لم تتقدم أمة إلا إذا صبغتها عقيدة واحدة فشملت رجالها ونساءها، وحركت كوامن النفوس ومشاعرها وقدراتها وشحذت تفكير وإرادة المرأة كالرجل.

حديث للتأمل

قالت أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها: كان الرسول ـ عليه السلام ـ يقول في مرضه الذي مات فيه: «يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت في خيبر».

هذا حديث صحيح ذكره البخاري في باب “مرض الرسول الذي مات فيه”.

لقد وقفت مع هذا الحديث وظللت أتأمله وأردد بيني وبين نفسي “إن هذا لشيء عُجاب”..!!؛ أجل فقد استولى عليَّ العَجب لكون طعام يهود خيبر المسموم الذي قدّموه لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، لم يجئ به شاب مفتول العضلات ولا رجل قويّ البنية! إنما تولّت زمام هذه المؤامرة الدنيئة امرأة ضعيفة..!!

سألت نفسي مراراً:

تُرى ما الذي حمل هذه المرأة على أن تخطط لقتل رسول الهُدى؟! وما كان ـ بأبي هو وأمي ـ من الملوك الظلمة الذين يأخذون أموال الناس غصباً وعدواناً. هل هو شعور هذه المرأة بأنها عضو في مجتمع وعليها دور لابد أن تؤديه..؟!

طبيعة العقيدة

إذا كانت هذه المرأة اليهودية قد عرَّضت نفسها للمشاق والألم، وهمّت بمبارزة الرجال حرصاً على بقاء عقيدتها الهشّة التي أحاط بها الباطل من بين يديها ومن خلفها؛ فماذا تراها فاعلة لو كانت تحمل في صدرها عقيدة التوحيد الصافية التي تحملها فتيات الإسلام ومع ذلك قلّما يجتهدن لنصرتها، ويحملن همَّها ويقدِّمن لأجلها الرخيص فضلاً عن النفيس…!!

كأن فتاة الإسلام قد أغمضت عينيها فلم تبصر نساء اليهود والنصارى في عصرنا وقد شمّرن عن ساعد العمل والجد. حتى قامت “إيميلدا” ـ زوجة “ماركوس” حاكم الفلبين السابق ـ بقيادة معظم الحركات التنصيرية ضد المسلمين في “مندناو” والجزر الإسلامية..!! بل إن حماسها العقَدي حملها على إنشاء منظمات نصرانية كمنظمة “ايلجاس” التي ليس لها مهمة إلا قتل الشباب المسلم في الفلبين، وقتل نسائهم وتخريب ديارهم..! كما لم تنسَ هذه النصرانية تكوين عصابة سمتها “عصابة الفئران” وصرفت لموظفيها مبالغ طائلة ليصطادوا فريستهم التي ليست إلا نحن (!!).

وإني أحسب أن فحيح “عابدة حسين” الذي تناقلته وسائل الإعلام، ليس إلا دليلاً على أن العصر عصر العقائد، حتى عند الجنس اللطيف! ؛ إذ دأبت هذه المسيحية على تحريض بلادها “باكستان” كي تعترف بالكيان الصهيوني الذي ترتبط هي به روحياً وعقائدياً..!!

والأمثلة على هذا النوع كثيرة غير أني أدَعُها؛ وأدْعو نساء المسلمين إلى مطالعة صفحات التاريخ المشرقة ليرَين خطوات “أسماء” ونطاقها الذي لم تجد غيره فشقّته! وليتأملن صمود “أسماء” وابنها “عبد الله”؛ فهل كان يرخص رأس عبد الله في عيني أمه لولا عقيدة يرخص دونها الوالد والولد..؟!

لماذا تُشيح فتاة الإسلام بسمعها عن صوت “الخنساء” وهي تردد: “الحمد لله الذي شرّفني بقتلهم”..! وهي التي همّت قبل إسلامها بقتل نفسها حزناً على أخيها؛ إذ قالت:

ولولا كثرةُ الباكين حولي … على إخوانهم لقتلتُ نفسي!

تُرى ما الذي غيَّر لغة الخنساء وعاطفتها، ومن ذا الذي منحها طاقة تواجه بها مصيبة موت أولادها الأربعة؛ إلا عقيدة لا طعم للحياة بدونها..!

امتداد للنضال

وفي العصر الحديث لا نُعدم جيلاً نسائياً استشعر عظمة العقيدة فجاهد لنصرتها، ولم يقف تفكير هؤلاء النسوة عند حدود الطبخ والثوب والحذاء والزوج والولد وأمن البلاد، بل كان مع تربية الولد وإسعاد الزوج وخدمة أمتها..

وهذه “خنساء فلسطين” مريم فرحات “أم نضال” واشتهرت فرحات بلقب “خنساء فلسطين”، بسبب التضحيات الكبيرة التي قدمتها فهي أرملة وأم لستة أبناء وأربع بنات، جميع أبنائها من كتائب الشهيد “عز الدين القسام”، استُشهد منهم ثلاثة، نضال ومحمد ورواد، وأم لأسير منذ لأكثر من عقد من الزمان في سجون الاحتلال “الإسرائيلي.

خاتمة

أختاه.. (للنائمات فقط)، العقيدة لا تحتاجنا، بيْد أننا نحتاج خدمتها لنتذوق طعم الحياة بها..!!

ولا سبيل لهذه الأمة ولا بشائر لنصرها إلا إذا تفاعلت مختلف قطاعاتها واندمجت وتراكَم الجهد من الجميع بتلقائية وقوة وإخلاص. في الحياة طعم يذاق للسمو والرفعة، وفي الآخرة رفعة منزلة وأجر لا ينقطع. وعلى الله التكلان.

…………………………….

هوامش:

  1. صحيح البخاري، (والله يعصمك من الناس)، عرض تاريخي لمحاولات اغتيال الرسول، أحمد الجدع.
  2. انظر: مجلة الدعوة، تاريخ 8/5/1412هـ، ص16-17.
  3. مجلة الجهاد، العدد رقم 85، شعبان عام 1412هـ عابدة حسين سفيرة باكستان لدى الأمم المتحدة.

المصدر:

  • مجلة البيان، العدد 62، الرباب بنت عبد الله

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة