بلاء عم أقطار المسلمين؛ يحتفلون بأعياد النصارى وتتسرب اليهم عقائدهم ويعظمون ما لا يعظمه الإسلام؛ حتى صاروا صورة ممسوخة..! فلله المشكتى.
مقدمة
ثمة مسخ وتشويه جارٍ في الأمة يحتفلون بأعياد النصارى كما يقلدونهم في مظاهرهم وملابسهم وأخلاقهم، كما يقلدونهم في نظمهم وقوانينهم.. حتى أصبحت الصورة مشوهة؛ بل تندر بعض النصارى معلقا على صورة فيها احتفال بأعياد الميلاد في “بيت لحم” بفلسطين المحتلة وغالب من فيها نساء يرتدين حجابا إسلاميا؛ فكتب تحتها متهكما ومتندرا “ينقصنا في هذا العيد حضور إخوتنا المسيحيين”..!
إن الصراع بين الحق والباطل دائم ما دامت الدنيا، واتباع فئام من الأمة المحمدية أهلَ الباطل في باطلهم من يهود ونصارى ومجوس وعباد أوثان وغيرهم، وبقاء طائفة على الحق رغم الضغوط والمضايقات، كل ذلك سنن كونية مقدرة مكتوبة.
ولا يعني ذلك الاستسلام وسلوك سبيل الضالين؛ لأن الذي أخبرنا بوقوع ذلك لا محالة حذَّرنا من هذا السبيل، وأمرَنا بالثبات على الدين مهما كثر الزائغون، وقوي المنحرفون. وأخبرنا أن السعيد من ثبت على الحق مهما كانت الصوارف عنه، في زمن للعامل فيه مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمل الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كما ثبت ذلك في حديث أبي ثعلبة الخشني، رضي الله عنه. (1أخرجه أبو داود (4341) ، والترمذي (3060) وابن ماجه (4014))
ولسوف يكون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أقوام ينحرفون عن الحق صوب الباطل يغيّرون ويبدّلون، وعقوبتهم أنهم سيُحجزون عن الحوض حينما يَرِده الذين استقاموا ويشربون منه كما قال، عليه الصلاة والسلام: «أنا فرَطُكم على الحوض؛ وليُرفعَن إليَّ رجال منكم؛ حتى إذا أهويت إليهم لأناولهم اختلجوا دوني فأقول: أي رب..! أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك». وفي رواية: «فأقول: سحقاً لمن بدَّل بعدي». (2أخرجه البخاري (6576) ومسلم (2297))
من مظاهر التبديل
ومن أعظم مظاهر التغيير والتبديل، والتنكر لدين محمد صلى الله عليه وسلم اتِّباع أعداء الله تعالى في كل كبيرة وصغيرة، باسم الرقيّ والتقدم، والحضارة والتطور، وتحت شعارات التعايش السلمي والأخوة الإنسانية، والنظام العالمي الجديد والعولمة والكونية، وغيرها من الشعارات البراقة الخادعة.
وإن المسلم الغيور ليلحظ هذا الداء الوبيل في جماهير الأمة إلا من رحم الله تعالى حتى تبِعوهم وقلّدوهم في شعائر دينهم وأخص عاداتهم وتقاليدهم؛ كالأعياد التي هي من جملة الشرائع والمناهج. والله تعالى يقول: ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: 48]، ويقول تعالى: ﴿لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ﴾ [الحج: 67] أي: عيداً يختصون به.
وكثير من المسلمين قد اغتروا ببهرج أعداء الله تعالى؛ خاصة النصارى في أعيادهم كعيد ميلاد المسيح ـ عليه الصلاة والسلام ـ (الكريسمس) وعيد رأس السنة الميلادية، ويحضُرون احتفالات النصارى بها في بلادهم؛ بل نقلَها بعضهم إلى بلاد المسلمين، والعياذ بالله.
الأعياد من شعائر الأديان
والمشاركة فيه مشاركة في شعيرة من شعائر دينهم، والفرح به فرح بشعائر الكفر وظهوره وعلوه، وفي ذلك من الخطر على عقيدة المسلم وإيمانه ما فيه؛ حيث إن «من تشبه بقوم فهو منهم». (3السابق 1/ 476) كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف بمن شاركهم في شعائر دينهم..؟! وذلك يحتم علينا الوقوف على حكم أعياد الكفار، وما يجب على المسلم تجاهها، وكيفية مخالفتهم التي هي أصل من أصول ديننا الحنيف، بَلْهَ التعرف على أنواع أعيادهم وشعائرهم فيها بقصد تجنبها والحذر والتحذير منها.
لماذا علينا أن نعرف أعياد الكفار؟!
من المتفق عليه أن المسلم لا يعنيه التعرف على أحوال الكفار، ولا يهمه معرفة شعائرهم وعاداتهم ـ ما لم يُرِدْ دعوتهم إلى الإسلام ـ إلا إذا كانت شعائرهم تتسرب إلى جهلة المسلمين فيقعون في شيء منها عن قصد أو غير قصد، فحينئذ لا بد من معرفتها لاتقائها، والحذر من الوقوع في شيء منها، وفي العصور المتأخرة يتأكد ذلك للأسباب الآتية:
كثرة الاختلاط بالكفار
سواء بذهاب المسلم إلى بلادهم للدراسة أو السياحة أوالتجارة أو غير ذلك، فيرى أولئك الذاهبون إليهم بعض شعائرهم وقد يُعجبون بها، ومن ثم يتَّبعونهم فيها، لا سيما مع هزيمتهم النفسية، ونظرتهم إلى الكافرين بإعجاب شديد يسلب إرادتهم، ويُفسد قلوبهم ويُضعف الدين فيها. ومن ذلك أن كثيراً من المثقفين المغتربين يصف الكفرة بالرقي والتقدم والحضارة حتى في عاداتهم وأعمالهم المعتادة، أو كان ذلك عن طريق إظهار تلك الأعياد في البلاد الإسلامية من طوائف وأقليات أخرى غير مسلمة فيتأثر بها جهلة المسلمين في تلك البلاد.
خطورة البث الإعلامي
وزاد الأمرَ خطورةً البثُّ الإعلامي الذي به يمكن نقل كل شيء بالصوت والصورة الحية من أقصى الأرض إلى أدناها، وما من شك في أن وسائل إعلام الكفار أقوى وأقدر على نقل شعائرهم إلى المسلمين دون العكس؛ حيث أصبحت كثير من القنوات الفضائية تنقل شعائر أعياد الآخرين خاصة أعياد الأمة النصرانية، واستفحل الخطر أكثر وأكثر حينما تبنت بعض الأنظمة العلمانية في البلاد الإسلامية كثيراً من الاحتفالات بشعائر الكفرة والمبتدعة وأعيادهم، وينقل ذلك عبر الفضائيات العربية إلى العالم؛ فيغتر بذلك بعض المسلمين بسبب صدوره من بلاد إسلامية.
تأثر تاريخي
قد عانى المسلمون على مدى تاريخهم من تأثُّر بعضهم بشعائر غيرهم من جراء الاختلاط بهم مما جعل كثيراً من أئمة الإسلام يحذّرون عوامَّ المسلمين من تقليد غيرهم في أعيادهم وشعائرهم؛ منهم ـ على سبيل المثال ـ شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم، والحافظان: الذهبي، وابن كثير، وهم قد عاشوا عصراً واحداً كثر فيه اختلاط المسلمين بغيرهم خاصة بالنصارى، وتأثر
جهلتهم ببعض شعائر دينهم خاصة أعيادهم، ولهذا أكثر الكلامَ عن ذلك هؤلاء العلماء في تضاعيف مصنفاتهم، وبعضهم أفرد لذلك كتاباً خاصاً، كابن تيمية في كتابه “اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم” أو الذهبي في رسالته “تشبيه الخسيس بأهل الخميس”، وغيرهم.
ولقد أطال ابن تيمية، رحمه الله تعالى، في ذكر أعيادهم وأعمالهم فيها، وبيَّن مدى تأثر جهلة المسلمين بها، ووصَف أعيادهم وأنواعها وما يجري فيها من شعائر وعادات مما يستغني عن معرفته المسلمون، إلا أن الحاجة دعت إلى ذلك بسبب اتباع بعض المسلمين أهلَ الكتاب في تلك الشعائر.
تحول أعيادهم لاجتماع كبير
وذلك أن بعض أعيادهم تحول في العصر الحاضر إلى اجتماع كبير له بعض خصائص عيدهم القديم، ويشارك كثير من المسلمين في ذلك دون علم كما في دورة الألعاب الأولمبية التي أصلها عيد عند اليونان ثم عند الرومان ثم عند النصارى، وكالمهرجانات التي تقام للتسوق أو الثقافة أو غير ذلك مع أن أصل المهرجان عيد من أعياد الفرس، وأكثر من يقيمون تلك الاجتماعات ويسمونها “مهرجانات” يجهلون ذلك.
معرفة الشر سبب لاتقائه واجتنابه
وقد قال حذيفة، رضي الله عنه: «كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافةَ أن يدركني». (4أخرجه البخاري في الفتن (11/ 30) ومسلم في الإمارة 1847)
ومن المعلوم أن الشر العظيم والداء الوبيل أن يقع المسلم في شيء من شعائر الذين كفروا دون علمه أن ذلك من شعائرهم وأخص عاداتهم التي أُمرنا بمجانبتها والحذر منها؛ لأنها رجس وضلال.
كثرة الدعاوي وقوة الأصوات المنافقة
والتي تريد للأمة الخروج عن أصالتها، والقضاء على هويتها، والانصهار في مناهج الكفرة، واتباعهم حذو القذة بالقذة تحت شعارات “الإنسانية” و”العولمة” و”الكونية” و”الانفتاح على الآخر” وتلقِّي ثقافته، مما حتَّم معرفة ما عند هذا الآخر ـ الكافر ـ من ضلال وانحراف لفضحه وبيان عواره وكشف التزوير وتمزيق الأغلفة المزخرفة التي تغلف بها تلك الدعاوى القبيحة ﴿لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ﴾ [الأنفال: 42] ولكي تقوم الحجة على أتباع محمد صلى الله عليه وسلم فلا يغتروا ولا ينخدعوا.
أعياد النصارى
عيد القيامة
ويسمى عيد الفصح، وهو أهم أعياد النصارى السنوية، ويسبقه الصوم الكبير الذي يدوم أربعين يوماً قبل أَحَد الفصح، وهذا العيد يحتفون في ذكراه بعودة المسيح، عليه السلام، أو قيامته بعد صلبه وهو بعد يومين من موته ـ على حد زعمهم ـ وهو خاتمة شرائع وشعائر متنوعة.
عيد ميلاد المسيح
وعند الأوروبيين يسمى “عيد الكريسمس”، وهو يوم (2 ديسمبر) عند عامة النصارى، وعند الأقباط يوافق يوم (29 كيهك) والاحتفال به قديم ومذكور في كتب التاريخ؛ قال المقريزي:
“وأدركنا الميلاد بالقاهرة ومصر وسائر إقليم مصر جليلاً تباع فيه الشموع المزهرة وكانوا يسمونها الفوانيس”. (5الخطط 1/ 495)
وقد تأثر كثير من المسلمين في مختلف البلاد بتلك الشعائر والطقوس؛ حيث تنتشر هدايا “البابا نويل” المعروفة في المتاجر والمحلات التي يملكها في كثير من الأحيان مسلمون، وكم من بيت دخلته تلك الهدايا، وكم من طفل مسلم يعرف “البابا نويل” وهداياه..! فلا حول ولا قوة إلا بالله.
عيد الغطاس
وهو يوم (19 يناير) وعند الأقباط يوم (11 من شهر طوبة) وأصله عندهم أن يحيى بن زكريا ـ عليهما الصلاة والسلام ـ والمعروف عندهم بيوحنا المعمدان عمّد المسيح ابن مريم، عليه الصلاة والسلام، في نهر الأردن، وعندما غسله اتصلت به روح القدس، فصار النصارى لأجل ذلك يغمسون أولادهم في الماء في هذا اليوم وينزلون فيه بأجمعهم. (6مجلة الإسلام عدد 43 ص 24)، وقد ذكر المسعودي أن لهذا العيد ـ في وقته ـ شأناً عظيماً بمصر، يحضره آلاف النصارى والمسلمين، ويغطسون في نهر النيل ويزعمون أنه أمان من المرض ونشرة للدواء. (7مروج الذهب 1/ 357)
عيد رأس السنة الميلادية
وللاحتفال به شأن عظيم في هذه الأزمنة؛ حيث تحتفل به الدول النصرانية وبعض الدول الإسلامية، وتنقل تلك الاحتفالات بالصوت والصورة الحية من شتى بقاع الأرض، وتتصدر احتفالاته الصفحات الأولى من الصحف والمجلات، وتستحوذ على معظم نشرات الأخبار والبرامج التي تبث في الفضائيات.
وصار من الظواهر الملحوظة سفر كثير من المسلمين الذين لا تقام تلك الاحتفالات النصرانية في بلادهم إلى بلاد النصارى لحضورها والاستمتاع بما فيها من شهوات محرمة غافلين عن إثم الارتكاس في شعائر الذين كفروا.
وللنصارى في ليلة رأس السنة (31 ديسمبر) اعتقادات باطلة، وخرافات كسائر أعيادهم المليئة بذلك. وهذه الاعتقادات تصْدُر عن صُنّاع الحضارة الحديثة وممن يوصفون بأنهم متحضرون ممن يريد المنافقون من بني قومنا اتباعهم حذو القذة بالقذة حتى في شعائرهم وخرافاتهم لكي نضمن مواقعنا في مصافِّ أهل التقدم والحضارة، وحتى يرضى عنها أصحاب البشرة البيضاء والعيون الزرقاء!!
ومن اعتقاداتهم تلك أن الذي يحتسي آخر كأس من قنينة الخمر بعد منتصف تلك الليلة سيكون سعيد الحظ، وإذا كان عازباً فسيكون أول من يتزوج من بين رفاقه في تلك السهرة. ومن الشؤم عندهم دخول منزل ما يوم عيد رأس السنة دون أن يحمل المرء هدية، وكنسُ الغبار إلى الخارج يوم رأس السنة يُكنس معه الحظ السعيد، وغسل الثياب والصحون في ذلك اليوم من الشؤم، والحرص على بقاء النار مشتعلة طوال ليلة رأس السنة يحمل الحظ السعيد…. إلخ تلك الخرافات. (8مجلة الاستجابة 4 29)
خاتمة
تلك العقائد المخرفة والاعتقادات المقززة هي الكامنة خلف الاختفالات المبهرجة التي تجذب ضعاف القلوب والعقول من المنتسبين للإسلام؛ ولذا فمن الواجب بيانها للوقوف على حقيقة قبح المعتقدات مع حرمة الأفعال؛ ليعود المسلمون الى دينهم عودا جميلا بإذن ربهم سبحانه.
…………………………….
الهوامش:
- أخرجه أبو داود (4341) ، والترمذي (3060) وابن ماجه (4014).
- أخرجه البخاري (6576) ومسلم (2297).
- السابق 1/ 476.
- أخرجه البخاري في الفتن (11/30) ومسلم في الإمارة 1847.
- الخطط 1/ 495.
- مجلة الإسلام عدد 43 ص 24.
- مروج الذهب 1/ 357.
- مجلة الاستجابة 429.
المصدر:
- إبراهيم بن محمد الحقيل، مجلة البيان العدد: 143.