قضية تبديل أحكام الله وتوجيه الأمة عبر الإعلام والتعليم، وعبر القوانين؛ بعيدا عن الإسلام ومنهجه، وأحكامه وأخلاقه وقيمه، يساهم فيها الجهل من جانب والعجز من جانب آخر، والحرب الخبيثة من جانب ثالث.

تعريف بالكتاب

المؤلف: عبد القادر عودة (المتوفَى: 1373هـ)

الناشر: الاتحاد الإسلامي للمنظمات الطلابية  IIFSO

الطبعة: الخامسة، 1405 هـ – 1985 م

عدد الأجزاء: 1

عدد الصفحات: 80

مقدمة

يبين الكتاب أن المسلمين يسيرون من ضعف إلى ضعف، ويخرجون من جهل إلى جهل، وهم لا يدرون أنَّ العلة الحقيقية لما هُمْ فيه إنما هي الجهل بالشريعة الإسلامية، وإهمال تطبيقها على كمالها وسموّها، ولا يعلمون أنَّ تشبُّثهم بالقوانين الوضعية الفاسدة هو الذي أفسدهم، وأورثهم الضعف والذلة.

وأنه لن نترك أحكام الشريعة الإسلامية إلاَّ لجهلنا بها، وقعود علمائنا أو عجزهم عن تعريفنا بها، ولو أنَّ كل مسلم عرف واجبه نحو الشريعة لما تأخر عن القيام به، ولتسابقنا في العمل لخدمة الشريعة، وتطبيق أحكامها.

وتناول فيه ما يجب على المسلم أن يعرفه عن الشريعة ونشأة القانون والفرق بينه وبين الشريعة وفي ختامها طرح سؤالا غاية في الأهمية: من المسئول عما نحن فيه؟

فصول الكتاب

يشتمل الكتاب على مقدمة وثلاثة فصول:

الفصل الأول: ما يجب على المسلم أن يعرفه

الشريعة وخصائصها

شريعة الإسلام هي مجموعة المبادئ والنظريات التي شرعها الإسلام في التوحيد والعبادات والأحوال الشخصية والجرائم  والمعاملات والإدارة والسياسة وفي غير ذلك. وأعظم مقومات الإسلام هو العمل بأحكامه فالإسلام لم يوجد إلا لتُعرف أحكامه وتقام شرائعه؛ وعلى هذا فمن أهمل العمل بالشريعة أو عطلها فقد أهمل الإسلام وعطله.

شُرعت للدين والدنيا

الأحكام في الإسلام نوعان؛ أحكام يراد بها إقامة الدين في جانب العبادات والعقيدة، وأحكام تنظم الدول والجماعات وعلاقة الأفراد ببعضهم. ومن النادر أن لا نجد حكما في الشريعة يترتب عليه عقوبة دنيوية وجزاء في الآخرة، ذلك هو السبب في احترام المسلمين شريعتهم في السر والعلن بعكس القانون الوضعي الذي أمن الناس العقوبة منه فليس ثمة ما يمنعه من ارتكاب أي جريمة.

الشريعة لا تتجزأ

أحكام الشريعة لا تتجزأ ولا تقبل الانفصال. وهناك أدلة عديدة من القرآن على إلزام المسلمين بتطبيق الشريعة كلها كما أنزلت ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾. (البقرة: 85)

الشريعة إلهية عالمية

تتميز شريعتنا بأنها شريعة عالمية، فهي صالحة لكل مكان وزمان؛ أنزلها الله رحمة للعالمين. فشريعة الإسلام كاملة شاملة وُضعت لتطبق في كل بقاع الأرض في كل زمان.

ومن يراجع أحكام الشريعة يجد أنها جاءت كاملة لا نقص فيها. شاملة لأمور الأفراد والجماعات والدول، فهي تنظم الأحوال الشخصية، والمعاملات، وكل ما يتعلق بالأفراد، وتنظيم شؤون الحكم والإدارة والسياسة، وغير ذلك مما يتعلق بالجماعة كما تنظم علاقة الدول بعضها ببعض في الحرب والسلم.

ولم تأت الشريعة الإسلامية لوقت دون وقت، أو لعصر دون عصر، أو لزمن دون زمن، وإنما هي شريعة كل وقت، وشريعة كل عصر، وشريعة الزمن كله، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

القوانين الوضعية

نشأ القانون الوضعي على يد جماعة صغيرة من رجال الدولة المسيطرون على الحكم، وكلما تطورت الجماعة أدخلت تعديلات على القوانين؛ إذا فالسلطة هي من تضع القانون على النحو الذي يسد حاجتها وترتضيه، وتقوم بتغييره وقتما تشاء.

الاختلافات الأساسية بين الشَّريعة والقانون

المصدر

أن الشريعة من عند الله بينما القانون من صنع البشر. لذلك كلما تطورت الجماعة الحاكمة تطور القانون؛ أما الشريعة فهي منذ بعثة الرسول حتى يومنا هذا، أو بعد آلاف السنين، لا تحتاج لتجديدٍ أو تعديل؛ فهي لم تغفل أي ركن من أركان الحياة.

الديمومة والتغيير

أن القانون عبارة عن قواعد مؤقتة، تضعها الجماعة، لتنظيم شؤونها وسد حاجتها، فهي قواعد متأخرة عن الجماعة، أو هي في مستوى الجماعة اليوم، ومتخلفة عنه غدًا، لأن القوانين لا تتغير.

أما الشريعة فقواعدها وضعها الله على سبيل الدوام، لتنظيم شؤون الجماعة، فالشريعة تتفق مع القانون في أن كليهما وضع لتنظيم الجماعة، ولكن الشريعة تختلف عن القانون في أن قواعدها دائمة لا تقبل التعبير والتبديل.

مستوى التشريع بين التنظيم والتوجيه

إن الغرض من الشريعة هو تنظيم الجماعة وتوجيهها، وخلق الأفراد الصالحين، وإيجاد الدولة المثالية، والعالم المثالي، ومن أجل هذا جاءت نصوصها أرفع من مستوى العالم كله وقت نزولها، ولا تزال كذلك حتى اليوم، وجاء فيها من المبادئ والنظريات ما لم يتهيأ العالم غير الإسلامي لمعرفته، والوصول إليه، إلا بعد قرون طويلة، وما لم يتهيأ هذا للعالم لمعرفته، أو يصل إليه حتى الآن.

ومن أجل هذا تولى الله ـ جلَّ شأْنه ـ وضع الشريعة، وأنزلها نموذجًا من الكمال، ليوجه الناس إلى الطاعات والفضائل ويحملهم على التسامي والتكامل، حتى يصلوا أو يقتربوا من مستوى الشريعة الكامل.

أما القانون، فالأصل فيه أنه يوضع لتنظيم الجماعة، ولا يوضع لتوجيهها، ومن ثم كان القانون متأخرًا عن الجماعة، وتابعًا لتطورها. ولكن القانون قد تحول في القرن الحالي عن أصله فصار يوضع لتوجيه الجماعة وتنظيمها، حيث بدأت الدول التي تدعو لدعوات جديدة تستخدم القانون لتوجيه الشعوب وجهات معينة، كما تستخدمه لتنفيذ أغراض معينة.

الفصل الثَّاني: مدى علم المسلمين بشريعتهم

يختلف علم المسلمين بالشريعة الإسلامية باختلاف ظروف حياة كل منهم وثقافته، وهم ينقسمون إلى ثلاث طوائف بحسب علمهم بالشريعة:

الأولى: طائفة غير المثقفين

وهي تشمل الأميين والمثقفين ثقافة بسيطة لا تؤهلهم لأن يستقلوا بفهم ما يُعرض عليهم والحكم عليه حكمًا صحيحًا. وهؤلاء يجهلون الشريعة الإسلامية جهلاً تَامًّا إلا معلومات سطحية عن العبادات، وأكثرهم يؤدون العبادات تأديةً آليةً، مقلِّدين في ذلك آباءهم وإخوانهم ومشايخهم، ويندر أن تجد فيهم من يعتمد في تأدية عباداته على دراسته ومعلوماته الشخصية.

والثانية: طائفة المثقفين ثقافة أوروبية

ومن هذه الطائفة: القضاة والمحامون، والأطباء، والمهندسون، والأدباء ورجال التعليم، والإدارة، والسياسة.

وقد تثقفت هذه الطائفة على الطريقة الأوروبية، ولهذا فهم لا يعرفون عن الشريعة الإسلامية إلا ما يعرفه المسلم العادي بحكم البيئة والوسط. وأغلبهم يعرف عن عبادات اليونان والرومان، وعن القوانين والأنظمة الأوروبية، أكثر مما يعرف عن الإسلام والشريعة الإسلامية.

وهؤلاء المثقفون ثقافة أوروبية، والذين يجهلون الإسلام والشريعة الإسلامية إلى هذا الحد، هم الذين يسيطرون على الأمة الإسلامية، ويوجهونها في مشارق الأرض ومغاربها، وهم الذين يمثلون الإسلام والأمم الإسلامية في المجامع الدولية.

ولطائفة المثقفين ثقافة أوروبية ادعاءات غريبة عن الشريعة، بل هي ادعاءات مضحكة..! فبعضهم يدّعون أن الإسلام لا علاقة له بالحكم والدولة، وبعضهم يرى الإسلام دينًا ودولة. ولكنهم يَدَّعُونَ أن الشريعة لا تصلح للعصر الحاضر فيما يتعلق بأحكام الدنيا، وبعضهم يرى أن الشريعة تصلح للعصر الحاضر، ولكنهم يدعون أن بعض أحكامها مؤقت فلا يطبق اليوم، وبعضهم يرى أن الشريعة تصلح للعصر الحاضر، وأن أحكامها دائمة ولكنهم يدّعون أن بعض أحكامها لا يستطيع تطبيقه، خشية إغضاب الدول الأجنبية، وبعضهم يَدَّعِي أن الفقه الإسلامي يرجع إلى آراء الفقهاء أكثر مما يرجع إلى القرآن والسنة.

ثم شرع في الرد على شبهاتهم حول الشريعة.

والثالثة، طائفة المثقفين ثقافة إسلامية

وتضم هذه الطائفة المثقفين ثقافة إسلامية عالية وما دونها وعددهم ليس قليلاً. وإن كانوا أقلية بالنسبة للمثقفين ثقافة أوروبية.

ولهذه الطائفة نفوذها العظيم على الشعوب الإسلامية فيما تعلم هذه الشعوب أنه متصل بالإسلام، ولكن ليس لهذه أي حظّ من سلطان الحكم؛ فرجالها لا يكادون يتولون إلا وظائف الوعظ والإمامة والتدريس، وقد يتولون القضاء، فلا يسمع لهم بالقضاء إلا في مسائل الأحوال الشخصية.

الفصل الثَّالث: مَن المسؤول عما نحن فيه..؟

إن المسلمين جميعًا مسؤولون عما نحن فيه وعما انتهى إليه أمر الإسلام، وقد تختلف مسؤولية بعضهم عن مسؤولية بعض، فتخفّ مسؤولية فريق وتشتد مسؤولية فريق؛ ولكنهم جميعًا مسؤولون عما هم في من جهل وفسق وكفر، وعما هم فيه من تفرّق وضعف وذِلة، وعمّا يعانون من فقر واستغلال، وعما يحملون من نير الاستعمار وبلاء الاحتلال.

مسؤولية الجماهير

إن جماهير المسلمين مسؤلون عن ما وصل الإسلام إلي ما نحن فيه، بجهلهم وانحرافهم عن الإسلام شيئا فشيئا.

إن جماهير المسلمين قد ألِفَت الفسق والكفر والإلحاد حتى أصبحت ترى كل ذلك فتظنه أوضاعًا لا تخالف الإسلام، أو تظن أن الإسلام لاَ يُعْنى بمحاربة الفسق والكفر والإلحاد. ولا يعنيه من أمر ذلك كلِه شيء.

مسؤولية الحكومات وقادة بلادنا

والحكومات “الإسلامية!!” مسؤولة إلى أكبر حد عما أصاب الإسلام من الهوان، وعما أصاب المسلمين من الذل والخبال.

إن الحكومات “الإسلامية!!” قد أبعدت الإسلام عن شؤون الحياة، واختارت للمسلمين ما حرمه عليهم الله، وحكمت فيهم بغير حكم الله.

إن الحكومات “الإسلامية!!” تدفع المسلمين إلى الضلالة الأوروبية وتدفعهم عن الهداية الربانية، فتحكم فيهم بحكم القوانين الوضعية، ولا تحكم فيهم بحكم الشريعة الإسلامية.

إن الحكومات “الإسلامية!!” خرجت عن الإسلام في الحكم والسياسة والإدارة، وخرجت على مبادئ الإسلام فلا حرية ولا مساواة ولا عدالة، ونبذت ما يوجبه الإسلام فلا تعاون بين المسلمين ولا تضامن ولا تراحم، وشجعت ما يحرمه الإسلام من الظلم والمحاباة ومن الاستغلال والإقطاع، وأقامت المجتمع الإسلامي على الفساد والإفساد، وعلى الفسوق والعصيان، وعلى الأثرة والطغيان.

مسؤولية علماء الإسلام

لقد ارتكب الحكام المظالم، واستحلوا المحارم، وأراقوا الدماء، وانتهكوا الأعراض، وأفسدوا في الأرض، وتعدوا حدود الله، فما تحرك العلماء للمظالم، ولا غضبوا من استحلال حدود الله، ولا غضبوا من استحلال المحارم. كأن الإسلام لا يطلب إليهم شيئًا، ولا يفرض عليهم فرضًا ولا يوجب عليهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يُلزمهم نصيحة الحكام والمطالبة بالرجوع لأحكام الإسلام.

واحتُلت البلاد الإسلامية فما غضب علماؤها على الاحتلال ولا بيّنوا للناس حكم القرآن والسنة في جهاد المحتلين ومقاومة الاحتلال وفي مسألة المحتلين ومولاة الاحتلال.

إن علماء الإسلام ناموا عن الإسلام زمنًا طويلاً فما هاجموا وضعًا من الأوضاع المخالفة للإسلام، ولا حاولوا إيقاف أمر أو حكم مخالف لأحكام الإسلام، وما اجتمعوا مرة يطالبون بالرجوع إلى أحكام الإسلام.

إن العلماء هم ورثة الأنبياء، وما يليق بالعلماء أن يقفوا هذا الموقف من ميراث الأنبياء، ولقد فرض الإسلام على العلماء واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فمن يقوم بهذا الواجب إذا أهمله السادة العلماء..؟

خاتمة

يا علماء الإسلام اتقوا الله في أنفسكم وفي الإسلام.

يا علماء الإسلام إنكم لم تهونوا على الدول والحكام إلا بعد أن هان عليكم الإسلام.

يا علماء الإسلام إن عزتكم من عزة الإسلام، وقوتكم من قوة الإسلام، فإن شئتم أن تشعروا بالعزة والقوة فاعملوا لعزة الإسلام ولقوة الإسلام.

يا علماء الإسلام ليس من الإسلام في شيء أن تُمسكوا ألسنتكم عن بيان حكم الله، وتغضّوا أبصاركم عن أعداء الله حتى ينتهكوا حرمات الله.

يا علماء الإسلام ليس من الإسلام أن تقفوا على المنابر لتعلّموا الناس محاسن الأخلاق وأداء العبادات، وتتركوهم جهالاً بما يوجِّه الإسلام في الحكم والحكام والتشريع، والقضاء، وفي الاجتماع والاقتصاد، في معاملة الأعداء والاصدقاء.

لماذا لا تبينون للناس حكم الإسلام في الحكام الذين يُلزمون المسلمين ما يخالف الإسلام..؟ وهل يوجب الإسلام طاعتهم واتباع أهواءهم، أم يوجب عصيانهم والخروج عليهم؟

لماذا لا تبينون للناس حكم الإسلام في القوانين الوضعية، وما يوجبه على المسلمين من طاعتها أو عصيانها؟

لماذا لا تبينون للناس حكم الإسلام في فيمن يحارب دعاة الإسلام.

………………………….

رابط لتحميل الكتاب:

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة