لم يكن مجرد كتابا بحثيا أو رسالة أكاديمية بل صيحة ناصح، وشهادة تؤدَّى، وشهادة تؤول..! ذلك هو كتاب “المسلمون والحضارة الغربية” الذي صدر مؤخرا للشيخ الدكتور سفر الحوالي حفظه الله.

التعريف بالشيخ

هو الشيخ العلامة الدكتور “سفر بن عبدالرحمن بن أحمد آل غانم الحوالي” الذي ولد في قرية في أعالي قمم جبال السروات من جنوب المملكة العربية السعودية.

حيث ولد في قرية حوالة أقصى بلاد غامد ثم انتقل ليكمل تعليمه في مدينة “بلجرشي” وتخرج بامتياز من المعهد العلمي هناك.

والتحق بالجامعة الإسلامية عام (1391) وتخرج فيها عام (1394).

وكان من مشايخه هناك العلامة “ابن باز”، و”الأمين الشنقيطي”، و”محمد المختار الشنقيطي”، و”عبد المحسن العباد”، من علماء الإسلام.

وبعد تخرجه في الجامعة الإسلامية والمسجد النبوي الشريف آثر أن ينتقل إلى مكة البلد الحرام فأكمل بهما مشواره في التعليم العالي فحصل على الماجستير في رسالة العلمانية، والدكتوراة في ظاهرة الارجاء. (1تباريح من سيرة العلامة الشيخ/ الحوالي الشيخ خضر بن سند)

يعتبر الشيخ رمزا ومفكرا وعالما له اثره البالغ في ملايين الشباب في الشباب المسلم في المنطقة العربية وخارجها، وهو عالم وداعية وصاحب مواقف في الأزمات الحرجة.

[للمزيد عن سيرة الشيخ: “سفر الحوالي” .. الى كرامة السجن]

وصْف كتاب “المسلمون والحضارة الغربية” وانتشاره

صدر الكتاب في وقت ظن الناس أنه لا يتكلم أحد من أهل الحق، وأن حكام اليوم “لا يُرد عليهم”، وأن التغريب قطار لن يتوقف، وأن الانهيار لا منكِر له.

صدر كتاب “المسلمون والحضارة الغربية” في ثلاثة آلاف وتسعة وخمسون صفحة، وقد صدر على عجل يرى صاحبه وجوب النصيحة ووضوحها والإسراع بها كما يرى مسابقة الأجل.

لم يكن نسق الكتاب كالرسائل الجامعية، بل كان فيضا من المعلومات سهلا رائقا، لكنه قد يتشعب بالقاريء، وللبعض مأخذ على هذا.

لم تتبنّه جهة للنشر ولم تتسن للشيخ خدمة فسح الكتب. (2هي خدمة تقدم من وزارة الاعلام لمؤلفين ولدور النشر، لتسهل عليهم رفع المطبوعات الكترونيا، ومتابعة ملاحظات المراقبين وتعديلها حتى إصدار إذن الطبع.. كما يتيح الحصول على (ردمك) وهو الترقيم الدولي للكتاب للحفاظ على حق المؤلف أو الناشر)

وكانت العقبة هي (اسم المؤلف) فاضُّطر للطباعة (الالكترونية) دون فسح.

نزلت النسخة الالكترونية سريعا خشية الحيلولة دون اطلاع الناس عليها، وفور نزولها بأيام قليلة تم القبض على الشيخ وعدد من أولاده.. حفظهم الله جميعا.

تسبب هذا بدوره في أن يكون الكتاب صاحب أكبر عدد من التحميلات في المنطقة العربية في هذه الفترة، منذ صدور الكتاب والى تاريخ كتابة هذا المقال.

ثم وفق الله تعالى وتمت طباعته في تركيا في ستة مجلدات، في فترة وجيزة وغير معتادة؛ لشدة اهتمام الناس به..

فقد أدى القبض عليه ومعاقبته على ما أسداه من نصح، الى أن يكون ما فعله الظَلمة سببا في انتشار الخبر وبحث الناس عنه ومعرفة مضمون ما سطره، وتلك عادة الظالمين في الغباء، وذلك من مكر الله تعالى بهم.

لا يستطيع الناس اليوم حصر المواقع التي توفر إمكانية تحميل الكتاب، فقد فاق الأمر الحصر.. ولله الحمد والمنة؛ فلو أغلقوا موقعا يقوم بتحميلة لرفعه الآلاف من على أجهزتهم الحاسوبية الخاصة لمواقع جديدة.. وهكذا.

قصة كتاب “المسلمون والحضارة الغربية” وأهميته

بدأ الشيخ في كتابة هذا السِفر ـ المسلمون والحضارة الغربية ـ قريبا، فكتبه وهو يسيطر عليه شعور مسابقة الموت ومسارعة المنية.

عقبة الوقت: فأنا لم أشرع في كتابة هذا الكتاب إلا قريبا، وعلي أن أنجزه قبل دخول الشهر الكريم، شهر الفتوحات والانتصارات والبركات والدعوات.

أضف إلى ذلك أنني أخشى أن يفاجئني الموت كل لحظة، وقد أنذرني الله بالشيب. (3المسلمون والحضارة الغربية صـ 6)

شاعرا برسالة ملقاة على عاتقه يود أداءها قبل لقاء ربه تعالى ـ أطال الله في عمره ونفع به وبعلماء الأمة.

وعليّ أن أنقذ نفسي ومن يسمع قولي والإنسانية الحائرة بالاهتداء بهدى الله والاستقامة على أمره، وأتحول من اليقين إلى حق اليقين بقدر استطاعتي..

وكلما قرأت لفيلسوف غربي ازددت قناعة بأن لدى المسلمين الحل الأمثل والدواء الناجع لكل أزمة إنسانية أو مشكلة اجتماعية، وواجب النصح يقتضي أن أقدم ما أعلم تاركا لغيري إتمام ما نقص مني، ولا يستوي من أنفق من قبل الفتح وقاتل مع من أنفق من بعد وقاتل. (4المصدر السابق، صـ 7)

أهمية الكتاب

تكمن أهمية الكتاب في عدة أمور، أبرزها:

أولا: الوضوح والصراحة

في التوجه المباشر نحو العلماء، ونحو الدعاة، ثم نحو الحكام في المملكة السعودية فاتجه بالنصح المباشر لآل سعود.

ثانيا: الإسلام هو المقياس

جعل الإسلام هو المقياس، وحدد مقدار الانحراف ومجالاته، ووجه النصح المباشر ولم يتردد في ذكر الأسماء من الحكام، ملوكا وأمراء، والوزراء بأسمائهم السابقين واللاحقين.

ثالثا: معاصرة الأحداث

تميز الكتاب بمعاصرة الأحداث، والمرور عليها جميعا، وذكر الكثير من التفاصيل القريبة التي يود الناس سماع رأي عالِم بعيدٍ عن السلطة، بعقيدته وفهمه وعلمه ومواقفه، في شأنها ومعرفة موقفه منها.

رابعا: السياق المحلي وارتباطاته

لم يناقش الشأن السعودي منعزلا عن السياق الإقليمي ولا الدولي، بل فصّل في شأن الوضع الداخلي وناقشه مبينا الصلة بين هذا وبين السياق الإقليمي والدولي.

خامسا: شق سياق الصمت و”التطبيل”

تكمن أهمية الكتاب أنه يأتي ضمن موجة سكوت وصمت و”تطبيل” كما سماها الشيخ، حتى كادت حقائق أن تنجرف وفئام من الناس أن تستسلم وتضيع، أو ينتابها اليأس والتحير..

فرزق الله بقنديل من أهل العلم يقف بإزاء المناديل التي يمسح فيها الطواغيت قاذوراتهم، وتشرف على ذبح الأمة والقضاء على مقدراتها، وقبل كل شيء تشرف على القضاء على إمكانية إقامة الدين وعودته..

فإذا بشعاع من النور ودفقة من حميّة للإسلام يصنع الله بها ما يشاء.

[للمزيد: القنديل والمنديل .. وما يجري على الدين من تبديل، قناديل معاصرة]

سادسا: رمزية للخير

كما تكمن أهمية الكتاب أن للشيخ رمزيته، وأنه علَم على تيار، وموقفه هذا يشحذ همم الكثير ويدفعهم للائتمام به وأخذ المواقف الجادة والحاسمة والوقوف أمام تيار الانهيار والانحلال والإلحاد الليبرالي.

سابعا: طَرَقات الباطل تشعل الحق..!

ويرزق الله تعالى الشيخ والكتاب أهمية جديدة، يمثلها سنُّه ومرضُه، ويمثلها سجنه، وخوفُ الناس على حياته.. فهذه الظروف رغم صعوبتها نوع من الإشهاد لله، وهي بطبعها مثيرة لاهتمام العقول وتعاطف القلوب والرغبة في معرفة ما قال.

ثامنا: تباينات المواقف تُظهر القضية

أثار الكتاب مواقف مختلفة موافقة ومعارضة، بين من يراه ترياقا للأدواء الموجودة، وبين من ينفي صلته بالشيخ وينكر أنه كتبه..! وهذا الصراع نفسه لفت نظر الكثيرين، ولولا قوة تأثيره لما التفت أحد اليه.

محتوى كتاب “المسلمون والحضارة الغربية” وأقسامه

1) مقدمة

وتشمل ثلاثة أجزاء: التمهيد، تعريف الحضارة وأصلها، هل يشن الغرب علينا حملة صليبية؟

2) تفوق الحضارة الإسلامية وتقدمها

ويشمل ثلاثة مواضيع:

مرجع الحضارة الإسلامية: الكتاب والسنة، بعض مميزات الحضارة الإسلامية، ضرورة التحاكم لشرع الله.

3) موجز للتاريخ العقدي الإسلامي وفيه الصوفية والمرجئة والرافضة

ويشمل الصوفية، الإرجاء، نبذة عن الرافضة.

4) تجديد الحضارة الإسلامية بالدعوة السلفية

ويشمل: دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأثرها في العالم، محاولة تجديدها في هذا العصر على يد الشيخ الألباني رحمه الله، أعداء الدعوة السلفية، النفاق والمنافقون.

5) الفكر الديني

ويشمل: أصل الدين، دين الغرب ومكانة المتدين عند أهل الكتاب، اليهود، النصارى، هيئة الأمم المتحدة والدين الإنساني، التشبه بالكفار، أثر الذنوب.

6) الفكر السياسي

ويشمل: أثر الإسلام في الفكر السياسي الحديث بإيجاز، مبادئ الفكر السياسي في الإسلام، معالم الفكر السياسي الإسلامي، الإمامة، الحرية في المال، القضاء والقضاة.

7) الفكر الاجتماعي

ويشمل: علم الاجتماع، بعض المجتمعات الإسلامية.، بعض المجتمعات الغربية، أمريكا، روسيا، الصين. قضية المرأة، الحقوق والآداب، التاريخ والآثار، البيئة والنظافة.

8) الفكر العلمي

ويشمل المواضيع التالية: مصدر المعرفة، المنهج العلمي والتأليف، بعض ميزات المنهج المعرفي الإسلامي وضوابطه، الفلسفة، قضايا علمية عامة، فنون علمية مختلفة، الهندسة، الرياضيات، الصيدلة، الطاقة.، الطب، الصناعة، الفلك، الأحياء، الإلحاد (بطلان الداروينية، الجيولوجيا، البحار والجغرافيا).

9) الفكر الإنساني

ويشمل: مبادئ عامة في المنهج العلمي الإسلامي، الممارسة العملية للتربية والتعليم، الإدارة، علم النفس، اللغة والأدب والفن.

10) المخرج من كيد الغرب وكيف يقود المسلمون الحضارة البشرية

ويشمل: الزهد، والجهاد، وفيه:

أ- ترتيب العداوة. ب- مشكلة (الإرهاب).

11) لمن المستقبل

12) الملاحق؛ وتشمل:

  1. نصيحة للعلماء
  2. نصيحة للدعاة.
  3. نصيحة لآل سعود
  4. بعض الأوضاع الموجبة للإصلاح الفوري.

13) الخاتمة “النتائج والتوصيات”

رسالة “المسلمون والحضارة الغربية” الأساسية

اعتمد الكاتب سمة الوضوح

والسمة العامة لي في حياتي كلها هي الوضوح والصراحة مع كل أحد.

والإسلام عندي أكبر من كل حزب أو فصيل أو فئة أو تيار، والكتاب والسنة يسعان الجميع، كما وسعا الكتيبة الخضراء «كتيبة المهاجرين والأنصار يوم الفتح، ووسعا كتائب الأعراب، وكما وسعا سعد بن أبي وقاص وأبا محجن الثقفي». (5المصدر السابق صـ 7)

كما اجتهد أن يلتزم سمة العدل

وأنا لست عدوا إلا للباطل أينما كان، وصديقا للحق أينما كان، وهذه الأمة المحمدية المباركة هي أمة العدل والحق لا نظلم من ظلمنا ولا نفتري على من افترى علينا، ولا نغدر بمن غدر بنا، ولا نجحد فضائل من جحد فضائلنا.

وليس ذلك سياسة براجماتية منا ولا جلبا للمصلحة ودرأ للمفسدة، بل إذا أمرنا ديننا ونص عليه ربنا. (6المصدر السابق صـ 8)

رسالة الكتاب

تكمن رسالة الكتاب الأساسية في أمور:

الصدع بالحق

توجيه النصح بجرأة ووضح وعدم نفاق أو تلوين، ومع الجميع، علماء ودعاة وحكاما. ودعاهم لهذا ولأخذ الموقف المناسب.

إنني إذ أنشر هذا المكتوب وأقدم هذه النصيحة، لأرجو أن ينفع الله بذلك وأهيب بكل داعية إلى الله أن يصدع بما يراه من الحق..

فقد انتهى زمن المجاملات والسكوت، وجاء وقت الصراحة والوضوح، وأن ينشروا الحق على الملأ لا أعني في القنوات الإسلامية أو المجلات الإسلامية وحدها، بل في الجرائد الرسمية نفسها وفي القنوات الرسمية نفسها. (7المصدر السابق صـ 2629)

القدرة الكامنة في الحضارة الاسلامية

البحث عن “القدرة الكامنة” في الحضارة الإسلامية، وإثبات اصالتها وأسبقيتها وسموها، وتأثيرها وامتداد ذلك التأثير الى اليوم، وأحقيتها بالمستقبل وأنه للإسلام، وأنه هو القادم وهو الخليق والجدير بحل مشكلات العالم وقيادته الرشيدة.

وهْم القدرة في الحضارة الغربية

إثبات ما في الحضارة الغربية من “وهْم القدرات” بامتلاك المستقبل وبيان علامات أفولها بل وتكاتف أو تزامن العوامل الاجتماعية والفكرية والأخلاقية للانهيار مع عوامل المناخ والطبيعة والتي تبشر أيضا بذلك.

الإنصاف والعدل والاتزان

وذلك بالنظر الى ما عند الغرب من حريات واحترام للشعوب وإقامة نظم سياسية غير استبدادية وما عندهم من العلوم والتقدم، وإن كانوا يمنعونه عن المسلمين ويجبونه بقصد إبقاءنا في حالة تبعية. مع الإشارة الى وجوب ذلك، والتأكد على إمكانه.

إقامة الدين واستقلال القرار

التركيز على إقامة الشريعة وإقامة الولاء والبراء الإسلامي، واستقلال القرار ـ وفي ذلك أثبت أن آل سعود لهم مواقف خالفوا فيها الأمريكيين عندما أرادوا ذلك ـ وشجعهم على التزام هذه الشريعة المباركة والانحياز الى جانب هذا الدين والاستعانة بالدعاء والتوكل واستخدام القدرات والثروات، وضرب أمثلة قريبة العهد قام بها أهل الجزيرة في حال التزامهم العقيدة الصحيحة ومقتضياتها والشريعة المباركة.

التحذير الشديد من الليبراليين

فقد حذر مرارا منهم وأوضح أنهم بلا دين وبلا خوف على البلاد، وإنما مجموعة من الملاحدة مدفوعي الأجر تابعين للغرب، وعلى الخصوص للبنتاجون الأمريكي.

ودورهم خطير في الإعلام والثقافة والتعليم وغيره، ولهم حماية وفّرها لهم الأمريكيون وهم خطر شديد، وشعارهم يُسقط أي ادعاء بحب البلاد أو الخوف عليها..

احذروا الليبراليين واعرفوا المقصد من إسقاط الدين، فالليبراليون في بلاد الحرمين يريدون إفساد الدين والتسلط على الحكم، ومن أكبر أقطابهم عبد الرحمن الراشد القصبي الذي تعامله السلطات أكرم معاملة، ولا شك أن للوبي الأمريكي دوراً في ذلك كما قال الأستاذ عبد الله المنصور في مقالته: “الليبراليون الدولة لنا أو فلتسقط”.

ومعروف ارتباط هؤلاء بوحدة التضليل في البنتاجون فهل يسكتون أو نفضح ارتباطهم وتمويلهم. (8المصدر السابق صـ 2870)

ويكرر التحذير في أكثر من مناسبة

جاءت رؤية ( ٢٠٣٠ ) وهي رؤية اقتصادية بمثابة الفرصة للتغيير الاجتماعي، وباسمها يسعون للإفساد وهدم الدين ضمن شعار العلمانيين “الدولة لنا أو فلتسقط”. (9المصدر السابق صـ 2901)

التحديث وامتلاك القوة

وجوب التحديث، وامتلاك القوة والعلم والتصنيع، وعدم هدر الثروات والأموال، ووجوب توجيهها الى الإصلاح الاجتماعي لفقراء الشعب المسلم، وفقراء المسلمين عموما، وتوجيهها الى التصنيع وامتلاك القوة وامتلاك السلاح وحرية القرار. وضرب تركيا مثالا لهذا.

الاشتباك مع الواقع .. الإحصاء والأرقام

تتبع الواقع السعودي، والإقليمي، ولكن التركيز على الوضع السعودي أكثر بالإحصاء والأرقام الرسمية والمواقف المتتابعة والتصريحات الرسمية وشبه الرسمية ـ تلك التي تنطق باسم السلطة أو بإذنها وحمايتها ـ لبيان واقع المملكة في المجال الديني والتشريعي، وموجة الانحلال والإلحاد الليبرالية..

ولم يقف عند المجال الديني والتشريعي بل واصل كشف الواقع في المجال الإعلامي والثقافي، وفي المجال الاجتماعي، وفي مجال البينة الأساسية والمرافق، الى مجال الصحة والصناعة والزراعة والبيئة..

وهو جهد مشكور ونموذج لما يجب أن يكون عليه العالم في هذا العصر ووجوب فقه الواقع كما هو مطلوب..

وفي هذا الإطار يبين مدى انحراف السلطة عن دين الله تعالى، كذلك مدى تخليها عن واجبها نحو الشعب المسلم في السعودية ونحو الجزيرة العربية وما للجزيرة من خصوصية، ونحو العالم الإسلامي والأمة، ومدى ما ضيعت من مفاهيم وسمحت من اختراقات وأهدرت من ثروات.

الاقتراب من أصحاب المعاناة

اقترب الشيخ من أصحاب المعاناة ومن أهالي وقبائل واطلاعه الشخصي على الأمور ومحاوراته مع أصحاب المعاناة من أبناء البلاد، من القبائل المختلفة والأماكن المهمَلة، ومع المسؤولين ومع غربيين صحافيين أو منتمين الى مراكز دراسات أو مسؤولين.

خلاصة ودروس وعبر

حضور النموذج الغائب

وقد قدمه الشيخ سفر فلم يتكلم عن أمر عام بالتقوى ووعظ بكلمات عامة يُنزلها الحكام على الناس بوجوب طاعة الناس لهم، وينزلها الناس وأغلب الوعاظ على التعاملات الفردية مع غياب البعد العام والجماعي..

ترك الشيخ “سفر” هذا الإجمال والإبهام، ووضع يده على ما يجب إصلاحه، وأثبت الخلل وتتبَعَه، ونظر الى الطريق الذي تمضي فيه الأمور وحذّر منه.

هذا النموذج قد افتقده الناس؛ فمن يتكلم عن هذه المجالات بهذه الأرقام والإحصاءات إما مسؤول يكذب، أو علماني يدّعي الثقافة ويتوسل منها الى وجوب المزيد من الإباحية والليبرالية..!!

الخوف وثقل الأمانة

معنى الخوف من الله والشعور بالأمانة وثقلها والرغبة في تأديتها، مما يستلزمه هذا من توكلٍ على الله سبحانه، ويدفع اليه الخوف منه سبحانه.

هنا يتقدم العالِم للتغيير ويقف أمام السلطة ومن وراءها من الغرب والقوى الإقليمية التي تسيطر على العالَم.

وهذا موقف إشهاد لله تأسيا بالأنبياء؛ كهود عليه السلام وهو يقول ﴿إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾(هود: 54-56)

ومثل نوح عليه السلام وهو يقول ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ *فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (نوح: 71-72)

الوعظ مسلك وعمل

الخوف من الله موقف، والوعظ مسلك للحياة وليس بكاء وتباكيا أمام الكاميرات وخلف المذياع؛ بل موقف ومأخذ وتعرية للباطل وتتبع لعواره وكشفه، وتحذير من مخاطره.

مسائل للنقاش

لا يخلو الأمر من مآخذ ومسائل، محل أخذ ورد، وتحتمل النقاش، كعدم التفريق بين الخلافة الجامعة والتي تُشترط فيها القرشية وبين حاكم الإقليم الذي يُعد بمثابة العامل من قِبل الخليفة ولا تشترط فيه القرشية..

وكمسائل فرعية كتسمية الجامعة باسم سعود أو الشيخ محمد بن عبد الوهاب..

وغير ذلك من فروع تحتمل النقاش، وهذا شأن العمل البشري، وما يوجب النظر الجماعي، والشيخ الكريم عرض طرحا ورحّب بالنقاش وفتح بابه وكتب للناس رقم الفاكس ليراسلوه ويناقشوه، وتكون الرؤية جماعية في النهاية. ومن العقل والحكمة أن لا يشغلنا رؤية قشة في نهر هادر عن تدفق النهر ومنافعه العظيمة للبلاد والعباد

مآل الكلمات

تلك الكلمات المضيئة في “المسلمون والحضارة الغربية”، وصيحة الحق، والنصيحة ” التي استثقلها من وُجهت اليه” لا ندري أين ترسو، لكنها ستعمل عملها وستضئ لكثير من الخلق بإذن الله تعالى؛ فالله تعالى يوصّل القول الحق، ويتولى حماية ما ينفع الناس، وهو سبحانه لا يُصلِح عمل المفسدين.

……………………………………………..

هوامش:

  1. تباريح من سيرة العلامة الشيخ/ الحوالي الشيخ خضر بن سند.
  2. هي خدمة تقدم من وزارة الاعلام لمؤلفين ولدور النشر، لتسهل عليهم رفع المطبوعات التكتورنيا، ومتابعة ملاحظات المراقبين وتعديلها حتى إصدار إذن الطبع.. كما يتيح الحصول على (ردمك) وهو الترقيم الدولي للكتاب للحفاظ على حق المؤلف أو الناشر.
  3. المسلمون والحضارة الغربية صـ 6.
  4. المصدر السابق، صـ 7.
  5. المصدر السابق صـ 7.
  6. المصدر السابق صـ 8.
  7. المصدر السابق صـ 2629.
  8. المصدر السابق صـ 2870.
  9. المصدر السابق صـ 2901.

اقرأ أيضا:

  1. “سفر الحوالي” .. الى كرامة السجن
  2. تحرج أصحاب الحق .. ووقاحة أهل الباطل
  3. الأمة تفتقدكم .. فأين أنتم يا معشر العلماء
  4. القنديل والمنديل .. وما يجري على الدين من تبديل (2 – 4) قناديل من علماء السلف

التعليقات غير متاحة