إن الأصل أن القتال غير واجب على المرأة ويتبع ذلك دخولها السلك العسكري للتدرب على فنون القتال وحمل السلاح واستخدامه، بل إن المرأة ممنوعة شرعًا من اختلاطها بالرجال الأجانب لمباشرة تدريبها.

وظيفة المرأة الأساسية

يحرص الإسلام على إيجاد الأم المتخصصة، أعني: المتخصصة لإنتاج الإنسان الصالح، وتربيته ورعايته، وكذلك رعاية زوجها؛ لأنه ولي الأمر في البيت، والقيام بشؤون بيتها؛ لأن الأسرة هي نواة المجتمع فإذا صلحت صلح المجتمع وإذا فسدت فسد المجتمع وتفكك وظهرت فيه الجرائم والجُنح وانعدمت فيه الأخلاق..

ولذا فنطاق عملها ووظيفتها الأساسية هو البيت، وهذه الوظيفة هي رسالة عظيمة لا يمكن أن يقوم بها غيرها، ولذا حثها الإسلام على طاعة زوجها والقيام بشؤون بيتها..

هذا علاوة على ما يحدث من فساد بخروجها واختلاطها بالرجال، فعن عبد الله بن مسعود: عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان»1(1) [رواه الترمذي (1173) وغيره، وصححه الألباني]..

قال ابن القيم: وَلَا رَيْبَ أَنَّ ‌تَمْكِينَ ‌النِّسَاءِ ‌مِنْ ‌اخْتِلَاطِهِنَّ بِالرِّجَالِ أَصْلُ كُلِّ بَلِيَّةٍ وَشَرٍّ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ نُزُولِ الْعُقُوبَاتِ الْعَامَّةِ، كَمَا أَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ فَسَادِ أُمُورِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَاخْتِلَاطُ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ سَبَبٌ لِكَثْرَةِ الْفَوَاحِشِ وَالزِّنَا، وَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ الْمَوْتِ الْعَامِّ، وَالطَّوَاعِينِ الْمُتَّصِلَةِ… فَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْمَوْتِ الْعَامِّ: كَثْرَةُ الزِّنَا، بِسَبَبِ ‌تَمْكِينِ ‌النِّسَاءِ ‌مِنْ ‌اخْتِلَاطِهِنَّ بِالرِّجَالِ، وَالْمَشْيِ بَيْنَهُمْ مُتَبَرِّجَاتٍ مُتَجَمِّلَاتٍ، وَلَوْ عَلِمَ أَوْلِيَاءُ الْأَمْرِ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ فَسَادِ الدُّنْيَا وَالرَّعِيَّةِ -قَبْلَ الدِّينِ- لَكَانُوا أَشَدَّ شَيْءٍ مَنْعًا لِذَلِكَ…2(2) [الطرق الحكمية صـ(239)]. اهـ

مفهوم الحجاب في الإسلام

كما أن الإسلام طلب من المرأة الحجاب، ومفهوم الحجاب في الإسلام يشمل عدة أمور:

1- ستر المـرأة بدنها عن الأجانـب، وهو الوارد في قوله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾[النور:31]، وفي قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ﴾[الأحزاب:59].

2- استــتار المـرأة عن الاختلاط بالرجال الأجانب في بيتها وفي خارجه، وهو الوارد في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾[الأحزاب:53].

3- استتار المـرأة في بيتها وعــدم خــروجها منه لغير حاجة أو ضرورة، حتى جعل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم صلاتها في بيتها خيرًا من صلاتها في المساجد، قال تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾[الأحزاب:33]. وهذا وإن كان في أزواج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فغيرهن مأمورات بذلك من باب أولى؛ لأن خوف الفتنة عليهن وبهن أشد، ودلت الآية على أن قرار المرأة في بيتها من أسباب طهارة قلبها وعرضها وذهاب الرجس عنها.

وهذا كله لسد ذرائع الفتنة، فقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء»3(3) [رواه البخاري (5096) ومسلم (2741)]..

ضوابط عمل المرأة

وقد أذن الشرع للمرأة بالخروج من البيت عند الضرورة أو الحاجة، حتى لو كان للعمل، لكن بضوابطه الشرعية، وقد أشار إليها القرآن بقوله تعالى: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ﴾[القصص:23-24].

فنلاحظ أن المرأتين لم تختلطا بالرجال: ﴿قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ﴾، كما نلاحظ أنه ليس هناك من يقوم بالعمل عنهما: ﴿وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾، هذا مع الستر والحجاب..

موقف الشريعة الإسلامية من عمل المرأة في السلك العسكري

يمكننا بعد هذه المقدمة أن ندخل في صلب الموضوع، وهو: عمل المرأة في السلك العسكري، الذي هو من أخطر مجالات العمل في العصر الحديث، وما موقف الشريعة الإسلامية منه؟

لا شك أن العمل العسكري يتعارض مع طبيعة المرأة وضعفها وفطرتها والوظيفة التي خلقها الله من أجلها -هذا من حيث الأصل-، فالأصل في المرأة: أن العمل في المجال العسكري ليس من شأنها؛ فقد جاءت التوجيهات النبوية ببيان هذا الأصل، فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهـا، أنها قالت: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: «لا، لكن أفضل الجهاد حج مبرور»4(4) [رواه البخاري (1520)]..

وعن أم ورقة بنت عبد الله بن نوفل الأنصارية، أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لما غزا بدرًا، قالت: قلت له: يا رسول الله، ائذن لي في الغزو معك أمرض مرضاكم، لعل الله أن يرزقني شهادة، قال: «قري في بيتك فإن الله تعالى يرزقك الشهادة»5(5) [رواه أبو داود (591) وحسنه الألباني]..

وعن أم كبشة -امرأة من عذرة قضاعة- قالت: يا رسول الله ائذن لي أن أخرج في جيش كذا وكذا، قال: «لا». قلت: يا رسول الله إنه ليس أريد أن أقاتل إنما أريد أن أداوي الجرحى والمرضى، أو أسقي المرضى. قال: «لولا أن تكون سنة، وأن يقال: فلانة خرجت! لأذنت لك ولكن اجلسي»6(6) [رواه الطبراني في الكبير (431) وغيره، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. وصحح الألباني إسناده في السلسلة الصحيحة (2740)]..

وهذا هو الذي يتفق مع قواعد الشريعة بخصوص المرأة، وطبيعة المرأة وضعفها.

وهناك استثناء، وله حالتان:

مشاركة المرأة في الدفاع عن بلاد الإسلام

الأولى: في حالة الدفاع عند غزو العدو بلدة من بلاد الإسلام، فإنه يتعين على جميع أهل البلد الدفاع عنه، بمن فيهم المرأة ما دامت مستطيعة.

قال النووي: “المرتبة الثانية: أن يتغشاهم الكفار، ولا يتمكنوا من اجتماع وتأهب، فمن وقف عليه كافر، أو كفار، وعلم أنه يقتل إن أخذ، فعليه أن يتحرك، ويدفع عن نفسه بما أمكن، يستوي فيه الحر والعبد، والمرأة والأعمى، والأعرج، والمريض، ولا تكليف على الصبيان والمجانين، وإن كان يجوز أن يقتل ويؤسر، ولو امتنع لقتل، جاز أن يستسلم، فإن المكاوحة والحالة هذه استعجال القتل، والأسر يحتمل الخلاص، ولو علمت المرأة أنها لو استسلمت امتدت الأيدي إليها، لزمها الدفع وإن كانت تقتل؛ لأن من أكره على الزنى لا تحل له المطاوعة لدفع القتل، فإن كانت لا تقصد بالفاحشة في الحال وإنما يظن ذلك بعد السبي، فيحتمل أن يجوز لها الاستسلام في الحال، ثم تدفع حينئذ..”7(7) [روضة الطالبين وعمدة المفتين (10/ 214)]..

مشاركة المرأة بالدعم اللوجستي في حال أمنت الفتنة

الثانية: يجوز للحاجة خروج المرأة مع الجيش الإسلامي في وقت المعركة إذا أُمنت الفتنة؛ لمداواة الجرحى وسقي الماء وصنع الطعام ونحو ذلك من الأعمال اللائقة بها، أو ما يسمى في هذا العصر بـــ”الدعم اللوجستي” ومما يدل على ذلك:

عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَنَسْقِي الْقَوْمَ، وَنَخْدُمُهُمْ، وَنَرُدُّ الْجَرْحَى وَالْقَتْلَى إِلَى الْمَدِينَةِ8(8) [رواه البخاري (2883)]..

وعن يزيد بن هرمز أن نجدة -وهو رأس من رؤوس الخوارج- كتب إلى ابن عباس يسأله عن خمس خلال، فقال ابن عباس: لولا أن أكتم علمًا ما كتبت إليه.

كتب إليه نجدة: أما بعد فأخبرني هل كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يغزو بالنساء؟ وهل كان يضرب لهن بسهم؟ وهل كان يقتل الصبيان؟ ومتى ينقضي يتم اليتيم؟ وعن الخمس لمن هو؟

فكتب إليه ابن عباس: كتبت تسألني هل كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يغزو بالنساء وقد كان يغزو بهنَّ فيداوين الجرحى، ويحذين من الغنيمة وأما بسهم فلم يضرب لهن…9(9) [رواه مسلم (1812)]. الحديث.

وعن أم عطية الأنصارية قالت: غزوت مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم سبع غزوات أخلفهم في رحالهم فأصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى وأقوم على المرضى10(10) [رواه مسلم (1812)]..

وعن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا؛ فيسقين الماء ويداوين الجرحى11(11) [رواه مسلم (1810)]..

قال أبو زرعة ولي الدين العراقي: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَخُرُوجُهُنَّ ‌مَعَ ‌الرِّجَالِ ‌فِي ‌الْغَزْوِ ‌مُبَاحٌ إذَا كَانَ الْعَسْكَرُ كَثِيرًا تُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْغَلَبَةُ، وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِأُمِّ سُلَيْمٍ وَنِسْوَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ لِيَسْقِينَ الْمَاءَ وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى… اهـ12(12) [طرح التثريب في شرح التقريب )8/49(]..

  حمل المرأة السلاح في حالة الدفاع عن بلاد الإسلام

ولا يوجد دليل يمنع من حملهن السلاح في حالة الدفاع -إذا كان منهن من تطيق ذلك- بل ورد ما يدل على مشروعيته، فمن ذلك ما تقدم من اتخاذ أم سليم خنجرًا للدفاع عن نفسها:

قال النووي: قوله: “أن أم سليم اتخذت يوم حنين خنجرًا”… وفي هذا الغزو بالنساء وهو مجمع عليه13(13) [شرح مسلم (١٢/١٨٨)]..

وقد نقل محمد بن عمر الواقدي عن أم عمارة نُسيبة بنت كعب بن عمرو الأنصاريّة رضي الله عنهـا أنها قاتلت يوم أحد دفاعًا عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم؛ قال: فَكَانَتْ أُمّ سَعْدٍ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ رَبِيع تَقُولُ: دَخَلْت عَلَيْهَا فَقُلْت لَهَا: يَا خَالَةِ، حَدّثِينِي خَبَرَك. فَقَالَتْ: ‌خَرَجْت ‌أَوّلَ ‌النّهَارِ ‌إلَى ‌أُحُدٍ، وَأَنَا أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ النّاسُ، وَمَعِي سِقَاءٌ فِيهِ مَاءٌ، فَانْتَهَيْت إلَى رَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو في أصحابه، والدّولة والريح لِلْمُسْلِمِينَ. فَلَمّا انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ انْحَزْت إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلْت أُبَاشِرُ القتال وأذبّ عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بِالسّيْفِ وَأَرْمِي بِالْقَوْسِ حَتّى خَلَصَتْ إلَيّ الْجِرَاحُ. فَرَأَيْت عَلَى عَاتِقِهَا جُرْحًا لَهُ غَوْرٌ أَجْوَفُ، فَقُلْت: يَا أُمّ عُمَارَةَ، مَنْ أَصَابَك بِهَذَا؟ قَالَتْ: أَقْبَلَ ابْنُ قَمِيئَةَ، وَقَدْ وَلّى النّاسُ عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، يَصِيحُ: دُلّونِي عَلَى مُحَمّدٍ، فَلَا نَجَوْت إنْ نَجَا! فَاعْتَرَضَ لَهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَأُنَاسٌ مَعَهُ، فَكُنْت فِيهِمْ، فَضَرَبَنِي هَذِهِ الضّرْبَةَ، وَلَقَدْ ضَرَبْته عَلَى ذَلِكَ ضَرَبَاتٍ، وَلَكِنّ عَدُوّ اللهِ كَانَ عَلَيْهِ دِرْعَانِ… اه14(14) [المغازي (1/268- 269)، وسنده ضعيف]..

ـ فتأمل قولها: “وقد ولَّى الناس عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم”، فهي كانت في حالة دفاع عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وكان ذلك في غزوة أحد التي هي في الأصل كانت حرب دفاعية عن المدينة وقد روي عن عمر رضي الله عنـه في ترجمة أم عمارة الانصارية رضي الله عنهـا قوله: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «ما التفت يمينًا ولا شمالًا يوم أحد إلا وأنا أراها تقاتل دوني»15(15) [أخرجه ابن سعد، وانظر الإصابة (4/ 479)]..

وبمقتضى الجمع بين الأدلة: فهي مشاركة محدودة في زمانها ومكانها مع رفقة مأمونة لا تعارض الأصل المقرر، ولذا قال الألباني رحمه الله: تُحمل على الضرورة أو الحاجة لقلة الرجال، وانشغالهم بمباشرة القتال، وأما تدريبهن على أساليب القتال وإنزالهن إلى المعركة يقاتلن مع الرجال كما تفعل بعض الدول الإسلامية اليوم، فهو بدعة عصرية، وقرمطة شيوعية، ومخالفة صريحة لما كان عليه سلفنا الصالح، وتكليف للنساء بما لم يخلقن له، وتعريض لهن لما لا يليق بهن إذا ما وقعن في الأسر بيد العدو. والله المستعان16(16) [السلسلة الصحيحة (6/549-550)]..

عمل المرأة في السلك العسكري في ظل الأنظمة العلمانية

ونحن إذا أردنا أن نتحدث عن عمل المرأة في السلك العسكري في ظل أنظمة لا تحكم بما أنزل الله، وفي ظل مجتمعات يغلب عليها الفساد، فسيختلف الحكم عنه في ظل مجتمع إسلامي نظيف يخضع لكلمة الله، ليس فيه إعلام يهيج على الرذيلة، ولا نُظم ومناهج تلغي القيم الربانية والفطرية في الإنسان..، حيث لا يمكن تطبيق الاستثناء الذي دلَّت عليه أحاديث الجواز؛ لوجود الفوارق الجوهرية المؤثرة في الحكم، والتي منها:

1- أن رغبة النساء في عهد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الجهاد إنما كانت لأن الجهاد أفضل الأعمال، وكان لإعلاء كلمة الله. بينما اليوم إنما هو لإعلاء كلمة السلطة التي لا تحكم بما أنزل الله، أو لتحقيق مصالح مادية ودنيوية.

2- أن الطاعة المطلقة في عهد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم والخلفاء الراشدين لله. بينما هي في الأنظمة الوضعية اليوم للأمر العسكري، بغض النظر هل هو موافق لشرع الله أم مخالف له، فهذا من الشرك الأكبر في الطاعة.

3- أن مشاركة المرأة في العهد النبوي كان محدودًا ومؤقتًا في فترة الغزو، ولم يكن بابًا مفتوحًا ونظامًا، أو بتعبير النبي صلَّى الله عليه وسلَّم «سُنَّة»، كما تقدم في الحديث: «لولا أن تكون سنة، وأن يقال: فلانة خرجت! لأذنت لك ولكن اجلسي». في حين أن العمل العسكري اليوم للمرأة هو وظيفة يومية تداوم عليها لفترة طويلة، تشغلها عن عملها الأساسي في البيت.

4- كانت البيئة بيئة قبلية عشائرية صغيرة، يعرف بعضهم بعضًا، وفي الغالب يكون مع النساء من محارمهن وأقاربهن. بخلاف النُظم العسكرية اليوم، فإنها كبيرة ومفتوحة ويسهل فيها وقوع المحذور..

5- أن العمل العسكري اليوم فيه اتباع لمناهج اليهود والنصارى الذين أُمرنا بمخالفتهم، ومنه تحقيق اتفاقية “سيداو” والتي تنص على المساواة التامة بين الرجل والمرأة في كل شيء، ورفض تقسيم الأعمال والأدوار بحسب الذكورة والأنوثة.

6- مشاركة المرأة في زمن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ليس فيه مشابهة للرجال بأي وجه من الوجوه، لا في اللباس ولا في غيره. أما عمل المرأة اليوم في المجال العسكري فإنه يُحتم عليها لبس ما اتفق الفقهاء على تحريمه أمام الرجال الأجانب؛ لمخالفته لشروط حجاب المرأة، وفي الحديث عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: «أنه لعن المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء»17(17) [رواه أبو داود (4097) وصححه الألباني]..

7- العمل العسكري اليوم يوقع المرأة في الاختلاط والخلوة المحرمة بمقتضى الوظيفة، وقد تضطر للسفر من غير محرم، سواء لأداء مهمات عسكرية، أو لحضور دورات تدريبية، ومحرمها لا يستطيع أن يرافقها أو يدخل إلى مقر عملها18(18) [وانظر بحث: المرأة والجيش. للدكتور/ عادل حسن يوسف الحمد]..

وقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «..ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان..»19(19) [رواه الترمذي (2165)]..

تحريم المشاركة في كل ما يعين حكام الجور

وغير ذلك من الفوارق والمفاسد من عمل المرأة في السلك العسكري، والتي تجعلنا نجزم بتحريمه اليوم. وقد ثبت الأمر الصريح بتجنب السلك العسكري تحت ظل حُكَّام الجور للرجال فضلًا عن النساء، فعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهمـا قالا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يُقَرِّبُونَ شِرَارَ النَّاسِ، وَيُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ مَوَاقِيتِهَا، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلَا يَكُونَنَّ عَرِيفًا، وَلَا شُرْطِيًا، وَلَا جَابِيًا، وَلَا خَازِنًا»20(20) [رواه ابن حبان (4586) وحسنه الألباني في الصحيحة (360)]..

وفي واقعنا المعاصر نجد عامة الحُكَّام يقربون شرار الناس، بل ويقربون الكفار.

والحديث يدل على تجنب المهن التي تعين الظلمة على ظلمهم في السلك العسكري وغيره كالضرائب والجمارك وجباية الأموال الباطلة والبنوك الربوية ونحو ذلك.. فإن من يعمل تحت ظلهم لا بد أن يقع في المخالفات الشرعية، وفي ظلم المساكين والضعفاء ومن لا ذنب له..

إلا من كان في عمله هذا يغلُب على ظنه دفع مفسدة أعظم، أو جلب مصلحة أعظم للمسلمين..

قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ﴾[القصص:17] والظهير: هو المعين.

الشواهد على فساد عمل المرأة في السلك العسكري

والواقع يشهد بكثرة مفاسد عمل المرأة في السلك العسكري، فهذا الرئيس الأمريكي “بايدن” يُصدر قرارًا بتجريم التحرش بسبب ارتفاع معدلاته، وقد طالعتنا الأخبار قبل أيام قليلة أن محكمة عسكرية يهودية حكمت بسجن ضابط في الجيش لمدة 18 شهرًا، إثر إدانته بأفعال تتضمن تصوير مجندات في أوضاع خاصة خلسة على مدار عامين.

وذكرت صحيفة “يديعوت آحرونوت” أن الضابط “روم أبيرغيل” اعترف أنه مذنب في 45 تهمة وجهت إليه، تتضمن ارتكابه أفعال مشينة ومحاولات للتحرش الجنسي.

وكانت النيابة العسكرية الإسرائيلية وجهت في البداية 81 تهمة، لكن جرى تخفيض العدد مع إقرار الضابط بالذنب.

وأضاف الموقع أنه جرى التعرف على نحو 30 مجندة وقعت ضحية لتصرفات الضابط.

وفي المحكمة، اعتذر الضابط إلى ضحاياه وقال إنه لم يسع إلى نشر الصور على آخرين، علمًا أن المحققين وجدوا أكثر من 1000 صورة وفيديو على أجهزته الخاصة.

وترى النيابة العسكرية أن أمر الردع في مثل هكذا قضايا صار مطلوبًا، بعد تكرار جرائم شَوَّهت صورة الجيش العام الماضي.

هذا ما علمنا، وما خفي كان أعظم..

الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال العسكري إذا اقتضت الحاجة

نعم إذا اقتضت الضرورة توظيف النساء لأجل التعامل مع النساء فلا بأس بذلك في حدود الضرورة، لكن هذا العمل مدني وليس عسكري، ولا بد أن ينضبط بالضوابط الشرعية، والتي منها:

1- الحجاب الشرعي.

2- عدم الخلوة.

3- عدم الاختلاط بالرجال.

4- وجود محرم معها إذا اقتضى الأمر السفر أو الاختلاط بالرجال.

– جاء في فتوى اللجنة الدائمة رقم (5082) ما نصه: ويجوز لهن الخروج مع المجاهدين لخدمتهم في سقي، وإسعاف جرحى، وتمريض مصاب ونحو ذلك، لكن على أن يكون خروجهن لذلك مع أزواجهن أو محرم لهن؛ تحقيقًا للمصلحة، ومحافظة على أعراضهن، وذلك هو ما كان في عهد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، لا كما تفعله الدول الكافرة، من خروجهن بلا زوج ولا محرم لقصد الترفيه الفاحش عن المحاربين، تجنيدهن لذلك، أو لمباشرة القتال، فإنهن قد رفع عنهن الجلاد بالسلاح. وبالله التوفيق..

– قال الشيخ ابن باز رحمه الله: وقد حرص الإسلام أن يبعد المرأة عن جميع ما يخالف طبيعتها فمنعها تولي الولاية العامة كرئاسة الدولة والقضاء وجميع ما فيه مسؤوليات عامة لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة» رواه البخاري في صحيحه. ففتح الباب لها بأن تنزل إلى ميدان الرجال يعتبر مخالفًا لما يريده الإسلام من سعادتها واستقرارها. فالإسلام يمنع تجنيد المرأة في غير ميدانها الأصيل. وقد ثبت من التجارب المختلفة وخاصة في المجتمع المختلط أن الرجل والمرأة لا يتساويان فطريًّا ولا طبيعيًّا، فضلًا عما ورد في الكتاب والسنة واضحًا جليًّا في اختلاط الطبيعتين الواجبين. والذين ينادون بمساواة الجنس اللطيف المنشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين بالرجل يجهلون أو يتجاهلون الفوارق الأساسية بينهما21(21) [التبرج وخطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله لابن باز صـ(34)، مجموع فتاوى ابن باز (1/424)]..

– قال الشيخ صالح الفوزان: لا يجوز تجنيد المرأة في الجيش، المرأة ليست من أهل الجهاد، وهذا تكليف لها ما لا تستطيع، وتعريض لها للفتنة والشر، وإخراج لها عن أنوثتها. تكليف لها بعمل الرجال هذا لا يجوز، وهذا من عمل الكفار ما هو من عمل المسلمين، المسلمون لا يجندون النساء، لا يجندون النساء، إنما هذا من عمل الكفار أو من عمل العرب الذين هم على طريق الكفار من الشيوعيين والبعثيين وغيرهم لا يحتج بهم .

وقال في لقاء آخر: لا يجوز تجنيد المرأة بحال من الأحوال أما أنها تخرج مع الجنود في مداواة الجرحى وسقي الماء والزاد، فلا بأس في ذلك، كانت بعض الصحابيات يخرجن مع الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم لتأمين الماء ولتضميد الجرحى ومداواتهم، أما أنها تجند فلا يجوز هذا، هذا من فعل الكفار لا من فعل المسلمين، لا تجند المرأة لا في القتال ولا في الأمن ولا في أي شيء، لا تجند المرأة، المرأة عورة، وضعيفة، ولا تقدر على ما يقدر عليه الرجل من الصبر والجلد والقوة، نعم، ولا يحصل بها المقصود أيضًا لضعفها، لا يحصل بها المقصود..

والحمد لله رب العالمين..

الهوامش

(1) [رواه الترمذي (1173) وغيره، وصححه الألباني].

(2) [الطرق الحكمية صـ(239)].

(3) [رواه البخاري (5096) ومسلم (2741)].

(4) [رواه البخاري (1520)].

(5) [رواه أبو داود (591) وحسنه الألباني].

(6) [رواه الطبراني في الكبير (431) وغيره، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. وصحح الألباني إسناده في السلسلة الصحيحة (2740)].

(7) [روضة الطالبين وعمدة المفتين (10/ 214)].

(8) [رواه البخاري (2883)].

(9) [رواه مسلم (1812)].

(10) [رواه مسلم (1812)].

(11) [رواه مسلم (1810)].

(12) [طرح التثريب في شرح التقريب )8/49(].

(13) [شرح مسلم (١٢/١٨٨)].

(14) [المغازي (1/268- 269)، وسنده ضعيف].

(15) [أخرجه ابن سعد، وانظر الإصابة (4/ 479)].

(16) [السلسلة الصحيحة (6/549-550)].

(17) [رواه أبو داود (4097) وصححه الألباني].

(18) [وانظر بحث: المرأة والجيش. للدكتور/ عادل حسن يوسف الحمد].

(19) [رواه الترمذي (2165)].

(20) [رواه ابن حبان (4586) وحسنه الألباني في الصحيحة (360)].

(21) [التبرج وخطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله لابن باز صـ(34)، مجموع فتاوى ابن باز (1/424)].

اقرأ أيضا

قول الشيخ أحمد شاكر في ولاية المرأة القضاء

قرار المرأة في بيتها عزيمة شرعية

حارسة القلعة في زمن الغربة

المرأة وخدمة العقيدة

 

التعليقات غير متاحة