من الخير أن ينتبه الدعاة لمسألة إدارة الوقت ومتابعة الأحداث، وتحديد نقطة التأثير والقدرة عليها وعدم الإغراق في تفاصيل تجعل المتابِع سلبيا، والتوجيه لتنمية القدرة والإيجابية.

الماجَرَيات

تأليف: إبراهيم السكران

الناشر: دار الحضارة للنشر والتوزيع

الطبعة: الثانية، 1436 هـ – 2015 م

عدد الأجزاء: 1

عدد الصفحات: 344

فكرة الكتاب

من المهم قبل البدء في إبراز فكرة الكتاب أن أورد ـ بتصرف ـ توضيح الكاتب لهذه المركّبة (الماجريات) فهي تعني الأحداث والوقائع والأخبار، حيث تولدت هذه اللفظة بأسلوب التركيب المزجي: فـ (الـ) للتعريف، و(ما) الموصولية بمعنى الذي، و(جرى) بمعنى وقع وحدث، وجمعت بالمؤنث السالم لتصبح: الماجرَيَات.

– صنّف الكاتب الماجريات إلى اجتماعية وشبكية وسياسية، ونبّه إلى ضرورة ضبطها بعدد من الموازين حتى تؤتي أكلها.

– أكّد أن إهمال هذه الموازين عاقبته إما الانهماك والإفراط المؤدي إلى ضياع الأوقات وقلة الإنتاج والسلبية، والانتقال من موقع المؤثر إلى موقع المتفرج. وإما الانقطاع الكامل المؤدي إلى العزلة السلبية والانتقال من موقع المؤثر أيضًا، لكن إلى موقع الهارب من الواقع.

– الكتاب يتحدث بشكل عام عن مسألة الانشغال بـ “الماجريات” أي تتبع الأخبار والحوادث. وعالجَها الكاتب معالجة تأصيلية شرعية نفسية، تمكّن فيها باقتدار من سبر أغوارها وتتبع مسالكها، مستدعياً الدلائل والشواهد المتنوعة.

– الكتاب ليس مجرد مناقشة علمية وعقلية لمسألة الماجريات، بل في الواقع يقدم لنا برنامجا عمليا في “إدارة الأفكار” و”إدارة الأوقات”، يحتاجه كل منشغل بالدعوة إلى الله والإصلاح ومواقع التواصل الاجتماعي.

يشتمل الكتاب على:

مدخل وثلاثة فصول وحصائل وتعقيبات.

المدخل:

يلاحظ الكاتب الانهماك الشديد في “الماجَرَيات” من قبل الناس، وخصوصا بعد انتشار الهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي، وبعد ثورات الربيع العربي. وانشغالهم بالماجَرَيات عن أمور أخرى أهم بكثير، ويفرق الكاتب بين عدة أمور:

أولها: فقه الواقع والغرق في الواقع

فمن الطبيعي والضروري أن يعرف الإنسان واقعه الذي يحيا فيه؛ ولكنه يحذّر من أن يغرق الإنسان في تفاصيل وجزئيات وفروع الواقع، وتشغله عن أمور أهمّ كالتحصيل العلمي وإصلاح دين ودنيا الناس.

ثانيا: المتابعة المتفرجة والمتابعة المنتجة

 فهو يحذر أيضا من المتابعة لمجرد المتابعة، وأن يصبح الإنسان خبيرا في الماجَرَيات اليومية والسياسية، دون أي إنتاج عملي أو علمي.

ثالثا: المتابعة زمن التحصيل والمتابعة زمن العطاء

فيحذّر من أن ينشغل الشباب وهم في أفضل سني عمرهم من حيث القدرة على الفهم والحفظ والتحصيل، بأن يضيّعوا هذا الوقت الذهبي في متابعة الماجَرَيات، ولكن بعد تكوّن عقلية الشاب ونضجها بتحصيل واعي وعلم غزير، يصح له أن يفقه واقعه ليصوّره تصويرا سليما، ويكون بذلك في زمن العطاء الغزير للمجتمع .

رابعا: توظيف الآلة والارتهان للآلة

 بدلا من أن نستغل التطور الحادث في الآلات والتكنولوجيا في خدمة العلم والمجتمع، ونوظفه توظيفا صحيحا؛ يحذّر الكاتب من أن نصبح أسرى للآلات، وخصوصا بعد انتشار الهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي.

خامسا: فصل السياسة ومرتبة السياسة

فهو يحذّر هنا من فصل السياسة بالكلية عن الدين، ويحذر أيضا أن نعطيها مرتبة أكبر مما تستحق، ويؤكد على خطأ التصوّرَين؛ فالسياسة لها مرتبة في الدين، يجب أن نعرفها، فلا نقلل من أهميتها؛ ولا نجعلها تطغى على غيرها.

الفصل الأول: موقع الماجريات

جاء تأصيلاً لمسألة “الماجريات” من حيث البناء اللغوي اللساني، ومن حيث التعرض لرأي علماء السلوك فيها، حيث حذّروا رحمهم الله من صحبة “الماجرياتيين” الذين ضاعت أوقاتهم فيما لا ينفعهم لا ديناً ولا دنياً.

كما حذّروا من تبديد الطاقة الذهنية التي وهبها الله للإنسان بقدْر معيّن في هذه “الماجريات”، وبيّنوا أن التطلع إلى الكمال يقتضي البُعد والهرب من هذه الماجريات، وأنها قد تكون من لهو الحديث الذي قال الله تعالى فيه: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ).

الفصل الثاني: الماجريات الشبكية

تطرق الكاتب بتفصيل عن “اضطراب إدمان الإنترنت (IAD) ” بشكله الطبي والتطور العلمي له.

ومنه، نفَذ إلى تفاصيل دقيقة في هذا الباب مما يتلبس به الماجرياتيون كالتصفح القسري والأعراض الانسحابية والهروب النفسي والتصفح الملثم والعمى الزمني وإدمان البيانات.

ثم تسلّل الكاتب إلى مظاهر أدق في هذا الباب كتسلسل التصفح والنبأ المتدحرج ومسلسل الخبر والتعليق والتعليق على التعليق.. واستطاع الكاتب أن يصف لحظات التسلسل وتأثير النظراء على استمراء هذه الحالة. وعرّج على المهاترات الشبكية وغيرها من الحيل النفسية التي نتلبس بها ونحن نتصفح ماجريات الشبكة.

الفصل الثالث: الماجريات السياسية

على طوله بالنسبة لسابقية يعتبر مجموعة من الشواهد الواقعية على نتيجة البحث: “أهمية التوازن في متابعة الماجريات السياسية والانشغال بها”، سواء كان ذلك في المضامين المفاهيمية أو في الأدوات والتقنيات.

لم يكتف الكاتب بعرض التشخيص بل رأى ضرورة طرح بعض الحلول والأدوية الناجعة لهذه المسألة. والتي منها بلا شك ضرورة معايشة تجارب المنجِزين في العلم والثقافة والإصلاح ومعايشة النماذج الحية التي طرح لها الأمثلة الباهرة.

ويستعرض في كل نموذج سيرته المفيدة، ثم يتبعها بالشواهد والتحليلات لما كان عليه من توازن مثمر في هذه المسألة.

نماذج منتقاة

واختار الكاتب من هذه النماذج المنتقاة:

أولا: البشير الإبراهيمي

العلامة الجزائري، الذي حوى من العلم الكثير والكثير، وفقه واقع بلاده وأمته، وجاهد الاحتلال الفرنسي للجزائر. وهو الذي فرق بين مفهومين للسياسة: قشور السياسة ولبابها؛ قشورها: هو العمل الحزبي و تتبع الماجَرَيات السياسية، وأما لبابها الحقيقي: هو العلم والتربية وبناء الأمة .

ثانيا: المفكر الجزائري مالك بن نبي

الذي حذّر الناس من توهّم أن النهضة والحضارة والتقدم تكون بالاشتغال بالماجَرَيات السياسية والمطالبة بالحقوق المجردة. وأن ذلك هو “دروشة سياسية”، وإنما تنمو النهضة والحضارة بمنطق العمل في الواقع والمجتمع .

ثالثا: الشيخ أبو الحسن الندوي

العالم الهندي الذي أصّل شرعيا لكون السياسة لم تكن هي وحدها وفقط هدف الأنبياء والمرسلين، وحذّر من التفسير السياسي للإسلام، القاصر على السياسة وحدها.

رابعا: الدكتور عبد الوهاب المسيري

تحدث في تجربته الثقافية أن الانهماك الماجرياتي والانخراط في دوامة الآحاد والأعيان والأحداث اليومية يشوّش التفكير الكلى ويقلص القدرة على الإبداع فضلا عن أنه يختلس الوقت.

خامسا: د. فريد الأنصاري

الذي حذّر من ظاهرة التضخم السياسي، وجعْل العمل السياسي هو الغاية والوسيلة، وأن يصير الرهان الوحيد على الحل السياسي دون سواه.

ويصل الكاتب مع نهاية كتابه إلى قاعدة ذهبية وهي أن أصل المسألة “مغالاة وإفراط في أصل صحيح مطلوب”.

وبأسلوب آخر فإنه يرى ضرورة التمييز بين فقه الواقع والغرق في الواقع، حتى لا نتجاوز القدْر الذي نحتاجه من هذه الماجَريات فنغرق غرقا سلبيا يمنعنا من الإنجاز والتقدم.

أو نأسر أنفسنا في مقاعد المتفرجين بدل المؤثرين الفاعلين المنتجين.

حصائل وتعقيبات

ويتضمن الخلاصات: الاستنامة للواقع، فكرة الصوم عن الأخبار، امتيازات الفتوة العلمية، الغيرة على الزمن، الزمن كأنفاس، القياس الى فضول العلم، مصارف طاقة التفكير، استبحار العلم.

الخلاصة

الكتاب ليس مجرد مناقشة علمية وعقلية لمسألة “الماجَريات”؛ بل هو برنامج عملي في إدارة الأفكار وإدارة الأوقات. ومن الأهمية بمكان أن يقرؤه المربون والمشرفون على الأنشطة الطلابية والشبابية بشكل خاص، ليعيدوا التوازن في “الماجَريات”، ويضبطوا الاتزان لدى المجموعات الشبابية.

إن الجوال الذكي يعدّ اليوم سمة عصرية؛ ليس الشباب بمنأى عن الماجريات المضمنة فيه، وحين نستشرف المستقبل فإنه ـ أعني الجوال الذكي ـ سيكون أحد المعطيات الرئيسية في بناء الرؤية التربوية.

وهي دعوة لأن يكون هذا الكتاب (الماجريات) متطلباً عاماً لكل شاب دلف إلى المحاضن التربوية، طالباً أو معلماً أو مشرفاً، بغضّ النظر عن آلية تسريب مفاهيمه لدى المستهدفين.

إنه إضافة تربوية قيّمة ومهمة في تهذيب النفوس وتزكيتها والمحافظة على طاقاتها من التبديد.. جزى الله مؤلف الكتاب على ما قدمه خير الجزاء وأثابه أحسن الثواب وفك أسره وأسر إخوانه أجمعين.

……………………………….

المصادر:

  • كتاب الماجريات.
  • إعادة التوازن (قراءة في الماجريات)، البيان: 341.
  • قراءة في كتاب الماجريات، للشيخ إبراهيم السكران، موقع التبيان.

لتحميل الكتاب:

اقرأ أيضا .. عرضا لكتب أخرى بالموقع:

التعليقات غير متاحة