إن تخلي الأنظمة التي تحكم شعوبا إسلامية عن واجب الدفاع عن المسلمين المستضعفين في غزة والضفة، ووقوفها موقف المظاهر للكيان الصيهيوني بخذلانهم وترك واجب النصرة لهم وقطع الإمداد والإسناد والتموين وسائر الدعم اللوجيستي عنهم، هذا وغيره، ينقل مسؤولية حماية البيضة والذب عن الحوزة ودفع صيال الصهاينة إلى الشعوب الإسلامية ممثلة في أهل النجدة والحمية والإقدام..

بعض المسائل الفقهية فيما يتعلق بنصرة المسلمين في فلسطين

هذه أحكام بعض المسائل الفقهية1(*) لم يكن منهجي فيها منهج التخير بمحض الهوى ولكن اعتمادا على أصول منهج الترجيح وقد راعيت فيها مستوى المتابعين فلم أدخلهم في نفق الخلافات والمقارنات بل اكتفيت بإيراد الحكم الصحيح بعبارة سهلة وأسلوب ميسر وجعلتها في مسائل مرقمة تسهيلا للرجوع إليها. أقدمها للمتابعين الكرام الذين يهمهم ما يتعرض له أهلنا في فلسطين لا سيما من ألحوا في السؤال عما يتعرض له أهل غزة فكانت الأجوبة بمثابة الإعانة للمقاومة السنية ولا نملك إلا حث الناس على نصرتهم والاجتهاد لهم في الدعاء.

المسألة الأولى

من كان عنده مال مستفاد فإنه يزكيه في الحال فإن الصحيح أن المال المستفاد لا يعتبر له الحول وهو قول جماعة من الصحابة وقول عمر بن عبد العزيز واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الذي ينفع أهل غزة لأن نصرتهم واجبة على الفور لا على التراخي.

والمال المستفاد ليس من ربح التجارة بل هو ما يستفيده الناس استقلالا كالأجور على الأعمال وكراء الدور والمحلات أو ما استفادوه من الإرث والهدية والهبة والمهر ونحو ذلك.

فإن كان بالغا النصاب وجبت زكاته حالا.

ولتخرج حالا ولتصرف لأهل غزة فإن نقل الزكاة إلى غير بلد المزكي مشروع للمصلحة الراجحة وهو في أهل غزة مشروع للضرورة.

المسألة الثانية

نصرة أهل غزة بالصدقة المتعينة أفضل من الحج.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (والحج على الوجه المشروع أفضل من الصدقة التي ليست بواجبة.

وأما إن كان له أقارب محاويج، أو هناك فقراء تضطرهم الحاجة إلى نفقة: فالصدقة عليهم أفضل. أما إذا كان كلاهما تطوعا فالحج أفضل، لأنه عبادة بدنية ومالية)2(1)  “الفتاوى الكبرى” (5/ 382)..

قال الحطاب: (أما في سنة المجاعة فتقدم الصدقة على حج التطوع ويفهم منه أنها لا تقدم على الحج الفرض وهو كذلك على القول بالفور وعلى القول بالتراخي فتقدم عليه وهذا ما لم تتعين المواساة بأن يجد محتاجا يجب عليه مواساته بالقدر الذي يصرفه في حجه فيقدم ذلك على الحج لوجوبه فورا من غير خلاف والحج مختلف فيه)3(2) مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (2/ 537)..

ولا يشك عاقل أن حال أهل غزة في الضرورة تفوق الوصف وتعجز العبارة عن تصويرها وما لحق بهم من الضرر هو ضرر عام وهم درع الأمة الحصينة فسقوط غزة له آثار عظيمة ومفاسد جسيمة فإمدادهم بمال الصدقات أولى من الحج.

المسألة الثالثة

يجوز إخراج القيمة في الزكاة بدلا عن العين للضرورة والمصلحة الراجحة.

أهل غزة أحوج إلى المال وعليه فإنه يشرع إخراج القيمة بدلا عن الأعيان التي نص عليها الشارع للمصلحة الراجحة بل للضرورة الملحة وهو الذي كنا نكرره كل عام في زكاة الفطر أي أن الأصل أن تخرج الأعيان التي نص عليها ولكن يجوز إخراج القيمة للمصلحة الراجحة. وهذا يسري أيضا على زكاة عروض التجارة فالصحيح أن العبد مخير بين إخراج الزكاة من عين العروض أو من قيمتها ولكن بسبب ما نزل بأهل فلسطين فإن الأليق هو إخراج القيمة فإن هذا أنفع لهم.

المسألة الرابعة

يجوز صرف كل الزكاة لأهل غزة وللمقاومة السنية فيها ولا يجب استيعاب الأصناف المذكورة في الآية إذ لا دليل على وجوب ذلك ولا على استحبابه.

المسألة الخامسة

إذا سقط وجوب الجهاد بالنفس فإنه يتعين وجوب الجهاد بالمال والحجة واللسان.

إن المسلمين عاجزون عن الجهاد مع أهل غزة بسبب وقوف الأنظمة العميلة مع إسرائيل، فهي لها بمنزلة الردء للمباشر، لذلك يتعين على العاجزين عن جهاد الصهاينة المعتدين بأنفسهم أن يجاهدوهم بأموالهم. فإن إعانة أهل غزة ونصرتهم بكل ما تتحقق معه العدة المأمور بها شرعا هو من أعظم واجبات الديانة. فجهاد الدفع بالمال مقدم على الوفاء بالديون ولو لم يأذن الدائنون بذلك.

المسألة السادسة

لا يجوز الفرار من العدو في جهاد الدفع ولو زاد العدو على ضعفي عدد المسلمين. بل في جهاد الطلب يكون الصبر أولى من الفرار على شرط تحقيق النكاية فيهم.

قال شيخ الإسلام: (قتال الدفع مثل أن يكون العدو كثيرا لا طاقة للمسلمين به لكن يخاف إن انصرفوا عن عدوهم عطف العدو على من يخلفون من المسلمين فهنا يجب أن يبذلوا مهجهم ومهج من يخاف عليهم في الدفع حتى يسلموا.

ونظيرها أن يهجم العدو على بلاد المسلمين وتكون المقاتلة أقل من النصف فإن انصرفوا استولوا على الحريم فهذا وأمثاله قتال دفع لا قتال طلب لا يجوز الانصراف فيه بحال ووقعة أحد من هذا الباب)4(3) الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/ 539)..

المسألة السابعة

يجوز تغيير شرط الواقف إلى ما هو أصلح منه فلو وقف على طلبة العلم والفقهاء وقد صال الكفار على المسلمين فإنه يشرع صرف الوقف على المجاهدين.

ومن منع من ذلك مستدلا بقاعدة: (نص الواقف كنص الشارع) فما فهم المراد منها فإن المقصود أنها كنصوص الشارع في الدلالة على مراد الواقف لا أنها كنصوصه في وجوب العمل بها.

قال شيخ الإسلام: (أما أن تجعل نصوص الواقف أو نصوص غيره من العاقدين كنصوص الشارع في وجوب العمل بها فهذا كفر باتفاق المسلمين إذ لا أحد يطاع في كل ما يأمر به من البشر بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم)5(4) الفتاوى 31/98..

فلو وقف على تزويج الشباب أو على الحج أو الدعوة والتعليم وسائر الأعمال الخيرية ثم هجم العدو على المسلمين ففي هذه الحالة يجوز تغيير شرط الواقف الى مصلحة الجهاد لأنها أنفع.

المسألة الثامنة

لا يبعد القول بجواز بيع الوقف واستبداله – والله أعلم  – إذا كان في ذلك مصلحة ضرورية من تقوية جند الإسلام على دفع صيال المعتدين ودفع خطر الإبادة عنهم، لأن الصحيح أنه يجوز بيعه واستبداله بجنسه للمصلحة كما في حالة نقل المسجد من موضعه الى موضع أكثر نفعا ومصلحة. فكما يجوز هذا للحاجة يجوز للمصلحة الراجحة.

قال شيخ الإسلام: (ومع الحاجة يجب إبدال الوقف بمثله، وبلا حاجة يجوز بخير منه لظهور المصلحة)6(5) الفتاوى  (5/433)..

المسألة التاسعة

لا يبعد القول بجواز الإذن للوصي في صرف الوصية فيما هو أصلح من الجهة التي عينها الموصي. فلو أوصى بالصرف على كتب العلم ثم صال العدو على المسلمين وليس عندهم ما يشترون به السلاح وحاجتهم في ذلك الموطن للسلاح أعظم منها لكتب العلم فإن صرفه في السلاح أصلح وأنفع. أو أوصى للفقراء ثم صال العدو على بلاد الإسلام وسبى الحرائر فإن صرفه في فكهن من السبي أصلح وأنفع.

وهذا كما ترى يجري في الضرورة والمصلحة المشهود لها بالاعتبار.

المسألة العاشرة

تَفَرُّجُ الأمة على أهل غزة وهم يبادون هو من جنس التولي يوم الزحف واستحلاله كفر فمن استطاع منهم تجاوز حواجز الأنظمة العميلة والالتحاق بأهل غزة ونصرتهم وجب ذلك في حقه إذا كانوا محتاجين إلى المدد من المقاتلين فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب فإن تلك الأنظمة العميلة بمنزلة السد المانع من الجهاد فلا يتحقق إلا بتجاوزها فإن بلاد الإسلام بمنزلة البلد الواحد وحيث احتل بلد وجب دفعه على الأقرب فالأقرب.

المسألة الحادية عشر

كل من حرض الصهاينة على قتال المقاومة السنية أو أعانهم على ذلك أو خذل عنها بالدعاية الكاذبة والتحذير وزرع الأراجيف وإلقاء الشبهات فهو حربي كسائر الحربيين.

وليحذر المسلم أن يغتر بأراجيف الطابور الخامس المنتسب إلى دعوة السلف كذبا وزورا فإنهم جنود إبليس حقا وفتنتهم قريبة من فتنة الدجال لأنهم يخدرون الأمة بالانتساب الى السنة والسلف. فهم أعظم ضررا من العلمانيين وأصحاب الدنيا الفاجرة وسائر أصحاب الدين الفاسد.

فلا يؤخذ عنهم ولا يلتفت إليهم ولا يغتر بمظاهرهم فإن لباسهم وإن كان لباس الأنبياء فإن مواقفهم مواقف الأعداء المحادين لله ورسوله صلى الله عليه وسلم. فقد بلغوا من الخيانة والنذالة كل مبلغ.

قال شيخ الإسلام: (الواجب أن يعتبر في أمور الجهاد برأي أهل الدين الصحيح الذين لهم خبرة بما عليه أهل الدنيا، دون أهل الدنيا الذين يغلب عليهم النظر في ظاهر الدين فلا يؤخذ برأيهم، ولا برأي أهل الدين الذين لا خبرة لهم في الدنيا)7(6) المستدرك على مجموع الفتاوى (3/ 220)..

فهم على دين فاسد بلا خبرة بفقه الواقع مضافا إلى ذلك ضلوعهم في العمالة وتعبدهم بالخيانة، وما يوم حليمة بسر.

المسألة الثانية عشر

تعجيل الزكاة قبل وجوبها أي قبل تمام الحول جائز للمصلحة الراجحة بله الضرورة فإن أهل غزة في ضرورة تفوق الحاجة.

وهو مذهب الجمهور ودلائل هذا القول ظاهرة وقد صح بالشواهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض من العباس زكاة حولين. وتعجيلها هو في المعنى كتعجيل كفارة اليمين قبل انعقاد سببها أي قبل الحنث.

فإذا كان بالمستحق مصلحة أو ضرورة جاز دفعها له قبل تمام الحول وبذلك يتحقق مقصود الشارع من إسعاف المستحقين بمطلوبهم في حالة المصلحة والحاجة والضرورة.

ثم اختلفوا في مدة التعجيل فذهب بعضهم إلى تحديده بسنتين اتباعا لرخصة النبي صلى الله عليه وسلم للعباس ولكن نوازل الضرورات العامة ترجح مذهب من سوغ التعجيل لأكثر من عامين. وهو الذي حكاه ابن قدامة في المغني عن الحسن.

وقال السرخسي: ( تعجيل الزكاة عن المال الكامل الموجود في ملكه من سائمة أو غيرها جائز عن سنة أو سنتين أو أكثر)8(7) المبسوط (2/176)..

فينبغي للموسرين مراعاة هذا الحكم وتعجيل زكاة أموالهم لأكثر من سنتين والتعجيل بدفعها لأهل غزة فإنهم في حالة ضرورة قصوى وهم معرضون للتجويع والإبادة الجماعية. ففي الصحيحين: (إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا. وشبك بين أصابعه)9(8) أخرجه البخاري (6026)، ومسلم  (2585).. وعند مسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)10(9) أخرجه مسلم  (2586) ..

والله أعلم.

الهوامش

(*) لم يكن منهجي فيها منهج التخير بمحض الهوى ولكن اعتمادا على أصول منهج الترجيح وقد راعيت فيها مستوى المتابعين فلم أدخلهم في نفق الخلافات والمقارنات بل اكتفيت بإيراد الحكم الصحيح بعبارة سهلة وأسلوب ميسر وجعلتها في مسائل مرقمة تسهيلا للرجوع إليها.

فإن أصبت فمن الله تعالى ولي النعم كلها وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه.

(1)  “الفتاوى الكبرى” (5/ 382).

(2) مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (2/ 537).

(3) الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/ 539).

(4) الفتاوى 31/98.

(5) الفتاوى  (5/433).

(6) المستدرك على مجموع الفتاوى (3/ 220).

(7) المبسوط (2/176).

(8) أخرجه البخاري (6026)، ومسلم  (2585).

(9) أخرجه مسلم  (2586) .

المصدر

صفحة الدكتور سليم سرار.

اقرأ أيضا

أين الطريق إلى نصرة غزة ؟

حتى نستحق النصر

الولاء والبراء بين النظرية والتطبيق في نازلة غزة المرابطة

طوفان الواجبات.. وواجبات الطوفان

التعليقات غير متاحة