في عملية غادرة -كالعادة- قام اليهود الأسبوع الماضي باغتيال العضو البارز في حركة الجهاد الإسلامي تيسير الجعبري، وقد كان قرار الجماعة أن ترد برشقات صاروخية، فكان رد اليهود عنيفًا استمر لثلاثة أيام نتج عنها مقتل أكثر من 43 فلسطينيًّا -بينهم ستة أطفال على الأقل- وإصابة المئات من أهالي غزة مع تحطيم منازلهم، واغتالوا -أيضًا- في إحدى الغارات الجوية خالد منصور أحد القيادات البارزة في حركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة.
هل نجح اليهود في تحييد حماس ؟
ونقول وبالله التوفيق:
إنَّ هذا التصعيد اليهودي يعتبر أعنف تصعيد ضد أهالي غزة منذ مواجهات العام الماضي التي استمرت 11 يومًا، وقتل فيها أكثر من 200 فلسطيني وعشرات اليهود..
وما زال اليهود يعربدون بلا رادع بعد سلسلة من العزل والتحييد -ما زالت مستمرة- للدول الإسلامية والعربية -المطبعة وغير المطبعة-، والأعجب من ذلك عزل وتحييد الفصائل الإسلامية الفلسطينية التي ترفع راية الجهاد والدفاع والمقاومة مثل منظمة حماس التي تحكم قطاع غزة وهي المسؤول الأول عن حماية القطاع والدفاع عن أهالي غزة ضد أي عدوان، مما دعا اليهود إلى الإشادة بموقف حماس!! وتقول يهود: إنَّ عمليتها العسكرية حققت هدفًا استراتيجيًّا بالفصل بين حماس والجهاد الإسلامي..
الأخوة الإيمانية لا يقطعها بُعد الزمان والمكان
لقد تناسى العرب والمسلمون حقوق الأخوة الإسلامية بين يدي أيام مناسبة عظيمة تثبت أنَّ الأخوة الإيمانية لا يقطعها بُعد الزمان والمكان، وهذه المناسبة هي: عاشوراء؛ فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: «مَا هَذَا؟» قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى. قَالَ: «فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ». فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.1(1) [رواه البخاري (2004) ومسلم (1130)].
فهذا نبينا صلَّى الله عليه وسلَّم يتولى موسى عليه السلام وقومه ويأمر بتوليهم لرابطة الدين رغم بُعد الزمان والمكان..
اليهود أهل غدر وخيانة
واليهود أهل غدر وخيانة واستغلال لفرقة المسلمين؛ فلم يكد يمر يوم واحد على الهدنة في غزة حتى سارعوا بقصف مدينة نابلس بالضفة الغربية فقتلوا المجاهد إبراهيم النابلسي ومعه اثنان وأصابوا أكثر من أربعين…
والحجة واضحة؛ فالهدنة في غزة وليست في الضفة، بل مع جماعة واحدة من جماعات غزة كما قال مصدر مقرب من حركة حماس لـ”بي بي سي”: إنَّ اتفاقًا لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي جرى التوصل إليه برعاية مصرية سيدخل حيز التنفيذ…
ومازال كثير من المسلمين والجماعات المجاهدة الفلسطينية -في عصرنا هذا- لا ينفعلون إلا إذا استُهدِفوا بأعيانهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون..
بيان رابطة علماء المغرب العربي بخصوص العدوان على غزة
وما أجمل ما جاء في بيان رابطة علماء المغرب العربي بخصوص العدوان على غزة حيث جاء فيه -بعد الحمد والتسليم-:
إنَّ ما يجري على الساحة الفلسطينية من عدوان غاشم للعدو الصهيوني على أهلنا وإخواننا في غزة، يستوجب من المسلمين نصرتهم عملًا بقوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يُدَٰفِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾، وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾، فنصرة إخواننا الفلسطينيين ومساندتهم في جهادهم ونضالهم ضد العدو الصهيوني أصبحت واجبة على كافة أفراد العالم الإسلامي؛ لأنها نصرة لله تعالى، خاصة مع خذلانهم من القريب والبعيد، فالإبادة مسموح بها، والإجرام محمي، إذا الدم الفلسطيني هو المسفوك، والأرض الفلسطينية هي المنتهكة، وإذا كان الخذلان لا يستغرب مما يسمى المجتمع الدولي، فكيف للمسلم أن يخذل أخاه، ويسلمه للعدو والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «المسلم أخ المسلم لا يحقره، ولا يظلمه، ولا يُسلمه»، وما هذا الصمت السافر والـمُشين لزعماء الدول الإسلامية، التي لم تحرك ساكنًا ولم تنبس ببنت شفة، وكأن الأمر لا يعنيها، وكأن فلسطين ليست أرضًا مقدسة، وعليه فإنَّ رابطة علماء المغرب العربي تستنهض همم الغيورين من أبناء الشعوب الإسلامية الحرة الأبية من أجل الانتفاض ضد هذا الظلم الصهيوني…إلخ
أمة الإسلام جسد واحد
إن واجب المسلمين اليوم -وقبل التفكير في مواجهة اليهود المعتدين- هو التذكير الدائم بالأخوة الإسلامية، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ…﴾.
قال العلامة السعدي: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ هذا عقد عقده الله بين المؤمنين، أنَّه إذا وُجد من أي شخص كان في مشرق الأرض ومغربها: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، فإنه أخ للمؤمنين، أخوة توجب أن يُـحب له المؤمنون ما يُـحبون لأنفسهم، ويكرهون له ما يكرهون لأنفسهم…اهـ2(2) [تيسير الكريم الرحمن صـ(800)].
وعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»3(3) [رواه مسلم (2586)]..
التحذير من خذلان المسلمين
وعن عبد اللَّهِ بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»4(4) [رواه البخاري (2442) ومسلم (2580)]..
قال الحافظ ابن حجر: وقوله: «ولا يُسلمه» أي: لا يتركه مع من يؤذيه ولا فيما يؤذيه بل ينصره ويدفع عنه…اهـ 5(5) [فتح الباري (5/97)].
الأمة كلها مطالبة بنصرة الدين
والواقع الأليم أنَّ اليهود نجحوا في تفتيت المسلمين حتى وصلوا إلى درجة أن يُسْلِم بعضهم بعضًا، ويخذل بعضهم بعضًا…
فندعوا عموم المسلمين -وقياداتهم خاصة- إلى استشعار المسؤولية العظيمة التي عليهم من وجوب حماية دماء المسلمين في كل مكان، وتحرير الأراضي الإسلامية عمومًا، وخاصة القدس والمسجد الأقصى من اليهود الغاصبين، ولن يتحقق لهم ذلك إلا بالرجوع لدينهم -شعوبًا وحكومات-؛ فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يَقُولُ: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ (الربا)، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ (الرضا بالدنيا)، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلاًّ لاَ يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ»6(6) [رواه أبو داود (3464) وغيره، وصححه الألباني]..
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي -في شرحه لهذا الحديث-: …فأكمل حالات المؤمن أن يكون اشتغاله بطاعة الله والجهاد في سبيله، والدعوة إلى طاعته لا يطلب بذلك الدنيا…اهـ7(7) [الحكم الجديرة بالإذاعة صـ(14)].
وندعوا الفصائل المجاهدة على أرض فلسطين أن تتوحد، فقرار الحرب والسلم -لخطورته- يجب أن يخضع للمشورة والاجتماع عليه، فقد أمرنا الله عزَّ وجلَّ بذلك كما قال تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.
وعليهم أن يحذروا من التحالف مع إيران ﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ﴾ فهي أقرب لليهود والنصارى منها للمسلمين.. فماذا استفادت الفصائل الفلسطينية المجاهدة من تحالفها مع إيران إذا كانت إيران لم تزودها بأسلحة رادعة تجعل اليهود يفكرون ألف مرة قبل اعتدائهم على المسلمين في فلسطين؟!
كما أنَّ على قادة المقاومة في فلسطين أن يعيشوا معاناة شعبهم قولًا وفعلًا، فيكون سلوكهم وتصرفاتهم وِفق ذلك، وتكون قراراتهم مدروسة بحيث تحسب المكاسب والخسائر بشكل صحيح..
نصر الله دينه وأعزَّ جنده، وخذل الله اليهود وأعداء الإسلام جميعًا..
الهوامش
(1) [رواه البخاري (2004) ومسلم (1130)].
(2) [تيسير الكريم الرحمن صـ(800)].
(3) [رواه مسلم (2586)].
(4) [رواه البخاري (2442) ومسلم (2580)].
(5) [فتح الباري (5/97)].
(6) [رواه أبو داود (3464) وغيره، وصححه الألباني].
(7) [الحكم الجديرة بالإذاعة صـ(14)].
اقرأ أيضا