مفاجأة أمريكا للعالم بالانسحاب من سوريا يستحق التدبر والقراة العقدية والسياسية الملتزمة بقواعد هذا الدين وعبرة الواقع؛ فلا ينخدع بهم المسلم.

وكلاء المجرمين

تفاجأ العالم بقرار الرئيس الأمريكي ـ في الأيام الماضية ـ بسحب قواته من سوريا بدعوى “انتهاء مهمته في حربه لداعش”.

والمعروف أن النظم الاستعمارية الاحتلالية لا تترك أرضا إلا بعد أن تطمئن أن خلْفها وكلاءا ينفذون خططها المحلية والإقليمية، وليس هناك أوْلى من “الروافض” للقيام بهذا الدور؛ فهم على مدار تاريخهم الأسود خنجر مسموم في ظهر الأمة الإسلامية.

قراءة الخبر

ولقراءة خبر انسحاب جند ترامب قراءة صحيحة نرجع قليلا لمثال حيّ تداولته الأخبار قريبا؛ وهو فرض النظام السوري النصيري القمعي ـ ومعه المجموعات الإرهابية الموالية لإيران ـ رفع الأذان على المذهب الشيعي، بمناطق سيطرتها بأرياف “دير الزور” الواقعة غربيّ نهر الفرات إلى جانب مركز المدينة وغيرها. وهي مناطق ذات أغلبية سنية؛ بإضافة عبارتي: “أشهد أن عليا ولي الله”، و “حي على خير العمل”.

كما اعتقلت قوات النظام عشرات الأئمة والمؤذنين الذين رفضوا تنفيذ ذلك، وفي المقابل رفع النظام أجور الأئمة والمؤذنين الذين وافقوا على إقامة الأذان وفق المذهب الشيعي، كما تم منحهم بطاقات أمنية خاصة تسهّل حركتهم وتيّسر أمورهم في مؤسسات النظام.

والأمر لا يقف ـ بالطبع ـ عند حدود تغيير الأذان؛ بل هذا لا بد وأن يكون في إطار خطة متكاملة تستهدف تشييع السكان وخصوصا الأئمة والمؤذنين.

ولكن ثمة أمر يبدو غريبا لأول وهلة؛ وهو ما نشرته شبكة CNN الأمريكية قبل أيام قليلة، وهو عبارة عن مقتطفات من مكالمة هاتفية دارت بين الرئيس الأمريكي “ترامب”، والرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”؛ حيث قال ترامب:

“سوريا كلها لك .. لقد انتهينا”.

وأكد ترامب أن:

القوات الأمريكية سوف تغادر الأراضي السورية، موضحا أن تركيا ستتولى مهمة القضاء على ما تبقى من تنظيم داعش هناك.

وأضاف ترامب أن “أردوغان”

“هو الرجل الذي يستطيع فعل ذلك بالإضافة إلى أن تركيا مجاورة لسوريا” ..

وتابع بالقول:

“إن القوات الأمريكية سوف تعود للوطن”.

وأضاف أنهما:

ناقشا أيضا توسيع التعاون التجاري بين الولايات المتحدة وتركيا بشكل كبير.

وثمة خبر ثالث ـ مثير للاستغراب أيضا ـ يتعلق بالموضوع ذاته؛ وهو إعلان ترامب في تغريدة عبر حسابه على موقع “تويتر”، أنّ السعودية ستتكفّل بالمبلغ المطلوب لإعادة إعمار سورية، بدلاً من الولايات المتحدة، وقال:

“وافقت المملكة العربية السعودية الآن على إنفاق الأموال اللازمة للمساعدة في إعادة إعمار سورية بدلاً من الولايات المتحدة”.

مضيفاً:

“أترون؟ أليس من الجيّد أن تقوم الدول فاحشة الثراء بالمساعدة في إعادة إعمار جيرانها بدلاً من دولة عظمى، التي تبعد 5 آلاف ميل… شكراً للسعودية”.

[للمزيد: الانسحاب من سوريا وأفغانستان .. والانهيار الأمريكي!]

دلالات الخبر

للخبر عدة دلالات يجب قراءتها، وهي على أكثر من محور:

تواجد بطرق مختلفة

أعلن ترامب أن قوات بلاده ستبدأ الانسحاب من الأراضي السورية، ولكنه لم يحدد لذلك جدولا زمنيا مما جعل روسيا تطعن في حقيقة هذا الإعلان، وأنه مجرد مراوغة.

والمراوغة أصل أصيل من منهج الأمريكان ولا شكّ؛ وحتى إن انسحبوا من سوريا فهم حاضرون بعملائهم وبقواعدهم العسكرية القريبة وبالأسطول الخامس والسادس في البحر المتوسط، وبالسيطرة الاقتصادية، وبأدوات كثيرة تجعل حضورهم حقيقة واقعة وإن غابوا بجنودهم المتواجدين على أرض سوريا.

[للمزيد: نقاط حاكمة في فهم أحداث المنطقة]

مكيدة متوقعة لأردوغان

إن من العجب أن يترك ترامب الساحة السورية بكل أريحية لأردوغان؛ الذي أدارت أمريكا وحلفاؤها ضده الانقلاب الكبير قبل عامين، وعدة انقلابات صغيرة متتالية لم تنقطع للآن..؟!!

لا بد أن في الأمر مكيدة جديدة لأردوغان ستكشف عنها الأيام.

وإن معالمها لواضحة لمن يتأمل.

تساؤلات وتنبيهات حول موقع السعودية وتركيا وإيران

  1. دخول السعودية سوريا كمتولية لإعادة تعمير ما تم تخريبه على يد نظام بشار وروسيا وإيران ـ أصالة ـ وبعد طول محاربة له يثير الاستغراب والتساؤل؛ كيف تعين السعودية بشار وهي التي لم توافق به ظاهرًا ـ للآن على الأقل ـ ؟!!
  2. أردوغان لتنظيف سوريا من داعش، والسعودية لإعادة الإعمار.. وإيران لوراثة الأرض والتمدد الرافضي.
  3. وهل يكون تولي السعودية إعادة إعمار سوريا ثمنا لسكوت أمريكا على مقتل الصحفي السعودي خاشقجي وما يترتب على ذلك..؟!!
  4. السعودية وإيران إما المواجهة وإما المهادنة.. وكل منهما له من ينتظره.
  5. تركيا وإيران؛ مواجهة حتمية قادمة.
  6. السعودية وتركيا مواجهة مرتقبة من الحكمة تجُنّبها.
  7. اللاعبان المسيطران في الظاهر: أمريكا وروسيا، وأما إيران فـ “ضبع ماكر” يتتبع الفرائس، والله من ورائهم محيط.
  8. فرحة “بشّار” لا توصَف؛ ولكن سَيُبقِي الله عز وجل له ما يُخزيه هو وحلفاؤه.

الشرور الأمريكية

المؤكد في المسألة السورية ـ وغيرها ـ أن أمريكا لا تريد خيرا للمسلمين ـ خاصة أهل السنة ـ فاحتلالها لسوريا شرّ واضح لا شك فيه، وانسحابها الصّوري شرّ أيضا؛ لأنه ليس حقيقيا، ونحن نراها في عامة بلاد المسلمين حاضرة في كل كبيرة وصغيرة بعملائها وأجهزتها التخريبية.

ولا أظن عاقلا من المسلمين يتوقع من أمريكا وترامب خيرا، ومن توقع منهم خيرا فقد جانبه الصواب أو إن شئت فقل: فقد الصواب؛ قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (آل عمران:118).

يقول الطبري:

“يعني بذلك تعالى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله، وأقروا بما جاءهم به نبيهم من عند ربهم ﴿لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ﴾، يقول: لا تتخذوا أولياء وأصدقاء لأنفسكم ﴿مِنْ دُونِكُمْ﴾ يقول: من دون أهل دينكم وملَّتكم، يعني من غير المؤمنين.

فنهى الله المؤمنين به أن يتخذوا من الكفار به أخلّاء وأصفياء، ثم عرّفهم ما هم عليه لهم منطوون من الغش والخيانة، وبغْيهم إياهم الغوائل، فحذّرهم بذلك منهم ومن مخالَّتهم.

وإنما يعني جل ذكره بقوله: ﴿لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا﴾، البطانةَ التي نهى المؤمنين عن اتخاذها من دونهم ، فقال: إن هذه البطانة لا تترككم طاقتها خبالا أي لا تدع جهدها فيما أورثكم الخبال. وأصل “الخبْل” و”الخبال”، الفساد”. (1)

صدق ربنا عز وجل؛ فهم لا يريدون إلا الفساد والإفساد كما معلوم مشاهد.

وجوب البصيرة

يجب على المسلم في أيامنا المعاصرة قراءة الأمور بعين باصرة بدين الله وما أنزل، وبالواقع وما انطوى عليه.

وهذا زمانٌ أحداثه متتابعة وفيها من المكر والكيد أمر كبير، ومن الشر قسط كبير. ومن الخطأ الظن بأهل الفجور خيرا، وإعطاء الأمان لمن هم حقيقون بسوء الظن لماضيهم وحاضرهم.

ومن لم يأخذ الحيطة منهم والحذر من جانبهم تسببوا في هلكته.

اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين في بلاد الشام وسائر بلاد المسلمين؛ اللهم آمين.

………………………………………

الهوامش:

  • جامع البيان، الطبري، (7/ 137).

 اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة