يختار بعض ساقطي الخلق طريق الشعوذة أو الاستعانة بالجن والشياطين، وهم سفلة الخلق ساقطو الهمم. للسحر حقيقة وله علامات وعلاج شرعي يقي الخزعبلات والشعوذة.

مقدمة

ثمة قوى متعددة خلقها الله تعالى، واختبر خلقه بها. وثبوت تاثير الشيء لا يعني حل استعماله، فكم من مؤثر يحرم استعماله كتناول السم وقتل النفس. وكذا السحر؛ فقد حذر الله تعالى منه. وأخبر أنه محل اختبار لا يجوز تعلمه ولا تعليمه ولا استعماله.

وفي البيئات التي يغلب عليها الجهل وسقوط الإرادات النافعة؛ يكثر فيها هذا الأمر وتلك الشعوذات.

وفي الأزمنة المعاصرة هناك احتفاء ببعض هؤلاء وصاروا مشاهير خاصة ما كان فيه خداع وخفة يد.. وفي بيئات أخرى أقل متستوى اقتصادي واجتماعي يكون استعمال التعامل مع الشياطين والجن بالكذب والدجل والشرك الأعظم وارتكاب الفواحش ما يندى له الجبين قاصدين به تفريقا بين الأزواج والحصول على شهوات متخيَّلة؛ فلا يجني منها اصحابها إلا مر الحصاد وخيبة النتائج وخسارة الأديان.

موقف الشريعة من السحر

جاء الإسلام ليحفظ للناس دينهم وأنفسهم وأموالهم وأعراضهم وعقولهم، وجعل هذه الضرورات الخمس قواعد الخلق في رعاية مصالحهم ودفع مضارهم، فحرّم كل اعتداء عليها، فحرّم الكفر والردة لإخلالها بأصل الدين، وحرّم قتل النفس بغير حق، وحرّم الاعتداء على الأموال والأعراض والأنساب، وحرّم الاعتداء على العقول بكافة أنواع المسكرات الحسية والمعنوية .

والسحر لم يأت على قاعدة من هذه القواعد إلا وأفسدها، فالسحر والكفر قلّما يفترقان، والسحر سبيل لتبذير المال وتضييعه، وهو مُفسد للذرية بتفريق رباط الأسرة، وهو مدخل للزنا والاعتداء على الأعراض؛ وهو كذلك سبيل لاغتيال العقول وطمسها، فلا غرو حينئذ أن يقف الإسلام من السحر وأهله موقفا صارماً فقد حرم تعلمه وتعليمه، وأوجب كفَّ الساحر عن سحره، وإقامة الحد عليه تطهيرا للمجتمع من شره ودجله، وحرَّم على الناس الذهاب إلى السحرة والاستعانة بهم. (1حكم السحر والساحر، موقع اسلام ويب)

فالسحر من المحرمات الكفرية، كما قال الله عز وجل في شأن الملَكين في سورة البقرة: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:102]؛ فدلّت هذه الآيات الكريمة على أن السِحر كفر، وأن السحرة يفرّقون بين المرء وزوجه، كما دلت على أن السحر ليس بمؤثر لذاته نفعًا ولا ضرًا، وإنما يؤثّر بإذن الله الكوني القدري؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الخير والشر.

ولقد عظم الضرر واشتد الخطب بهؤلاء المفترين الذين ورِثوا هذه العلوم عن المشركين، ولبّسوا بها على ضعفاء العقول، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

كما دلت الآية الكريمة على أن الذين يتعلمون السحر إنما يتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم، وأنه ليس لهم عند الله من خلاق، أي من حظ ونصيب، وهذا وعيد عظيم يدل على شدة خسارتهم في الدنيا والآخرة، وأنهم باعوا أنفسهم بأبخس الأثمان؛ ولهذا ذمهم الله سبحانه وتعالى على ذلك بقوله: ﴿وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:102] والشراء هنا بمعنى البيع، نسأل الله العافية والسلامة من شر السحرة والكهنة وسائر المشعوذين. (2حكم السحر والكهانة وما يتعلق بها، موقع ابن باز)

هل السحر حقيقة أم خداع وخيال

وأما السحر: فهو حقيقة وليس بوهْم ولا بخيال، وله تأثير بإذن الله تعالى .قال القرافي:

“السحر له حقيقة، وقد يموت المسحور، أو يتغير طبعه وعادته، وإن لم يباشره، وقال به الشافعي وابن حنبل” (3الفروق ( 4 / 149))

ومن أدلة أهل السنَّة على ذلك:

1) قولـه تعالى: ﴿وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ﴾ [البقرة:102].

والآية واضحة الدلالة على المطلوب: وهو إثبات أن السحر حقيقة، وأن الساحر يفرِّق بسحره بين المرء وزجه، وأنه يضر بسحره الناس؛ لكن لا يقع ضرره إلا بإذن الله .

2) قوله تعالى : ﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾ [الفلق:4].

والنفاثات في العقد: الساحرات اللواتي يعقدن في سحرهن، وينفثن فيه، فلولا أن للسحر حقيقة لما أمر الله تعالى بالاستعاذة منه .

3) ومن الأدلة سحره صلى الله عليه وسلم من قِبَل اليهودي “لبيد بن الأعصم”، وهو حديث صحيح رواه البخاري ومسلم.

وقال ابن القيم:

“والسحر الذي يؤثر مرضاً وثقلاً وعقلاً وحبّاً وبغضاً ونزيفاً موجودا، تعرفه عامة الناس، وكثير من الناس عرفه ذوقاً بما أصيب به منهم”. (4“التفسير القيم” (ص 571)) (5هل للسحر حقيقة ؟ وهل يجوز التداوي عند السحرة ؟، موقع الاسلام سؤال وجواب)

هل يجوز تعلم السحر؟

قال الحافظ ابن حجر، رحمه الله تعالى:

“قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾ [البقرة: 102] فيه إشارة إلى أنَّ تعلُّمَ السحر كُفْر”. اهـ

قال ابن قدامة، رحمه الله تعالى:

“تعلُّم السحر وتعليمه حرام، لا نعلم فيه خلافًا بين أهل العلم. قال أصحابنا: ويكفُر الساحر بتعلُّمه وفعله، سواء اعتقد تحريمه أو إباحته”. اهـ

ثم من المعلوم بالضرورة أن الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين وعامتهم كانوا يعلَمون المعجز ويُفرِّقون بينه وبين غيره، ولم يكونوا يَعلَمون السحر ولا تعلَّمُوه ولا عَلَّمُوه، والله أعلم؛ اهـ. (6المعجز ما كان من خوارق العادات للدلالة على صدق النبي المرسل، وهو قرين طاعة الله والعبادة المستقيمة)

قال أبو حيان في البحر المحيط:

وأما حكم تعلُّم السحر، فما كان منه يُعظَّم به غير الله من الكواكب والشياطين، وإضافة ما يُحدِثه الله إليها، فهو كفر إجماعًا، لا يحل تعلُّمه ولا العمل به، وكذا ما قُصِد بتعلُّمه سفْكُ الدماء، والتفريق بين الزوجين والأصدقاء.

وأما إذا كان لا يُعلَم منه شيء من ذلك؛ بل يحتمل، فالظاهر أنه لا يَحِل تعلمه، ولا العمل به.

وما كان من نوع التخييل، والدجل، والشعبذة، فلا ينبغي تعلُّمه؛ لأنه من باب الباطل. اهـ.

قلت: وهذا كلام حسن جَيِّد، وهو الذي ينبغي التعويل عليه في هذا الأمر. (7حكم السحر في الشريعة الإسلامية، موقع الألوكة)

أنواع السحر

أنواع السحر كثيرة، ومنه التخييل أو ” خداع البصر”، وليس السحر كله كذلك، وقد ذكر بعض العلماء أنواعه وأوصلوها إلى ثمانية؛ ومن أشهرها:

عُقَد ورقى

أي: قراءات وطلاسم يتوصل بها الساحر إلى استخدام الشياطين فيما يريد به ضرر المسحور.

خفة اليد

وهذه يحسنونها بالتدرب على المسارعة بفعل الأشياء، وإخراج المخبوء .فمثلا يأتي الساحر بحمامة فيخنقها أمام المشاهدين ثم يضربها بيده فتقوم وتطير..!

والحقيقة: أنه كان في يده “بنج”..! فشممها إياه وأوهمهم أنه خنقها فماتت، ثم لما ضربها أفاقت من البنج… !

سحر العيون

وهذا كثير عند الدجالين، فهو لا يُدخل السيف في جسده، لكنه يسحر عيون المشاهدين، ويمرر السيف على جانبه، ويراه الناس المسحورون مر في وسطه .

وقد اشتهر دجل هؤلاء. ولما وجد بين المشاهدين من حصَّن نفسه بالقرآن والأذكار، وأكثر من ذكر الله في جلسة الساحر فرأى الحقيقة على خلاف ما رآها المسحورون .

استعمال المواد الكيماوية

وهذه يحسنها من يجيد تركيب المواد بعضها على بعض فتنتج مادة تمنع تأثير بعض المواد ، مثل ما كان يصنع “الرفاعية” من إيهام الناس أنهم لا تؤثر بهم النار، والحقيقة أنهم يدهنون أنفسهم ببعض المواد التي تمنع تأثير النار فيهم..! وقد تحداهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في أن يغتسلوا بالماء الساخن قبل دخولهم النار، فرفضوا ذلك لأنه بان عوارهم .

وغير ذلك كثير مما يفعله السحرة، ولا يقع إلا ما قدره الله تبارك وتعالى. (8“تفسير ابن كثير” (1 / 146) و”مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين” (2 / 178)، و”السحر” للشيخ عمر الأشقر)

أعراض السحر

ليس من السهل الحكم على شخص ما بأنه مسحور لأن أعراض السحر قريبة جدا من أعراض الحسد ، وتتشابه مع أعراض المس بسبب وجود شيطان السحر في الغالب، وينبغي أن يوضع الأمر في الحسبان فلا يضر المسلم  أن يرقي نفسه مستعملا الرقية الشرعية.

 علامات السحر المأكول والمشروب

–  ألم شديد في البطن وكأنه طعن أو تقطيع بالسكاكين.

–  الشعور بألم دائم في المعدة مع غثيان وتقيؤ مستمر في بداية الحالة (ليس في كل الحالات).

–  غثيان (يزداد وقت الرقية) ما لم يكن السحر قديماً أو منتشرا في أنحاء الجسم.

–  كثرة الغازات في البطن .

–  يشعر بقعقعة في البطن وقت الرقية.

–  يشعر بمثل الكرة في المريء والبلعوم ساكنه أو متحركة خصوصا وقت القراءة.

–  يشعر بحرارة في جوفه بل في بدنه عامة خصوصاً وقت الرقية.

–  خروج رائحة كريهة من المعدة (عن طريق الفم) تزداد وقت الرقية .

–  يشعر بألم وتقطيع في بطنه وقت الرقية.

–  عدم الرغبة في الأكل (ليس في كل الحالات).

–  الإمساك المزمن (في بعض الحالات) .

–  الألم الشديدة فترة الدورة (عند النساء).

–  ضعف الرؤية (البصر)، وربما ترى في عينيه بريقاً غامض يتدفق كأنه إشعاع مغناطيسي.

–  قد يرى أمام عينيه شعراً أو حبالاً معقدة أو ملفوفة ولو كان مغمض العينين، هذا غالبا مايكون في السحر المأكول والمشروب.

–  المسحور بهذا النوع من السحر ينزعج عندما يلمسه أحد خصوصا في المواضع التي يكثر فيه السحر في جسده.

–  ومن علامات السحر المأكول والمشروب الشعور بالضيق عند التنفس، ويسمع له أحيانا فحيح عند الشهيق والزفير وهو أشبه ما يكون بالشخص المصاب بالربو.

–  ومن علامات السحر المأكول والمشروب سواد الوجـه خصوصاً وقت الرقية فإذا ما استفرغ السحر أشرق لونه واستنار وجهه. (9موقع رقية)

خاتمة

كان النبي صلى الله عليه وسلم يرقي نفسه قبل نومه، وكان يرقي الحسن والحسين ابني فاطمة رضي الله عنها، ولا يضر المسلم أن يرقي نفسه بالرقى الشرعية والتوكل على الله سبحانه، وقاية من شر كل ذي شر ربنا آخذ بناصيته، وللتوقي من كل مؤذ كان سببه ظاهرا أو باطنا. وقى الله تعالى المسلمين شر كل عدو ظاهر العداوة أو مُبْطنها.

……………………..

الهوامش:

  1. حكم السحر والساحر، موقع اسلام ويب.
  2. حكم السحر والكهانة وما يتعلق بها، موقع ابن باز.
  3. الفروق ( 4 / 149).
  4. “التفسير القيم” (ص 571).
  5. هل للسحر حقيقة ؟ وهل يجوز التداوي عند السحرة ؟، موقع الاسلام سؤال وجواب.
  6. المعجز ما كان من خوارق العادات للدلالة على صدق النبي المرسل، وهو قرين طاعة الله والعبادة المستقيمة.
  7. حكم السحر في الشريعة الإسلامية، موقع الألوكة.
  8. “تفسير ابن كثير” (1 / 146) و”مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين” (2 / 178)، و”السحر” للشيخ عمر الأشقر .
  9. موقع رقية.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة