لن يكف المجرمون عن الكيد للإسلام، ولا زالت بعض الأزمات يواجهها المسلمون. ولكن لن يكف الإسلام عن تخطي العقبات وتجاوزها واستثمارها لصالحه.

مقدمة

إن هناك محاولات قائمة لإجهاض عودة الإسلام، ولكنها بإذن الله ستبوء بالفشل.

إن أعداء الإسلام يقفون بكل وقاحة دون قيام أي توجه إسلامي يعمل للخروج على الهيمنة الأجنبية، أو يحاول الاستقلالية وبناء القوة الذاتية للأمة، فيعملون جاهدين على الإساءة إليه والتخويف من آثار توجهه بصورة فجة.

وإنه ليحزن كل مسلم مخلص غيور ويغتم، عندما يرى تداعي الأمم الكافرة من كل صوب على القصعة الإسلامية الحافلة الآن بصنوف المذابح التي تنتهك فيها الحرمات والأعراض، ويداس فيها على كرامة أمة غفلت عن وعيها.

هدف التحالفات الغربية والعلمانية

فالتجمعات السياسية والتحالفات العسكرية والدعاية العالمية تتفق جميعها على هدف واحد؛ هو القضاء على المد الإسلامي المتصاعد في جميع أرجاء الأرض، وذلك تحت مسمى القضاء على الأصولية والتطرف والإرهاب.. يتفقون على ذلك الهدف وإن اختلفت مللهم ومناهجهم ومصالحهم؛ يتفقون على ذلك الهدف وإن اختلفت نظرتهم وخططهم في الاستئصال والاجتثاث أو التذويب والاحتواء والمسخ.

ولكن المؤمن الواثق بربه، العالم بدينه، الواعي بسننه، يرى في الغيوم غيثاً واصباً، ويسمع في صراخ المخاض صيحات الوليد، ويدرك أنه ما أتى فجر إلا بعدما احلولكت الظلمة.

منطق كتاب الله

لكتاب الله تعالى منطقه في تناول الأحداث القدَرية؛ فمما يقرره قرآننا الذي يخشون فهمه وتدبره:

– أن يوسف، عليه الصلاة والسلام، بدأ التمكين له عندما كان يباع ويشترى، وحيداً شريداً ضعيفاً؛ ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ * وَقَالَ الَذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 20- 21].

– ولوطا، عليه الصلاة والسلام، جاءته النجاة عندما كان قومه يتأهبون للتخلص منه بسبب طُهره، ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إلاَّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ * فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الغَابِرِينَ﴾ [النمل: 56-57].

– وأصحاب موسى، عليه الصلاة والسلام؛ بدأ التمكين لهم وهم في أشد حالات الاستضعاف: يُذبَح أبناؤهم وتُسْتَحْيَا نساؤهم، وكان فرعون في أعلى حالات الجبروت والإفساد: ﴿إنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إنَّهُ كَانَ مِنَ المُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القصص: 4-6].

هكذا نتعلم من كتاب ربنا.. أن أقصى نقطة استضعاف هي أول نقطة تمكين، بشرط أن تكون حالة الفئة المستضعفة في أعلى نقطة إخلاص وارتباط بالله ولجوء إليه. وبعد ذلك تظهر الأسباب التي ينبغي على الطائفة المؤمنة السعي إليها واستغلالها..

وهذا ما وعاه المؤمنون من أصحاب طالوت بعد سنوات التيه الذي كان بسبب ذنوب ومعاصي وتمرد بني إسرائيل على أوامر الله: ﴿..قَالَ الَذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُم بِإذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ المُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ﴾ [البقرة:249-251].

وفي ضوء هذا، نستطيع أن ننظر نظرة مختلفة إلى الأحداث الجارية بعد أن نعيَها ونعيَ مراميها، ونستطيع أيضاً إدراك أن لكل منا دوراً في الذب عن دين الله: للعالم والجاهل، والكبير والصغير، والقوي والضعيف، والغني والفقير.

لقد ساعدت الهجمة الأممية الشرسة المتواصلة وما صاحَبَها من بغض وضغينة ظاهرين على العالم الإسلامي على القيام بدور الصدمات الكهربية اللازمة لإفاقة هذا العالم من غيبوبته الطويلة، فأخذ يتململ من سباته، رغم الجهود الإعلامية الحثيثة لتخفيف أثر هذه الصدمات، أو مصاحبتها بمسكنات للألم، أو إفراغ أثرها في مجرى تغييب الأمة عن رسالتها الحقة.

إننا نعود ونؤكد أن من السذاجة أن ننتظر من أعدائنا أن يحنوا علينا ويرفقوا بنا، وأن مكرهم وتحالفهم وتكالبهم لا يقلق المؤمن الواعي ﴿وَلَمَّا رَأَى المُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إلاَّ إيمَاناً وَتَسْلِيماً﴾ [الأحزاب: 22]، ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ﴾ [آل عمران: 173].

ولكن الذي يقلق حقّاً هو تردّي حالنا؛ بالانقطاع عن الله، والغثائية، وتمكّن حب الدنيا والوهن من قلوبنا، وتفشّي السلبية والعجز بيننا، وسيطرة الإحباط واليأس على نفوسنا؛ فالضعف الداخلي هو أول خطوات الانهيار.

وإذا كانت قوى الكفر تملك مقدرات البطش العسكري، والهيمنة السياسية، والتقدم التقني، التأثير الإعلامي، فإنها تحمل أيضاً عوامل ضعف وتحلل في مجتمعاتها، وهي لا تملك إرادتنا وعزيمتنا على التغيير والإصلاح، ولا تملك قدَر الله وإرادته النافذة في ملكه وملكوته.

يوم بدر، بعد أن أحكم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما أمكنه من أسباب مادية للنصر، وبعد أن جهَّز الفئة المؤمنة القليلة؛ بات ليلته يتضرع إلى الله «فما زال يهتف بربه حتى سقط رداؤه عن منكبيه» .. «فأخذ أبو بكر بيده، فقال: حسبُك يا رسول الله؛ ألححْتَ على استبشر وجاءه الخبر من ربه؛ فخرج وهو يثِب في الدرع فخرج وهو يقول: «سيهزم الجمع ويولون الدبر».

وهُزم الجمع وولوا الدبر.

إن الإسلام قادم بإذن الله وبوعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مهما حيكت المؤامرات من الأعداء، والتي ستفشل إن شاء الله؛ سيعود الإسلام رغم أنف كل منافقي العصر؛ من أدعياء العلمانية.

هذا وعد الله .. ولكن هل نستحق نصره..؟

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ﴾ [النور: 55].

اليوم تمر الأمة بأسوأ مراحل ضعفها، والناظر المتأمل بعين البصير المتدبر يرى حال الأمة الإسلامية.. يرى من الجروح والآلام ما تنفطر له القلوب؛ فيرى أن الأمة قد استهوت الذل واستمرأته؛ لأنها أخلدت إلى الأرض، وتتبعت شهواتها وغرائزها بنَهَم، فتناست الجهاد والقتال في سبيل الله.

ومن الآلام: الجهل المطبق عند عامة الناس إلا من رحم الله، ليس جهلاً في أمور معيشتهم أو أمور دنياهم، وإنما في أمور دينهم. والشرك المنتشر في أطناب الأمة الإسلامية أكبر شاهد على ذلك، وانتشار الأحاديث الضعيفة بين الناس وتمسكهم بها، وجهلهم وتساهلهم في أداء الفرائض والعبادات المفروضة عليهم، وأما أخلاقيات وسلوكيات كثير من أفراد الأمة فأصبحت مقيدة بما تمليها عليهم المصالح الدنيوية.

وأيضاً من الجروح التي تأن بسببها الأمة؛ الغياب الكلي أو الجزئي للدين في بيوت كثير من الناس؛ حتى أنهم ألِفوا المعاصي؛ كبائرها وصغائرها، وأصبحت النفوس لا تفرق بين المعروف والمنكر في صغيرة أو كبيرة من حياتهم.

إن الأمة ما زالت تعاني الأمرَّين من صنف من الناس، وصَفهم الرسول، صلى الله عليه وسلم، بأنهم دعاة على أبواب جهنم، يقذفون الناس إلى جهنم بحلاوة كلامهم وطلاوته، هم المنافقون، وما أدراك من هم..؟! إنهم قوم وصفهم الله، سبحانه وتعالى، ونعَتهم بنعوت في أكثر من سورة من القران الكريم بأنهم يطعنون في الدين، يتلوّنون في كل ثوب، إنهم خفافيش الدجى في كل عصر وزمان، يَظهرون في الليل حتى يضربوا ضربتهم.

وثالثة الأثافي جهل الأمة بالعدو المتربص بها، تربص الدوائر، وقد نست الآيات المحذرة من هذا العدو، فأصبحت توالي مَنْ غضب الله عليه ولعنه، وأصبح الولاء والبراء معتمداً على مصالح خاصة ليس لها بالدين علاقة، لا من بعيد ولا من قريب.

خاتمة

لم تعد الأمة تعاني من هذه الأزمات المزمنة المشار اليها؛ بل صارت تعاني ما هو أشد فاقتحم الإلحاد متواريا خلف السلاح الباطش للأنظمة، البترؤ من ولاية الإسلام وهويته على أنه خيانة للوطن..!

قبول السفور والتبرج الفاحش وتغير القيم الأخلاقية في العلاقة بين الجنسين.

لا زالت هذه التحديات ولكن لا زال الخير يقدم ويتفجر من بين أيدي هذه الأزمات ومن ثناياها. والله غالب على أمره.

…………………………………..

المصادر:

  1. البيان: 95، افتتاحية العدد.
  2. البيان: 98، وعد الله.. الإسلام قادم.
  3. البيان: 98، كشف اللثام عما تعانيه الأمة من الجروح والآلام.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة