من أكبر جرائم الطغاة… حبهم وتشفِّيهم في إذلال مخالفيهم وكسرهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا..

خصلة تكاد تلمسها في كل طاغية قديم وحديث..

بدءا من النمرود جبار مصر الذي أراد كسر إبراهيم عليه السلام بسارة زوجته لولا دعاؤها الذي نجاها الله به كما في الصحيح..

ومرورا بفرعون الذي قال عن موسى: “مهين ولا يكاد يبين”.

ومرورا بأبي سفيان قبل إسلامه يوم نادي يوم أحد: اعلُ هبل… كأنه بعدما انتصر في معركة السِنان يريد أن ينتصر في معركة كسر الإنسان وزعزعة الإيمان…

وانتهاء بفراعنة الحاضر الذين كانوا ولا زالوا يتلذذون بكسر الإنسان أو محاولة ذلك…

فعلوا ذلك يوم كانوا في السجون يعذبون المعتقلين حتى يجبروهم على تسمية أنفسهم بأسماء الإناث، أو يخاطبوا جلاديهم بلغة الاستضعاف..

وفعلوها اليوم مع الإمام القرضاوي -رحمه الله- حينما اعتقلوا ابنته ليكسروا ظهره، ومع البلتاجي يوم قتلوا ابنته وأسروا ولده، ومع آلاف المعتقلين يوم أن هددوهم حتى بزوجاتهم وبناتهم بعدما عجزوا عن كسرهم بحديدهم ونارهم..

ولا زالوا الصهاينة وأولياؤهم يفعلونها في أرض الرباط تجويعا وتعطيشا وتخويفا..

الله أعلى وأجل… الله مولانا ولا مولى لكم..

لذلك كان خطاب النبي الدائم لأصحابه ألا يُروا العدو منهم انكسارا مهما كان ضعفهم أو قلة عددهم..

أعجبه أبو دجانة يوم مشى متبخترا بسيفه أمام المشركين يوم أحد…

وأعجبه صمود بلال واستعلائه أمام جبروت أمية وشدة تعذيبه..

وقال لأصحابه يوم عمرة القضاء: رحم الله امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة..

ورد على أبي سفيان بعد نشوة كبريائه يوم أحد بأن قال لأصحابه: ألا تجيبوه؟! قولوا: الله أعلى وأجل.

أحمد بن حنبل كان يصرخ وهو يعذب قائلا: “القرآن كلام الله غير مخلوق”.

والراغب النابلسي كان يصرخ وهو يُسلخ: “كان ذلك في الكتاب مسطورا”.

الخطاب الآن ينبغي أن يكون خطاب اعتزاز لا انكسار…

أقول هذا الكلام وأنا أرى الطغاة اليوم يبذلون جهدهم في إشاعة جو من الإحباط والانكسار بين الجموع..

حتى يصبح الانحناء سيد الموقف…

والمنحني لا ينظر إلا إلى حذاء مُحنيه… بينما معتدل القامة ينظر إلى عيني ظالمه فيرهبه..

ولا شيء أشد على نفس الطاغية من مصلوب مقطوع الأطراف يقول له بأعلى صوته:

“فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا”.

الخطاب الآن ينبغي أن يكون خطاب اعتزاز لا انكسار…

وافتخار لا افتقار، وقوة لا مسكنة…

فالطغاة إنما ينتفخون بانطفاء وانحسار مناوئيهم..

وكم يحزن النفس أن يظل الطغاة يملؤون الآفاق بقولة اعل هبل ولا يزاحمهم إلا أصوات ضعيفة مرتعشة بقولة: الله أعلى وأجل!!

من أجل هذه الانكسارة المرجوة من الطغاة يقتلون ويبطشون ويعدمون حتى ينتشوا بالعجز في نفوس المناوئين…

لذلك أستحلف كل مصلح بالله أن يتخلص من ضعف صوته، وقلة حيلته، وهزيمة نفسه، واستسلام قلبه، ولا يمشي إلا مشية أبي دجانة، ولا يتكلم إلا بكلام المسلمين بعد أحد:

الله أعلى وأجل… الله مولانا ولا مولى لكم..

فعزة المسلمين رغم الجراحات… ضيعت على أبي سفيان ومن معه لذة الانتصارات!!

وكذلك نحن… فكل يوم نمر على بدر وأحد لو أننا نتدبر.

المصدر

صفحة الأستاذ خالد حمدي، على منصة ميتا.

اقرأ أيضا

نعيش بعزة الإسلام أو نموت بشرف

أين ذهبت عزتنا؟

أرض الرباط نموذج ” التصفية والتربية “

التعليقات غير متاحة