في زمن كثرت فيه الفوضى الفكرية وتداخلت المصطلحات، نحتاج إلى وقفة صادقة لفهم حقيقة المنهج السلفي، فكيف نستطيع فصل المزيَّف عن الصادق؟
هل سبق أن تساءلت عن الفرق الحقيقي بين السلفية المنهجية النقية وأولئك الذين يلبسونها زورًا وبهتانًا لخدمة أجندات مخالفة؟ فماالفرق بين السلفية الحقة التي هي طريق النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وبين المرتزقة الذين يستغلون اسمها لخدمة مصالحهم الخاصة؟
توضيح وإزالة إشكال
اعترض بعض المتابعين الكرام على منشوري حول مرتزقة السلفية: «دعاة لبسوا ثوب السلفية زورا وبهتانا» فأورد هنا كلامه ثم أعلق عليه لأزيل الإشكال. وبالله تعالى التوفيق.
قال حفظه الله تعالى: (كان الأولى شيخنا أن تتحدث عن مفسدة الإخوان والصوفية والخوارج الذين أفسدوا الأمة بالعقائد المفسدة والفكر المنحرف والبدع المخرجة من الملة.
السلفية أطهر وأنقى منهجا وطريق السلفية طريق النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام.
السلفية دين ومنهاج وسنة لا تتبدل ولا تتغير بتغير الأشخاص والبلدان). انتهى كلامه
لعله قد اختلط عليك الأمر
التعليق على كلام المتابع الفاضل:
فكلامي عن المرجئة: يهود القبلة الذين لبسوا ثوب السلفية وكانوا جنودا للشيطان . وليس كلامي عن السلفية، ذلك المنهج المبارك الذي توزن به العقائد والأعمال والسلوكات والسياسات… بل توزن به الجماعات والدول والتنظيمات والأفراد والعلماء والعباد وغير هؤلاء.
السلفية العتيقة هي معيار أعمال الظاهر والباطن وهي الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان في كل المجالات.
لست أدري كيف ظننت ذلك. فالسلفية هي دين السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار فالانتساب إلى طريقتهم والتعبد بها فرض لازم على كل مسلم ولا يخرج عنها إلا من سفه نفسه.
السلفية هي نفسها السنة لأن السنة هي طريقة النبي صلى الله عليه وسلم في كل الشؤون عقدية سلوكية عملية سياسية أسرية …. وهذا نفس معنى سنة الصحابة رضي الله عنهم (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ).
هؤلاء هم سلف كل مسلم مستقيم
النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة ومن تبعهم بإحسان هم سلف كل مسلم. وهم الذين لا نجاة إلا باتباع منهجهم. وقد صح من حديث ابن مسعود أن رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ خط خطًّا بيدِه ثم قال : هذا سبيلُ اللهِ مستقيمًا، وخطَّ خطوطًا عن يمينِه وشمالِه، ثم قال : هذه السبلُ ليس منها سبيلٌ إلا عليه شيطانٌ يدعو إليه، ثم قرأ: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكم عَنْ سَبِيلِهِ).
هذا الصراط المستقيم هو اتباع السنة كما قال الإمام مالك: (السنة كسفينة نوح من ركب نجا ومن تخلف غرق) .
والسلف كانوا على هذه السنة لذلك مدحهم بقوله: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم).
هذه السلفية هي الإسلام
فاتباع منهج السلف هو عين السنة وهو واجب على كل مسلم بل لا يتحقق للعبد وصف السنة إلا بذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (إن شعار أهل البدع: هو ترك انتحال اتباع السلف. ولهذا قال الإمام أحمد في رسالة عبدوس بن مالك: ” أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم)1(1) مجموع الفتاوى (4/ 155)..
لذلك كان الشعار الذي أرفعه دائما وأدعو إليه والذي يلخص منهج النجاة هو: (الكتاب المنزل والنبي المرسل والإجماع الأول) . هذه السلفية هي الإسلام.
أما السبل الناكبة عن السنة ….الناكبة عن منهج السلف…الناكبة عن السلفية العتيقة: فهي سبل من اعتاض عن الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة بمصادر أخرى في منهج التلقي سواء في العقيدة أو السلوك أو الأحكام أو السياسة …. وإنما يقع الانحراف عند البعد عن السنة ويعظم بحسب البعد عنها لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث يحتمل التحسين: (تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة). ثم بين في الحديث الصحيح أن النجاة في اتباع السنة فقال: (ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ).
فبين أن الأمة ستختلف اختلافا كثيرا وأن سبيل النجاة هو في اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين وهذه هي السلفية الحقيقية لذلك إذا أجمع الصحابة لم يجز الخروج عن إجماعهم بل إذا اختلفوا على قولين لم يجز إحداث قول ثالث لأن الحق محصور في أقوالهم بل إذا كان إجماعهم مقطوعا فيه بنفي المنازع فإن مخالفه يكفر.
قال تعالى: (وَمَن یُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَیَتَّبِعۡ غَیۡرَ سَبِیلِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَاۤءَتۡ مَصِیرًا)[النساء :١١٥].
آثار ومآلات الخروج عن منهج السنة والسلف
وقد أوضح آثار ومآلات الخروج عن منهج السنة والسلف شيخ الإسلام ابن تيمية فقال معلقا على حديث السبل السالف ذكره الذي رواه ابن مسعود : (وإذا تأمل العاقل الذي يرجو لقاء الله هذا المثال ، وتأمل سائر الطوائف من الخوارج، ثم المعتزلة، ثم الجهمية والرافضة، ومن أقرب منهم إلى السنة، من أهل الكلام، مثل الكرامية والكلابية والأشعرية وغيرهم، وأن كلا منهم له سبيل يخرج به عما عليه الصحابة وأهل الحديث، ويدعي أن سبيله هو الصواب؛ وجدت أنهم المراد بهذا المثال، الذي ضربه المعصوم، الذي لا يتكلم عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى والعجب أن من هؤلاء من يصرح بأن عقله إذا عارضه الحديث – لا سيما في أخبار الصفات – حمل الحديث على عقله وصرح بتقديمه على الحديث وجعل عقله ميزانا للحديث فليت شعري هل عقله هذا كان مصرحا بتقديمه في الشريعة المحمدية فيكون من السبيل المأمور باتباعه أم هو عقل مبتدع جاهل ضال حائر خارج عن السبيل)2(2) مجموع الفتاوى (4/ 57-58)..
عصابة من البلطجية تستروا وراء منهج السلف
أما من تحدثت عنهم في مقال: «دعاة لبسوا ثوب السلفية زورا وبهتانا» فهم عصابة من البلطجية أحلاس المجرمين وأحذية الأنظمة التي تحارب الإسلام جهارا تستروا وراء منهج السلف المبارك ليسهل عليهم خدمة المجرمين المفسدين فأثبتوا لهم ما لم يثبته الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأوجبوا لهم ما لم يوجبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ووالوهم ولاء لم يأمر به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. بل أثبت الله ورسوله نقيض كل ذلك من كل وجه.
إن السلفية كمنهج عقدي وفقهي وسلوكي … لا ينبغي احتكارها من قبل الأنظمة الفاسدة ثم استعمال طابور البلطجية المرتزقة لخدمة أغراض صهيونية صليبية.
فنحن نرفض سلفية ابن سلمان كما نرفض سلفية دعاة التجهم والإرجاء وإن اشتغلوا بتخريج الأحاديث وفهرستها. كما نرفض احتكار هذا المنهج لأنه منهج فقط وهو حق جميع المسلمين الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا، وليس هو جماعة بالمعنى السياسي لأنه لا يوجد أصلا تجمع سياسي لأهل السنة لشغور منصب الخلافة، نعم يصلح أن تكون السلفية جماعة بالمعنى العلمي أي العقدي لذلك يقال أهل السنة والجماعة الذين يكون المنهج السني السلفي عمدة دينهم الظاهر والباطن.
والكلام ذو شجون لا يحتمله هذا المقال التوضيحي.
فالمطلوب فهم المحتوى ثم اتخاذ الموقف لا العكس.
الهوامش
(1) مجموع الفتاوى (4/ 155).
(2) مجموع الفتاوى (4/ 57-58).
المصدر
صفحة الدكتور سليم سرار على منصة ميتا.
اقرأ أيضا
مصيبة العلماء في واقعنا المعاصر
دعاة لبسوا ثوب السلفية زورا وبهتانا
القنديل والمنديل .. وما يجري على الدين من تبديل (4-4) مواقف مظلمة