صاحب كبيرة ذو نجدة وغيرة وحمية دينية وشهامة خير من مليار من هؤلاء المتحولين دينيا من المنتسبين للعلم والزهد والعبادة والتحقيق.

فكيف بمن باع القضية ورضي وبايع على اللادينية؟!

لو خيرت غزة بين أن يقودها ويدفع عنها معاقر للخمر غيور على الحرمات والمقدسات ذي نجدة وشهامة، وشيخ مرتزق خائن تابع للأنظمة الفاسدة لاختارت الأول.

خير ما أبدأ به هذا المنشور هو كلمة جامعة لشيخ السنة والجماعة الإمام المبجل أحمد بن حنبل وقد سئل عن الرجلين يكونان أميرين في الغزو وأحدهما قوي فاجر والآخر صالح ضعيف مع أيهما يغزى؟ فقال: (أما الفاجر القوي فقوته للمسلمين وفجوره على نفسه. وأما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين. فيغزى مع القوي الفاجر).

هذا والصالح الضعيف غير خائن ولا تابع للملاحدة وإنما فيه ضعف في مواطن الجلاد والإقدام فكيف بمن باع القضية ورضي وتابع وشايع وبايع على اللادينية.

العبرة بالمواقف والمضامين لا بالدعاوى والعناوين

جماعة منتسبون إلى السنة ومنهج السلف ولكن للأسف الشديد أفقدتهم الأنظمة العذرية وافتضت بكارتهم فصاروا أشبه بالمتحولين، الأصل فيهم أنهم أهل دين ثم تحولوا فصاروا حربا على الإسلام والمسلمين وسلما وردءا للكفر والكافرين.

إن أحداث غزة بينت أن فقدان العذرية لا يواريها الاشتغال بالعلم والتحقيق وحفظ المتون وشرحها وكثرة التبتل والتنسك ولا الانتساب إلى منهج السلف.

فالمراهنة على طوائف من المتدينين للتمكين للدين صار خطأ بينا لا يحتاج إلى إقامة الدليل لأجل إثباته فضرورة المشاهدة قاضية بصحة الظاهرة.

فالمتعين هو المراهنة على عوام المسلمين أصحاب الفطر السليمة ولو كان فيهم فسوق أو فجور مادام عندهم غيرة على الحرمة والدين.

وهم الذين كانوا يثورون على المنحرفين حين يصرحون بما يخدش جناب الشريعة ولهم في هذا المقام مواقف مشهودة كموقفهم من الآمدي وغيره كما ذكره الحافظ في الدرر الكامنة.

أبو محجن من العوام الذين يُحفظ بهم الإسلام عند النوازل الكبار

ولنمثل بأنموذج عن هؤلاء العوام الذين يحفظ بهم الإسلام عند النوازل الكبار وهو أبو محجن الأسد الهصور في الذود عن الحرمة والدين أتى به سعد بن أبي وقاص يوم القادسية وقد شرب الخمر، فأمر به إلى القيد، فلما التقى الناس قال أبو محجن:

كفى حزنا أن تطرد الخيل بالقنا … وأترك مشدودا علي وثاقيا…

فقال لامرأة سعد: أطلقيني ولك _والله علي- إن سلمني الله أن أرجع حتى أضع رجلي في القيد، فإن قتلت استرحتم مني، قال: فحلته حين التقى الناس وكانت بسعد جراحة فلم يخرج يومئذ إلى الناس، قال: وصعدوا به فوق العذيب ينظر إلى الناس، واستعمل على الخيل خالد بن عرفطة، فوثب أبو محجن على فرس لسعد يقال لها البلقاء، ثم أخذ رمحا ثم خرج فجعل لا يحمل على ناحية من العدو إلا هزمهم، وجعل الناس يقولون: هذا ملك، لما يرونه يصنع، وجعل سعد يقول: الصبر صبر البلقاء، والظفر ظفر أبي محجن، وأبو محجن في القيد، فلما هزم العدو رجع أبو محجن حتى وضع رجليه في القيد، فأخبرت امرأة سعد سعدا بما كان من أمره، فقال سعد: لا والله لا أضرب اليوم رجلا أبلى للمسلمين ما أبلاهم، فخلى سبيله.

كانوا ذوي نجدة وغيرة وشهامة وحمية دينية

تأمل حال معاقري الخمور زمن السلف. لقد كانوا ذوي نجدة وأنفة وغيرة وشهامة وحمية دينية قل أن تجدها في المتأخرين والمعاصرين من المنتسبين إلى العلم والعبادة.

فالمعاقرون للخمور زمن السلف أفضل بكثير من كثير من العلماء والعباد المتأخرين والمعاصرين.

وليت لنا ملوكا ورؤساء كأبي محجن يحكمون البلاد ويسوسونها بالكتاب والسنة، شربهم وفسوقهم على أنفسهم، وغيرتهم وشجاعتهم وشهامتهم للإسلام.

كان أبو محجن يعاقر الخمر وكان مع ذلك عظيم البلاء في ذات الله تعالى شديد الغيرة على الإسلام. هد صفوف المشركين هدا في القادسية ما ترك لهم شاذة ولا فاذة إلا تتبعها.

صاحب كبيرة ذو نجدة وغيرة وحمية دينية وشهامة خير من مليار من هؤلاء المتحولين دينيا من المنتسبين للعلم والزهد والعبادة والتحقيق.

هؤلاء المعاقرون للخمور هم من يجب أن يعمل بالكتاب والسنة على فهمهم لا على فهم شيوخ الضلال ممن رضي وتابع وشايع وبايع، الذين نقطع بأن ربات الحجال أغير منهم على الحرمات والمقدسات.

إنما يحتاج الإسلام منك أيها المسلم المواقف المشرفة والغيرة على الحرمة والدين والشجاعة في الذود عنه وهذا الذي ينفع الأمة بك. أما  تفريطك في بعض أحكامه فضرره على نفسك كما أن التزامك بأحكامه في خاصة نفسك فائدته لنفسك.

لذلك فرق أهل العلم بين فرض العين وفرض الكفاية. وقد يكون التفريط في فرض الكفاية أعظم ضررا من جهة أنه يمس الأمة. لذلك فضل طائفة من الأصوليين فرض الكفاية على فرض العين لأنه يتعلق بالأمة لا ببعض أفرادها.

هم إما مرجئة وإما عملاء للأنظمة وإما فيهم الوصفان

أين من أبي محجن تلك الطوائف من المتدينين من مختلف التيارات الذين بهم من العقد والأمراض النفسية والعداوات للحق العتيق وأهله والمفاصلات لأجل الدين الفاسد والاعتقاد الكاسد والسلوك المنحرف والمنهج الأعوج حتى فاصلوا لأجل باطل اعتقدوه حقا فردوا به حقا اعتقدوه باطلا.

وأبغضوا الذين يأمرون بالقسط من الناس وفوقوا إليهم سهام النقد النكير وصاحوا بهم في كل ناد لا لشيء سوى سعيهم لردهم إلى جادة الكتاب والسنة وما كان عليه الأمة.

إنهم طوائف منتسبون إلى الصحوة والدعوة الإسلامية والعمل الإسلامي بوجه عام ولكن مناهجهم فيها من الفساد بحسب بعدهم عن مشكاة النبوة لذلك يحسبون أنهم يحسنون صنعا ولذلك يمتعضون ممن يدعوهم إلى المحجة البيضاء والمنهج اللاحب منهج الكتاب المنزل والنبي المرسل والإجماع الأول وإنما بنوا مناهجهم على الرأي المحض والمصلحة الملغاة فأورث هذا فساد برامجهم وكراهية أن ينتقدوا وتبين انحرافاتهم لذلك عادة ما يلوذون ويحتمون ويختفون وراء المذاهب الفقهية أو الفرق العقدية أو الطرق الصوفية فهؤلاء لا يريدون لمنهج السنة أن يظهر فيصفونه بأوصاف قبيحة من غير تفريق بين المنهج وبعض أتباعه بل أثبتت تصريحاتهم ومواقفهم أنهم ضد المنهج نفسه لذلك كانوا يؤثرون انتصار اللادينية على انتصار أهل السنة. وهم اليوم في فسطاط الأذلين. وما يوم حليمة بسر.

كذلك المراهنة على من لبسوا ثوب السلفية زورا وبهتانا وهم إما مرجئة وإما عملاء للأنظمة وإما فيهم الوصفان.

فليحذر الدعاة المخلصون من المراهنة على أمثال هؤلاء فإن العبرة بالمواقف والمضامين لا بالدعاوى والعناوين.

عوام الأمة أفضل من هؤلاء بكثير على ما في بعضهم من انحراف في باب الشهوة لا الشبهة.

امرأة هي كأبي محجن

حدثني الثقات ممن كانوا يقطنون إحدى ولايات الوسط أنهم في أيام نشاط الجبهة الإسلامية احتاجوا إلى من يمدهم بأسلاك الكهرباء لنقل التيار الكهربائي لتشغيل مكبرات الصوت لأجل تنظيم تجمع في تلك المنطقة على الوجه المطلوب فاحتاروا فيمن يعينهم فما وجدوا غير امرأة (الله يهديها) فأمدتهم بالكهرباء وقالت: إن الأمر لما كان في سبيل الإسلام وجبت الإعانة.

امرأة كهاته هي كأبي محجن خير من جيش من الخونة أصحاب العمائم واللحى الكثيفة والخفيفة الذين يثبتون الولاية الدينية لمن يحارب الدين.

فهذه المرأة على ما بها، خير من جيش من هؤلاء السفلة الأنذال الذين كانوا ولا يزالون شجى في حلوق أهل الإسلام وحرارة في أكبادهم يصفونهم أحياء بالحزبيين الخوارج ويصفونهم أمواتا بالجيف النتنى.

أشباه مستشرقين..دعاة على أبواب جهنم

ماذا يصنع الإسلام بلحاكم وتقصيركم ثيابكم وأنت دعاة على أبواب جهنم تخذلون التوحيد وتنصرون الشرك وتنديد وتختفون وراء السنة والسلف وتناضلون لأجل أنظمة إباحية لا تحرم ما حرم الله ورسوله.  إنكم قوادون بامتياز وإن خرجتم الأحاديث وحققتم المسائل وفي أحسن الأحوال لا تعدون كونكم أشباه مستشرقين. بل ما أشبهكم بأصحاب الحيل الذين قال فيهم أيوب السختياني: (يخادعون الله كأنما يخادعون الصبيان).

صراعات تفت في عضد الإسلام وتوهنه

وأيضا هذه الصراعات بين الجماعات الإسلامية بلغت ذروتها حتى وصلت إلى حد تحالف بعضها مع الأنظمة ضد بعض. ومن منا لا يذكر وقوف بعض الإسلاميين مع الاستئصاليين ضد إخوانهم كما في الجزائر ومصر.

وقد غذى هذه الصراعات تلبيس الشياطين الذي ينفرون من منهج السنة تحكيما للرأي المحض والمصلحة الملغاة كما غذاها غلو بعض من انتسب إلى منهج السنة.

فهذه الصراعات تفت في عضد الإسلام وتوهنه وتمكن لأعدائه واليوم ونحن في عز الأزمة وأتون إبادة جماعية لا تزال ترى التراشق والتنابز بغير منهج علمي. حتى احترنا هل نرد على هؤلاء المبطلين فننشغل عن الدفع عن غزة أم نسكت فيخلو لهم الجو . إلى الله المشتكى.

اتصل بي البارحة بعض المتابعين الكرام وأرسل إلي مقطعا لبعض الشيوخ يتهجم فيه على أهل السنة بغير منهج علمي ولا إنصاف وطلب مني التعليق عليه فعلقت بما تيسر وصرحت لهذا المتابع بأن مثل هذا الرد هو للضرورة لأن الكذب على الإسلام وأهله لا يجوز فإما أن يتكلم العبد بعلم وعدل وإما أن يسكت أما أن يتكلم بجهل وظلم فهذا لا يجيزه عقلاء بني آدم فكيف تجيزه الشريعة التي كلها عدل ورحمة وحكمة ومصلحة؟

من أراد نصرة الإسلام فليكن تعويله على أصحاب الفطر السليمة

فالمقصود هو أن من سلك الطريق يبتغي نصرة الإسلام فليكن تعويله بعد الله تعالى على عوام الأمة بالدرجة الأولى لا على التنظيمات التي تعقد الولاء على نفس التنظيم فتتخذه غاية في حد ذاته لا وسيلة إلى نصرة الإسلام حتى التي تنكر التنظيم فإنها صارت أعظم خطرا من التنظيمات الضيقة الأصلية.

فليكن تعويله على أصحاب الفطر السليمة ممن لهم حب للإسلام حرص على نصرته وغيرة عليه وكرها للظالمين ولأعوانهم وأحلاسهم ولو كان فيهم فسوق في خواص أنفسهم بيد أنني مع هذه القناعة لست أعمم القول بل يوجد في التنظيمات والعلماء والدعاة والعباد والزهاد من ولاؤهم للإسلام والسنة ومن لهم لسان صدق في الأمة ولهم قدم صدق وجهاد وتضحيات وصبر ومصابرة في نصرة الحق والدفاع عن الحرمات والمقدسات ككتائب القسام في فلسطين وغيرهم من حماة الإسلام في كل مكان فهؤلاء تجب نصرتهم بكل ممكن لأنهم واقفون على ثغور مخوفة أيديهم على الزناد في سبيل الله تعالى يطلبون الموت مظانه كلما سمعوا هيعة طاروا إليها حتى إن أحدنا ليتمنى أن يكون شعرة في صدر أحدهم.

وقد ذكر الله تعالى صنفي العلماء فقال في الصنف الأول صنف الصادقين الأحرار: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [الأحزاب: 39]

وقال في الصنف الثاني صنف الخونة العملاء: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:175-176].

ضرر من عقد الولاء على غير الكتاب والسنة

فالمقصود هو التنبيه على ضرر من عقد الولاء على غير الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة واعتقد صحة ولاية الأنظمة العلمانية وبذل لها الأحكام التي لا تبذل إلا للحكام الذين التزموا العمل بالكتاب والسنة كحكم الطاعة والنصرة ثم حاكم الأبطال المغاوير حماة الإسلام وحراس العقيدة إلى هوى تلك الأنظمة أو الطائفة أو الأشياخ فأبطل جهادهم وأراد إشغالهم بغير ما أوجبته الشريعة أو بما هو مفضول في ميزانها.

أنجاهد بالسنن عند ضياع الواجبات والأركان أم أن من الجهاد بالسنن الدفاع عن الواجبات والأركان؟ فإن السنة في عرف صاحب الشريعة هي الطريقة النبوية الشاملة لأعمال الظاهر والباطن والاعتقاد والعمل والسلوك والسياسة بل لكل مجالات الحياة فالجهاد بالسنن يدخل فيه دخولا أولويا جهاد الأعداء المعتدين ودفع صيال الصائلين وقد كان أئمة الحديث يحدثون بالسنن ويعملون بها وهم مرابطون على الثغور.

إن الدفاع الشرعي مقرر بالفطرة والمعقول الصريح والمنقول الصحيح وهو حق تقر به كل الأمم والشعوب والقوانين والأعراض  فكيف يصير بدعة إذا تعاطاه أهل غزة أو الضفة.

اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويعمل فيه بشريعتك. اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واهدنا سبل السلام ونجنا من الظلمات إلى النور.

المصدر

صفحة الدكتور سليم سرار، على منصة ميتا.

اقرأ أيضا

الرد على برهامي وشيعته

فلتستسلم المقاومة

في قضية فلسطين… لا حل إلا بالثبات على ثوابت الدين

خلوا بين الجماهير وبين طريق التحرير

التعليقات غير متاحة