في الحضارة الغربية عوار عميق يدمر الإنسان ويحتقره، ويخسر فيها إنسانيته بحجة التقدم المادي؛ بينما لا يملك أحد اليوم منهجا يحفظ الإنسان وكرامته إلا المسلمون.

تأليف: سيد قطب

الناشر: دار الشروق

الطبعة: الثالثة عشر، 1412 هـ – 1992 م

عدد الأجزاء: 1

عدد الصفحات: 205

مقدمة

هذا الكتاب خطوط واضحة المعالم يرسمها الأستاذ الشهيد ـ إن شاء الله ـ حول مفهوم الحضارة الحقيقي وارتباطها بمفهوم الإسلام وكنهه الحقيقي

يستعرض الكتاب كيف أن حضارة الغرب الزائفة قامت بأبشع جريمة رغم كل ما يوهم بأنها حققته ألا وهي “جريمة تدمير الإنسان” وتحويله إلى آلة وحيوان، والجهل المطبق الذي يمر به الإنسان، على الرغم من التقدم المادي. ثم يستعرض التخبط والاضطراب الذي هو سمة أساسية من سمات حضارة الغرب الزائفة؛ من حيث الاعتداء على الانسان وفطرته، ومن حيث المرأة والعلاقة بين الجنسين، أو من حيث التخبط الرهيب في النظم الاجتماعية والاقتصادية.

ويُحكم الخناق الأستاذ الشهيد ـ إن شاء الله ـ على هذه الحضارة بأنها ـ بكل صدق ـ لا تلائم الإنسان لما فيها من جرائم من حيث أنها تعاقب الفطرة.

ويتساءل في النهاية عن “طريق الخلاص..؟” وهو سؤال منطقي ليُعرض في النهاية، وبكل سلاسة ومنطقية.

أهم الافكار التي تناولها هذا الكتاب

– المجتمع الإسلامي ضرورة إنسانية.

–  كيف تكون الحياة مهددة بالتدمير في ظل الحضارة القائمة..؟

– الطبيعة الخاصة للإنسان.

– نظرة الإنسان لنفسه بعيدًا عن هدي الله.

-علاقة الرجل بالمرأة في الإسلام.

– أثر التقدم المادي على الإنسان والحضارة الإنسانية.

– المنهج الإسلامي للحضارة الإنسانية.

محتويات الكتاب

أولا: تدمير الإنسان

الحياة الإنسانية ـ كما هى سائر اليوم وكما هى صائرة وفق جميع التقديرات الظاهرة ـ لا يمكن أن تستمر فى طريقها هذا، ولا بد لها من تغيير أساسى فى القاعدة التى تقوم عليها؛ تغيير يعصمها من تدمير “الإنسان” ذاته، بتدمير خصائصه الأساسية. فالحياة الإنسانية ـ بداهة ـ لا تستطيع أن تبقى إذا ما دمّرت خصائص (الإنسان).

وخط الحياة الحالى يمضى يوماً بعد يوم فى تدمير خصائص الإنسان، وتحويله إلى آلة من ناحية، وإلى حيوان من ناحية أخرى..

وإذا كان هذا الخط لم يصل إلى نهايته بعد، وإذا كانت آثار هذه النهاية لم تتضح اتضاحاً كاملاً.. فالذى ظهر منها حتى اليوم، وفى الأمم التى وصلت إلى قمة الحضارة المادية، يشى بتناقص الخصائص الإنسانية وضمورها وتراجعها، بقدر ما يشى بنمو الخصائص الآلية والحيوانية وتضخمها وبروزها.

ثانيا: الإنسان ذلك المجهول

إن تقدم الإنسان فى علوم المادة، وإبداعه فى العالم المادي، وصحة بحوثه ونظرياته في ذلك الحقل، لا تقتضي تقدمه في علم الإنسان، ولا صحة بحوثه ونظرياته فى هذا الحقل. وأن هذا الحقل غير ذاك. فى طبيعتهما أولاً، ثم في مدى التقدم الذي وصل إليه الإنسان بالفعل ثانياً. ثم فيما ينتظر تقدم الإنسان في كليهما ثالثاً.

وأن (جهلنا مطبق) بالإنسان كما يقرر (العالِم) الغربي الكبير (ألكسيس كاريل).. هذا الواقع (العلمي) عن (الجهل المطبق) بالإنسان ـ مع العلم النسبي بالمادة ـ نتيجة متوقعة، وثمرة طبيعية، لحقيقة دور الإنسان فى الأرض، وغاية وجوده الإنساني فى الكون، كما تبدو من خلال التصور الإسلامي.. والإسلام؛ يرتب على هذه الحقيقة نتائجها، فيطلق يد الإنسان فى عمارة الأرض، واستخدام طاقاتها وخاماتها. والتحليل فيها والتركيب، والتحوير فيها والتعديل.. بينما هو يضع لهذا الإنسان منهج حياته، الذي يحكم هذه الحياة، ولا يكل إليه هو وضع هذا المنهج، لأنه مزود بطاقات معينة ليتحكم فى المادة عن علم ـ نسبي طبعاً ـ بينما هو غير مزود بمثل هذه الطاقات لمعرفة نفسه، حتى يتحكم في أمرها عن علم كما يتحكم في المادة.

فالإنسان ـ في التصور الإسلامي ـ هو سيد هذه الأرض، وكل ما فيها مسخر له، بقدرة الله تعالى، وقد أوتي إمكان العلم بشئونها، هبة من الله سبحانه، والاستمتاع بطبيعاتها وجمالها، نعمة منه خالصة.. وليست الأرض وحدها بكل ما فيها من أحياء وأشياء؛ ولكن كذلك السماوات مهيأة لمساعدة الإنسان في دوره المنوط به، ومراعياً في بنائها دور الإنسان في هذه الخلافة. إنه أمر عظيم هائل.. ولكنه كذلك!

ثالثا: تخبط واضطراب

هذا (الجهل المطبق) بالإنسان الذى يتحدث عنه الدكتور(ألكسيس كاريل)، فى منتصف القرن العشرين، لابد أنه كان أعمق وأشمل فيما قبل هذا القرن، وقبل أن تبذل تلك الجهود الضخمة فى محاولة المعرفة، وقبل أن يتجه البحث إلى (الإنسان) وإلى علوم الإنسان.

وهذا الجهل المطبق بالإنسان، الذى ستبقى جوانب منه مهما بذل من الجهد ومهما تعددت حقول البحث ودرجاته، نظراً للصعوبات الذاتية الكامنة فى تعقد موضوع الحياة من جهة، وفى طبيعة عقولنا من جهة أخرى..

هذا الجهل كان وما يزال يقتضى أن يظل الإنسان لاصقاً بالله ـ سبحانه ـ قريباً منه، ملتجئاً إليه، مهتدياً بمنهجه الذى يضعه له عن علم وحكمة. وألا يغترّ بفتوحات العقل والعلم فى عالم المادة، ولا بمهارته فى الإبداع المادي مهما بلغت قدرته، ومهما فهم أنه أتى بالخوراق في هذه المجال ـ فيدفعه هذا الغرور إلى تطبيق محاولاته فى عالم المادة على عالم الحياة. وبخاصة حياة الإنسان. وألا يفتنه هذا الغرور أيضاً، فيجعله يحاول أن يضع لحياته مناهج مستقلة عن منهج الله. بله أن تكون معادية له، شاردة عنه.

ولكن الذى وقع فى أوروبا أولاً، ثم عمَّت بلوته الأرض كلها فيما بعد، كان على الضد من هذا كله، ومن ثم كان التخبط، وكانت الشقوة، وكان خط الدمار الذى تنحدر فيه البشرية إلى الهاوية فى هذا الزمان، وكانت هذه الأزمة الحادة التى يواجهها (وجود) الإنسان.

رابعا: الإنسان وفطرته واستعداداته

(الإنسان) كائن فذّ في هذا الكون. فذّ في طبيعته وتركيبه. وفذّ في وظيفته وغاية وجوده. وفذّ كذلك فى مآله ومصيره..

إنه مخلوق غير مكرر في جميع الخلائق التي عرفناها، والتي يحدثنا الله عنها كذلك ولا نراها. ومخلوق بقدَر فلم يوجد هكذا مصادفة ولا جزافاً. ومخلوق لغاية فلم يُخلَق عبثاً ولا سدى.. وهذا واضح فيما نقلناه من الآيات القرآنية. وفى نظرة الإسلام إلى الإنسان بجملتها.

وتفرد الإنسان في هذا الكون بطبيعته وتركيبه، وفي وظيفته وغاية وجوده، وفي مآله ومصيره، هو الذي يقرره التصور الإسلامي عن الإنسان في نصوصه الكثيرة، فكلها تُقرر أن هذا الإنسان، خُلق خلقة فذة خاصة مقصودة، وعيّنت له وظيفة، وجعلت لوجوده غاية، وأنه كذلك مُبتَلى بالحياة مختبر فيها، محاسَب فى النهاية على سلوكه فيها، هذا السلوك الذى يقرر جزاءه ومصيره.

خامسا: المرأة وعلاقات الجنسين

إن التخبط فى النظر إلى المرأة وإلى علاقات الجنسين، والأرجحة العنيفة بين الغلو والتفريط والتقلب من طرف إلى طرف، والشد والجذب الذى لا يستقر على طريق وسط، ولا يتسق مع فطرة ولا خُلق.. إن هذا كله لا يقل عن نظيره فى النظرة إلى الإنسان وفطرته واستعداداته.

ولا يقل أثر الاضطراب والتخبط فى النظرة إلى المرأة وإلى علاقات الجنسين فى حياة المجتمع الإنساني، عن أثر التخبط والاضطراب في النظرة إلى الإنسان وفطرته واستعداداته؛ فكلاهما ينبع من معين واحد؛ هو الجهل بحقيقة هذا الكائن بنوعيه، ومن الهوى كذلك والضعف، ثم الانقطاع ـ مع هذا الجهل والهوى والضعف ـ عن منهج الله وهداه.

إن هذه العلاقة هى التى يقوم عليها بناء العمران ـ هى وقاعدة النظام الاقتصادى وتوزيع الثروات ـ كما يقوم عليها بناء الأخلاق الإنسانية فى مجالات واسعة متشابكة.. والنظرة إلى هذه العلاقة، وإلى العلاقات الاقتصادية كذلك، فرعٌ عن النظرة إلى “الإنسان” التى أفضنا فيها بما تسمح به حدود هذا البحث المجمل.. ولكنها تحتاج إلى مزيد من الإيضاح خاص بها لضخامة أهميتها.

سادسا: النظم الاجتماعية والاقتصادية

كما وقع التخبط ، والتطرف، والهزات العنيفة، والتأرجح بين الطرفين الجامحين دائماً، وعدم اعتدال الميزان فى الوسط العادل المتناسق.. كما وقع هذا كله فى النظرة إلى الإنسان وفطرته واستعداداته. وفى النظرة إلى المرأة وعلاقات الجنسين.. كذلك وقع فى النظم الاقتصادية والاجتماعية سواء بسواء.

وكان هذا طبيعياً ومنتَظراً من نظم تقوم على تلك النظرة الخاطئة إلى الإنسان، وعلى الجهل المطبق بحقيقة الإنسان. فما لم تصح النظرة إلى الإنسان ذاته، وحقيقة فطرته واستعداداته، وغاية وجوده وحدود سلطانه.. إلخ ما لم تصح النظرة إلى هذا كله، فلا مفر من التخبط والأرجحة فى كل ارتباطاته الأخرى. وبخاصة ارتباطاته الاقتصادية والاجتماعية.. فهذه فروع من تلك وأثر من آثارها.

لقد سارت الأوضاع تتأرجح بين التطرف هنا والتطرف هناك، على نفس الطريقة التي سارت بها في النظرة إلى الإنسان وفطرته واستعداداته، والنظرة إلى المرأة وعلاقات الجنسين. بل أشد تأرجحاً وأكثر ضحايا، وأشد بلاء. منذ كان الاقتصاد وتوزيع السلطات فى المجتمع مجالاً لصراع أشد، يبلغ حد الوحشية الرعيبة فى كثير من الأحيان. ومنذ كانت معالجة الخطأ الجامح تأتى بخطأ أخر جامح فى الجانب الآخر. ولا يعتدل بها الميزان قط فى يد الإنسان، الجاهل بنفسه ومقدّراته وحاجاته الحقيقية، الخاضع لشهواته وضعفه وهواه، الشارد فى ذاته عن الله ومنهجه للحياة.

والماركسية والتفسيرات المادية عموماً تُخرج الإنسان من حسابها وهى تسجل هذه التقلبات والأطوار. والماركسية بصفة خاصة تقيم الاقتصاد ـ وحده ـ إلهاً متفرداً متصرفاً فى أقدار (الإنسان) بعيداً عن إرادة الإنسان وفطرته واستعداداته؛ فهى دائماً خاضعة لحتمية العوامل الاقتصادية، أو ناشئة من هذه العوامل الاقتصادية.

سابعا: حضارة لا تلائم الإنسان

إن صانعي هذه الحضارة الحديثة لم يكن لديهم العلم بحقيقة هذا الإنسان وخصائصه، كما أنه لم تكن لديهم الرغبة فى احترامه وتكريمه.

لم يكن لديهم العلم، لأن هذه الحضارة بدأت ونمت خلال القرون الثلاثة الأخيرة، بينما الجهالة المطلقة بالإنسان لا تزال قائمة حتى اللحظة. وليس هنالك ما هو صحيح وثابت عنه إلا ما أخبر به عنه خالقه العظيم. والحضارة المادية الحديثة نشأت فى جوّ الشرود من الكنيسة، والنفور من ظلها، ومن ظل الدين، كل الدين.

ولم تكن لديهم الرغبة، لأي محاولة لـ “تكريم الإنسان”، كانت ستذكّر بمركزه الذى يعطيه “الدين” له. وكل شىء كان جائزاً فى أوروبا إلا أن تجئ سيرة “الدين”، وأن تكون لهذا الدين أية علاقة بأوضاع الإنسان (المدنية) وبالنُظم الاجتماعية والاقتصادية، وبعلاقات العمل وارتباطاته وطرائقه الفنية..! بل كانت تتوافر عندهم الرغبة المضادة والحرص البالغ، على “تحقير الإنسان”، وتدنيسه وتلويثه، وإثبات حيوانيته وقذارته الجنسية من جهة، وضآلة دوره إزاء المادة وقوانينها الحتمية، والاقتصاد وإرادته القاهرة من جهة أخرى، كأنما هم أعداء لهذا الجنس “الإنسان” حريصون ـ فى شماتة ظاهرة ـ على إبرازه يتلبط فى المستنقع ويتلطخ بالأوحال.. كل ذلك ليقولوا للكنيسة: خذى إلهك ودينك، وخذى معهما إنسانك هذا الذى تزعمين أن الله قد نفخ فيه من روحه واذهبى بعيداً عنا وعن حياتنا الواقعية..!!

ثامنا: عقوبة الفطرة

لم يكن بُدّ، وقد شرد الإنسان عن ربه ومنهجه وهداه، وعبد الإنسان نفسه واتخذ إلهه هواه. وجهل الإنسان نفسَه كذلك وراح يخبط فى التيه بلا دليل. وأقام منهج حياته على قواعد من هذا الجهل ومن ذلك الهوى. واعتدى على فطرته التى فطره الله عليها فى حموة االشرود من ربه وفطرته ومنهجه.

ولم يكن بُدّ وقد رفض الإنسان تكريم ربه له، فاعتبر نفسه حيواناً ـ وقد أراده الله إنساناً ـ وجعل نفسه آلة ـ وقد أراده الله مهندساً للآلة ـ بل جعل الآلة إلهاً يحكم فيه بما يريد، وجعل المادة إلهاً يحكم فيه بما يريد، وجعل الاقتصاد إلهاً يحكم فيه بما يريد ـ وقد أراد له ربه أن يكون سيد المادة، وسيد الاقتصاد ـ ولكنه رفض هذا التكريم كله لينجو فقط من الكنيسة، ويشرد من إله الكنيسة..!

لم يكن بُدّ وقد اتخذ الإنسانُ له آلهة من دون الله، فاتخذ من المال إلهاً، ومن الهوى إلهاً، ومن المادة إلهاً، ومن الإنتاج إلهاً، ومن الأرض إلهاً، ومن الجنس إلهاً، ومن المشرّعين له آلهة يعتدون على اختصاص الله فى التشريع لعباده، فيعتدون بذلك على حق الألوهية على عباد الله.. كل هذه الآلهة اتخذها وعبدها، ليهرب من الله ويستنكف عن عبادته..!!

لم يكن بُدّ وقد فعل الإنسان هذا كله بنفسه أن تحِلّ به عقوبة الفطرة يؤدى ضريبة المخالفة عن ندائها العميق، وأن يؤديها فادحة قاصمة مدمرة.

تاسعا: كيف الخلاص

نحن ـ أصحاب المنهج الإسلامى للحياة ـ نملك للبشرية ما لا يملكه أحد آخر على ظهر هذا الكوكب. ونحن ـ أصحاب المنهج الإسلامى للحياة ـ ندرك أننا ـ وحْدنا ـ مكلفون أن نتقدم لحمل العبء، ولِندُلَّ البشرية على طريق الخلاص، ولننشئ هذا الطريق أيضاً.

نحن نملك منهجاً للحياة، لا يعادى العلم مطلقاً. ويرحب بمزيد من علوم الإنسان على وجه الخصوص؛ ولكنه فى الوقت ذاته لا يكِل لهذا العلم ـ وحده ـ بناء الحياة الإنسانية، إنما يضع الإطار العام الذى يعمل فيه العلم ويعمل فيه العقل، فى دائرة مأمونة.

هذا الإطار من صُنع الذى (يعلم) حقَّ (العلم) حقيقة هذا الإنسان؛ فطرته، وطاقاته، وحاجاته الحقيقة؛ فلا تخفى عليه من الإنسان خافية..! ولا يضع أمام عشرات المسائل ومئاتها فى حياة الإنسان وتركيبِه علامة استفهام واحدة..؟!

وهو إطار واسع جداً، شامل للإنسان كله. تدور الحياة البشرية فى داخله على محور ثابت؛ فتتحرك دائماً حول هذا المحور، وداخل هذا الإطار، حركة نامية متجددة، وهى فى الوقت ذاته آمنة سالمة.

إن منهجنا هو الذى يقيم الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية والتعليمية والتربوية المتكاملة، التى تعيد:

“إنشاء الإنسان فى تمام شخصيته. الإنسان الذى أضعفته الحياة العصرية ومقاييسها الموضوعة”

كما يريد دكتور “كاريل” من (علوم الإنسان) أن تفعل !

خاتمة .. طريق الخلاص

إن البشرية لا تستجيب عادة لمنهج مقروء أو مسموع. إنما تستجيب لمنهج حىّ متحرك، مجسَّم، ممثل فى حياة جماعة من البشر، مترجَم إلى واقع تراه العين وتلمسه اليد، وتلاحظ آثارَه العقولُ.

إنها تستجيب للمنهج الإسلامى فى صورة “مجتمع إسلامى”.

وألف كتاب عن الإسلام. وألْف خطبة فى مسجد أو قاعة أو ميدان. وألْف فليم فى الدعاية للإسلام. وألْف بعثة من الأزهر أو غير الأزهر فى كل مكان.. كل أولئك لا يغني غناء مجتمع صغير يقوم في ركن من أركان الأرض، يعيش بمنهج الإسلام، ويعيش لمنهج الإسلام، وتتمثل فيه خصائص هذا المنهج، وتتمثل فيه صورة الحياة فى الإسلام..!!

وأعداء الإسلام العالميون من الصهيونيين والصليبيين المستعمرين يعرفون هذه الحقيقة جيداً. ومن أجْل معرفتهم العميقة بهذه الحقيقة، هم قد يسمحون بنشر الكتب عن الإسلام ـ فى حدود ـ وبإلقاء الخُطب عن الإسلام ـ فى حدود ـ وبعرض الأفلام عن الإسلام ـ فى ندرة!ـ وبإرسال البعثات للإسلام ـ فى رقابة! ـ ولكنهم لا يسمحون أبداً ـ بما لديهم من سلطات عالمية ضخمة خافية وظاهرة ـ بقيام مجتمع إسلامى ـ ولو صغير ـ فى ركن من أركان الأرض ـ ولو فى جزيرة بالمحيط..!

ذلك أنهم يعرفون أن هذه هى الوسيلة الجدية الوحيدة (لوجود) الإسلام..! وهم قد عانوا من (وجود) الإسلام طويلاً؛ إذ حال بينهم وبين أهدافهم الاستعمارية الاستغلالية للوطن الإسلامي وللمجتمع الإسلامي. وما صدّقوا أن أجْهزوا ـ كما يتصورون ـ على هذا الجَبّار. فهم يفزعون من شبحه ولا يريدون له (الوجود) الفعلي بحال من الأحوال.

ولكن المجتمع الإسلامي ـ مع هذا كله ـ هو طريق الخلاص الوحيد للبشرية المهددة بالدمار والبوار.

…………………………………..

اقرأ أيضا:

رابط تحميل الكتاب:

التعليقات غير متاحة