ذبحني ما حدث لك يا ياسين يا حبيبي، وتذبحني أيضاً قصة تشبه قصتك يا بني لكنها هذه المرة عن مقتلة دائرة في إثني مليون إنسان، ليس في “جراج المدرسة” ولا في المقعد الخلفي لسيارة في الظلام، إنما في بث حي على مدار الساعه أمام العالم أجمع .
أسألكم ما الفارق بين قصة الطفل “ياسين وقصة “غزة”
أبوح لكم بسر يا إخواني
أكثر ما أوجعني في القصتين ليس الفعل في حد ذاته ولكنه التواطؤ….تلك المؤامرة الحقيرة التي مكنت للفعل أن يحدث ولولاها ما كان..
هل هتك عرض ياسين ذاك العجوز الهرم فقط ؟
أم “عاملة المدرسة” وهي تُجهز الطفل للمجرم كل مره كي ينفرد به ويمارس فعله الدنئ ثم بعدها وهي تساعد الطفل في غسله وإلباسه الثياب كي يمر الأمر وكأنه ما حدث.
أم “المعلمة” التي عرفت القصة وتعامت وتجاهلت وانصرفت وعادت بيتها وعاشت وتعايشت و أكملت تربية أطفالها و تعليم طلابها أن “الساكت عن الحق شيطان أخرس”.
أم “المديرة” التي كان كل همها التستر على الجاني وإخفاء الفضيحة كأن شيئاً لم يحدث.
أم المحققون والقضية منظورة منذ عام وتغلق كل مره.
أم كل من ساوم أهل الطفل للتنازل عن القضية.
أم مدارس الرهبان في مجتمع جله مسلم.
أم المجتمع بأكمله وهو يعرف أن قصة “ياسين ” ما هي إلا قصة واحده من آلاف آلاف القصص التي تحدث كل يوم لكننا نخفي رؤوسنا في الرمال كي نستمر.
أم الحكم السريع على الجاني الذي سيُستأنف في غضون أيام وقد تصل الأمور إلى أن يخرج من محبسه لكن حين يكون الناس قد انشغلوا بقصة أخرى؟؟؟؟؟
لا يجعلونك ترى إلا ما يريدونك أن تراه
نعم فما يصدره لك الإعلام و ” السوشيال ميديا ” هو وحده الموجود يا أخي وما سواه عدم.
“السوشيال ميديا ” تتحدث هذه الأيام عن “ياسين” إذن فليتوقف الحديث تماماً عن غزه.
“السوشيال ميديا” تتحدث غدا عن نادي “الإنتر ميلان” إذن فليتوقف الحديث عن “ياسين”.
“السوشيال ميديا” تتحدث عن القاعده العسكرية الأمريكية في جزيرتي تيران وصنافير إذن فليتوقف الحديث عن “الإنتر”
وهكذا دواليك.
هم لا يجعلونك ترى إلا ما يريدونك أن تراه وما سواه وما لا تتحدث فيه “السوشيال ميديا” فلا وجود له على الإطلاق.
نعود لغزة يا أخواني.
ألم يحدث نفس التواطؤ مع “غزه”
ألم تكن المؤامرة الحقيرة البغيضة تدار بنفس العقلية.
لكن من سلم “غزة ” للمقتله هذه المره ليس “عاملة المدرسة” بل الأب والأم والإخوة لا نستثني أحدا.
ألم تشكو “غزة ” للكل ألم يستنجد مقاتلوها بالعالم أجمع.
ألم يصرخ أطفالها وجعاً وجوعاً و ذبحاً وقهرا وألماً لكن الكل انصرف عنهم كما انصرفت تلك “المعلمه” .
وفي حالة “غزة ” ماذا كان دور “المديره”؟ ألم تشارك دول العالم الكبرى في المجزرة كم حدث تماما في قصة “ياسين “؟
وماذا عن القضية المنظورة في بث مباشر أمام العالم أجمع وفي كل مرة يُفتح الملف “يُغلق”.
وماذا عن المحكمة الجنائية الدولية وأحكامها التي ضُرب بها عرض الحائط؟؟
الفارق الوحيد أنه ” سُمِح ” وأقصد الكلمة تماما ” سُمِح ” للجماهير أن ترفع لافتات كتب عليها اسم “ياسين ” ولا يسمح للجماهير في أي دولة في العالم أن ترفع لافتة يُكتب عليها اسم” غزه “.
إذ أن تلك المقتلة في “غزة ” يجب أن تبقى في الخفاء وسنداري عليها طوال الوقت بجرائم أخرى… بشعة أيضاً… لكنها أكثر إثارة للجماهير العريضة وسيعرف المهتمون كيف يتعاملون معها إذ أنهم خبروا جيداً كيف يتعاملون مع الجماهير العريضة فيجمعونهم بصوت ويفرقونهم بسوط.
ذبحني ما حدث لك يا ياسين يا حبيبي، وتذبحني أيضاً قصة تشبه قصتك يا بني لكنها هذه المرة عن مقتلة دائرة في إثني مليون إنسان، ليس في “جراج المدرسة” ولا في المقعد الخلفي لسيارة في الظلام، إنما في بث حي على مدار الساعه أمام العالم أجمع .
لكنها كقصتك يا بني..الكل تواطأ..الكل تستر وتآمر…الكل ” طرمخ ” على ما حدث ويحدث..
وبالمناسبة كلمة ” طرمخ” هي كلمة عربية صحيحة معناها “التستر على الفضيحة وتجاهلها”، وربما كانت هي الكلمة الوحيدة الصحيحة في الموضوع كله..
ولله الأمر من قبل ومن بعد..
المصدر
صفحة الأستاذة هبه عوده، على منصة ميتا.