إن حاجة العبد إلى الأمن مطلوبة في الدارين. وهو إليها في الدار الآخرة أحوج وأفقر. وهذا لا يتأتى إلا بتوحيد الله تعالى وطاعته والجهاد في سبيله سبحانه والبعد عن معاصي الله ومساخطه.

مقدمة

يبحث الإنسان عن الأمن النفسي والأمن البدني، أما الأول فلينجو من الخوف، وأما الثاني فلينجو من الجوع. وللإسلام مفهومه للأمن، وقد عرضه رسول الله وأصحابه وأئمة الهدى؛ فعرضوا مخاوفهم وكيف الطريق اليه.

بعض ما ذكره رسول الله عن “الأمن”

وردت أحاديث نبوية شريفة في ذكر الأمن وما يتعلق به نذكر منها ما يلي:

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال: «الله أكبر. اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما يحبه ربنا ويرضى. ربنا وربك الله». (1رواه الدارمي في سته (1639) وقال الألباني صحيح بشواهده. انظر تخريج الكلم الطيب، ص:139)

وعن سلمة بن عبيد الله بن محصن الخطي عن أبيه ـ وكانت له صحبة ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصبح منكم آمنا في سربه معافی في جسده عنده قوت يومه. فكأنما حيزت له الدنيا». (2رواه الترمذي في الزهد باب التوكل على الله وقال حسن غريب، ورواه ابن ماجه (4141) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (6042))

وعن ابن رفاعة الزرقي عن أبيه قال: قال أبي: لمّا كان يوم أحُد وانكفأ المشركون؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استووا حتى أثني على ربي، فصاروا خلفه صفوفا فقال: «اللهم لك الحمد كله اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لما أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرب لما باعدت، ولا مباعد لما قرّبت اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك. اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول. اللهم إني أسألك النعيم يوم العيلة، والأمن يوم الخوف. اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا وشر ما منعت اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين اللهم توفنا مسلمين، وأحينا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين. اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك ويصدون عن سبيلك واجعل عليهم رجزك وعذابك اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب إله الحق». (3رواه أحمد في مسنده (3/ 424))

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم». (4النسائي. وقال الألباني في صحيح النسائي: حسن صحيح (4622) ورواه الترمذي (2775))

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على أناس جلوس فقال: «ألا أخبركم بخيركم من شركم قال: خيركم من يُرجَى خيره ويؤمَن شره. وشركم من لا يُرجَى خيره ولا يؤمَن شره». (5البخاري (6497) ومسلم (230))

وعن شرحبيل بن السمط عن سلمان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه. وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن من الفتان». (6رواه الترمذي (2263) وقال: حسن صحيح)

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المستشار مؤتمن». (7الترمذي (2369) وأبو داود وصححه الألباني في صحيح أبي داود (4277))

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما ينبغي لذي الوجهين أن يكون أمينا». (8رواه أحمد (7877) والبخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني في الأدب المفرد (313))

مما جاء عن الصحابة والتابعين في مفهوم “الأمن”

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «إن أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم؛ فمن أظهر لنا خيرا أمّنّاه وقرّبناه، وليس إلينا من سريرته شيء. الله محاسبه في سريرته. ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال إن سريرته حسنة». (9رواه البخاري (2641))

وعن الأعمش عن شقيق قال: قال عبد الله: «كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يهرم فيها الكبير، ويربو فيها الصغير، ويتخذها الناس سنة. فإذا غُيرت قالوا غُيرت السنة. قالوا: ومتى ذلك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: إذا كثرت قراؤكم، وقلَّت فقهاؤكم، وكثرت أمراؤكم، وقلَّت أمناؤکم والتُمست الدنيا بعمل الآخرة». (10رواه الدارمي في المقدمة 189-190)

وقال إبراهيم التيمي: «ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذبا». (11البخاري في الإيمان باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله)

وقال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل. ويذكر عن الحسن: ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق. وما يحذر من الإصرار على النفاق والعصيان من غير توبة. لقول الله تعالى: ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 135]. (12المصدر السابق)

التعليق على الأحاديث والآثار السابقة

يتبين لنا من الأحاديث والآثار السابقة أمور مهمة تتعلق بالأمن منها:

أولا: أن حاجة العبد إلى الأمن مطلوبة في الدارين. وهو إليها في الدار الآخرة أحوج وأفقر. وهذا لا يتأتى إلا بتوحيد الله تعالى وطاعته والجهاد في سبيله سبحانه والبعد عن معاصي الله ومساخطه.

ثانيا: إن ضعف الأمن والأمانة في الناس إنما تكون بضعف أديانهم وضعف خوفهم من الله عز وجل. فهؤلاء الذين ينبغي أن لا يؤمَن جانبهم. أما من يخاف الله تعالى ويعبده وحده لا شريك له، فهو الذي يأمنه الناس، ولا يخافون بوائقه. كما جاء في مناصحة الحسن البصري رحمه الله تعالى لمن استشاره في من يزوج ابنته فقال له: “زوِّجْها من يخاف الله ويتقيه فإنه إن أحبها أحسن إليها وأن أبغضها لم يظلمها”.

ثالثا: المؤمن لا تراه إلا خائفا من ذنوبه، لا يأمن على نفسه من الانحراف أو العقوبة لكنه خوف لا يُقنّطه من رحمة الله تعالى.

رابعا: ينبغي للمؤمن أن يلحّ على ربه سبحانه بطلب الأمن والعافية والسلامة في الدنيا والآخرة، لأن الله عز وجل هو الذي بيده التوفيق والتسديد، والأمن والأمان والسلامة والعافية. وهذا كثير في أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم.

خاتمة

الخوف عند أصحاب رسول الله لا يشمل مجرد الاستقرار الدنيوي؛ بل يشمل الخوف في الآخرة بل هو المقدَم. ومن ثم كان الأمن المرجو للعبد المؤمن والذي يعمل لتحصيله، شاملا للدارين؛ بل كان يتحمل مخاوف الدنيا منشغلا بمخاوف الآخرة. وإن كان يسعى لتحقيق نعمة الأمن في الدارين، يدعو الله بهما، ويضع من الأنظمة والقواعد ـ إعمالا للقواعد الشرعية ـ ما يحقق له الأمن الدنيوي وعدم التشويش على الخواطر، ويحقق له الأمن الأخروي ويمهد له للقاء الله ﴿آمِنِا يوم القيامة﴾.

………………………….

الهوامش:

  1. رواه الدارمي في سته (1639) وقال الألباني صحيح بشواهده. انظر تخريج الكلم الطيب، ص:139.
  2. رواه الترمذي في الزهد باب التوكل على الله وقال حسن غريب، ورواه ابن ماجه (4141) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (6042).
  3. رواه أحمد في مسنده (3/ 424).
  4. النسائي. وقال الألباني في صحيح النسائي: حسن صحيح (4622) ورواه الترمذي (2775). (5) البخاري (6497) ومسلم (230).
  5. البخاري (6497) ومسلم (230).
  6. رواه الترمذي (2263) وقال: حسن صحيح.
  7. الترمذي (2369) وأبو داود وصححه الألباني في صحيح أبي داود (4277).
  8. رواه أحمد (7877) والبخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني في الأدب المفرد (313).
  9. رواه البخاري (2641).
  10. رواه الدارمي في المقدمة 189-190.
  11. البخاري في الإيمان باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله.
  12. المصدر السابق.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة