لوقوع الأقدار المشهودة آثار على النفوس، وعلى حركة المجتمعات، وعلى التاريخ. تترتب النفوس من جديد وتكتسب خيرا وشرا. وقراءة الأحداث وربطها بالله تعالى خاصة المؤمن.

مقدمة

إن الله تعالى لطيف بعباده، فلا يُنزل بعباده البلاء إلا لحكمةٍ منه؛ وهذا من تمام علمه وحكمته وإحاطته وقدرته، لكن العبد (يلتمس) في أقدار الله تعالى ما يكون في طياتها من الحِكم، وبين ثناياها من المواعظ، وما في أكنافها من الألطاف.. ومن الحِكَم الملتمسة:

الحِكم من تقدير اللهِ الفتنَ والمصائب

ثمة حِكم نتلمسها فيما قدّره الله من خلال ما أخبرنا وعلَمنا مما أنزله وبينه لنا لنهتدي به، وقد أمرنا تعالى أن نفقه أقداره ورسائلها (..فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) (الأنعام: 42)، وقال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) (الأعراف: 94).

الحكمة الأولى: التمييز والبيان

بتمييز الخبيث ودرجاته، و الطيب و درجاته كما قال تعالى: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [آل عمران 179]

الحكمة الثانية: رفعة درجات المؤمنين

برفعة درجة بعض المؤمنين وتكفير سيئاتهم والتي ماكانوا ليبلغوها لولا هذه النوازل و الفتن، قال تعالى: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب 22]

الحكمة الثالثة: قطع التعلق بالدنيا

كبح جماح بعض النفوس التي يخشى عليها من التعلق بهذه الدنيا وزينتها ، قال تعالى: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ [الشورى 27]

وكما قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري ومسلم «والله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم». (1أخرجه مسلم)

الحكمة الرابعة: قطع الطريق على المفسدين

قطع الطريق على المفسدين في الأرض بنزول الجوائح و الفتن على خلاف ما يظنون، قال تعالى: ﴿وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ * قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [النمل 48-51] فأنزَل بهم النوازل والمصائب التي أفسدت مخططاتهم.

الحكمة الخامسة: ظهور آثار أسماء الله

إظهار آثار بعض أسماء الله الحسنى مثل اللطيف، القدير، الرحيم، الحكيم، الجبار، القوي. قال تعالى ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الطلاق 12]

الحكمة السادسة: إقامة الحجة والإنذار

إقامة الحجة على الخلق بإنذارهم  بالعذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون ويتوبون، كما قال تعالى: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾. [السجدة 22-23]

الحكمة السابعة: ظهور فقر العبيد

إظهار افتقار الإنسان لربه، و ضعفه لبارئه، ودفع الكبر و العجب عنه، كما قال تعالى: ﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا﴾ [الكهف42-43]

ولما نزلت به المصيبة بعد إعجابه بنفسه وبماله فكان يقول لصاحبه (أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا *وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا ]الكهف) [34- 36]

والنازلة أو الفتنة قد يكتبها الله رحمة على بعض خلقه ورفعة لهم، وبلاء على آخرين وعقوبة لهم، كما جاء في حديث أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله ﷺ: يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض يُخسف بأولهم، وآخرهم، قالت: قلت يا رسول الله، كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟ قال: «يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم» (2متفق عليه، وهذا لفظ البخاري)، والشاهد قوله «ثم يبعثون على نياتهم«.

خاتمة

إن حكمة الله تعالى لا نحيط بها، وإنما نتلمس بعض أوجهها. لكن الخير كل الخير في حسن الظن في الله والتسليم اليه والإطمئنان لقدره، والقيم بما أمر به من عبوديات. وذلك فضل الله على عبده المؤمن.

…………………………………………….

هوامش:

  1. أخرجه مسلم.
  2. متفق عليه، وهذا لفظ البخاري.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة