يمر أكثر المسلمين في زماننا هذا بضيق في المعايش وغلاء في الأسعار، وانحدار متواصل في قيمة العملات المحلية، مما يعني سرقة أموالهم ورواتبهم سرقة بطيئة مستمرة، وقد أصبح بذلك الغني متوسطًا والمتوسط فقيرا والفقير معدوما……

من الأسباب الجالبة للرزق

وفيما يلي نذكر شيئًا من أسباب زيادة الرزق التي وردت في الشرع، وأول ذلك:

1- تحكيم شرع الله تعالى

قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ﴾ [المائدة:66]. والمقصود بقوله تعالى: ﴿وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ﴾: هو القرآن العظيم؛ كما يقول الطبري في تفسيره لهذه الآية:

يعني تعالى ذكره بقوله: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ﴾: ولو أنهم عملوا بما في التوراة والإنجيل، ﴿وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ﴾ يقول: وعملوا بما أنزل إليهم من ربهم من الفرقانِ الذي جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم. اه

فمتى أراد المسلمون رزقًا من فوقهم ومن تحت أرجلهم فليحكِموا شرع ربهم، وقد جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إقامة حد واحد خيرا لنا من أن نمطر أربعين صباحا حيث قال: «حد يعمل في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحا»1(1) أخرجه ابن ماجه (2538) وابن حبان (1515)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3130)]..

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – عقب هذا الحديث : وهذا لأن المعاصي سبب لنقصان الرزق والخوف من العدو كما يدل عليه الكتاب والسنة، فإذا أقيمت الحدود ظهرت طاعة الله ونقصت معصية الله تعالى فحصل الرزق والنصر2(2) السياسة الشرعية ص (۸۷)]..

هذا على وجه العموم، وأما في حق الأفراد فأقل ما يجب على كل مسلم أن ينكر بقلبه تنحية شرع الله تعالى، وأن يعتقد لزوم الحكم بما أنزل الله تعالى في كل كبيرة وصغيرة.

وأما من لم يستنكر الحكم بالأحكام الوضعية، ولا فرق عنده بين هذا وذاك، فهذا عليه أن يراجع

إيمانه ودينه قبل أن يبحث عن لقمة خبز تعينه على غيه وكفره.

2- تجنب الربا

قال الله تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ [البقرة:276].

فالربا يذهب ببركة الأرزاق؛ وهو ضرر في المال يتعدى إلى الضرر بالنفس؛ فالربا من أعظم أسباب انتشار الفواحش والسرقات والقتل وغيرها من الجرائم، ويمنع الناس عن الاشتغال بالمكاسب اعتمادا على الأرباح الربوية فلا يتحمل مشقة الكسب والتجارة والصناعة والزراعة، والربا يؤدي إلى انقطاع المعروف بين الناس عندما يلجأ المحتاج إلى أخذ القروض الربوية والأصل أن تكون القروض حسنة برد نفس مبلغ القرض؛ قال شيخ الإسلام:

(وكذلك نعلم أن الشارع حرم الربا لما فيه من أخذ فضل على ماله مع بقاء ماله في المعنى فيكون أكلا للمال بالباطل، كأخذه بالقمار، وهو يسد طريق المعروف والإحسان إلى الناس. فإنه متى جوز لصاحب المال الربا لم يكن أحد يفعل معروفا من قرض ونحوه إذا أمكنه أن يبذل له كما يبذل القروض مع أخذ فضل له ولهذا قال سبحانه: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾  فجعل الربا نقيض الصدقة؛ لأن المربي يأخذ فضلا في ظاهر الأمر يزيد به ماله، والمتصدق ينقص ماله في الظاهر، لكن يمحق الله الربا ويربي الصدقات، وقال سبحانه في الآية الأخرى: ﴿وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ ۖ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ [الروم:39].

فكما أن الشارع أوجب الصدقة التي فيها الإعطاء للمحتاجين حرم الربا الذي فيه أخذ المال من المحتاجين؛ لأنه سبحانه علم أن صلاح الخلق في أن الغني يؤخذ منه ما يعطى للفقير، وأن الفقير لا يؤخذ منه ما يعطى للغني. ثم رأيت هذا المعنى مأثورا على علي بن موسى الرضى –رضي الله عنه وعن آبائه – أنه سئل لما حرم الله الربا؟ فقال: لئلا يتمانع الناس المعروف، فهذا في الجملة ينبه على بعض علل الربا..)3(3) [الفتاوى الكبرى (١٦٩/٦ – ١٧٠)]..

وأما المقاصد التي أرادت الشريعة تحقيقها بتحريم الربا، فلعلها تتلخص فيما يلي:

– منع كنز المال.

فمجال الربا الأساسي في دوران المال وحده بعيدا عن تشغيله في عمارة الدنيا وفائدة الناس بالعمل والتعمير والاستثمار، وفي الربا تعدي على الوظيفة الطبيعية للمال؛ فيصير هو الهدف وليس الوسيلة.

– منع الاستئثار بأقوات الناس…

وهو ما نبهت عليه نصوص الشرع في أصناف الربا في المطاعم (البر والشعير والتمر والملح)، فإن من يتعامل فيها بالربا فهو محتكر لها؛ فهذه السلع لو كانت متاحة للجميع لما وجد سبيلا لبيعه بالربا.

– منع التلاعب بالعملات…

وقد عانت الشعوب طويلا وما زالت من تقلب أسعار العملات بسبب المضاربات غير المشروعة في الصرف، وهذا طاهر في إثبات الشارع للربوية في بيع النقدين – أو ما في حكمهما من الأوراق النقدية المعاصرة – بالنسيئة عند اختلاف النقد وبالفضل عند اتحاده.

– منع الغبن والاستغلال..

فعند التعامل بالجنس الواحد من الأصناف الربوية لا يجوز التفاضل في الكم مهما وجد التفاضل في الكيف، وإذا وقع ذلك كان ربا يستغل فيه أحد المتبايعين حاجة الآخر.

ومما تقدم يتبين خطورة الربا وعظيم ضرره، ولذلك قال الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة:278-279].

عن قتادة، قوله: ﴿وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ أَوْعدهم الله بالقتل كما تسمعون، فجعلهم بهرجا أينما ثقفوا4(4) [أخرجه الطبري (٢٥/٦) بسند حسن]..

والبهرج الهدر، كما يُقال: بهرج السلطان دم فلان أي: أبطله وأهدره5(5) [انظر غريب الحديث لابن قتيبة (٧٠٦/٣)]..

وفي زماننا هذا كثر الربا بحيث لا يأمن أحد من الوقوع فيه، وخاصة الحكام الذين يشرعون ما لم ينزل به الله عز وجل سلطانا.

3- تقوى الله وترك المحرمات

قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق2-3].

وقال عز وجل: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الأعراف:96].

ومن ذلك أداء الزكاة الواجبة والوفاء في المكيال والميزان؛ عن عبد بن عمر رضي الله عنهما قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم فقال: «يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مصت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقصوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم»6(6) [أخرجه ابن ماجه (٤٠١٩) والحاكم (٨٦٢٣) وصححه ووافقه الذهبي وحسنه الألباني في الصحيحة (١٠٦)]..

٤- التوكل على الله تعالى

عن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لو أنكم توكلكم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا»7(7) أخرجه الترمذي (٢٣٤٤) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع (٥٢٥٤)]..

قال النووي: معناه: تذهب أول النهار خماصا؛ أي: ضامرة البطون من الجوع، وترجع آخر النهار بطانا؛ أي: ممتلئة البطون8(8) [رياض الصالحين (۸۱/۱)]..

وقد أمر الشرع بالسعي في طلب الرزق الحلال؛ فالتوكل لا ينافي السعي، وهذا هو فهم أئمة الإسلام كالإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى؛ قال الدينوري: حدثنا أبو القاسم الحبلي؛ قال: سألت أحمد بن حنبل فقلت: ما تقول في رجل جلس في بيته أو في مسجده وقال: لا أعمل شيئًا حتى ، يأتيني رزقي؟ فقال أحمد: هذا رجل جهل العلم، أما سمعت قول النبي صلى الله عليه وسلم: «جعل الله رزقي تحت ظل رمحي»، (يعني: الغنائم)، وحديثه الآخر حين ذكر الطير، فقال: «تغدوا خماصا وتروح بطانا»، فذكر أنها تغدو في طلب الرزق. وقال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّه﴾، ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾، وَكان أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم يتجرون في البر والبحر ويعملون في نخيلهم، والقدوة بهم9(9) [المجالسة وجواهر العلم (٧٥٥)]..

5- صلة الرحم

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سره أن يبسط له رزقه أو ينسأ له في أثره فليصل رحمه»10(10) [رواه البخاري (٢٠٦٧) ومسلم (٢٥٥٧)]..

يقول النووي: وبسط الرزق: توسيعه وكثرته، وقيل: البركة فيه11(11) [شرح مسلم (١١٤/١٦)]..

٦- الاستغفار

قال الله تعالى على لسان هود عليه السلام-: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾ [هود:52].

وقال عز وجل – على لسان نوح عليه السلام -: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح:10-12].

وقد يطن ظان أن الاستغفار غير التوبة أو دونها، والجواب على لسان ابن القيم في “مدارج السالكين” حيث يقول:…. فالاستغفار المفرد كالتوبة، بل هو التوبة بعينها مع تضمنه طلب المغفرة من الله وهو محو الذنب وإزالة أثره ووقاية شره12(12) مدارج السالكين [(٤٧٥/١)]..

وقد خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار فقالوا: ما رأيناك استسقيت. فقال: لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء التي يستنزلون بها المطر، ثم قرأ: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ﴾ ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ﴾13(13) [رواه عبد الرزاق (٤٩٠٢) وغيره من مرسل الشعبي عن عمر به]..

ويشهد له ما رواه ابن أبي شيبة من طريق أخرى مختصرًا عن عطاء بن أبي مروان الأسلمي عن أبيه قال: خرجنا مع عمر بن الخطاب يستسقي فما زاد على الاستغفار14(14) [المصنف (٢٩٤٨٦)، وصححه الألباني في الإرواء]..

7- الصدقة، والنفقة على من تلزمه نفقته

قال تعالى: ﴿وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [سبأ:39].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلقا ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا»15(15) [رواه البخاري (١٤٤٢) ومسلم (١٠١٠)]..

8- الدعاء

قال تعالى: ﴿وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [النساء:32]، وقد كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يعلم من أسلم أن يدعو بالرزق مع المغفرة والرحمة والهداية؛ عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يعلم من أسلم يقول: «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني»16(16) [رواه مسلم (٢٦٩٧)]..

9- شكر الله تعالى على نعمه

قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم:7].

قال ابن القيم: ولهذا كانوا يسمون الشكر “الحافظ”؛ فإنه الذي يحفظ النعم الموجودة، و”الجالب”؛ فإنه يجلب النعم المفقودة17(17) عدة الصابرين ص(٢٢٦)]..

وقال الله تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [النحل:112].

يقول السعدي: وهذه القرية هي مكة المشرفة التي كانت آمنة مطمئنة لا يهاج فيها أحد، وتحترمها الجاهلية الجهلاء حتى إن أحدهم يجد قاتل أبيه وأخيه فلا يهيجه مع شدة الحمية فيهم والنعرة العربية، فحصل لها من الأمن التام ما لم يحصل لسواها وكذلك الرزق الواسع.

كانت بلدة ليس فيها زرع ولا شجر، ولكن يسر الله لها الرزق يأتيها من كل مكان، فجاءهم رسول منهم يعرفون أمانته وصدقه، يدعوهم إلى أكمل الأمور، وينهاهم عن الأمور السيئة، فكذبوه وكفروا بنعمة الله عليهم، فأذاقهم الله ضد ما كانوا فيه، وألبسهم لباس الجوع الذي هو ضد الرغد، والخوف الذي هو ضد الأمن، وذلك بسبب صنيعهم وكفرهم وعدم شكرهم ﴿وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ 18(18) [ تيسير الكريم الرحمن ص(٤٥١)]..

١٠- التبكير في السعي في الأرض والأخذ بالأسباب

قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [الملك:15].

وعن صخر الغامدي عن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال: «اللهم بارك لأمتي في بكورها»، وكان صخر تاجرا فكان يبعث تجارته من أول النهار، فأثرى وكثر ماله19(19) [رواه أبو داود (٢٦٠٦) والترمذي (۱۲۱۲) وحسنه، وصححه الألباني في صحيح الجامع (۱۳۰۰)]..

رزقنا الله وعامة المسلمين رزقا حلالا طيبا مباركا فيه.

الهوامش

(1) أخرجه ابن ماجه (2538) وابن حبان (1515)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3130)].

(2) السياسة الشرعية ص (۸۷)].

(3) [الفتاوى الكبرى (١٦٩/٦ – ١٧٠)].

(4) [أخرجه الطبري (٢٥/٦) بسند حسن].

(5) [انظر غريب الحديث لابن قتيبة (٧٠٦/٣)].

(6) [أخرجه ابن ماجه (٤٠١٩) والحاكم (٨٦٢٣) وصححه ووافقه الذهبي وحسنه الألباني في الصحيحة (١٠٦)].

(7) أخرجه الترمذي (٢٣٤٤) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع (٥٢٥٤)].

(8) [رياض الصالحين (۸۱/۱)].

(9) [المجالسة وجواهر العلم (٧٥٥)].

(10) [رواه البخاري (٢٠٦٧) ومسلم (٢٥٥٧)].

(11) [شرح مسلم (١١٤/١٦)].

(12) مدارج السالكين [(٤٧٥/١)].

(13) [رواه عبد الرزاق (٤٩٠٢) وغيره من مرسل الشعبي عن عمر به].

(14) [المصنف (٢٩٤٨٦)، وصححه الألباني في الإرواء].

(15) [رواه البخاري (١٤٤٢) ومسلم (١٠١٠)].

(16) [رواه مسلم (٢٦٩٧)].

(17) عدة الصابرين ص(٢٢٦)].

(18) [ تيسير الكريم الرحمن ص(٤٥١)].

(19) [رواه أبو داود (٢٦٠٦) والترمذي (۱۲۱۲) وحسنه، وصححه الألباني في صحيح الجامع (۱۳۰۰)].

اقرأ أيضا

الرزق .. والإيمان بالله

نداءات الله لعباده (2) .. فاستطعموني أُطعمْكم

المفهوم الصحيح للتوكل والاستعانة

التعليقات غير متاحة