لم تزل “غزة” تعطي دلالات لحال الأمة، صارت جراح الأمة متعددة وأشد مما في غزة؛ ولكن في غزة تتجمع خيوط وتعطي دلالات تصْدُق على حال الأمة كلها وتشرحه.

مقدمة

هجوم جديد على “غزة” بدأ يوم  الثلاثاء (12/11/2019) بقتل أحد قيادات حركة الجهاد الإسلامي (بهاء أبو العطا، القيادي بسرايا القدس، الجناح المسلح لحركة الجهاد الإسلامي، وزوجته) وكبّدت أهل غزة (34) شهيدا بضربات الطيران الإسرائيلي في مقابل رشقات صاروخية للمجاهدين الفلسطينيين. ولم تزل آثاره الى الآن. (1راجع: موقع “الأناضول ”  14/11/2019، على الرابط”:
تهدئة في غزة وحصيلة الشهداء تصل إلى 34 شهيدا
)

من دلالات الحدث

وفي هذه الأحداث ـ المتكررة كل حين ـ دلالات نرصدها من أجل التنويه بالخطوط الأساسية في الواقع وما يراد له من تغيير..

أولا: لم يزل العدو الصهيوني يبغي قتل القيادات التي تمتلك القدرة على استخدام السلاح البسيط الذي تملكه المقاومة والمجاهدون، فهم يعرفون أن السلاح بسيط وأن الفارق سيكون في الأشخاص الذين يمتلكون القدرة على تنظيم المجاهدين لاستخدامه وإيلام العدو. وعلى هذا جرت سياسة “قص الحشائش” التي يتبعها الكيان الصهيوني بحق المجاهدين في غزة.

وفي هذا دلالة على أهمية العنصر البشري وأنه عنصر فارق جدا في المعركة مع العدو؛ فإذا كان شخصا “نوعيا” وازنا، وهو مؤمن يتخذ الإسلام توجها ومنهجا، يؤمن بعقائدية المواجهة مع الكيان الصهيوني وأبعاده الغربية؛ فهذا ما يدأب عليه الكيان الصهيوني بالاستهداف.

ثانيا: وأما السلطة الفلسطينية “عملاء أوسلو” والتي نتجت في أوائل التسعينيات بسبب اشتداد ضربات المجاهدين ضد الصهاينة ليكونوا كيانا سياسيا يخدع المسلمين في فلسطين ويخدع الأمة ويعلقها بسراب الأوهام والمفاوضات.. فهذه السلطة لا زال دورها خدمة الكيان الصهويني وتقديس “التنسيق الأمني” ضد المجاهدين وتعقبهم، والرفض الاستراتيجي للجهاد والمقاومة..! ثم يتسولون من موائد الصليبيين في الغرب أي حراك سياسي ولو فقاعةكاذبة؛ فأتى “ترامب” يوكل اليهم الضربات القاسية والمهينة على رؤوسهم؛ فصاروا مخزيين عرايا، ينتظرون من يعيد اكتشافهم لأي دور وضيع. ويبدو أن الكيان الصهيويني وامتداده الغربي في استغناء طويل عنهم.

وفي هذا سقوط لهؤلاء العملاء، ولذا يجب فضحهم لدى الأمة والسعي بالأمة نحو تجاوزهم وردم التراب عليهم، وأن يعلموا أنه لا حل لدى هؤلاء وأن وعودهم كاذبة. وأن الحق فيما أخبر الله ﴿لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾ (الأنفال:8) وأن الطريق اليه هو ما شرع الله سبحانه من جهاد الكفر والمنافقين.

ثالثا: لم تزل الأنظمة العربية العلمانية في “عداء” للمسلمين والمجاهدين بخاصة، وعلى هذا حاصروا أهل غزة جميعا كعقاب جماعي لوجود المجاهدين ووجود حاضنة لهم.

وعلى امتداد الأنظمة تبعها قسط من الشعوب ممن هم همج رعا أتباع كل ناعق؛ تنعق بعداء المقاومة والمجاهدين كما يرى أسيادهم وفي “إسرائيل” دولة ديمقراطية وقدوة تُحتذى.

فإذا تركت هذا الغثاء فبقية المسلمين يربطها بإخوانهم الدين والعقيدة والحمية لهذا الدين، لكن نصرتهم لهم لا يعدو الكتابة والكلام والبكاء والدعاء. والدعاء سبب عظيم، لكن بقية ما أمر الله به من الأسباب معطل. وفي هذا مصداق لحديث رسول الله في وصف فجرة المتغلبين أنهم يفرقون بين الأمة؛ فقد روى النسائي عن أسامة بن شريك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما رجل خرج يفرق بين أمتي فاضربوا عنقه». فهم يفرقون الأمة، ويفرّقون بينها فيمنعونها من نصرة بعضها بعضا وإغاثة بقيتها.

والدلالة التي لا تزال باقية وهي خطورة هذه الأنظمة العلمانية بعمالتها للغرب ودورها السيء في ترسيخ الصهاينة والتمكين لمشروعهم واستئصال كل نبتة وإطفاء كل نور يشي بأمل لإقامة الدين والخروج من التبعية وامتلاك القوة.

لا تزال الدلالة بوجوب فضحهم عقديا وتعريتهم من الناحية الشرعية، والسعي لاستنقاذ الأمة من براثنهم. وهو جهد كبير يجب أن تقوم به قطاعات الأمة، ما بين علماء وسياسيين وغيرهم.

رابعا: تمادى الأمريكيون أكثر مما يرغب الكيان الصهوني وأكثر مما يحلم، حتى خالفوا مواثيقهم الدولية وقوانينهم؛ فاعتبروا قبل كتابة هذه السطور بقليل اليوم الإثنين (21 ربيع أول 1441هـ) (18/11/2019م) أن المستوطنات في الضفة الغربية، التي يعتبرونها محتلة، بأنها مشروعة وقانونية وأنها محل تفاوض بين الفلسطينيين والإسرائليين، والمقصود أنها محل فرض للأمر الواقع..! (2راجع: موقع “الجزيرة” 18/11/2019، على الرابط:
في مخالفة للقانون الدولي.. واشنطن تعتبر مستوطنات الضفة قانونية
)

والدلالة قائمة أن المشروع الصهيوني هو مشروع غربي بالأساس، كقاعدة عسكرية متقدمة، ووجود غربي بالوكالة. وأنه يتلاقي العالم من شرقه الى غربه لمساندة هذا الكيان ودعمه وعدم السماح بسقوطه؛ في حالة عداء للمسلمين.

وهذا يؤكد أنه لتصل الأمة الى تدمير وإطفاء هذا الكيان يجب أن تكون المواجهة على هذا المستوى والوعي؛ وأنه قبل المواجهة يجب أن تسقط أنظمة وعروش مجرمة لكي تجد المياه مجراها الصحيح، وتنطلق الأمة لاستئناف مسيرتها.

خامسا: لم يزل تخاذل دول أهل السنة عن نصرة المجاهدين بسبب انشغالهم بمآسيهم الجديدة، وبسبب التشويه للمجاهدين، والانقساد الداخلي في الشعوب بسبب هذا التشويه الإعلامي؛ كل هذا مقارنة بالدور الإيراني الداعم بقدْر ـ لحساباته الخاصة ـ للمجاهدين؛ يسبب الالتباس الذي تعاني منه الأمة؛ فإبادةٌ في العراق وسوريا وتوحش في لبنان واليمن، وتشييع للمسلمين في إفريقيا؛ ثم المفارقة بدعم المقاومة لرهانات خاصة لإيران أمام أمريكا والغرب.. نتج من هذا كله من اللبس والاضطراب عند الأمة ما نحتاج الى التخلص منه، كما سبّب قيودا واضطرابا نسبيا عند المجاهدين أنفسهم.

ينبغي التخلص من هذا اللبس، والخروج من هذا الإضطراب؛ ولن يتحقق هذا إلا بتبني الأمة لقضاياها وعدم التنكر لها ولا الرضا بـ “مقاولة” و”وكالة” يقوم بها الرافضة لحساباتهم وعلى حساب وضوح قضايانا ووضوح دورهم المفسد والمدمر.

خاتمة

في خضم هذه الأحداث يجب النظر الى البيئة الاستراتيجية التي يتحرك فيها المسلمون والمجاهدون. وما نوقن به أن الثبات على دين رب العالمين والإعداد في مقابلة العدو، سيكون له ما بعده، وأن الحراك الذي تقوم به الشعوب اليوم في أكثر من دولة عربية قد يسهم في تغيير هذه البيئة.

وأن ما أمر الله تعالى به من التقوى والصبر، هو السلاح الفعال وإحباط لكيد العدو ودفع لضرره. الصبر بكل معانيه، والتقوى في كل مجالاتها بما أمر الله به في كل مجال. ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ (آل عمران: 120)

وما يظنه الناس اليوم أنه لا ينكسر ولا يتغير ليس ببعيد على الله تعالى أن يقصمه وأن يرينا فيهم عجائب آياته تعالى.

…………………………..

هوامش:

  1. راجع: موقع “الأناضول ” 14/11/2019، على الرابط”:
    تهدئة في غزة وحصيلة الشهداء تصل إلى 34 شهيدا
  2. راجع: موقع “الجزيرة” 18/11/2019، على الرابط:
    في مخالفة للقانون الدولي.. واشنطن تعتبر مستوطنات الضفة قانونية

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة