الخير فيما شرع الله ورسوله، وأخبرنا به رسوله الكريم ونطق به؛ فالأجر ثَم والخير ثَم. أما الزيادة والاختراع عما خَط ّرسول الله فلا خير فيه، ووجب التحذير من ذلك.

مقدمة

المسلم بحاجة لمعرفة ما يُخالف هَديَ النبي، صلَّى الله عليه وسلَّم، من البِدع المحدَثة؛ حتى لا يقع فيها، وقد تفطَّن لذلك حذيفةُ بن اليمان، حيث قال: “كان الناس يسألون رسول الله، صلَّى الله عليه وسلَّم، عن الخير، وكنت أسأله عن الشرِّ مخافةَ أن يُدركني”. (1رواه البخاري، ومسلم)

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحذِّرُ من مخالفة الكتاب والسنة ويُبَيِّنُ أن ما خالف الكتاب والسنة فهو بدعة وضلالة فكان يقول في خطبه: «إنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ. وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ. وشرَّ الأمورِ مُحدثاتُها. وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ». (2صحيح مسلم: 867)، ويقول: «من يَعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بما عرفتُم من سُنَّتي، وسُنَّةِ الخلفاءِ الراشدين المهديِّينَ، عضُّوا عليها بالنواجذِ، وعليكم بالطاعةِ». (3السلسلة الصحيحة:937)

وقال صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد». (4صحيح مسلم: 1718)

أي: مردود على مُحْدِثه وعامِلِه لا يُقبل؛ لأنه بدعة مخالِفة لما شرع الله لعباده، ففي هذه النصوص وأمثالها التحذير من البدع والمخالفات.

تعريف البدعة موضع التحذير

إذن ما هي البدعة ؟

والجواب:

“البدعة هي الطريقة المخترَعة في الدين، التي ليس لها دليل من الكتاب والسنة؛ يقصد فاعلها ومخترعُها التقربَ بها إلى الله عز وجل”.

كإحداث عبادة لم يشرعها الله ولا رسوله، أو تخصيصِ وقت للعبادة المشروعة لم يخصصه الله ولا رسوله لها، أو فعلِ العبادة المشروعة على صفة لم يشرعها الله ورسولُه، أو تخصيص زمان أو مكان لم يخصصه الشرع.

فالبدعة قد تكون بـ “إحداث عبادة” ليس لها أصل في الشرع؛ مثل بدعة الاحتفال بمناسبة مولد النبي صلى الله عليه وسلم، والاحتفال بمناسبة الإسراء والمعراج، أو بمناسبة الهجرة النبوية.

وقد تكون البدعة بـ “تخصيص وقت” من الأوقات للعبادة ليس له خصوصية في الشرع؛ كتخصيص شهر رجب أو ليلة النصف من شعبان بصلاة أو ذكر أو دعاء، وتخصيص يوم النصف من شهر شعبان بصيامٍ وليلتها بقيام.

وقد تكون البدعة بـ “إحداث صفة” للعبادة غير مشروعة، كالدعاء الجماعي بعد الصلوات المفروضة، والأذكار الجماعية وما أشبه ذلك.

خطورة الأحاديث المنكَرة

إن الأحاديث الضعيفة والمنكرة والتي يكثر انتشارها بين العوام، والتي تدور على ألسنة الناس، إلا من رحم الله، وينسبونها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يُتيقن ثبوتها عنه صلى الله عليه وسلم، عاقبتها وخيمة.

فعن أبي قتادة قال، قال صلى الله عليه وسلم : «إياكم وكثرة الحديث عني؛ فمن قال عليّ فليقل حقا أو صدقا، ومن تقوّل عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار». (5صحيح الجامع حديث رقم (2684)، “السلسلة الصحيحة” رقم(1753))

قال المناوي:

“كان أكابر الصحب ـ أي الصحابة ـ يتحرون عدم التحديث ، قال عليّ رضي الله عنه: «لأن أخرّ من السماء أحب إليّ من أن أحدّث عن رسول اللّه  صلى الله عليه وسلم بما لم أسمعه». اهـ (6فيض القدير)

أمثلة لأحاديث ضعيفة تُروَى عن شهر “شعبان”

ومن هذه الأحاديث التي يكثر انتشارها بين الناس الأحاديث في فضل شعبان، ولم يصح ثبوتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم:

1- “شعبان شهري ورمضان شهر الله، وشعبان المطهر، ورمضان المكفر”. موضوع

2- “رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي”. موضوع

3- سئل النبي صلى الله عليه وسلم أيّ الصوم أفضل بعد رمضان؟ قال: “شعبان لتعظيم رمضان” قال فأي الصدقة أفضل؟ قال: ” صدقة في رمضان “. ضعيف

4- “خيرة الله من الشهور شهر رجب، وهو شهر الله؛ من عظّم شهر رجب فقد عظّم أمر الله ومن عظّم أمر الله أدخله جنات النعيم وأوجب له، وشعبان شهري فمن عظّم شعبان فقد عظّم أمري ومن عظم أمري كنت له فرطا وذخرا يوم القيامة، وشهر رمضان شهر أمتي فمن عظّم شهر رمضان وعظّم حرمته ولم ينتهكه وصام نهاره وقام ليله وحفظ جوارحه خرج من رمضان وليس عليه ذنب يطلبه الله به”. منكر

5- “إن الله يكتب فيه على كل نفس ميتة تلك الحسنة فأُحب أن يأتيني أجلي وأنا صائم”. ضعيف

6- ” أتاني جبريل عليه السلام فقال هذه ليلة النصف من شعبان، ولله فيها عتقاء من النار بعدد شعور غنم بني كلب، لا ينظر الله فيها إلى مشرك ولا إلى مشاحن ولا إلى قاطع رحم ولا إلى مسبل ولا إلى عاق لوالديه ولا إلى مدمن خمر”. ضعيف جداً

وروي عن عائشة: “إذا كان ليلة النصف من شعبان يغفر الله من الذنوب أكثر من عدد شعر غنم كلب”. ضعيف

وفي رواية عنها: “إن الله تعالى ينـزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا؛ فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب”. ضعيف

وروي عنها أيضاً: “إن الله يطّلع على عباده في ليلة النصف من شعبان؛ فيغفر للمستغفرين، ويرحم المسترحمين، ويؤخر أهل الحقد كما هم”. ضعيف

7- وروي عن أبي أمامة: “خمس ليال لا ترد فيهن الدعوة: أول ليلة من رجب وليلة النصف من شعبان وليلة الجمعة وليلة الفطر وليلة النحر”. موضوع

8- وروي عن علي، رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا كانت ليلة نصف شعبان فقوموا ليلها، وصوموا يومها ؛ فإن الله تبارك وتعالى ينـزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا فيقول: ألا من مستغفرٍ فأغفر له؟ ألا من مسترزقٍ فأرزقه؟ ألا من مبتلَىً فأعافيه؟ ألا من سائل فأعطيه؟ ألا كذا ألا كذا؟ حتى يطلع الفجر”. موضوع

قال ابن رجب:

“ليلة النِّصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام؛ كخالد بن مَعْدان، ومكحول، ولقمان بن عامر، وغيرهم يُعظِّمونها، ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخَذَ الناس فضلَها وتعظيمها، وقد قيل: إنَّه بلغهم في ذلك آثار إسرائيليَّة.

فلمَّا اشتهر ذلك عنهم في البُلدان اختلف الناس في ذلك؛ فمنهم مَن قَبِله منهم، ووافقهم على تعظيمها؛ منهم طائفةٌ مِن عُبَّاد أهل البصرة وغيرهم.

وأنكر ذلك أكثرُ علماء الحِجاز؛ منهم: عطاء، وابن أبي مُلَيكة، ونقله عبدالرحمن بن زيد بن أسلم عن فُقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم، وقالوا: ذلك كلُّه بدعة”. ا.هـ (7لطائف المعارف، (ص: 171))

وقال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز:

“من البدع التي أحْدَثها بعضُ الناس: بدعةُ الاحتفال بليلة النِّصف من شعبان، وتخصيص يومِها بالصيام، وليس على ذلك دليلٌ يجوز الاعتماد عليه، وقد ورد في فضلها أحاديثُ ضعيفةٌ لا يجوز الاعتماد عليها، أمَّا ما ورد في فضْل الصلاة فيها، فكلُّه موضوع”. ا.هـ (8مجموع الفتاوى، 1/ 186)

وجمهور المحدِّثين على تضعيف الأحاديث الواردة في فضائل ليلةِ النِّصف من شعبان؛ بل ينصُّ بعضُهم على أنَّ الأحاديث الواردةَ في فضْل ليلة النِّصف من شعبان كلها ضعيفة.

قال الحافظ أبو الخطَّاب بن دحية:

“قال أهل التعديل والتجريح: ليس في حديث ليلة النِّصف من شعبان حديثٌ يصحُّ”. (9الباعث على إنكار البدع، (ص: 127))

خاتمة

أردنا من ذكر هذه الآثار المرويّة وبيان حال ضعفها ألا يُخدَع المسلمون في فضيلة لم يخبِر بها رسول الله؛ فإن في كل زيادةٍ في الدين نقصا من جانب آخر، فالقاعدة عند العلماء والسلف

“أن الزيادة في الدين كالنقص منه”.

كما أن الزيادة في الدين تتضمن تُهمة رسول الله بنقص البلاغ، وتتضمن أيضا أن يحوز المتأخرون فضيلة لم يدركها المتقدمون؛ بينما المسلمون يعلمون أنه لو كان خير لسبقنا به الأولون.

وهذا لتنطلق الطاقات فيما شرع الله ورسوله؛ ففيها الخير والبركة، وفيها وعْد الله ورسوله بالأجر. تقبل الله منا ومنكم.

………………………………….

الهوامش:

  1. رواه البخاري، ومسلم.
  2. صحيح مسلم: 867.
  3. السلسلة الصحيحة: 937.
  4. صحيح مسلم: 1718.
  5. صحيح الجامع حديث رقم (2684) ، “السلسلة الصحيحة” رقم (1753).
  6. 6- فيض القدير.
  7. لطائف المعارف، (ص: 171).
  8. مجموع الفتاوى، 1/ 186
  9. الباعث على إنكار البدع، (ص: 127).

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة