يقبع علماء ودعاة كرام في السجون، وتمر أيام مباركة وهم محجوبون عن أبنائهم وأمتهم. وعلى الأمة ألا تنساهم؛ فهم قرة عينها، والخليقون بالتقدم إذ ثبت طلبهم للدين لا الدنيا.

مقدمة

يمر علينا رمضان هذا العام ـ 1440 هـ ـ وكثير من العلماء والدعاة، والشباب الصالح، مقموعون مغيبون في السجون والمعتقلات. منهم من ينتظر حكم الإعدام، ومنهم مَن يهدَّد به، ومن ينتظر سنين طويلة. قد أوعده الظالمون أن يبقى هو في سجنه ويبقون هم في قصورهم. فقدّروا أمورا ولم يعلموا أن الأقدار تُقضَى في السماء.

وقد وجب علينا تجاه هؤلاء الكرام واجبات التذكر والدعاء والبيان والنصرة لهم.

جريمة الكرام ..!

كم يخجل كل مسلم وهو بين أبنائه آمنا؛ بينما كرام بالآلاف يعانون الظلم، ويخشون مع الظلم أن يغشاهم النسيان؛ وأن تتنكر لهم الجماهير التي انتفضوا من أجلها وتمسكوا بالبيان من أجلهم، بعد الله تعالى.

كرام بلاد الحرمين

في بلاد الحرمين يقبع من رفض بيع دينه في مزادات قامت على الناس تخيرهم بين الأمن والمال والشهرة من جانب بثمن بيع الدين، وبين الاعتقال أو الموت إن تمسكوا بدينهم؛ فاختاروا ربهم ودينه، ولسان حالهم ﴿رب السجن أحب الي..﴾ فلله درهم، واللهم ارزقهم الثبات، وعجل لهم بفرَجك الكريم.

وتمثَّل الثمن في نصرة “الإباحية” و”الإلحاد” “والتشكيك في دين الله” و”إهانة أحكامه” و”تجفيف منابعه” في الإعلام والتعليم، “وحرب أحكامه” بانتظام، و”ولاء الكافرين” من الأمريكيين النصارى والكيان الصهيوني في فلسطين، والاتفاق على تصفية قضية القدس، وتسليم أموال الأمة وثرواتها الى العدو ليتقوّى بها هو والصهاينة فيزداد فارق القوة لصالحه؛ ومن ثم يزداد قهره للمسلمين.

ومن الثمن تفريق الأمة وتقسيمها وتنفير الناس من بعضهم وتبغيض أهل الحق لأمتهم، وشرذمة الجموع التي كانت محددة الهدف والطريق.

الكرام في مصر

وأما في مصر فيقبع فيها ثمانون ألفا من المسلمين، شيبة وشيانا، رجالا ونساء، ابتعدوا عن أسرهم وغُيبوا من أجل دينهم وأمتهم.

رفضوا عودة الاستبداد، وسيطرة العلمانية، وانقلاب صهيوني متماليء مع الغرب بالمال الخليجي الحرام. كما رفضوا السرقات والنهب، كما رفضوا تغييب الوعي والاستسلام للطواغيت الأُجراء.

يساق الى الموت منهم كل يوم بين إعدام رسمي صريح، وبين من يقتادونهم ويرمونهم في الصحراء ثم يقتلونهم ويدّعون أنهم قتلى اشتباكات..!

الكرام في بقاع الإسلام

أما في سوريا فالمسلمون بين مهجَّر ومنفيّ، وبين قتيل وجريح، وبين سجين في سجون النصيرية الكفار؛ الأشد عداءً والأشد حقدا.

وفي العراق أهل السنة مستضعفون تكتظ بهم السجون العلنية والأخرى السرية بحسب ميليشيات الرافضة.

وفي ليبيا يغدو “حفتر” برُقية الغرب ومال الخليج الحرام ليقتل ويسجن ثم ينبش الجثث من القبور ويمثل بهم ويطوف بهم في الطرقات.

تكتظ سجون الإمارات بأهل السنة والرافضين للخيانة والتلاعب سواء في اليمن أو الشرفاء في “أبو ظبي”، حتى الموت تعذيبا ومرضا وقهرا، وآخرهم الكريمة “علياء عبد النور” رحمها الله.

وفي أرض بيت المقدس يقبع مجاهدوا أهل فلسطين في سجون الصهاينة، عقوبات بعقود من السنين وعشرات المؤبدات، وأطفال لم يعرفوا آباءهم إلا في صور وتذكار..!

الى مآسٍ للأمة قد اجتمعت عليها.

محور الصراع

ومحور الصراع في هذا ـ وفي غيرهما  ـ من أفغانستان شرقا الى مراكش المغرب غربا، مرورا بالخليج والعراق وتركيا.. الى غيرها من بلاد المسلمين.

محور الصراع يتمثل في إفشال انعتاق الأمة من التبعية، وإحباط محاولة إقامة الدين، واستقلال القرار، ومنع قيامها بامتلاك القوة.

يتمثل الصراع في منع عودة الإسلام كحضارة، ومنع الأمة من ممارسة دينها وأخلاقياته وقيمه الربانية، ومنع اصطباغها بصبغة الله تعالى، ومعها من التزام تشريع ربها تعالى، ومنع اعتدال التاريخ لصالح الأمة لتأخذ الأمة مكانها كحضارة مستقلة تمثل منهج الله في البشرية، بينما يباح للملاحدة والوثنيين وعبدة الصلبان أن يمثلوا الدور الحضاري المزيف للبشرية اليوم.

دور ورثة رسول الله

وفي ضوء هذا فدور العلماء والدعاة؛ الورثة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولعلمه وإرثه الكريم؛ دورهم أن يبقوا حاملين لراية محمد، صلى الله عليه وسلم، يذودون عن دينه، ويمنعون الملايين من التهافت والسقوط، ويبقون حجة على الخلق يحتج الله تعالى بهم على من عانَد، ويهدي بهم من فاء اليه تعالى.

دورهم أن يحفظوا الطريق لئلا ينجح الطغاة في تعميته على الخلق فيفقدونه. حتى إذا عاد من أراد الهدى وجد الطريق محفوظا، روته قلوب ودموع، ودماء وأيام، وتالون للكتاب، حافظون للسنة، متمسكون بالأصول، أناروا دجى ليل الأمة كما أناروا زنازينهم بالطاعات والتسبيح، والقرآن والدعاء.

دور الأمة نحوهم

على الأمة فرادى وجماعات ومؤسسات أن تدرك واقعها ومخاطرها، وألا تقبل في علمائها ودعاتها التشويه والشيطنة.

وأن تقدّر من ثبت أمام الموجة العاتية للإلحاد والإباحية ليحمي الدين ويحمي الأمة ويحمي الأجيال القادمة، وبين من قبِل الفتنة وسارع فيها وناقض نفسه وخالف دينه ودمّره على بينة، وبدّل موقفه كما يبدل ثيابه وتناقض في مشهد سخر منه طاغيته قبل أن تسخر منه قلوب المفتونون.

ينبغي التفريق بين من ضُيق عليه ليحفظ دينه لربه ولنفسه ولأمته، وبين من سُلطت عليه الأضواء وفُتحت له القنوات ليبدّل الدين ويتلاعب به ويلغ ولوغ الكلاب بيعا وشراء، ليرجع الى بيته آخر الليل مجهدا قد تعب من بيع دينه طول النهار «كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها» وقد أوبقوها..!

وقد غداء من غدا منهم ليبيع، وراح آخر النهار ليظن نفسه ربح؛ لكنه الثمن القليل الذي حذّر رب العالمين منه ﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ (البقرة: 41). وقد اشتروا..!!

على الأمة ألا تنسى الكرام؛ دعاءً لربها، وحفظا لهم ولأقدارهم في قلبها، ونصرتهم باللسان ومنع قبول التشويه لهم والافتراء في حقهم، والوقوف حاجزا أمام الظلمة، والضغط عليهم لتكفّ يد الفجرة عن رقاب العلماء والدعاة والصالحين وحرياتهم.

على المسلمين أن ينشروا علمهم وكلماتهم وأن يذكّروا بهم أبناءهم، ويذكّرَ بعضهم بعضا.

على أمتنا أن تستخرج ذلك اللؤلؤ المكنون والدر المنثور من معاناتهم، وحفظهم في سويداء القلوب وقرة العيون، وتقديمهم إذ ثبتوا وبان معدنهم وأنهم لم يكونوا شراة دنيا، بل كانوا طلاب آخرة وحُماة دين؛ فمثل هؤلاء يتقدمون.

خاتـمة

حدثنا ربنا سبحانه عن موجات الفتن، فلما نرى ما نرى فإن عندنا خبر سابق وتوطين من الله؛ فلا نفجأ ولا ننزعج ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ (البقرة: 214)

ولهذا فالموقف الطبيعي والمنطقي هو ﴿هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ (الأحزاب: 22). وزيادة الإيمان والتسليم.

وكما نصدّق ربنا تعالى في وقوع الفتنة والاختبار؛ فإننا نصدقه تعالى في رفع الفتنة ومجيء العافية وانقشاع الغمة. ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا﴾ (الأحزاب: 25) ﴿أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (يونس: 55)

ألا إن المجرمين لن ينالوا خيرا، وألا سيحِقُّ وعْد الله تعالى؛ إنا به مؤمنون.

……………………………

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة