قد يحلل الناس الأخبار ويفسرون الحوادث فيرون أنها العمالة والتبعية من حكامهم وطواغيتهم؛ يستنكر المتهَمون هذا أحيانا وينتفشون. ثم هم اليوم يصرّحون في خزي لا يُحسدون عليه.

الخبر

“باءت محاولات قامت بها أطراف إقليمية لإعادة العلاقة بين السعودية وحركة “حماس” في وقت سابق بـ”الفشل”.

وقد جاءت هذه المحاولات في أعقاب توتر العلاقات بين الجانبين، وذلك بعدما وصفت جهات رسمية سعودية الحركة بأنها “إرهابية”، واعتقال السلطات لعشرات الفلسطينيين المقيمين بالمملكة بتهم “التعاطف مع حماس”.

وبحسب المصادر فإن رد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على الوساطات تضمن شروطا وهي “أن على حماس أن تحل مشاكلها مع الأمريكيين لتعود علاقاتها مع المملكة، وأن تفتح بابا للتواصل معهم، وهو ما يعني قبولها بقرارات الرباعية الدولية، والاتفاقيات التي أبرمتها السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، وعلى رأسها الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي وحقه بالوجود”.

وأشارت المصادر إلى أن “حماس” رفضت ذلك، و”تمسكت برغبتها وسعيها لطرق كل الأبواب والتواصل مع كافة الأشقاء في الدول العربية، دون التنازل عن الثوابت”. (1موقع “عربي 21″، 9/1/2020، على الرابط:
هكذا رد ابن سلمان على محاولات إعادة العلاقة مع “حماس”
)

التعليق

عندما يصرح حكام بلاد المسلمين بتخليهم عن مرجعية دينهم، وتوصيفه للأفعال والأحداث، وعن أحكامه للواقع والحال، وللعدو، وللحقوق؛ حقوق الأمة. فهذا عار، وانكشاف ضروري للأمة أن تقف عليه؛ لأنه الداء.

وعندما يصرح حكام بلاد المسلمين، أولئك الطواغيت، أن بوابة الرضا والسخط وبوصلة توجيه مواقفهم هي سيدتهم النصرانية “أمريكا” بعقيدتها النصرانية وظاهرها العلماني وظواهرها الملحدة واتجاهاتها الإباحية والشاذة؛ ومحاربتهم لدين الله ومعاداتها لله ولنييه الكريم ولأمته، وبتصريحها أن مرجعيتها هي الكنسية والإنجيل وما يقرره القساوسة (2في تصريحات تليفزيونية لـ “ترامب” في 4/1/2020 نقلا وترجمة عن قناة “الجزيرة”).. حينها تعرف مدى الوحل الذي سقطوا فيه.

ولكن الأهم من ذلك هو معرفة أن “مطالبة” الأمة و”مناشدتها” للحكام، بتحرير فلسطين أو الدفاع عن حقوق الأمة، ناهيك عن إبداء الثقة في “ولي الأمر” وحكمته..! وإخلاصه للبلاد..!! وحمايته للدين..!!! أمر لا قيمة له، وأنه كلام أجوف وشعارات فارغة في الهواء؛ إذ إنهم لا يملكون من أمرهم شيئا. هم موظفون تابعون؛ ملحقون بوزارة الخارجية الأمريكية، وأحيانا تابعون لوزارة الخارجية الصهيونية.

والمهم كذلك، والعاجل، أن تعرفه الأمة وتقف عليه؛ هو أنه لا مضمون تحت شعار “الإرهاب” الذي يصِمون به المسلمين والتيارات الإسلامية المجاهدة أو الدعوية أو المعارضين لهم…

فالواضح في الخبر أن “الإرهاب” هنا هو ما يفسره سيدهم الصهيوني، وأنه يتمثل في رفض الخنوع للصهاينة ورفض شروط الاعتراف بالكيان الصهيوني وشرعية ما ابتلع من أراضي المسلمين، ورفض المذلة لهم..

الإرهاب في تفسيرهم ومقصودهم هو سلوك طريق الجهاد الذي شرعه الله سبحانه وفرضه على عباده واشترى منهم أموالهم وأنفسهم وضمن لهم الجنة إن قاموا به؛ لإقامة الدين ورد العدو الكافر الذي داهم أرضهم وأقام عليها سلطته الكافرة، واستحل أعراض المسلمين ودماءهم وأقام شعائر الكفر مكان شعائر الإيمان.

وعلى نفس النحو والنسق يصِمون من يرفض انحلالهم و”ترفيههم” الفاسق بأنه “إرهاب” ويصِمون به من يعارض سياساتهم النزقة في بيع مقدرات البلاد أو تغريب مناهج التعليم أو حسْر الدين عن ضبط المجتمع وقضائه وإعلامه بل وتشريعاته؛ فيصِمون من يرفض هذه الانحرافات بالإرهاب.

من هنا تصبح “حماس” ـ في نظرهم ونظر إعلامهم ـ إرهابية؛ لمعارضتها إملاءات سادة هؤلاء الحكام من النصارى في الغرب واليهود في فلسطين، لا لأخطاء حقيقية وقعت فيها حماس أو غيرها من تيارات الجهاد. (وهي غير معصومة، ولها أخطاؤها بلا شك، لكن في غير ما يرفضه هؤلاء الطغاة؛ بل هم من أوقعها في هذه الأخطاء بحصارهم لها وتآمرهم عليها).

هنا أقل ما يجب على الأمة أن تسقط شرعية هؤلاء، وألا تأخذ منهم موقفا ولا تتبعهم في موقف، ولا تصغي اليهم، ولا تتأثر بما يطلقونه من أعمال فنية أو إعلانات مدفوعة الأجر من المال الحرام أو بث حملات مشوهة لتشويه العلماء هنا والمجاهدين هناك.

متى لا تكون إرهابيا..؟

لك أن تسأل، وللأمة كلها أن تطرح السؤال الكبير.. ما هو المطلوب من الأمة في نظر هؤلاء الطواغيت حتى لا يكونوا إرهابيين..؟ وحتى لا تحاصرهم وتجوّعهم وتسجنهم أو تقتلهم..؟

إنه السماح من المجتمع بتغيير العقائد وقبول الإلحاد، والسماح بالتفسخ الأخلاقي وتغيير قيم المجتمع ودينه.

وهناك حيث المواجهة مع الكفار الصهاينة الذين يدعمهم العالم النصراني كله مالا وسلاحا وقانونا وإعلاما وسياسة، ويخذلهم المسلمون؛ المطلوب منهم هناك هو الركوع للصهاينة واسترضاء الأمريكيين؛ فإن رضي الأمريكيون هناك رضي العبيد هنا، وإن هم سخطوا هناك سخط هؤلاء هنا.. إنهم العبيد إذن؛ فعبْد الشيء من يكون رضاه وسخطه تابعا لمعبوده.

خاتمة

يجب أن يدرك الطواغيت الأوباش.. أن من المسلمين رجالا، لا يركون ولو اجتمعت الدنيا عليهم أن تركّعهم لعدوهم؛ فقد تولاهم الله.. ويأبى الله والمؤمنون.

نعلم أن الطواغيت لا يفهمون هذا ولا يفقهونه؛ وإلا فمنذ متى يفهمون أو يفقهون..؟!

لكنها الحقيقة القاصمة لهم أن الله تعالى خبّأ لهم في قلوب المؤمنين إيمانا يطاول الجبال وشموخا يطاول السحاب. ركوعهم لله لا لغيره، ومقرراتهم من كتاب ربهم لا من الشرعية الدولية، ومواقفهم من أحكام ربهم لا من إملاءات سفارات الصليب أو مندوبي الاستخبارات الصهيونية.

إنه الإسلام.. قدّر الله أن يقصم به ظهورهم ويكسر كبرياءهم؛ من أصغر طفل مجاهد يرمي حجرا في وجه عدو الله، الى امرأة مؤمنة تعِظهم وترفض انحرافاتهم، الى عالِم على منبره والى عابد في محرابه ومجاهد في ثغره؛ رسائلُهم أقوى وصوتهم أعلى والله تعالى ناصرهم، وليس للطغاة إلا الفضيحة والعار ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (المجادلة:20-21)

…………………………………..

هوامش:

  1. موقع “عربي 21″، 9/1/2020، على الرابط:
    هكذا رد ابن سلمان على محاولات إعادة العلاقة مع “حماس”
  2. في تصريحات تليفزيونية لـ “ترامب” 4/1/2020.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة