أطل علينا شهر “شعبان” بموسم من مواسم الخير والطاعات يهيء لاستقبال رمضان وتحقيق السبق الى رب العالمين، والتزود في الطريق اليه تعالى.

في تفضيل بعض الأزمان

أنعم الله تعالى على عباده بمواسم لزيادة الأعمال والطاعات والعبادات فيها، والتقرّب من الله تعالى، فتنال الأعمال فيها البركة ببركة الزمان التي حدثت فيه.

ومن الأزمان التي كان يُكثر فيها النبي، صلّى الله عليه وسلّم، من العبادات والقُربات، شهر شعبان، حيث روى البخاري في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، أنّها قالت: «لم يكنِ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يصومُ شهراً أكثرَ من شَعبانَ، فإنه كان يصومُ شعبانَ كلَّه». (1أخرجه البخاري (1970)، ومسلم (782)، وأحمد (26123) واللفظ له)

كما كان الصحابة، رضي الله عنهم، يتافسون ويتسابقون في الطاعات والعبادات، وينبغي للمسلم الحرص على الاجتهاد في مواسم العبادات، والاجتهاد في شهر شعبان خاصةً، حيث إنّه يُعين على الاجتهاد في شهر رمضان.

من هدْي النبي صلى الله عليه وسلم في شهر شعبان

الإكثار من الصوم

جاءت السنة المطهرة باستحباب الإكثار من الصيام في هذا الشهر.

ففي الصحيحين عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: «ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان” وفي مسلم في رواية: “كان يصوم شعبان إلا قليلاً”.

قال الإمام ابن رجب الحنبلى رحمه الله:

“وفى هذا الحديث فؤائد:

أحدهما: أنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان الشهر الحرام وشهر الصيام اشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفولاً عنه.

وفي قوله: «يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان» إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه، إما مطلقا أو لخصوصية فيه لا يتفطن لها أكثر الناس فيشتغلون بالمشهور عنه، ويفوّتون تحصيل فضيلة ما ليس بمشهور عندهم.

وفيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله عز وجل، كما كان طائفة من السلف”. (2لطائف المعارف : صـ (191- 193))

درجات رفع الأعمال

“قال العلماء: “ورفْع الأعمال على ثلاث درجات :
الدرجة الأولى: رفع يومى ويكون ذلك فى صلاة الصبح وصلاة العصر.

وذلك لما رواه البخارى ومسلم عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون». (3أخرجه البخاري (7429) واللفظ له، ومسلم (632)).

الدرجة الثانية: رفع أسبوعى ويكون فى يوم “الخميس”.

وذلك لما رواه الإمام أحمد فى مسنده بسند حسن عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أعمال بني آدم تُعرض كل خميس ليلة الجمعة، فلا يُقبل عمل قاطع رحم». (4صحيح الترغيب، الصفحة أو الرقم: 2538 خلاصة حكم المحدث : حسن)

الدرجة الثالثة: رفع سنوى ويكون ذلك فى شهر شعبان.

وذلك لما رواه النسائى عن أسامة بن زيد كما مر في الحديث”. (5“فضائل شهر شعبان” موقع طريق الإسلام)

وقال الإمام ابن رجب الحنبلى رحمه الله:

قيل في صوم شعبان أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذّته فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط.

ولمّا كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يُشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي رمضان وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن.

قال “سلمة بن كهيل”: كان يقال: شهر شعبان شهر القُراء، وكان “حبيب بن أبي ثابت” إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القرّاء .
وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرّغ لقراءة القرآن. (6لطائف المعارف: صـ 196)

من أراد جودة الحصاد

قال أحد الصالحين: «شهرُ رجب هو شهرُ الزرع، وشهرُ شعبان هو شهرُ سَقْيِ الزرع، وشهرُ رمضان هو شهْرُ حَصادِ الزرع.»

فمن أراد جودة الحصاد في رمضان فعليه برعاية الزرع في شعبان وسقيِه والعنايةِ به.

فاحرص ـ أخي المسلم ـ على أن لا يدخلَ عليك رمضان إلاّ وأنت طاهِرٌ نقيّ، فإنّ رمضانَ عِطر، ولاَ يُعطَّرُ الثّوبُ حتى يُغسَل، وهذا زمنُ الغسل، فاغتسلوا من درَن الذنوب والخطايا، وتوبوا إلى ربكم قبل حلول المنايا.

اتّقوا الشركَ فإنه الذنب الذي لا يغفره الله لأصحابه، واتَّقوا الظلم فإنه الديوان الذي وكله الله لعباده، واتقوا الآثام فمن اتقاها فالمغفرة والرحمة أولى به.

وقال الإمام ابن القيم، رحمه الله:

“وفي صومه -صلى الله عليه وسلم- أكثر من غيره ثلاث معان:

أحدها: أنه كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، فربما شُغِل عن الصيام أشهراً، فجمع ذلك في شعبان؛ ليدركه قبل الصيام الفرض.

الثاني: أنه فعل ذلك تعظيماً لرمضان، وهذا الصوم يشبه سنة فرض الصلاة قبلها تعظيماً لحقها.

الثالث: أنه شهر ترفع فيه الأعمال؛ فأحب النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُرفعَ عملُه وهو صائم. (7تهذيب السنن: جـ 3صـ 318)

نصيحة على عتبات الشهر الكريم

أخرج مسلم من حديث معقل بن يسار، عن النبي الأكرم صَلَّى الله عليه وسَلَّم قوله: «العبادة في الهرج كالهجرة إليَّ». وخرجه الإمام أحمد في مسنده، ولفظه: «العبادة في الفتنة كالهجرة إليّ».

وسبب ذلك أن الناس في زمن الفتن يَتَّبعون أهواءهم، ولا يرجعون إلى دين، فيكون حالهم شبيهًا بحال الجاهلية، فإذا انفرد مَن بينهم مَن يَتَمَسَّك بدينه، ويعبد ربه، ويتَّبع ما يرضيه، ويجتنب ما يغضبه؛ كان بمنزلة مَن هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم مؤمنًا به، متَّبعًا لأوامره، مجتنبًا لنواهيه.

وعلى سبيل المثال من الممكن أن يضع المسلم لنفسه برنامجًا فيبادر إلى تطبيقه والعمل به مثل:

المسارعة بالتوبة، وكثرة ذكر الله

أول ما يبدأ به المسلم ويستقبل هذا الشهر، وليعوّد قلبه ولسانه على ذكر الله تعالى حتى يصير سهلا عليه لا يكاد ينساه إلا قليلا.

الإكثار من تلاوة القرآن

واتخاذ ورد يومي لا يتأخر عنه، وليكن جزءًا واحدًا من القرآن أو أكثر إن سهل عليه الأمر. ومن الأجدر أن يستعين على تلاوة القرآن ببعض كتب التفسير الموثوقة التي تسهّل عليه التلاوة وتُعينه على فهم ما يستشكل من آيات؛ فيستقبل شهر رمضان بحسن تدبر لما سوف يقرأ من آيات.

المسارعة إلى الصلح والتسامح مع الخصوم

وليذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا». (8رواه مسلم)

تعويد النفس الصيام واحتساب الأجر عند الله

وتذكير النفس بما أهملت من عبادات؛ من صدقة، وصلة رحم، وبر، ومساعدة للمحتاجين وتهذيبها بكل ما يتيسر من العبادات والطاعات وفعل الخيرات.

قيام الليل

والتقرب إلى الله، والدعاء بأن يبلغه رمضان؛ فكم من أُناس حيل بينهم وبين رمضان قبل حلوله بسويعات!

محاسبة النفس

وتذكيرها بذنوبها وسرعة التوبة منها وعدم التسويف أو التأجيل إلى رمضان. (9شعبان ينادينا! موقع الألوكة)

خاتـــــمة

إننا نتقلب بين الأيام والليالي، وقريبا سننقلب الى ربنا تعالى؛ فلا بد من التشمير لمن أراد الجد وصدق الطلب.

واقتناص مواسم الخير دليل على الصدق.. والله تعالى يعين الطالبين؛ لعلهم الى مقصدهم يصلون.

………………………………………..

الهوامش:

  1. أخرجه البخاري (1970)، ومسلم (782)، وأحمد (26123) واللفظ له)
  2. لطائف المعارف : صـ 191- 193
  3. أخرجه البخاري (7429) واللفظ له، ومسلم (632).
  4. صحيح الترغيب، الصفحة أو الرقم: 2538 خلاصة حكم المحدث : حسن.
  5. “فضائل شهر شعبان” موقع طريق الإسلام
  6. لطائف المعارف : صـ 196
  7. تهذيب السنن: جـ 3صـ 318
  8. رواه مسلم.
  9. شعبان ينادينا! موقع الألوكة.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة