يمثل الاقتصاد جانبا شديد الحساسية للرجل الغربي، برفاهيته وضعفه وفراغه من القيم والأهداف، بل وقد يؤدي الى سلسلة من الانهيارات بسبب تراكب الحضارة الغربية على قوة الاقتصاد.
الخبر
“إذا كانت أسواق الأسهم الأوروبية استعادت بعض توازنها يومي الخميس والجمعة (19 -20 مارس 2020)، فإن بورصة وول ستريت مرت بأسوأ أسبوع في تاريخها، وكان لا بد للبنوك المركزية أن تعمل بشكل جماعي، وعلى وجه السرعة، لتجنب انهيار النظام المالي، في ظل تداعيات تفشي فيروس كورونا.
بهذا الملخص أجملت “صوفي رولاند” في مقال بصحيفة “ليزيكو” الفرنسية ما شهدته الأسواق المالية من اضطراب، وقالت إن المخضرمين الذين حضروا أزمة الرهن العقاري لم يشهدوا مثله من قبل.
وقال بنك “غولدمان ساكس” إنه يتوقع انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي على مستوى العالم حوالي (1%) في عام 2020، وهو ما يفوق معدل التراجع الاقتصادي الذي تسببت به الأزمة المالية العالمية عام (2008).
وتتخذ الحكومات في أنحاء العالم إجراءات غير مسبوقة لاحتواء تفشي فيروس كورونا الذي ينذر بانكماش اقتصادي عالمي.
وأصيب الاقتصاد العالمي بحالة من التراجع الحاد في مختلف القطاعات، أبرزها الخدمات والسياحة والسفر والصناعة، رافقه هبوط حاد في الاستهلاك، وردة فعل حكومية بضخ مليارات لإنقاذ القطاع الخاص.
وحذرالمستثمرون الأمريكيون من أن أكثر ما يخيف الشعب الأميركي والشركات الأميركية هو الانهيار التدريجي الحاصل للمنظومة الاقتصادية والمالية، وعلينا المبادرة بإغلاق كلي للاقتصاد، فهذا هو الحل الوحيد الذي نملكه، وحذّر أن هناك “تسونامي اقتصادي في طريقه ليضرب الولايات المتحدة”.
وتوقعوا أن تعلن الكثير من شركات الفنادق، وشركات المطاعم عن إفلاسها، وربما تكون شركة “بوينغ” هي أول من يعلن إفلاسه من الشركات الكبرى”. (1موقع “الجزيرة”،22/3/2020 ، على الرابط: شبح الكساد الكبير بسبب كورونا.. أسبوع من الفوضى بأسواق المال العالمية
وموقع “الجزيرة” 24/3/2020، على الرابط: كورونا يدمر الدول.. غولدمان ساكس: الاقتصاد العالمي ينكمش بأسرع وتيرة
وموقع “الجزيرة” 20/3/2020، على الرابط: تسونامي مدمر اقتصاديا.. هذا ما تنتظره أميركا من فيروس كورونا)
التعليق
يستطيل الغرب على العالم بعدة قوى يمتكلها. وبهذه القوة، وبمنطق القوة، يستطيل على العالم ويعيث فيه فسادا شرقا وغربا، ويستضعف الأمم ويبتز الحكام ويقهر الشعوب.
تتمحور قواه في أمور محددة: قوة المال، وقوة السلاح، وقوة العلوم. ونتج منها قوة الإعلام، والقدرة على العرض والتزوير وإخفاء الحقائق بل وقلبها رأسا على عقب.
ونتج من هذا قوة الحضارة نفسها؛ فقد أدوا في مجال الإدارة قوة وتنظيما مميزا، وأدوا في مجال العلوم قوة البحث وروح العزيمة للإكتشاف والتطوير والتملك والتوطين ثم التطوير كذلك.. وهكذا.
وأما القوى الثلاث الأساسية وهي “قوة المال والعلم والسلاح”، فهذا جاء من التراكم المالي مما سرقوه من بلاد المسلمين في فترة الاحتلال التي دامت قرنين من الزمان، ونهبوا من بلاد المسلمين ثروات طائلة، بل الى اليوم لا زالوا يفرضون على بلاد المسلمين وحكامهم العملاء من السرقات ما لا يتوقف. ففي مجال البترول والغاز يسرقون الثروات، فشركاتهم تأخذ حق التنقيب على وجه الاحتكار، ثم تفرض عمولتها بنسنة من المنتَج، ثم تفرض على العرب والمسلمين أن لا يقبضوا ثمن نصيبهم من ثرواتهم في أيديهم بل هي موضوعة في بنوك الغرب نفسه. وهذه الأموال بدورها تقوم بعمليات تمويل بناء المدن الغربية والتشييد وبناء المصانع الغربية وتمويل اقتصاد البلاد الغربية نفسها، كما يُفرض على العرب والمسلمين حدود للسحب من هذه الأموال.. وهكذا
ثم كان الأمريكيين ثروات ضخمة في القارة التي نهبوها وهي أمريكا الشمالية وسحقوا أهلها واستأصلوا أهل البلاد؛ وهم يعيشون على هذه الثروات التي تمثل ضعف ما في أوروبا؛ كقارة بِكر افتضّوها وقتلوا أهلها، وأقاموا عليها حضارتهم الحديثة.
وفي النهاية؛ بما أخذوه من أموال المسلمين وما سرقوه من أموال العالم.. وبما أخذوه من علوم المسلمين ثم أضافوه بجهدهم؛ عندئذ امتلكوا العلوم وأسرارها.
وبعد امتلاك العلوم القائمة على تراكم الأموال، كانت القوة المتمثلة في قوة التصنيع والتطوير بشقيه؛ التصنيع المدني والتصنيع العسكري..
ثم حدث التميز بامتلاك قوة السلاح وما انطوى عليه من أسرار التصنيع وإمكانية ذلك. حتى استأثرت بامتلاك السلاح وأصبح العالم الإسلامي ـ خاصة ـ لا يمتلك السلاح إلا من خلالهم وبإذنهم وبالمستوى الذي يحددونه..! فلا يطمع في مواجهتهم إذ هم من يعطونه السلاح..! وذلك في حالة تاريخية مخزية لا يزال يعاقَب عليها المسلمون وهم يذوقون الذل كل يوم مترعا، وتُسلب منهم مقدساتهم وتقسَم بلادهم..
ثم امتلك العالم الغربي كذلك قوة ناعمة مبنية على المال والعلم وهي قوة الدواء. ثم امتلك كذلك قوة تصنيع وتغليف الغذاء، حتى أصبح أكثر من (90%) من غذاء الخليج يأتي معلبا من الخارج، بل وتحكموا في زراعة القمح في بلاد المسلمين وخصوصا في مصر.
التمرد على الله
هذا جانب لكن الجانب الآخر وهو الإعجاب والخديعة بالنفس في جانب العلوم وامتلاكها وجانب القوة وامتلاكها ووفرة الأموال.. وما صار المثلث المترابط.. “مال يعطي علما، وعلم يعطي قوة، ثم القوة تعطي مزيدا من المال؛ يؤدي الى مزيد من العلم، ثم قوة، وهكذا في دورة متزايدة..”.
فأُعجب القوم بقوتهم وكان قولهم تصريحا وحالا ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾..؟ (فصلت: 15)
ولما رأوا قوتهم وتنظيمهم وإدارته وتحكمهم في العالم أطلقوا العنان للشهوات والإلحاد. ولما رأوا تمهّل الله تعالى عليهم اغتروا وظنوا في أنفسهم، وأنكروا الآخرة وتعدوا على حق الله واستغنوا عن رب العالمين وعن منهجه ﴿أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى﴾ (العلق: 7)
وبدؤوا يفرضون مناهجهم على العالم ويقومون برسالة قذرة مفادها أن الإباحية دلالة على التطور، وأن من حقوق المرأة أن تهب نفسها لمن تشاء عن رضى وطواعية منها دون إكراه وغصب، وأن جريمة اللواط “الشذوذ” حق طبيعي وهو ميل طبيعي للإنسان يجب احترامه، وأن الإلحاد حق ووجهة نظر وعقيدة محترمة، وأن الربا هو النظام الصائب للاقتصاد ولو امتص جيوب الفقراء وسحق غالبية الناس، وأن العالم الإسلامي لا يستحق الحرية ولا الكرامة بل القهر والتعذيب والسجون والحروب..الى آخر مظالمهم وجرائمهم.
واليوم بعدما بدأ الاقتصاد نفسه في الانهيار والتداعي؛ بدأت بودار تكشّف حقيقة الحيوان الأوروبي المتوحش، ونهمه، وهلعه على الدنيا..
وبدأت التساؤلات ماذا لو افتقد القوة، وماذا لو انهارت العلوم، وماذا لو انهارت رسالته المدَّعاة للعالم..؟! وماذا لو غُلت أيديهم ورُفعت عن بلاد المسلمين.
هذه تساؤلات مهمة يجب أن نسالها نحن؛ ماذا لو سقط هؤلاء المجرمون، ماذا لو تداعت الدنيا من بين أيديهم..؟ وماذا لو امتلكت شعوبنا أمرها وضعُف الطغاة بضعف أسيادهم..؟
خاتمة
إننا على يقين أن الأرض لله تعالى، وأن الله يداول الأيام بين الناس الأمم، وأن لأهل الإسلام دولة قادمة. ففي ضوء السنن الإلهية يتضح تماما أن الحضارة الغربية منهارة الآن بانهيار قيمها وأحلاقها، ولم يبق إلا سقوط هيكلها. ولا بد من الاستعداد لهذا.
إن في الانكشاف الاقتصادي للغرب حساسية خاصة، فإن به يتكشف الإنسان نفسه ويتفتق عن الحيوان الكامن بداخله والوحش الهائج على النزوات والشهوات، وأن بسقوط قوته الاقتصادية قد تنهار حضارته، وينهار معه زيفٌ كثير، ويذهب الباطل جفاء ويبقى ما ينفع الناس من بقايا تلك الحضارة.. وثم يبقى منهج الله يلتمع أغلى من الذهب الرصين بين الناس يفيئون اليه.
لا نقول هذا لينتظر الناس ويتكلوا؛ بل ليثقوا في دين الله ويعملوا من أجله جهدا مضاعَفا، ويعلموا أن عليهم أثقالا للبلاغ، وأن هذه الأثقال ستتضاعف لاحتياج البشرية الى منهج الله بإلحاح؛ فاعمل وأبشر وأمِّل خيرا..
بل وإن لم يكن انهيارهم في هذه الجولة ففي جولة قادمة ـ وقريبة ـ إن شاء الله..
……………………………..
هوامش:
- موقع “الجزيرة”،22/3/2020 ، على الرابط: شبح الكساد الكبير بسبب كورونا.. أسبوع من الفوضى بأسواق المال العالمية
وموقع “الجزيرة” 24/3/2020، على الرابط: كورونا يدمر الدول.. غولدمان ساكس: الاقتصاد العالمي ينكمش بأسرع وتيرة
وموقع “الجزيرة” 20/3/2020، على الرابط: تسونامي مدمر اقتصاديا.. هذا ما تنتظره أميركا من فيروس كورونا