يا أبناء حضرموت، بل يا أبناء اليمن؛ أنتم مسلمون، والإسلام وحده هو الحل من هذا التيه الذي تعيشونه، وهو الذي سيجمعكم وينهي خلافاتكم ويحفظ لكم أمنكم وثرواتكم، ويحقق لكم السعادة في الآخرة، فطالبوا جميعًا بتحكيمه في خلافاتكم وفي شؤون حياتكم كلها.
الفرق المتنازعة على حضرموت
اشتدت ضراوة النزاع على حضرموت في أيامنا هذه بين الفرقاء برعاية دولية وإقليمية، والمتنازعون أربعة:
-
ما يسمى بـ”الشرعية”
والتي ضمت إليها حضرموت عام 1991 م تحت حكم علي عبد الله صالح، وما زالت حضرموت رسميا تحت حكم “الشرعية” والتي ضعف أمرىها جدا، وتوشك على التفكك التام.
ولم تكن “الشرعية” -الجمهورية اليمنية- تحكم اليمن بشرع الله في يوم من الأيام إلا في القليل من الأحكام لا سيما بعد ضعف أمرها وفقد أجزاء كبيرة منها لصالح الحوثيين.
وتعاني حضرموت تحت حكم “الشرعية” من أوضاع مأساوية، كفقدان الأمن والتدهور الأخلاقي والاقتصادي والصحي والعلمي والخدمي… وهلم جرا.
-
الحوثيون
وهي ميليشيا شيعية غالية ارتمت في أحضان ملالي إيران فامتطوهم لتحقيق مشروعهم الرافضي المتمدد في الكثير من مناطق أهل السنة كما في سوريا والعراق ولبنان وغيرها.
وما زالت حضرموت بعيدة عن مخالبهم، ولكن المشاريع العقدية -وإن كانت فاسدة- أقوى بكثتير من المشاريع العلمانية التي تتبرأ من الدين وتخاف أن تنسب إليه.
ولذلك فمشروع الحوثيين الخونة الروافض -والمدعوم دوليا- ما زال هو أقوى المشاريع في عموم اليمن.
ويعاني كل من تحت حكم الحوثيين من التدهورات نفسها التي تعاني منها المناطق المحررة تقريبًا، بل تفوقها في جانب الدين وفرض العقيدة الرافضية على الناس بالقوة.
ولو سيطر الحوثيون على حضرموت -لا قدر الله- فلن تكون أحسن حالًا من مناطقهم في الشمال.
-
الإنفصاليون
وهم المطالبون بالجنوب -استعادة جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية-؛ وقد ضمت جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية حضرموت عام 1936 م وحتى تحقيق الوحدة مع اليمن الشمالي عام 1991 م، وما زالت كذلك حتى الآن، وهذه الجمهورية كانت شيوعية إجرامية تمنع وتحارب أية مظاىر للإسلام فضلًا عن أن تحكم به.
ولما أفلست الشيوعية وتساقطت رأى كبارهم أن يغيروا جلودىم فلبسوا مسوحًا علمانية جديدة، وضموا إليهم الكثير من المنتفعين الباحثين عن مصالحهم تحت أي راية كانت، وهؤلاء هم عبيد الدينار والدرهم.
وقد كانت حضرموت تحت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في أسوأ أحوالها على الإطلاق دينيا ودنيويا ، ولو وقعت في أيدي هؤلاء مرة أخرى فالمتوقع أن الحال لن يكون أفضل من “الشرعية”، بل سيكون أسوأ لورود رواتب كبار هؤلاء القيادات الضخمة من الخارج؛ فولاؤهم لن يكون لشعبهم أصلا -فمن يدفع له حق الولاء الكامل-.
-
المطالبون باستقلال حضرموت
وهؤلاء قاموا كرد فعل للنجاة من شرور الفرقاء المتقدم ذكرهم، وما زالوا يبحثون عن الداعم لمشروعهم، وبعضهم لا يمانع أن يدعم مشروعهم أية دولة أو قوة عظمى ولو كانت كافرة عدوة للإسلام..
ولم يظهر منهم حتى يومنا هذا وعد بتحكيم شرع الله تعالى في حضرموت؛ فهم فقط يطالبون بحكم الحضارم لأنفسهم.
وقد تكون حضرموت تحت حكم هؤلاء أفضل اقتصاديا وماديا ، لكن عدم الوعد بتحكيم الشرع، والعصبية الجاهلية للعرق الحضرمي لا يرضي الله، ولا يحقق السعادة الدينية والدنيوية لأبناء حضرموت.
والظاهر عليهم -أيضًا- الضعف وقلة الحيلة، وأمثال هؤلاء لن يقاوموا مشاريع الأقوياء الظلمة الغشمة، واندثارهم متوقع في أي لحظة.
فيا أبناء حضرموت، بل يا أبناء اليمن؛ أنتم مسلمون، والإسلام وحده هو الحل من هذا التيه الذي تعيشونه، وهو الذي سيجمعكم وينهي خلافاتكم ويحفظ لكم أمنكم وثرواتكم، ويحقق لكم -وهو الأهم- السعادة في الآخرة، فطالبوا جميعًا بتحكيمه في خلافاتكم وفي شؤون حياتكم كلها، قال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) [الشورى:10]، وقال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران:103-105].
وقد أنزل الله تعالى آدم إلى الأرض ليكون خليفة فيها؛ قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة:30].
وفي تفسير الخليفة هنا يقول القرطبي رحمه الله تعالى: والمعنى بالخليفة هنا -في قول ابن مسعود وابن عباس وجميع أهل التأويل- آدم عليه السلام، وهو خليفة الله في إمضاء أحكامه وأواومره؛ لأنه أول رسول إلى الأ رض…1(1) [الجامع لأحكام القرآن1/263]..
فمن صفات الخلافة في الأرض إمضاء أحكام الله تعالى وأوامره.
وقد توعد الله عز وجل من ضل عن ذلك فحكم بهواه -أو بأهواء الناس-؛ قال تعالى: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) [ص:26].
قال الحافظ ابن كثير -في تفسير هذه الآية-: هذه وصية من الله عز وجل لولاة الأمور أن يحكموا بين الناس بالحق المنزل من عنده تبارك وتعالى ولا يعدلوا عنه فيضلوا عن سبيله، وقد توعد الله تعالى من ضل عن سبيله وتناسى يوم الحساب بالوعيد الأكيد والعذاب الشديد2(2) [تفسير القرآن العظيم (7/62-63)]..
ومن حكم بين الناس بغير ما أنزل الله تعالى فقد أعرض عن معنى الخلافة واستحق قول الله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) [المائدة:٤٤].
واستحق لقب: طاغوت، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) [النساء:60].
يقول ابن القيم: … ثم أخبر سبحانه أن من تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء به الرسول فقد حكم الطاغوت وتحاكم إليه، والطاغوت: كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع؛ فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله، فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم من عبادة الله إلى عبادة الطاغوت، وعن التحاكم إلى الله وإلى الرسول إلى التحاكم إلى الطاغوت، وعن طاعته ومتابعة رسوله إلى الطاغوت ومتابعته، وهؤلاء لم يسلكوا طريق الناجين الفائزين من هذه الأمة وهم الصحابة ومن تبعهم ولا قصدوا قصدهم؛ بل خالفوىم في الطريق والقصد معًا..3(3) [أعلام الموقعين (1/50)]..
وتأمل قوله رحمه الله تعالى:… أو يتبعونه على غير بصيرة من الله…
فأين بصيرة من يتابع من لم يجهر يومًا بمتابعة الشريعة وعدم الخروج عليها؛ بل يجهر بمودة ومتابعة أعداء الإسلام من اليهود والنصارى والروافض والعلمانيين وأشباههم.
وقد أصبح من المعروف عند كافة الناس أن عامة الساسة في زماننا هذا لا يبالون بتحكيم الشريعة، وأن من أولى أولوياتهم: صرف الناس عن التمسك بدينهم.
إن خضوع هؤلاء الساسة المنافقين للدول الكافرة والنظام العالمي واستجداء رضاهم وفتات أموالهم ما هو إلا نتيجة مباشرة لإعراضهم عن دين ربهم عز وجل ، والجزاء من جنس العمل.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن تسليط الكفار على رقاب الناس بإعراضهم عن دينهم، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن… » وساق الحديث، وفيه: ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم»4(4) [(رواه ابن ماجه (4019 )]..
وقوله: «يتخيروا»: أي يطلبوا الخير، أي: وما لم يطلبوا الخير بما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم.
وها نحن نرى بأسهم الشديد في تفرقهم وفق المصالح الدنيوية وأهواء الآخرين، وحروبهم للسيطرة والعلو، والاغتيالات، والتباغض فيما بينهم والحقد الشديد والسباب المتبادل، وإهمال الشعب واحتياجاته.
وإن عموم المسلمين يطالبون أولئك الساسة والقادة بالافتقار إلى الله عز وجل والتسليم لأحكامه في كل أحوالهم، وأن يرفعوا راية تحكيم الشريعة صادقين في ذلك؛ فإنه لا يجوز اتباع من لا يقيم شرع الله عز وجل ؛ قال الله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) [الكهف:28].
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: ودلت الآية على أن الذي ينبغي أن يطاع ويكون إمامً ا للناس: من امتلأ قلبه بمحبة الله، وفاض ذلك على لسانه، فلهج بذكر الله، واتبع مراضي ربه، فقدمها على هواه، فحفظ بذلك ما حفظ من وقته، وصلحت أحواله، واستقامت أفعاله، ودعا الناس إلى ما من الله به عليه، فحقيق بذلك أن يتبع ويجعل إمامًا5(5) [تيسير الكريم الرحمن ص(475)]..
فهل من مشمِّر في الأمة اليمنية يعلن العبودية لله رب العالمين، وإقامة الشرع بصدق -على نفسه وأتباعه أولًا -، ويبتعد عن مشاريع التشرذم والقومية الجاهلية والمناطقية والطائفية، ويترك اتباع إيران واليهود والنصارى والعلمانيين؟
اللهم أبرم لهذه الأمة أمرًا رشدً ا، يجمعهم على الحق، و يعز فيه أهل طاعتك، و يذل فيه أهل معصيتك، و يؤمر فيه بالمعروف، و ينهى فيه عن المنكر، يا سميع الدعاء.
الهوامش
(1) [الجامع لأحكام القرآن1/263].
(2) [تفسير القرآن العظيم (7/62-63)].
(3) [أعلام الموقعين (1/50)].
(4) [( رواه ابن ماجه (4019 )].
(5) [تيسير الكريم الرحمن ص(475)].
اقرأ أيضا
اليمن نموذجا .. الأمة بين مشروعين ملوَّثيْن
اليمن.. الانفصاليون يتسلمون الجنوب؛ انتهت المهمة
دور التحالف في صناعة سلطة الحوثي