سنة الله جارية، وجريان الأمور بأسباب ومسببات لا يمنع عقوبة الله تعالى. والغفلة مؤذنة بالسقوط في نفس فخ من سبقوا..! ولهذا يجب الحذر من جانب، والترقب لحلول سنن الله تعالى من جانب آخر..

عبرةٌ ينبغي ألا تمر

اجتاحت أعاصير عاتية سواحل أمريكا فدمرت تدميرًا عظيمًا في تكساس وميامي وفلوريدا وغيرها مما يكلفهم مئات المليارات من الدولارات.. ولا شكَّ أن في ذلك آية وعبرة..

«فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى غيمًا أو ريحًا عُرف في وجه ـ أي: الكراهية والخوف ـ قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية؟ فقال: يا عائشة ما يؤمّنّي أن يكون فيه عذاب؟ عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب، فقالوا: هذا عارض ممطرنا»(1).

وروى مسلم عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم الريح والغيم، عرف ذلك في وجهه، وأقبل وأدبر، فإذا نزل المطر؛ سُرَّ به، وذهب عنه ذلك، قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ: فسألته فقال: إني خشيت أن يكون عذابًا سلط على أمَّتي».(2)

ولذا كان صلى الله عليه وسلم إذا هبَّت الريح يدعوا بهذا الدعاء: «اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرِّها ، وشرِّ ما فيها، وشرِّ ما أرسلت به».(3)

[اقرأ ايضا: جريمة أمريكا في حربها على التوحيد في مؤتمرات الضرار]

عبرة في إعصار إيرما

ولا شك أن إعصار (إيرما) الذي ضرب أمريكا مؤخرًا هو عقوبة إلهية بالنظر إلى حال أمريكا وفسادها وظلمها في الأرض ـ وخصوصًا ظلمها الكبير للمسلمين ـ وقد قال صلى الله عليه وسلم: «نُصرت بالصبا (ريح الشمال) وأُهلكت عاد بالدبور (ريح الجنوب)»(4).

وهذا لا يتعارض مع وجود قانون للرياح والأعاصير فإن الله جلَّ وعلا ـ الذي وضع الأسباب والمسببات ـ لا حدود لقدرته فإن الله قادر على أن يلغي تأثير الأسباب متى ما شاء، وقادر على أن يأتي بالأشياء بلا أسبابها.

وأذكر بهذه المناسبة قبل سنوات عديدة حدث في بريطانيا إعصار مدمر.. وكانت قبل ساعات منه ذكرت النشرة الجوية للطقس أنه لا احتمال لأي عواصف أو رياح أو أمطار..
فضج الناس في بريطانيا لهذه المعلومات الخاطئة.. وحمّلوا حكومتهم المسؤلية؛ ظانِّين أن حكومتهم قادرة على أن تمنع عنهم هذه الكارثة!! ﴿أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ﴾ (الأنبياء:43).

[للمزيد: القدس ونهاية القرن الأمريكي الظالم]

عاد المعاصرة

وقد أخبر عز وجل عن أقوام من الكفار هلكوا بمثل هذا كقوم عاد؛ قال تعالى:

﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ﴾ (الحاقة:6- 8).

وقال الله عزَّ وجلَّ فيهم: ﴿وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ﴾ (هود:59- 60).

فأي شماتة أعظم من اللعنة في الدنيا والآخرة لعادٍ الأولى؟

وقال تعالى عنهم:

﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ﴾ (فصلت:15-16).

وقال تعالى:

﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ * فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ * وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ (الأحقاف 21-27)، ومثل هذا كثير في القرآن..

ولئن كانت هذه الأعاصير لم تستأصل أمريكا الظالمة ـ كقوم عاد ـ إلا أنها ذكرى لعلهم يرجعون عن ظلمهم، كما قال تعالى: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ (السجدة:21).

[اطلع على المزيد: سنن التدافع]

العقوبات الباقية

وليست العقوبات بالأعاصير خاصةً بأمريكا؛ بل كل من خالف أمر الله وتعدى وظلم هو معرض لأنواع العقوبات الإلهية، ولو كان من أهل الإسلام، كما قال تعالى: ﴿وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ .. قال السعدي رحمه الله:

﴿وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ الذين يشابهون لفعل قوم لوط ﴿بِبَعِيدٍ﴾ فليحذر العباد، أن يفعلوا كفعلهم، لئلا يصيبهم ما أصابهم.اهـ

وقال أيضا:

“﴿وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي ” أي: لا تحملنكم مخالفتي ومشاقتي ﴿أَنْ يُصِيبَكُمُ﴾ من العقوبات ﴿مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ﴾ لا في الدار ولا في الزمان.اهـ(5)

وقال تعالى:

﴿وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ * إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ * وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ * وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ * فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ (العنكبوت :33-41).

وفقنا الله وعموم المسلمين إلى ما يحب ويرضى في كل أحوالنا.

كُتب الخميس 1438-12-23

……………………………..

هوامش:

  1. رواه البخاري رقم 4829.
  2. مسلم (رقم 899).
  3. رواه مسلم – واللفظ له – (رقم 899) والبخاري (رقم 3206).
  4. أخرجه البخاري (1035)، ومسلم (900).
  5. تيسير الكريم الرحمن,ص 386، 388.

اقرأ أيضا:

  1. فما لكم في الأمركيان الكفرة فئتين
  2. القدس .. ونهاية القرن الأمريكي
  3.  سنن التدافع

التعليقات غير متاحة