إدراك حقيقة الخضوع لله تعالى؛ نعمة. والتعبد لله يكون لسائر أسمائه وصفاته. ولرؤية قهر الله تعالى آثار في مختلف جوانب حياة العبد.

مقدمة

بعض الناس يدرك النعمة في صفاتٍ دون صفات. فقد يدركها في صفات الجمال ويغفل عن صفات العظمة والبهاء وما فيها من نعم عظيمة.

وفي حقيقة قهر الله لعباده نعمٌ عظيمة. فالعبد مخلوق يحتاج الى ربوبية ربّه في كل مجال، إذ تحتاج فطرته الى الخوف كما يحتاج الى الحب والرجاء. كما يحتاج أيضا الى التسليم وإلا تمزّق بسبب تطلعه الى ما لا ليس في مجاله أو تلوّمه على ما يعجز عنه مما مضى.

ومن حُرم من رؤية قهر الله سبحانه فحُرم من أن يسلّم له ويطامن من نفسه، تمزّق.

فمن تسلل الى قلبه خروج ذرة عن قبضته تعالى هلك، ومن غفل عن هيمنته تعالى على كل شيء شقي. ولا يطمئن العبد إلا أن يعلم أن لهذا الكون قاهرا لا يخرج مخلوق ولا حدَث عن قبضته وسلطانه.

من مجالات رؤية قهره تعالى

ولقهر الله لعباده مجالات تظهر قيمتها وأثرها..

فالله قاهر لكل مخلوق، ولهذا جرى أمره في كل مخلوق بما أراد تعالى، وهو لا يريد إلا بمقتضى الحكمة والعدل والرحمة.

فمن نظر الى خلقه وأدرك هذه الحقيقة ارتاح قلبه وعلم أن لكلٍ وظيفة ودوْرا يؤدَّى.

والله قاهر لمن كفر من عباده؛ فهذا يسكب الطمأنينة في قلب المؤمن، أنهم مقهورون بيد الله لم يخرجوا عن إرداته وقدره وتدبيره. فالله تعالى يقول: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ (الأنعام: 112) ويقول: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ (الأنعام: 137) ويقول ﴿وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ﴾ (الرعد: 11﴾ ويقول ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ﴾ (الأنفال: 59)

والله قاهر لعباده المؤمنين، ومما يوجبه هذا المشهد إدراك وتذوق حقيقة أنهم لم يهتدوا إلا بإذنه وعلمه وقضائه، فيوجب هذا المشهد الحمد والتضرع.

والله قاهر فيما وقع من المصائب فلا رادّ لما قضى، وهذا يوجب الرضا ويمنع حرقة القلوب أنه لو كان كذا لكان كذا، ولو لم يكن لم يكن كذا؛ فإن عامة حُرقة القلوب وتلوّم النفوس بل وتمردها على القدَر إنما يقع على افتراض إمكان تبديل ما وقع، ولكن الله تعالى قاهر فوق عباده قد قضى ما قضاه فينفذ لا يُرد.

والله قاهر فيما أعطى كل مخلوق من صورة وجمال، وقسمات وتميز؛ فوهب ما وهب بمقتضى حكمته، فلا يغيّر رجل أو امرأة صورتهما. فمن سخط نقصا أو قبحا فأدرك أن القاهر تعالى قضى هذا ولا مبدل لما قضاه، ثم أدرك أنه ما يفعل إلا لحكمة وحمد وعدل ورحمة، وجد في الاستسلام طمأنينة.

والله قاهر فيما أعطى للناس من عقول وفهْم، أو حفظ وذكاء، أو سرعة إدراك، أو اختلاف شخصيات. أو ما قسم تعالى من شأن المعايش بين خلقه. من غنى وفقر، ونسب، وولد وغيره.

فمن نظر الى هذا نظر من منظور العبودية، وعلم أنه لا يتعدى قدَر الله ولا يخرج عما أراد. ففرّغ نفسه لقضاء الجانب المأمور به فيرضى بما قسم ويعمل فيه بطاعة ربه؛ انتظارا لقسمة أُخرى مبنية على العمل، يوم أن تأتي “الواقعة” إذ هي خافضة رافعة.

فيومئد تعاد القسمة بين الناس بحسب عملهم ومواقفهم واتجاهاتهم، فيجازون يومئد بما كسبوا فيما أعطاهم في الدنيا. كلٌ بحسب ما اختبره الله فيه، وقد يفرح يومئذ محروم في الدنيا لقِلة التبعة وخفة الحِمل.

خاتمة

إن رؤية مظاهر قهر الله تعالى تجعل العبد يتطامن ويخضع لربه ويسجد معترفا بقدره، ناظرا لنفوذ الإرادة، فيجعل على ربه توكلَه واليه طاعته واتجاهه.

ومن نظر نظرا صحيحا الى اسم الله تعالى “القاهر” أوجب ذلك التوكل وهو قوة عظيمة وآلة في كل عمل، وبتوكله يفتح الله له ويبلغه خيرا عظيما.

إننا لا نستغني عن معرفة ربنا، وأن نتذوق العبودية لأسماء ونعوت جلاله وعظمته، كما لانستغني عن تذوق العبودية لنعوت جلاله، فنفوسنا فقيرة الى خوف ربها كما هي فقيرة الى حبه تعالى.

كما لا بد من التوازن بين ما يستسلم العبد فيه لربه، والقيام بما أمره الله من أمر شرعي وفي هذا قال تعالى في الجمع بين التوكل والعبادة ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ (هود: 123)

وقال في الجمع بين الصبر على المقدور والاستغفار عن التقصير، والقيام بالتعبد ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾ (غافر: 55)

إن الله تعالى هو القاهر فوق خلقه؛ فمن سواه..؟

…………………………………..

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة