا الفساد والانحلال في الرعية صار المدافعون عنهم يقولون إن أعمالهم مجرد معاص وليست كفرا ولا بدعا.
جريمة تبديل الشريعة لا يعدلها أي مخالفة
وعليه أقول وبالله تعالى أتأيد:
لأن يعيش العبد بين الخمارات ومواخير الإباحية وهو في كل ذلك غير متلبس بشرك أهون من أن يكون صاحب عمامة ولحية كثيفة أو خفيفة يبرر للأنظمة العلمانية ويتأول للملوك المجرمين ويقر لهم بمقام لم يحققوا شروط استحقاقه بل حققوا نقيض مقاصد الشرع في السياسة والحكم من كل وجه.
سأنقل هنا كلام الشافعي الذي يبين فيه أن المعاصي أهون من البدع والأهواء ثم نعلق بما يسمح به المقام. وبالله تعالى نتأيد:
قال الشافعي: (لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك خير له من أن يلقاه بشيء من الأهواء. ولأن يبتلى المرء بما نهى الله عنه ما خلا الشرك بالله خير له من أن يبتليه بالكلام). الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع)1(1) السيوطي. ص83..
أولا: البدع المقصودة هنا هي البدع الغليظة وليست البدع العملية فليست الفواحش أهون من الذكر الجماعي. فهذا لا يقوله من علم الأحكام والمقاصد ومراتب الأعمال. فمن لقي الله بكل الفواحش ما خلا الشرك لا يكون أهون ممن ابتدع في الأذكار. وإنما هو أهون من أصحاب البدع الغليظة فإن البدعة وإن ذمت بإطلاق وكان وصف الضلالة غير منفك عنها إلا أنها على مراتب منها المكفرة ومنها دون ذلك.
ثانيا: أن المعاصي التي هي دون البدع الغليظة لا يندرج في عمومها الكذب على الله والتشريع من دون الله لأنه أعظم منها وأعم فهو قاعدة كل المخالفات فلا يوجد أفحش من القول على الله بغير علم والتشريع من دونه لذلك لما ذم الشاطبي وغيره البدع عللوا ذلك بعلل من أهمها أن فيها شائبة التشريع.
ثالثا: أن التبرير للأنظمة العلمانية والإقرار بالشرعية لحكامها والتأول لهم وتحريف الدين لأجلهم ليس من باب المعاصي التي يقال: إنها دون البدع في الإضرار بالدين بل تندرج اندراجا أوليا في رأس قائمة القول على الله بغير علم.
رابعا: أن البدع ذمت لأنها من جنس القول على الله بغير علم ومن جنس التشريع من دون الله فمن هذا الوجه كانت أقبح من المعاصي ولذلك قيل: المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها. وقيل: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية. لأن العاصي يعلم أنه عاص فلم يستحل المعصية أما المبتدع فيحسب أنه يحسن صنعا.
خامسا: ذم الشافعي للكلام وسائر الأهواء سببه أنه من جنس التشريع والقبول من غير الله تعالى واتخاذ مصدر يضاهي المصدر الشرعي والاعتياض به عن المصدر الشرعي فإن التزام طاعة الله يكون بتصديق أخباره وقبول أحكامه. وإلغاء هذا الالتزام في جهة تصديق الأخبار والاعتياض عنه بمعقولات أعداء الرسل هو من أصرح صور ترك التزام طاعة الله تعالى في باب تصديق الأخبار والاعتياض عن ذلك بالتلقي من مصدر آخر كمعقولات المشائين أرسطو وغيره.
فكأن من اعتاض عن المنقولات بالمعقولات يقول للشارع: نحن نؤمن بك ولكن لا نأخذ عنك ولا نؤمن بأعدائك ولكن نأخذ عنهم. فالمعقولات حاكمة على المنقولات لذلك قالوا العقل حاكم والشرع شاهد. لذلك يتأولون المنقولات فهي عندهم متشابهات لكي لا تتعارض مع المعقولات التي هي عندهم محكمات فهم يؤسسون العقائد إما من طريق الاعتماد الكلي على العقل. وإما من طريق الاعتماد غير المباشر على العقل وذلك حين يعتمدون النقل على شرط عدم مخالفة العقل.
سادسا: أن الكذب على الله وتحريف دينه لأجل الأنظمة العميلة يجري على نسق الكذب على الله في الاعتقادات. هذا قول على الله في الاعتقادات وذاك قول على الله في السياسات.
لذلك ذكر الله تعالى المحرمات من الأخف إلى الأثقل فقال: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33].
قال ابن القيم: (رتب المحرمات أربع مراتب، وبدأ بأسهلها وهو الفواحش، ثم ثنى بما هو أشد تحريما منه وهو الإثم والظلم، ثم ثلث بما هو أعظم تحريما منهما وهو الشرك به سبحانه، ثم ربع بما هو أشد تحريما من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم، وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه)2(2) إعلام الموقعين 1-31..
فالذين يكذبون على الله بإثبات الشرعية الدينية للملتزمين بطاعة غير الله تعالى هم رأس الدجالين الكذابين القائلين على الله ما لا يعلمون بل القائلين عليه ما يعلمون أنه باطل. ومثلهم من يطوعون الأحكام للحكام ويبررون انحرافاتهم ويتأولون لهم فيما هو صريح مخالفة.
وبناء على ما تقدم نقول: إذا وجدنا حاكما قد أبطل شعيرة من شعائر الإسلام كشعيرة عيد الأضحى ثم وجدنا من ملتزمي طاعته من يبرر له فلا بد أن نتذكر أن إبطاله الالتزام بالشريعة والتزامه بغيرها (اللادينية) لا تظهر أمامه مفاسد الكلام والأهواء فإن كل كفر وانحراف في الدنيا هو جزء من اللادينية. وأن إبطال شعيرة إسلامية كشعيرة الأضحية لا يظهر أمام مخاطر اللادينية.
وقد قيل للاتحادي: (أصحاب وحدة الوجود): أنت نصيري. قال: (نصير جزء مني). فإن الاتحادي والنصيري والدرزي وغيرهم كلهم جزء من اللادينية التي أصلها إقامة الحياة على غير منهج الإسلام ومضاهاة الشرع في التحليل والتحريم.
والله أعلم.
الهوامش
(1) السيوطي. ص83.
(2) إعلام الموقعين 1-31.
المصدر
صفحة الدكتور سليم سرار على منصة ميتا.
اقرأ أيضا
دور أهل السنة في فضح العلمانية