أوجب الله تعالى على العلماء بلاغ الرسالة للحكام والمحكوم، وإقامة أمر الدين وإقامة الدنيا على وفقه، ودفع الحكام لذلك. وعلى الحكام أدوار عظمى لما لهم من تأثير عام ويمتد أجيالا.

استحداث الشبهات!

جعل الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سمة بارزة لهذه الأمة، ومناطا لخيريتها، لقيامها بالحق في نفسها، ولمنع الظلم ومنع التمادي في الانحراف، ولبلاغ الخير للناس.

وقد استجدت شبهات تمنع الأمر والنهي للحكام علنا، ملخصها أن إنكار المنكرات على الحكام جهرا أمام الملأ ليس من الكتاب والسنة ولا من طريقة سلف الأمة.

فكان هذا البحث رجوعا الى السلف كبيان عملي لما كانوا عليه من القيام بحق الله وأمره على الحكام كما على أفراد الناس وعموم المسلمين.

محورية دور الحكام

صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنّما الدين النصيحة، قيل لمن يارسول الله؟ قال: لله، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم». (1رواه مسلم 55)

وعن جرير بن عبد الله أنه قال: «بايعت رسول الله،  صلى الله عليه وسلم، على السمع والطاعة والنصح لكل مسلم». (2رواه البخاري57 ومسلم 55)

والحكام والسلاطين هم أولى الناس بأن تقدَم لهم النصائح بطرقها المشروعة لأن باستقامتهم؛ استقامة العامة.

وهي نصيحة من قبلها وعمل  بها من الملوك والساسة وصل  الله ملكه الأمدي بالأبدي في دار القرار ومحل الأبرار، في ملك لا يبلى، ونعيم لا يفنى، ولذة لا يشوبها ألم، وسرور لا يكد ره غمّ، وفرح لا يخالطه حزن ، وغنى لا يخشى  بعده فقرا، وصحة لا يخاف معها سقما.

ثم كفاه كثيرا من الجنود والأعوان والقواد والفرسان، وجعل مملكته عامرة، وأيامه غضة ناضرة، وخواصه راضية، ورعاياه منقادة ساكنة، وبلاده هادئة وسبلها آمنة، وأمواله  دارّة، وأعداؤه مقهورة مقموعة،  وعزُّه في حياته ناميا، وذكره بعده باقيا. (3نصيحة الملوك لأبي حسن الماوردي ص35)

الحكام أولى بقبول النصيحة

والرؤساء والملوك والحكام أحق الناس بقبول النصيحة لعدة أمور:

أولها: أن يترفعوا عن مشاكلة أهل الغباوة والجهالة، الذين لا يميزون بين منافعهم ومضارهم.

الثانية: أن النصيحة هداية إلى سبيل الرشاد، وتبلُّغ إلى نيل السداد، وذلك مما تحمد عاجلته وآجلته.

الثالثة: أن الملوك أكثر الناس أشغالا، وأعظمهم أثقالا، وأبعدهم عن ممارسة أمورهم بأنفسهم.

الرابعة: أنّهم أبعد الناس عن مجالسة العلماء والوعاظ  والفقهاء الذين بهم تُشحذ العقول، وتبصر العيون.

الخامسة: أنّهم أقل الناس حظا من النصحاء المخلصين، لأن أكثر من يلزم سددهم، ويحضر أبوابهم، ويتصرف في خدمتهم ، طلاب الدنيا وبائعوا حطامها، يميلون معها إذا مالت، ويزلون بها إذا زلت. (4انظر نصيحة الملوك صـ 39)

قال الذهبي:

فتأمل هذه الكلمة الجامعة، وهي قوله: «الدين النصيحة»، فمن لم ينصح لله وللأئمة وللعامة، كان ناقص الدين.

وأنت لو دعيت ـ يا ناقص الدين ـ لغضبت، فقل لي: متى نصحت لهؤلاء؟ كلا ولله، بل ليتك تسكت، ولا تنطق، أو لا تحسّن لإمامك الباطل، وتجرئه على الظلم وتغُشّه، فمن أجل ذلك سقطتَ من عينه، ومن أعين المؤمنين.

فبالله قل لي: متى يفلح من كان يسره ما يضره؟ ومتى يفلح من لم يراقب مولاه؟ ومتى يفلح من دنا رحيله، وانقرض جيله، وساء فعله وقيله؟

فما شاء الله كان، وما نرجو صلاح أهل الزمان، لكن لا ندع الدعاء، لعل الله أن يلطف، وأن يصلحنا، آمين. (5سير أعلام النبلاء (11\ 500))

الحكام أوْلى بالتزام الدين واختيار المحامد

والحكام الذين أوجب الله طاعتهم هم أوْلى الناس بإلتزام الدين ولا أحد أحق باختيار المحامد وتعوّدها من الملك.

لأنه لا يكون مؤديا حق جلالته، وعارفا بفضل منزلته، حتى يترك كثيرا من شهوات النفس ولذّات البدن في جنب الفضائل التي يجب عليه حيازتها؛ فيختار الشكر على  الكفر، والتدين على التهتك، والعلم على الجهل، والعقل على الحمق، والشجاعة على الجبن، والجود على البخل، والصبر على الجزع، والحمد على الذم، والحلم على الطيش، والرزانة على الخفة، والصدق على الكذب، والتواضع على  التكبر، والعدل على الجور، والصواب على الخطأ، والحزم على التهور، وأمثالها.

فإن لكل شيء من المذام ثمرة مذمومة، ولكل شيء من المحامد عاقبة محمودة، فيجب على من أحب الخير ألا يفعل إلا الخير، ومن كره الشر أن يتجنب الشر، مع أن من ارتكب المخازي من الأمراء، والمذام من الملوك كان في ملكه كالمزوَّق المفتعل، وكالمستعار المموَّه.

وجوب ترفّع الملوك عن الرذائل

وحق الملك الفاضل أن يترفع عن هذه الدنية، ويتنكب هذه الرذيلة ولا يرضى أن يكون حظه من جلالته أن يسمى بالاسم الحسن الشريف، ويشتهر بالفعل السيئ القبيح، فإنه إذا فعل ذلك كان كالمتشبع بما لا يملك، وكلابس ثوبيْ زور.

ولقد أوجز عمرو بن عبيد (6معتزل زاهد) حيث قال لأبي جعفر المنصور: “إن الله لم يرض أن يكون أحد من الناس فوقك، فلا ترض أن يكون أحد له منك أشكر”. (7انظر نصيحة الملوك ص59)

تحديد المسألة

ليس المقصود بحث هذه المسألة ـ لنصيحة الحكام والسلاطين ـ من جميع جوانبها وأطرافها وإنّما الرد على شبهة معاصرة ملخصها أن إنكار المنكرات على الحكام جهرا أمام الملأ ليس من الكتاب والسنة ولا من طريقة سلف الأمة.

ودار في هذه المسألة جدال طويل في زماننا هذا، ونريد أن نستعرض أدلة الفريقين، وتحقيق الحق في هذه المسألة وما الذي كان عليه سلف الأمة وأئمتها، وقبل الخوض فيها لا بد من تحرير صورة النزاع…

لقراءة البحث كاملا: [اضغط هنا]

…………………………………………..

هوامش:

  1. رواه مسلم 55.
  2. رواه البخاري57 ومسلم 55.
  3. نصيحة الملوك لأبي حسن الماوردي ص35.
  4. انظر نصيحة الملوك صـ 39.
  5. سير أعلام النبلاء (11\ 500).
  6. معتزل زاهد.
  7. انظر نصيحة الملوك ص59.

اقرأ أيضا:

  1. لماذا الدعوة الى الله
  2. القنديل والمنديل .. وما يجري على الدين من تبديل (1) الدور المنوط بأهل العلم
  3. القنديل والمنديل .. وما يجري على الدين من تبديل (2) قناديل من علماء السلف

التعليقات غير متاحة