إن نازلة الدعوة إلى الخلط بين دين الإسلام وبين غيره من الأديان الباطلة كاليهودية والنصرانية، التي يحاول النظام العالمي تمريرها، والتي تعقد لها أمم الكفر المؤتمرات المتتابعة باسم “التقريب بين الأديان” و “وحدة الأديان” و “التأخي بين الأديان” و”حوار الحضارات” هي أبشع صور “العولمة”، التي تهدف إلى بث الكفر والإلحاد، ونشر الإباحية، وطمس معالم الإسلام، وتغيير الفطرة.

المكيدة العظيمة: “وحدة الأديان”

وقد نهينا عن هذه النطرية الإلحادية: “وحدة الأديان” في سورة فرضها الله على المسلمين في جميع صلواتهم في قوله تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) [الفاتحة:6-7] ، وهذا من جلائل المعاني وأعظم حكم التشريع.

وقد ثبت تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الآية بأن المغضوب عليهم هم اليهود، والضالون هم النصارى. كما رواه أحمد والترمذي وحسنه-، وأجمع المفسرون على هذا المعنى.

محاولات قديمة حديثة لخلط اليهودية والنصرانية بالإسلام

وإن هذه المكيدة العظيمة وإن كانت حديثة في شعاراتها، إلا أنها قديمة عند اليهود والنصارى في تدابيرهم الكيدية ومواقفهم العدائية للإسلام والمسلمین.

قد بين الله -سبحانه- في محكم كتابه، أن كثيرا من اليهود والنصارى في محاولة دائبة لإضلال المسلمين عن إسلامهم، وردهم إلى الكفر، ودعوتهم المسلمين إلى اليهودية أو النصرانية، فقال تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة:109] ، وقال تعالى: (وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا ۗ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [البقرة:135].

وهكذا في عدد من آيات الله يتلوها المسلمون في كتاب الف ليحذرهم الله الكافرين من اليهود والنصارى وغيرهم، كما قال تعالى: (وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة:42].

عن قتادة -رحمه الله تعالى – أنه قال عند هذه الآية: “ولا تلبسوا اليهودية والنصرانية بالإسلام، إن دين الله الإسلام، واليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله”1(1) (رواه ابن أبي حاتم بسند صحيح)..

وهذا التفسير من أعظم الفقه بكتاب الله تعالی.

تعددت الأسماء والحقيقة واحدة

ثم إن محاولاتهم البائسة في هذا المضمار قد خمدت حينا من الدهر حتى انقراض القرون المفضلة، ثم عادت بعد ذلك بقرون تحت شعار صنعوه، وموهوا به على الجهال، وهو أن الملل: اليهودية، والنصرانية والإسلام، هي بمنزلة المذاهب الفقهية الأربعة عند المسلمين، كل طريق منها يوصل إلى الله – تعالى -.

وتلقى عنهم هذه الفكرة دعاة: “وحدة الوجود” و”الاتحاد” و “الحلول” وغيرهم من المنتسبين إلى الإسلام من ملاحدة المتصوفة في مصر، والشام، وأرض فارس، وأقاليم العجم، ومن غلاة الرافضة وهي من مواريثهم عن التتر، وقد كشفهم شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – في مواضع من كتبه. وانبرى علماء الإسلام بالمناداة على هذه الفرية وعلى منتحليها بأنها ردة عن الإسلام، وفي التاريخ الحديث والمعاصر ومع ضعف المسلمين وذهاب دولة خلافتهم والحرب الصليبية والصهيونية على الإسلام، وفي ظل “النظام العالمي الجديد” جهرت اليهود والنصارى بالدعوة إلى التجمع الديني بينهم وبين المسلمين، وبعبارة أخرى:

“التوحيد بين الموسوية، والعيسوية، والمحمدية” باسم: “الدعوة إلى التقريب بين الأديان”، “التقارب بين الأديان”، ثم باسم: “نبذ التعصب الديني” أو “التعايش بين الأديان” أو “توحيد الأديان الثلاثة”. وأخيرا في هذا العصر ظهرت باسم “الإبراهيمية” أو “الملة الإبراهيمية” أو “التعايش بين الأديان”.

دعوة بدعية، ضالة كفرية وردة شاملة عن الإسلام

وإن الدعوة إلى توحيد دين الإسلام الحق الناسخ ما قبله من الشرائع، مع ما عليه اليهود والنصارى من الدين المحرف أو المنسوخ، هي أكبر مكيدة عرفت لمواجهة الإسلام والمسلمين اجتمعت عليها كلمة اليهود والنصارى بجامع علتهم المشتركة: “بغض الإسلام والمسلمين”. وغلفوها بأطباق من الشعارات اللامعة، وهي كاذبة خادعة، ذات مصير مروع مخوف. فهي في حكم الإسلام: دعوة بدعية، ضالة كفرية ودعوة لهم إلى ردة شاملة عن الإسلام؛ لأنها تصدم مع بديهيات الاعتقاد، وتتهاك حرمة الرسل والرسالات، وتبطل صدق القرآن، ونسخه لجميع ما قبله من الكتب، وتبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع، وتبطل ختم النبوة والرسالة محمد -عليه الصلاة والسلام-، فهي نظرية مرفوضة شرعا، محرمة قطعا بجميع أدلة التشريع في الإسلام من کتاب وسنة وإجماع، وما ينطوي تحت ذلك من دليل وبرهان.

واجب المسلم اتجاه هذه الدعوات

لهذا: فلا يجوز لمسلم يؤمن بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، الاستجابة لها، ولا الوقوع في حبائلها، ولا الدخول في مؤتمراتها وندواتها واجتماعاتها وجمعياتها، ولا الانتماء إلى محافلها، بل يجب نبذها، ومنابذتها، والحذر منها، والتحذير من عواقبها، واحتساب الطعن فيها، والتنفير منها، وإظهار الرفض لها، وطردها عن ديار المسلمين، وعزلها عن شعورهم ومشاعرهم والقضاء عليها ونفيها، وتعريبها إلى غربها، وحجرها في صدر قائلها، لأنها ردة عن الإسلام.

وهذه الفكرة إن حظيت بقبول من يهود ونصاری، فهم جديرون بذلك؛ لأنهم لا يستندون إلى شرع منزل مؤبد، بل دينهم إما باطل محرف، وإما حق منسوخ بالإسلام، أما المسلمون فلا والله، لا يجوز لهم بحال الانتماء إلى هذه الفكرة؛ لانتمائهم إلى شرع منزل مؤبد كله حق وصدق وعدل ورحمة.

أهداف هذه الدعوة الخبيثة

وليعلم كل مسلم عن حقيقة هذه الدعوة: أنھا فلسفية النزعة، سياسية النشأة، إلحادية الغاية، تبرز في لباس جديد لأخذ ثأرهم من المسلمين عقيدة وأرضا وملكا، فهي تستهدف الإسلام والمسلمين من خلال التشويش على المسلمين وشحنهم بسيل من الشبهات والشهوات، وبالتالي نزع فتيل الإيمان من قلوبهم وحلت الرابطة الإسلامية واستبدالها بأخوة اليهود والنصارى والوثنيين تحت دعوى الإنسانية، وإبطال قاعدة الولاء والبراء والحب في الله والبغض في الله التي هي أوثق عرى الإيمان، وتعطيل أحكام الإسلام ودك ثوابته ومحكماته، ومنها كف أقلام المسلمين عن تكفير اليهود والنصارى، وكف سنانهم عن الجهاد في سبيل الله وقتال اليهود والنصارى، وغيرهم من أمم الكفر ممن لم يؤمن بهذا الإسلام، ويترك ما سواه من الأديان والتمرد على شرع الله وقانونه.

وقد حكم الله في اليهود والنصارى في آخر سورة نزلت من القرآن بحكمه، فقال تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) [التوبة:29].

كما حكم في المشركين والوثنيين بالحكم نفسه، فقال تعالى: (فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [التوبة:5].

وتستهدف هذه الدعوة الخبيثة كذلك: إسقاط جوهر الإسلام، واستعلائه، وظهوره وتميزه، بجعل دین الإسلام المحكم المحفوظ من التحريف والتبديل في مرتبة متساوية مع غيره من كل دين محرف منسوخ، بل مع العقائد الوثنية الأخرى.

فهذه الدعوة الأثمة، والمكيدة المهولة، قد اجتمعت فيها بلايا التحريف، والانتحال، وفاسد التأويل، وإن هذه الأمة المرحومة، أمة الإسلام، لن تجتمع على ضلالة، ولا يزال فيها – بحمد الله – طائفة ظاهرة على الحق، حتى تقوم الساعة، من أهل العلم والقرآن، والهدى والبيان، تنفي عن دين الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، فكان حقا علينا وعلى جميع المسلمين: التعليم، والبيان، والنصح، والإرشاد، وصد العاديات عن دين الإسلام. ومن حذر فقد بشر.

إن دعوة المسلم إلى توحيد دين الإسلام مع غيره من الشرائع والأديان الدائرة بين التحريف والنسخ بشريعة الإسلام: ردة ظاهرة، وكفر صريح؛ لما تعلنه من نقض جريء للإسلام أصلا، وفرعا، واعتقادا وعملا، وهذا إجماع لا يجوز أن يكون محل خلاف بين أهل الإسلام، وإنما دخول معركة جديدة مع عباد الصليب، ومع أشد الناس عداوة للذين آمنوا من اليهود، يتبعهم في ذلك أذنابهم من المنافقين.

ويتجلى الجواب المفصل عن هذه الفرية العظيمة في إقامة الأصول، والمسلمات العقدية الآتية:
الأصل العام: دين الأنبياء واحد، وشرائعهم متعددة، والكل من عند الله – تعالى -.

فمن أصول الاعتقاد في الإسلام: اعتقاد توحد الملة والدين في: التوحيد، والنبوات، والمعاد، والإيمان الجامع بالله، وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وما تقتضيه النبوة والرسالة من واجب الدعوة، والبلاغ، والتبشير، والإنذار، واقامة الحجة، وإيضاح الحجة، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، بإصلاح النفوس، وتربيتها، وعمارتها بالتوحيد والطاعة، وتطهيرها من الانحراف، والحكم بين الناس بما أنزل الله.

واعتقاد تعدد الشرائع وتنوعها في الأحكام، والأوامر والنواهي.

وهذا الأصل هو “جوهر الرسالات كلها”.

وتفصيل هذا الأصل العقدي بشقيه كالآتي:

أما توحد الملة والدين في دعوة جميع الأنبياء والمرسلين: فتعتقد أن أصل الدين واحد، بعث الله به جميع الأنبياء والمرسلين، واتفقت دعوتهم إليه، وتوحدت سبيلهم عليه، وإنما التعدد في شرائعهم المتفرعة عنه، وجعلهم الله – سبحانه – وسائط بينه وبين عباده في تعريفهم بذلك، ودلالتهم عليه؛ لمعرفة ما ينفعهم، وما يضرهم، وتكميل ما يصلحهم في معاشهم ومعادهم.

فاتحدت دعوتهم إلى هذه الأصول الثلاثة:

1- الدعوة إلى الله – تعالى – في إثبات التوحيد، وتقريره، وعبادة الله وحده لا شريك له، وترك عبادة ما سواه، فالتوحيد هو دين العالم بأسره من آدم إلى آخر نفس منفوسة من هذه الأمة.

2- والتعريف بالطريق الموصل إليه -سبحانه- في إثبات النبوات وما جاءت به من عقائد، وعبادات، وتشريعات.

3- والتعريف بحال الخليقة بعد الوصول إلى الله: في إثبات المعاد، والإيمان باليوم الآخر، والموت، وما بعده من القبر، ونعيمه، وعذابه، والبعث بعد الموت، والجنة والنار، والثواب والعقاب.

وعلى هذه الأصول الثلاثة مدار الخلق والأمر، وإن السعادة والفلاح لموقوفة عليها لا غير.

وهذا مما اتفقت عليه جميع الكتب المنزلة، وبعث به جميع الأنبياء والرسل، وتلك هي الوحدة الكبرى بين الرسالة والرسالات، والأمم.

وهذا هو المقصود من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنا معشر الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتی ودينهم واحد»2(2) [متفق عليه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه -]..

وهو المقصود في قول الله تعالى: (شرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ) [الشورى:13] وهذه الأصول الكلية هي ما تضمنته عامة السور المكية من القرآن الكريم.

الإسلام العام دين النبيين

والدين بهذا الاعتبار هو: “دين الإسلام بمعناه العام، وهو: توحيد الله والانقياد له بالطاعة، وهو دين جميع الأنبياء والمرسلين، وهو الصراط الذي عناه الله بقوله: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ، ثم أتبع ذلك بأن اليهود والنصاری خارجون عن هذا الصراط، فقال سبحانه: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى -: “ولفظ الإسلام: يتضمن الاستسلام والانقياد، ويتضمن الإخلاص، من قوله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ). فلا بد في الإسلام من الاستسلام لله وحده، وترك الاستسلام لما سواه، وهذا حقيقة قولنا: “لا إله إلا الله”، فمن استسلم لله ولغيره فهو مشرك، والله لا يغفر أن يشرك به، ومن لم يستسلم له فهو مستكبر عن عبادته، وقد قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)…… ولما كان أصل الدين الذي هو دين الإسلام واحدا، وإنما تنوعت الشرائع ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد»، «الأنبياء إخوة لعلات»، و «أنا أولى الناس بابن مريم، فإنه ليس بيني وبينه نبي».

فدينهم واحد، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، وهو يعبد في كل وقت بما أمر به في ذلك الوقت، وذلك هو دين الإسلام في ذلك الوقت.

وتنوع الشرائع في الناسخ والمنسوخ من المشروع، تتنوع الشريعة الواحدة، فكما أن دين الإسلام الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم هو دين واحد، مع أنه قد كان في وقت يجب استقبال بیت المقدس في الصلاة، كما أمر المسلمون بذلك بعد الهجرة ببضعة عشر شهرا، وبعد ذلك يجب استقبال الكعبة، ويحرم استقبال الصخرة، فالدين واحد وإن تنوعت القبلة في وقتين من أوقاته، فهكذا شرع الله تعالى لبني إسرائيل السبت، ثم نسخ ذلك وشرع الجمعة، فكان الاجتماع يوم السبت واجبا إذ ذاك، ثم صار الواجب هو الاجتماع يوم الجمعة، وحرم الاجتماع يوم السبت.

فمن خرج عن شريعة موسى قبل النسخ، لم يكن مسلما۔

ومن لم يدخل في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم بعد النسخ لم يكن مسلما۔

ولم يشرع الله لنبي من الأنبياء أن يعبد غير الله ألبتة، قال تعالى : (شرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ). فأمر الرسل أن يقيموا الدين ولا يتفرقوا فيه.

فأهل الإشراك متفرقون، وأهل الإخلاص متفقون، وقد قال تعالى: (وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ) ، فأهل الرحمة متفقون مجتمعون، والمشركون فرقوا دينهم وكانوا شيعا”3(3) [اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 376- 380)]..

وقال تعالى: (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ).

اتباع الشرع المنسوخ والمبدل كفر

وقال ابن تيمية – رحمه الله-: “… ولهذا كفر اليهود والنصاری، لأنهم تمسكوا بشرع مبدل منسوخ والله أوجب على جميع الخلق أن يؤمنوا بجميع كتبه ورسله، ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل؛ فعلی جميع الخلق اتباعه واتباع ما شرعه من الدين وهو ما أتى به من الكتاب والسنة، فما جاء به الكتاب والسنة وهو الشرع الذي يجب على جميع الخلق اتباعه؛ وليس لأحد الخروج عنه، وهو الشرع الذي يقاتل عليه المجاهدون، وهو الكتاب والسنة.

وسيوف المسلمين تنصر هذا الشرع، وهو الكتاب والسنة، كما قال جابر بن عبد الله: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نضرب بهذا -يعني: السيف – من خرج عن هذا – يعني: المصحف”4(4) [الفتاوی: (35/364)]..

الإسلام بمعناه العام والخاص

ويتبين مما سبق أن لفظ “الإسلام” له معنيان، معنی عام: يتناول إسلام كل أمة متبعة لنبي من أنبياء الله الذي بعث فيهم، فيكونون مسلمين، حنفاء على ملة إبراهيم بعبادتهم لله وحده واتباعهم لشريعة من بعثه الله فيهم، فأهل التوراة قبل النسخ والتبديل مسلمون حنفاء على ملة إبراهيم، فهم على “دین الإسلام”، ثم لما بعث الله نبيه عيسى -عليه السلام- فإن من آمن من أهل التوراة بعيسى واتبعه فيما جاء به فهو مسلم حنيف على ملة إبراهيم، ومن كذب منهم بعيسى -عليه السلام – فهو كافر لا يوصف بالإسلام، ثم لما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم وهو خاتمهم، وشريعته خاتمة الشرائع، ورسالته خاتمة الرسالات، وهي عامة لأهل الأرض وجب على أهل الكتابين وغيرهم اتباع شریعته، وما بعثه الله به لا غير، فمن لم يتبعه فهو كافر لا يوصف بالإسلام ولا أنه حنيف، ولا أنه على ملة إبراهيم، ولا ينفعه ما يتمسك به من يهودية أو نصرانية، ولا يقبله الله منه، فبقي اسم “الإسلام” عند الإطلاق منذ بعثة محمد صلى الله عليه وسلم حتى يرث الله الأرض ومن عليها مختصا بمن يتبعه لا غير. وهذا هو معناه الخاص الذي لا يجوز إطلاقه علی دین سواه، فكيف وما سواه دائر بين التبديل والنسخ؟ فإذا قال أهل الكتاب للمسلمين: (كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ) فقد أمر الله المسلمين أن يقولوا لهم: (بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) ، ولا يوصف أحد اليوم بأنه مسلم، ولا أنه على ملة إبراهيم، ولا أنه من عباد الله الحنفاء إلا إذا كان متبعا لما بعث الله به خاتم أنبيائه ورسله محمدا صلى الله عليه وسلم.

بيان أركان الإيمان

والآن إلى بيان تحقيق الإيمان الجامع بالله، وكتبه ورسله، وبيان نقض اليهود والنصارى لهذا الأصل العقدي العام، وكفرهم به، وما هم عليه من نواقض لهذه الأركان الثلاثة:

الركن الأول: الإيمان بالله تعالى

والإيمان بالله تعالى ، الذي هو المطلوب من جميع الثقلين، لا يتم تحقيقه إلا بالاعتقاد الجازم بأن الله تعالى رب كل شيء ومليكه، وأنه متصف بصفات الكمال والجلال، وأنه -سبحانه- هو المستحق للعبادة

وحده لا شريك له، والقيام بذلك علما وعملا، ولا يتحقق ذلك إلا باتباع خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، لا كما يطن المتجاهلون أن الإيمان بالله يتحقق بالإيمان بوجوده وربوبیته، دون الإيمان بأسمائه وصفاته وتوحيده في عبادته، ودون المتابعة لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، مما جعلهم ينادون بالاتحاد بين الإسلام الحق القائم على التوحيد الكامل وبين كل دين محرف مبدل، فيه من نواقض هذا الإيمان ما تقشعر منه جلود الذين آمنوا.

ومن هذه النواقض عند اليهود -قبحهم الله – أنهم بيت الإلحاد والتطاول على الله – تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا-، فقد ذكر الله عنهم قولهم: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ).

وقال – تعالى – عن اليهود: (لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ).

وقال – سبحانه-: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا) .

واليهود المعاصرون عندهم من هذه النواقض شيء كثير.

ومن نواقض الإيمان بالله لدى النصاري: أن النصاری هم: المثلثة، عباد الصليب، الذين سبوا الله مسبة ما سبه إياها أحد من البشر. فقد قال الله في القرآن العظيم: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ) [التوبة:30].

وقال تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ).

وقال سبحانه: (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ).

الركن الثاني : الإيمان بالكتب المنزلة

من أركان الإيمان وأصول الاعتقاد: الإيمان بجميع كتب الله المنزلة على أنبيائه ورسله، وأن كتاب الله “القرآن الكريم” هو آخر كتب الله نزولا، وآخرها عهدا برب العالمين، نزل به جبريل الأمين، من عند رب العالمين، على نبيه ورسوله الأمين محمد صلى الله عليه وسلم. وأنه ناسخ لكان كتاب أنزل من قبل: الزبور،

والتوراة، والإنجيل وغيرها، ومهيمن عليه، فلم بیق کتاب منزل يتعبد الله به ويتبع سوى “القرآن العظيم”، ومن يكفر به فقد قال الله تعالى في حقه: (وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) [هود:17].

ومن الحقائق العقدية المتعين بيانها هنا: أن من الكتب المنسوخة بشريعة الإسلام: “التوراة” و”الإنجيل”، وقد لحقهما التحريف والتبديل بالزيادة والنقصان والنسيان، كما جاء بيان ذلك في آيات من كتاب الله تعالى، منها عن “التوراة” قول الله تعالى : (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) [المائدة:13].

وقال – سبحانه- عن “الإنجيل”: (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) [المائدة:14].

فما في أيدي اليهود والنصارى اليوم من التوراة والأناجيل المتعددة، والأسفار والإصحاحات التي بلغت العشرات، ليست هي عين التوراة المنزلة على موسى عليه السلام، ولا عين الإنجيل المنزل على عيسى عليه السلام؛ لانقطاع أسانيدها، واحتوائها على كثير من التحريف والتبديل والأغاليط والاختلاف فيها، واختلاف أهلها عليها، واضطرابهم فيها، وأن ما كان منها صحيحا فهو منسوخ بالإسلام، وما عداه فهو محرف مبدل.

ولم يسلم الإيمان بهذا الأصل العقدي والركن الإيماني إلا لأهل الإسلام، وأما أمة الغضب: اليهود، وأمة الضلال: النصارى، فقد كفروا به، إذ لا يؤمنون بالقرآن، ولا بنسخه لما قبله، وينسبون ما في أيديهم من بقايا التوراة والإنجيل مع ما أضيف إليهما من التحريف والتباديل والتغيير إلى الله – تعالى -، بل فيهما من الافتراء نسبة أشياء من القبائح إلى عدد من الأنبياء، فهذه أمة الغضب، وهذه أمة التثليث والضلال يرمون جما من أنبياء الله ورسله بقبائح الأمور التي تقشعر منها الجلود، وينسبون هذا إلى كتب الله المنزلة؛ التوراة والإنجيل -وحاشا لله-.

فهذا كفر بالله من جهتين: جهة نسبته إلى الوحي، ومن جهة الكذب على الأنبياء والرسل بذلك.

فكيف يدعى إلى وحدة المسلمين الموحدين والمعظمين لرسل الله وأنبيائه مع هذه الأمم الكافرة الناقضة للإيمان بالكتب المنزلة والأنبياء والرسل؟ أو جعل القرآن الكريم المعصوم على سواء مع التحريف والتبديل الذي وقع في التوراة والإنجيل؟ إن هذا من أعظم المحرمات، وأنكى الجنايات، ومن اعتقده صحيحا فهو مرتد عن الإسلام.

الركن الثالث: الإيمان بالرسل

من أركان الإيمان وأصول الاعتقاد “الإيمان بالرسل” إيمانا جامعا عاما مؤتلفا، لا تفريق فيه ولا تبعيض ولا اختلاف، وهو يتضمن تصديقهم وإجلالهم وتعظيمهم كما شرع الله في حقهم، وطاعتهم فيما بعثوا به في الأمر والنهي والترغيب والترهيب، وما جاءوا به عن الله كافة.

وهذا أصل معلوم من الدين بالضرورة، فيجب الإيمان بجميع أنبياء الله ورسله، جملة وتفصيلا، من قص الله -سبحانه- علينا خبره ومن لم يقصص خبره.

والرسل أفضل من الأنبياء، وقد فضل الله – سبحانه- بعضهم على بعض، ورفع بعضهم درجات وأفضلهم جميعا: خمسة، هم أولو العزم من الرسل؛ وهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد عليهم صلوات الله وسلامه.

وأفضل الجميع على الإطلاق، بل أفضل جميع الخلائق: هو خاتمهم نبینا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه لا نبي بعده، وأن كل نبي بعث إلى قومه خاصة، وبعث محمد صلى الله عليه وسلم إلى الثقلين عامة.

وكلهم متفقون على أصول الإيمان والعقيدة، وأما شرائعهم في العبادات في صورها، ومقاديرها وأوقاتها، وأنواعها، وكيفيتها، فمتعددة، على حسب مراد الله تعالى عنهم ووحيه لهم.

حتى جاءت الرسالة الخاتمة، والنبوة الخالدة، فنسخ الله بها جميع الشرائع، فلا يجوز لبشر کتابي ولا غير كتابي أن يتعبد الله بشريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن تعبد الله بغير هذه الشريعة الخاتمة فهو كافر مخلد في النار، وعمله هباء: (وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا) [الفرقان:23].

فواجب على كل مكلف الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وأنه هو خاتم الأنبياء والمرسلين، فلم يبق رسول يجب اتباعه سوى محمد صلى الله عليه وسلم، ولو كان أحد من أنبياء لله ورسله حيا لما وسعه إلا اتباعه صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يسع اليهود والنصارى إلا ذلك، كما قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ) [الأعراف:157].

وعن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار»5(5) (رواه مسلم (153))..

ومن نواقض هذا الأصل: أن من كفر بنبي واحد، أو رسول واحد، أو آمن ببعض وكفر ببعض، فهو کمن كفر بالله وجحده، وقد فرق بين الله ورسله، ولا ينفعه إيمانه ببقية الرسل؛ ولهذا: فمن لم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، وأنه خاتم الأنبياء والرسل، وأن شريعته ناسخة لجميع ما قبلها، وأنه لا يسع أحدا من أهل الأرض اتباع غير شرعه: فهو كافر مخلد في النار، كمن كفر بالله وجحده ربا معبودا.

ومن نواقض هذا الأصل لدى اليهود والنصارى: نسبة القبائح والكبائر إلى الأنبياء والرسل، وقد كان لليهود والنصارى – قبحهم الله وأخزاهم – أوفر نصيب من نسبة القبائح إلى أنبياء الله ورسله -عليهم الصلاة والسلام-

ومن نواقض هذا الأصل: نفي بشرية أحد من الأنبياء، أو تأليه أحد منهم.

وقد نفض اليهود والنصارى هذا الأصل العظیم بافترائهم وكذبهم وتحريفهم، كما فضحهم الله في آيات من “القرآن العظيم”، وحكم بكفرهم وضلالهم.

فقال -سبحانه- عن اليهود والنصاری: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ) [التوبة:30].

ومن نواقض هذا الأصل: إنكار عموم رسالته صلى الله عليه وسلم للإنس والجن كافة، كمن يؤمن بنبوته صلى الله عليه وسلم للعرب خاصة دون غيرهم، فهذا كفر، يناقض صریح القرآن: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [سبأ:28].

والآيات بهذا المعنى كثيرة، وفي صحيح مسلم: «أرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون».

وخلاصة هذا المقال نوجزه فيما يأتي:

*يجب على المسلمين الكفر بهذه النظرية: “وحدة كل دين محرف منسوخ مع دين الإسلام الحق المحكم المحفوظ من التحريف والتبديل الناسخ لما قبله”، وهذا من بدهيات الاعتقاد والمسلمات في الإسلام.

وأن الدعوة إلى هذه النظرية كفر، ونفاق، ومشاقة، وشقاق، وعمل على إخراج المسلمين من الإسلام.

وأن حال الدعاة إليها من اليهود والنصارى مع المسلمين هم كما قال الله – تعالى -: (وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ۚ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ) [آل عمران:119]..

* ويجب على أهل الأرض اعتقاد توحد الملة والدين في دعوة جميع الأنبياء والمرسلين: في التوحيد والنبوات، والمعاد، كما مضى التقرير مفصلا، ، وأن هذا الأصل العقدي لم يسلم إلا لأهل الإسلام، وأن اليهود والنصارى ناقضون له متناقضون فيه، لا سيما في الإيمان بالله وكتبه ورسله.

* ويجب على أهل الأرض اعتقاد تعدد الشرائع وتنوعها، وأن شريعة الإسلام هي خاتمة الشرائع ناسخة لكل شريعة قبلها، فلا يجوز لبشر من أفراد الخلائق أن يتعبد الله بشريعة غير شريعة الإسلام.

وإن هذا الأصل لم يسلم لأحد إلا لأهل الإسلام، قالیهود کافرون بهذا الأصل؛ لعدم إيمانهم بشريعة عيسى -عليه السلام-، ولعدم إيمانهم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، والنصاری کافرون بهذا الأصل؛ لعدم إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وبشریعته، وبعموم رسالته.

والأمتان کافرتان بذلك، وبعدم إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ومتابعته في شريعته، وترك ما سواها، وبعدم إيمانهم بنسخ شريعة الإسلام لما قبلها من الشرائع، وعدم إيمانهم بما جاء به من القرآن العظيم، وأنه ناسخ لما قبله من الكتب والصحف.

قال تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85].

* ويجب على جميع أهل الأرض من أهل الكتاب وغيرهم الدخول في الإسلام بالشهادتين، والإيمان بما جاء في الإسلام جملة وتفصيلا، والعمل به، واتباعه، وترك ما سواء من الشرائع، وإلا فالنار موعدهم.

* ويجب على كل مسلم يؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا رسولا أن يدين الله – تعالى – ببغض الكفار من اليهود والنصارى، وغيرهم، ومعاداتهم في الله – تعالى – وعدم محبتهم ومودتهم وموالاتهم وتوليهم، حتى يدخلوا في دين الإسلام، وهذه هي ملة إبراهيم الحقة، كما قال تعالى : قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) [الممتحنة:4] . وإنما أمر الدين بالعدل مع المخالف، كما شرع الإحسان والبر لغير المحاربين من الكافرين.

* يجب على كل مسلم اعتقاد كفر من لم يدخل في هذا الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم، وتسميته کافرا، وأنه عدو لنا، وأنه من أهل النار۔

ثبتنا الله وإياكم على الدين، وجعلنا وإياكم من عباده المتقين.

الهوامش

(1) (رواه ابن أبي حاتم بسند صحيح).

(2) [متفق عليه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه -].

(3) [اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 376- 380)].

(4) [الفتاوی: (35/364)].

(5) (رواه مسلم (153)).

انظر كتاب: “الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان” لبكر بن عبد الله أبو زيد -رحمه الله-.

اقرأ أيضا

دين الأنبياء واحد ودعوتهم واحدة

الديانة العالمية الجديدة (الإبراهيمية)

إن الدين عند الله الإسلام

الدعوة إلى الإنسانية وحوار الأديان في الميزان

التصدي للهجوم على عقيدة الولاء والبراء (4-4)

 

التعليقات غير متاحة