صراع لا يفتر، وتسامٍ وهبوط، ومواقف متباينة بين الحق وأهله، والباطل وأهله.. ومظاهر وسمات تطّرد وتلزم كل فريق فتعرفهم بسيماهم..

سنة التدافع

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه..

أما بعد:

فقد أراد الله عز وجل بعلمه وحكمته البالغة أن يوجد الصراع بين الحق والباطل لتمضي سنة الابتلاء والمدافعة بين الفريقين فيهلك من هلك عن بينة ويحي من حي عن بينة.

قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج:40).

كما اقتضت حكمته سبحانه أن تكون الغلبة في نهاية الأمر للحق وأهله وأن مكر أهل الباطل يرجع عليهم قال تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ۖ وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ (الأنعام:123) وقال سبحانه: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ (الأنبياء:18)..

وقال سبحانه: ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ﴾ (سبأ:48.49) وقال تعالى: ﴿كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ﴾ (الرعد:17).

وإن الناظر في واقعنا المعاصر يرى هذه السنة ـ أعني سنة الصراع بين الحق والباطل وبين الفضيلة والرذيلة واضحة جلية بل إنها تزداد شدة وضراوة مع مرور الزمن ولكن العاقبة للمتقين.

[للمزيد: سنن الإعداد والتدافع]

موقف مجتمعات المسلمين من هذا الصراع

وقد انقسمت مجتمعات المسلمين اليوم في هذا الصراع إلى ثلاث فئات:

الفئة الأولى: الفئة المصلحة

وهي الداعية إلى الخير والفضيلة .. وهم أشراف المجتمعات وأحسنهم قولاً وأثراً في الناس، وأنبلهم غاية وأسماهم هدفاً. وهؤلاء هم صمام الأمان بإذن الله تعالى لمجتمعاتهم من خطر وشؤم حلف الرذيلة الذي يهدد الأمة بعقاب الله عز وجل في الدنيا والآخرة.

وهؤلاء هم الذين عناهم الله عز وجل بقوله: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (فصلت:33)، وقوله: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران:104).

وهم الذين يعملون بكل فضيلة في العقيدة والأخلاق والعبادة، ويدعون إليها.

ويمثلهم اليوم كل الدعاة والجماعات الإسلامية وشباب الصحوة الذين يدعون إلى الفضيلة والتوحيد والطهر والعفاف ويحاربون الرذيلة بجميع صورها وهم الذين عناهم الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: «ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم، حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى». (1مسلم: 1523)

الفئة الثانية: الفئة المفسدة

وهي الداعية إلى الشر والرذيلة ..

هم سفلة المجتمعات، وهم أرذال الناس لأنهم خانوا ربهم وخانوا أمتهم وظلموها ونشروا فيها كل رذيلة في المعتقد أو السلوك أو الأخلاق وشنوا حربهم على حُماة الفضيلة وعرضوا الناس للشقاء والنكد في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة.

وهؤلاء هم الذين عناهم الله عز وجل في كتابه الكريم بقوله: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ۖ وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ (الأنعام:123) وهم المعنيون بقوله تعالى: ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ (النساء:27).

وهم الذين يشكلون مع أوليائهم من كفرة الغرب والشرق حلفاً عالمياً هو (حلف الرذيلة) يحاربون فيه حماة الفضيلة. ويمثلهم اليوم الطغاة المستبدون والعلمانيون وأهل العفن الفني والإعلاميون الهابطون وعصابات الدعارة والخمور والمخدرات وغيرهم.

الفئة الثالثة: الفئة بين الفئتين

وهم الذين لم يرتفعوا في معتقداتهم وأخلاقهم إلى مستوى حماة الفضيلة ولم يهبطوا إلى مستوى أهل الرذيلة؛ وإنما هم فئة بين الفئتين ولديهم الاستعداد للخير الذي تدعو إليه الفئة الأولى، كما أن لديهم الاستعداد لتلقي الشر والإفساد التي تسعى إليه الفئة الثانية.

وكلا الفئتين تتسابقان للتأثير على هذه الفئة، وهذا يؤكد أهمية الدعوة، وقطع الطريق على الفئة المفسدة حتى لا ينحرف الناس عن الصراط المستقيم.

والملاحظ في هذه الفئة أنها السواد الأعظم من الناس بينما يغلب على الفئة الأولى والثانية أنهما قلة.

والمدافعة بين حماة الفضيلة وحلف الرذيلة من سنن الله عز وجل حيث الصراع بين الحق والباطل قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ (البقرة:251).

[للمزيد: من قيم الإيمان]

حرب أهل الرذيلة لأهل الفضيلة

يصف الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله تعالى جانباً من الحرب التي يشنها حلف الرذيلة على الفضيلة وذلك في مقدمة كتابه الماتع (حراسة الفضيلة) فيقول:

فهذه رسالة نُخرجها للناس لِـتَـثْبيتِ نساء المؤمنين على الفضيلة، وكشف دعاوى المستغربين إلى الرذيلة، إذ حياة المسلمين المتمسكين بدينهم اليوم، المبنية على إقامة العبودية لله تعالى، وعلى الطهر والعفاف، والحياء، والغيرة، حياة محفوفة بالأخطار من كل جانب..

بجلب أمراض الشبهات في الاعتقادات والعبادات، وأمراض الشهوات في السلوك والاجتماعيات، وتعميقها في حياة المسلمين في أسوأ مخطط مسخر لحرب الإسلام، وأسوأ مؤامرة على الأمة الإسلامية.

تبناها: «النظام العالمي الجديد» في إطار نظرية الخلط بين الحق والباطل، والمعروف والمنكر، والصالح والطالح، والسنة والبدعة، والسني والبدعي، والقرآن والكتب المنسوخة المحرفة كالتوراة والإنجيل، والمسجد والكنيسة، والمسلم والكافر، ووحدة الأديان.

ونظرية الخلط هذه أنكى مكيدة، لتذويب الدِّين في نفوس المؤمنين، وتحويل جماعة المسلمين إلى سائمة تُسَام، وقطيع مهزوز اعتقادُه، غارق في شهواته، مستغرق في ملذّاته، متبلد في إحساسه، لا يعرف معروفًا ولا يُنكر منكرًا، حتى ينقلب منهم من غلبت عليه الشقاوة على عقبيه خاسرًا، ويرتد منهم من يرتد عن دينه بالتدريج.

كل هذا يجري باقتحام الولاء والبراء، وتَسريب الحب والبغض في الله، وإلجام الأقلام، وكفّ الألسنة عن قول كلمة الحق، وصناعة الاتهامات لمن بقيت عنده بقية من خير، ورميه بلباس: الإرهاب والتطرف والغلو والرجعية، إلى آخر ألقاب الذين كفروا للذين أسلموا، والذين استغربوا للذين آمنوا وثبتوا، والذين غلبوا على أمرهم للذين استُضعفوا. (2حراسة الفضيلة صـ 10 ،11)

موضوع الصراع

وقبل الدخول في تفاصيل المعركة المحتدمة اليوم بين حلف الرذيلة وسمات كل حلف أسوق ثلاث آيات كريمات من كتاب الله عز وجل يبين لنا فيها ربنا سبحانه صفات كل فريق وفي أي شيء يختصمون:

الآية الأولى: قوله تعالى: ﴿وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ (البقرة:221)

الآية الثانية: قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ * يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ * وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ﴾ (غافر:38-42)

ففي هاتين الآيتين يبين لنا سبحانه حكمه بين الفريقين وأنه لا يستوي فريق الفضيلة الداعي الى توحيد الله عز وجل وعبادته وحده لا شريك له وما يترتب على ذلك من الفضائل العظيمة في الفهم والسلوك، لا يستوي هو ومن يدعوا الى الشرك وتعبيد الناس لمخلوق مثلهم وما يترتب على ذلك من الرذائل في الفهم والسلوك

الآية الثالثة: قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ (النساء:27).

قال ابن جرير رحمه الله تعالى عند هذه الآية:

معنى ذلك: ويريد الذين يتبعون شهوات أنفسهم من أهل الباطل وطلاب الزنى ونكاح الأخوات من الآباء، وغير ذلك مما حرم الله (أن تميلوا) عن الحق، وعما أذن الله لكم فيه، فتجوروا عن طاعته إلى معصيته، وتكونوا أمثالهم في اتباع شهوات أنفسكم فيما حرم الله وترك طاعته (ميلاً عظيماً).

وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب؛ لأن الله عز وجل عم بقوله:﴿ويريد الذين يتبعون الشهوات﴾ فوصفهم باتباع شهوات أنفسهم المذمومة، وعمهم بوصفهم بذلك من غير وصفهم باتباع بعض الشهوات المذمومة، فإذا كان ذلك كذلك، فأولى المعاني بالآية ما دل عليه ظاهرها، دون باطنها الذي لا شاهد عليه من أصل أو قياس..

وإذا كان ذلك كذلك كان داخلاً في الذين يتبعون الشهوات: اليهود، والنصارى، والزناة، وكل متبع باطلاً لأن كل متبع ما نهاه الله عنه متبع شهوة نفسه.

فإذا كان ذلك بتأويل الآية الأولى، وجبت صحة ما اخترنا من القول في تأول ذلك. (3تفسير ابن جرير الطبري 8/ 214- 215)

أصحاب راية وليسوا أصحاب شهوة عابرة

ويقول سيد قطب رحمه الله تعالى أيضاً عند هذه الآية:

تكشف الآية الواحدة القصيرة عن حقيقة ما يريده الله للناس بمنهجه وطريقته، وحقيقة ما يريده بهم الذين يتبعون الشهوات، ويحيدون عن منهج الله ـ وكل من يحيد عن منهج الله إنما يتبع الشهوات..

فليس هنالك إلا منهج واحد هو الجد والاستقامة والالتزام، وكل ما عداه إن هو إلا هوى يُتبع، وشهوة تُطاع ، وانحراف وفسوق وضلال!  فماذا يريد الله بالناس، حين يبين لهم منهجه، ويشرع لهم سنته؟ إنه يريد أن يتوب عليهم.

يريد أن يهديهم، يريد أن يجنبهم المزالق. يريد أن يعينهم على التسامي في المرتقى الصاعد إلى القمة السامقة.

وماذا يريد الذين يتبعون الشهوات، ويزينون للناس منابع ومذاهب لم يأذن بها الله، ولم يشرعها لعباده؟

إنهم يريدن لهم أن يميلوا ميلاً عظيماً عن المنهج الراشد، والمرتقى الصاعد والطريق المستقيم.

وفي هذا الميدان الخاص الذي تواجهه الآيات السابقة: ميدان تنظيم الأسرة؛ وتطهير المجتمع؛ وتحديد الصورة النظيفة الوحيدة، التي يحب الله أن يلتقي عليها الرجال والنساء؛ وتحريم ما عداها من الصور، وتبشيعها وتقبيحها في القلوب والعيون..

في هذا الميدان الخاص ما الذي يريده الله وما الذي يريده الذين يتبعون الشهوات؟

فأما ما يريده الله فقد بينته الآيات السابقة في السورة. وفيها إرادة التنظيم، وإرادة التطهير، وإرادة التيسير، وإرادة الخير بالجماعة المسلمة على كل حال.

وأما ما يريده الذين يتبعون الشهوات فهو أن يطلقوا الغرائز من كل عقال: ديني، أو أخلاقي أو اجتماعي، يريدون أن ينطلق السعار الجنسي المحموم بلا حاجز ولا كابح، من أي لون كان.

السعار المحموم الذي لا يقر معه قلب، ولا يسكن معه عصب، ولا يطمئن معه بيت، ولا يسلم معه عرض، ولا تقوم معه أسرة.

يريدون أن يعود الآدميون قطعاناً من البهائم، ينزو فيها الذكران على الإناث بلا ضابط إلا ضابط القوة أو الحيلة أو مطلق الوسيلة! كل هذا الدمار، وكل هذا الفساد، وكل هذا الشر باسم الحرية، وهي ـ في هذا الوضع ـ ليست سوى اسم آخر للشهوة والنزوة!

وهذا هو الميل العظيم الذي يحذر الله المؤمنين إياه، وهو يحذرهم ما يريده لهم الذين يتبعون الشهوات…

الالتزام بمنهج الله ليس شاقا

ويقول رحمه الله:

وكثيرون يحسبون أن التقيد بمنهج الله وبخاصة في علاقات الجنسين شاق مجهد، والانطلاق مع الذين يتبعون الشهوات ميسَّر مريح..

وهذا وهْم كبير والنظر إلى الواقع في حياة المجتمعات التي (تحررت) من قيود الدين والأخلاق والحياء في هذه العلاقة، يكفي لإلقاء الرعب في القلوب، لو كانت هنالك قلوب!

لقد كانت فوضى العلاقات الجنسية هي المعول الأول الذي حطم الحضارات القديمة، وحطم الحضارة الإغريقية، وحطم الحضارة الرومانية، وحطم الحضارة الفارسية..

وهذه الفوضى ذاتها هي التي أخذت تحطم الحضارة الغربية الراهنة وقد ظهرت آثار التحطيم شبه كاملة في انهيارات فرنسا التي سبقت في هذه الفوضى وبدأت هذه الآثار تظهر في أمريكا والسويد وانجلترا، وغيرها من دول الحضارة الحديثة
وقد ظهرت آثار هذه الفوضى في فرنسا مبكرة، مما جعلها تركع على أقدامها في كل حرب خاضتها منذ سنة 1870 إلى اليوم، وهي في طريقها إلى الانهيار التام، كما تدل جميع الشواهد…

علامات الانهيار الاجتماعي

ويقول:

يقول طبيب فرنسي نطاسي يدعى الدكتور” ليريه: إنه يموت في فرنسا ثلاثون ألف نسمة بالزهري، وما يتبعه من الأمراض الكثيرة في كل سنة. وهذا المرض هو أفتك الأمراض بالأمة الفرنسية بعد حمى الدق.

والأمة الفرنسية يتناقص تعدادها بشكل خطير: ذلك أن سهولة تلبية الميل الجنسي، وفوضى العلاقات الجنسية والتخلص من الأجنة والمواليد، لا تدع مجالاً لتكوين الأسرة، ولا لاستقرارها ولا لاحتمال تبعة الأطفال الذين يولدون من الالتقاء الجنسي العابر.

ومن ثم يقِلّ الزواج، ويقل التناسل، وتتدحرج فرنسا منحدرة إلى الهاوية

[للمزيد: عادٌ الأخيرة]

نُذر هلاك النسل

ويقول بعد عرض حال الأمة في السويد ونذر الهلاك للأسرة والنشء:

والحال في أمريكا لا تقل عن هذه الحال. ونذر السوء تتوالى والأمة الأمريكية في عنفوانها لا تتلفت للنُذُر.

ولكن عوامل التدمير تعمل في كيانها، على الرغم من هذا الرواء الظاهري وتعمل بسرعة مما يشي بسرعة الدمار الداخلي على الرغم من كل الظواهر الخارجية !!!

ولقد وجد الذين يبيعون أسرار أمريكا وبريطانيا العسكرية لأعدائهم، لا لأنهم في حاجة إلى المال. ولكن لأن بهم شذوذاً جنسياً، ناشئاً من آثار الفوضى الجنسية السائدة في المجتمع…

[للمزيد: يوم المرأة العالمي.. وموظَّفات الأمم المتحدة]

عوامل شيطانية

ثم يقول..

وقد كتبت إحدى المجلات الأمريكية منذ أكثر من ربع قرن تقول:
“عوامل شيطانية ثلاثة يحيط ثالوثها بدنيانا اليوم. وهي جميعها في تسعير سعير لأهل الأرض..

أولها: الأدب الفاحش الخليع الذي لا يفتأ يزداد في وقاحة ورواجه بعد الحرب العالمية الأولى بسرعة عجيبة.

والثاني: الأفلام السينمائية التي لا تذكي في الناس عواطف الحب الشهواني فحسب، بل تلقنهم دروساً عملية في بابه.

والثالث: انحطاط المستوى الخلقي في عامة النساء، الذي يظهر في ملابسهن، بل في عريهن، وفي إكثارهن من التدخين، واختلاطهن بالرجال بلا قيد ولا التزام..

هذه المفاسد الثلاث فينا إلى الزيادة والانتشار بتوالي الأيام ولابد أن يكون مآلها زوال الحضارة والاجتماع النصرانيين وفناءهما آخر الأمر.

فإن نحن لم نحد من طغيانها، فلا جرم أن يأتي تاريخنا مشابهاً لتاريخ  الرومان، ومن تبعهم من سائر الأمم، الذين قد أوردهم هذا الاتباع للأهواء والشهوات موارد الهلكة والفناء، مع ما كانوا فيه من خمر ونساء، أو مشاغل رقص ولهو وغناء”

والذي حدث أن أمريكا لم تحد من طغيان هذه العوامل الثلاثة، بل استسلمت لها تماماً وهي تمضي في الطريق الذي سار فيه الرومان!…

[للمزيد: المستقبل وأمريكا]

خاتمة .. تكلفة باهظة

ثم يقول:

هذا طرف مما تتكلفه البشرية الضالة، في جاهليتها الحديثة، من جراء طاعتها للذين يتبعون الشهوات ولا يريدون أن يفيئو إلى منهج الله للحياة.

المنهج الملحوظ فيه اليسر والتخفيف على الإنسان الضعيف وصيانته من نزواته، وحمايته من شهواته، وهدايته إلى الطريق الآمن، والوصول به إلى التوبة والصلاح والطهارة:

﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا﴾. (النساء: 27 – 28) (4في ظلال القرآن 2/ 631- 635 باختصار)

………………………………………………

هوامش:

  1. مسلم: 1523.
  2. حراسة الفضيلة صـ 10 ،11.
  3. تفسير ابن جرير الطبري 8/ 214- 215.
  4. في ظلال القرآن 2/ 631- 635 باختصار.

وللمزيد:

  1. المشروع الأمريكي في حرب أهل السنة .. من الإقتصاد الى الأخلاق
  2. نداء لشمولية الطرح الإسلامي

التعليقات غير متاحة