قررت حركة حماس إعادة علاقاتها الكاملة مع النظام السوري بعد قطيعة استمرت 10 سنوات، والمفارقة العجيبة أن إعلان حركة حماس عودة علاقاتها مع نظام بشار الأسد كان خلال وجود رئيس الحركة إسماعيل هنية وبعض أعضاء المكتب السياسي للحركة الذي هو أعلى سلطة في الحركة في العاصمة الروسية موسكو..
وقد كان واضحا أن لروسيا دورا كبيرا في إقناع الحركة بالشروط التي وضعها النظام السوري لاستئناف العلاقات بين الطرفين..
إعلان عودة العلاقات بين حماس ودمشق وما سبقه من خطوات
1- بررت حماس تصرفها بأنه خدمة ولصالح القضية التي تخلى عنها عامة العرب، وساقت على مشروعية العودة لدمشق بشار، أدلة متكاثرة هي من المتشابه في مقابل المحكمات يمكن استخدامها في هذا الفعل وعكسه، وقد كان يكفيهم القول بالضرورة وتخلي الأخرين عنهم، وحتى هذا الدليل غير مسلم…
2- حوارات حماس مع دمشق قديمة ومستمرة منذ نحو خمس سنوات، وذلك بعد اعتزال خالد مشعل رئاسة حماس والعمل السياسي، وتولي إسماعيل هنية رئاسة المكتب السياسي ووصول يحي السنوار إلى زعامة الحركة في غزة، وقد كانت هذه الحوارات تأخذ طابع المد والجزر..
والظاهر أن بشار لم يكن متحمسا لعودة حماس لدمشق، فحماس تثني على النظام السوري منذ خمس سنوات دون جدوى، فمن ذلك أنه عقب فوز السنوار بمنصبه فقال: إن حماس مستعدة للتعامل مع النظام السوري خاصة مع تسارع وتيرة حل الأزمة في دمشق۔
وفي عام 2018م قال هنية: حماس لم تعاد يوما النظام السوري الذي وقف إلى جانبنا في محطات مهمة وقدم لنا الكثير.
وفي عام 2019م أثنى عضو المكتب السياسي محمود الزهار علی بشار الأسد، وقال: فتح لنا كل الدنيا، لقد كنا نتحرك في سوريا كما لو كنا نتحرك في فلسطين، وفجأة انهارت العلاقات على خلفية الأزمة السورية وأعتقد أنه كان الأولى ألا نتركه ولا ندخل معه أو ضده في مجريات الأزمة..
وأيضا التقى إسماعيل هنية مع الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله قبل عدة أشهر، وسبق وأن زار العاصمة الإيرانية طهران في 2021م للغرض ذاته .
3- إعلان عودة العلاقات بين حماس ودمشق صاحبه إعلان الرضوخ الكامل لشروط بشار، ومنها – بالطبع – الاعتراف به كرئيس شرعي لسوريا..
الدور الروسي في عودة العلاقات
4- مكان وتوقيت إعلان عودة العلاقات يثير زوابع الاستنباطات والتكهنات.. أما المكان فموسكو كما قدمنا..
وأما التوقيت فعقب مؤتمر شنغهاي – الآتي ذكره-، وأيضا عقب خسارة روسيا الكبيرة وتراجعها في الأيام القليلة الماضية في عدد من مدن أوكرانيا والتي جعلتها تفقد توازنها – ومن ذلك إطلاق روسيا الصواريخ الضخمة في القطب الشمالي لتهديد الدول الأوروبية المستحوذة على أجزاء واسعة منه-، ولكن صاروخ حماس هو أكبر صاروخ تطلقه روسيا بإعلان عودة حماس للنظام السوري الذي هو تحت السيطرة الكاملة لموسكو..
وكان بوتين قبل نحو شهرين قد طرد أسرة روتشيلد اليهودية، وأغلق مكتب الهجرة اليهودي في روسيا.
والخلاصة أنه من الواضح أن بوتين هو العامل الأول – أو الآمر – بعودة العلاقات.. يقول هنية: توصلنا مع موسكو إلى قرارات مهمة في شأن تطوير العلاقات الثنائية مع سوريا!!
قمة شنغهاي ومحاولة تحقيق توازن في القوى العالمية
5- قبل أيام قليلة انعقدت قمة لمنظمة شنغهاي للتعاون بمدينة سمرقند في أوزبكستان وسط تصاعد التوتر بين روسيا والغرب، ومنظمة شنغهاي للتعاون أنشئت عام 2001م كأداة للتعاون السياسي والاقتصادي والأمني منافسة للمنظمات الغربية..
وتضم منظمة شنغهاي كلا من الصين وروسيا والهند وباكستان، والجمهوريات السوفيتية السابقة في آسيا الوسطى : قرغيزستان وطاجيكستان وكازاخستان وأوزبکستان، وإیران حدیثا..
وبعض البلدان المراقبة كأفغانستان، منغوليا، بيلاروسيا..
والدول المشاركة في الحوار، وهي: تركيا وأذربيجان وسریلانکا وأرمينيا وكمبوديا ونيبال والسعودية ومصر وقطر.
وعلى هامش تلك القمة اجتمع الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين، والصيني شي جينبينغ، ووجه الرئيسان کلمات توضح خطة عملهم في الفترة القادمة لتحقيق توازن في القوى العالمية..
فقد وجه بوتین انتقادات شديدة إلى المحاولات الأمريكية لإرساء عالم أحادي القطب، وأشاد بالدور المتعاظم لمراكز النفود الجديدة، مشددا على أن التعاون بين بلدان منظمة شنغهاي يستند – خلافا للدول الغربية – إلى مبادئ مجردة من أية أنانية.
فيما دعا “شي” إلى ضرورة تظافر جهود القوى العظمى للتشجيع على قيام نظام دولي يسير في اتجاه أكثر عدلا وعقلانية..
رفض واسع لخطوة حماس
6- معارضات شديدة اندلعت عقب الإعلان، بين الفلسطينيين والعرب وعموم المسلمين، ولكن حماس أعدت عدتها لمواجهات كهذه بكتابة تقارير ومقالات تظهر فوائد استعادة العلاقة مع النظام السوري، ولا تراجع.
7- تراجع حماس وعودتها للنظام السوري قد يكون متأخرا جدا، والظاهر أن علاقتهما لن تعود كالسابق، فالكثير من الدول تتسابق الآن للعودة لبشار، ومن هذه الدول دول معروفة بالعداء المتجذر لحماس -ولكل ما هو إسلامي -.
مبررات الحركة عودتها للحضن السوري
8- الحجة الأساسية لحماس لعودتها لنظام بشار المجرم هي كما يقول أستاذ العلوم السياسية بلال الشوبكي:
إن حماس تعرضت لتضيق شديد في السنوات الأخيرة من بعض الدول العربية والإقليمية، والبيئة السياسية اليوم مختلفة عن السابق، وهذا فرض على الحركة العودة إلى حضن سوريا باعتبارها أفضل البدائل التي يمكن لقيادة الحركة نقل ثقلها إليها بعد يقينها من عدم وجود بديل يقدم لها الاحتضان والدعم الكامل.
في الواقع كانت معظم قيادات “حماس” توجد في تركيا لكن مع استعادة أنقرة كل علاقاتها مع إسرائيل بدأت تتعرض لضغوط بترك المنطقة. وقالت سفيرة تل أبيب في أنقرة إيريت ليليان علنا: إن إسرائيل بذلت جهودا لإغلاق مكتب حماس في إسطنبول ونجحت في ذلك، وتعمل حاليا على ترحيل الناشطين من تركيا.
لم تنف حماس ذلك وقال عضو المكتب السياسي فيها موسى أبو مرزوق: إن تشويشا كبيرا طرأ على علاقات حماس بتركيا، وذلك بعد تحسين أنقرة علاقاتها بإسرائيل ودول عربية أخرى وفي ضوء ذلك نحن ملتزمون بالتفاهمات التي يجريها الأتراك ونقدرها۔
لكن أبو مرزوق رفض أن يؤكد المعلومات حول تضيق السلطات التركية على ناشطي الحركة وطلبها منهم مغادرة البلاد، إلا أنه أشار إلى أن إسرائيل تشن على أعضاء حركته الموجودين في إسطنبول هجوما إعلاميا كل يوم.
وأشار الشوبكي إلى أنه لا يوجد أي مكان في العالم يستوعب وجود حماس على أراضيه في ظل المتغيرات العالمية السياسية، وهذا دفع الحركة للعودة من جديد إلى محور كانت قد قاطعته من سنوات.
ويقول الباحث في الشؤون السياسية حسام الدجني:
إن “حماس” تعتقد أنها بعودة علاقاتها مع سوريا ذهبت إلى وجودها الطبيعي ومحورها الإيراني الذي يستوعب وجودها من دون إملاءات وشروط، ويعطيها نوعا من الاستقرار، وهي مضطرة إلى ذلك لا سيما في ظل حظرها في بعض الدول.
ويشير الدجني إلى أن حسم “حماس” خياراتها باتجاه التموضع مع هذا المحور جاء في ظل عدم وجود بدائل كافية لمد الحركة بالمال والسلاح، لافتا إلى أنه من دون هذا المحور فمن المحتمل أن يكون وضعها ضعيفا وبالتحالف مع سوريا سيكون لها موقف أقوى من بقائها وحيدة.
ونوجه هذه النصيحة لإخواننا في حماس:
حصاركم علامة خير لكم تدل على غيظ العدو
أما الحصار الذي يعاني منه المسلمون في قطاع غزة خاصة فهو علامة خير تدل على غيظ العدو من أهل غزة المرابطين في نحر اليهود..
وهم أسوة بنبينا صلى الله عليه وسلم حين حوصر حصارا أشد من هذا حتى تواصل بكاء الأطفال من شدة الجوع..
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم من الغد يوم النحر، وهو بمنى: «نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة، حيث تقاسموا على الكفر» يعني ذلك المحصب، وذلك أن قريشا وكنانة، تحالفت على بني هاشم وبني عبد المطلب، أو بني المطلب: أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم، حتى يسلموا إليهم النبي صلى الله عليه وسلم1(1) [رواه البخاري (1590) ومسلم (1314)]..
قال الحافظ ابن حجر: … قيل: إنما اختار النبي صلى الله عليه وسلم النزول في ذلك الموقع ليتذكر ما كانوا فيه فيشكر الله تعالى على ما أنعم به عليه من الفتح العظيم وتمكنهم من دخول مكة ظاهرا على رغم أنف من سعى في إخراجه منها ومبالغة في الصفح عن الذين أساءوا ومقابلتهم بالمن والإحسان ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء2(2) [فتح الباري (8/15)]..
وقد ذكر أصحاب السير تفاصيل الحصار الذي استمر ثلاث سنوات، وما جاء في وصفه ما رواه ابن سعد بسنده عن جبير بن مطعم: … وحصروا بني هاشم في شعب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من حين تنبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانحاز بنو المطلب بن عبد مناف إلى أبي طالب في شعبه مع بني هاشم، وخرج أبو لهب إلى قريش فظاهرهم على بني هاشم وبني المطلب، وقطعوا عنهم الميرة والمادة، فكانوا لا يخرجون إلا من موسم إلى موسم حتى بلغهم الجهد وسمع أصوات صبيانهم من وراء الشعب3(3) [الطبقات الكبرى ( 1/178)]..
لا تنسوا البعد الإيماني في صراعكم
فيا إخواننا في حماس لا تنسوا البعد الإيماني في صراعكم مع عدوكم، ولقد اعتمدتم على ركن وثيق لو توكلتم على الله عز وجل بعد خذلان المتخاذلين.. قال الله تعالى على لسان لوط عليه السلام -: (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ) [هود:80].
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يغفر الله للوط إن كان ليأوي إلى ركن شديد»4(4) [رواه البخاري (3375) ومسلم (151)]..
قال النووي: وأما قول النبي – صلى الله عليه وسلم – ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد فالمراد بالركن الشديد هو الله سبحانه وتعالى فإنه أشد الأركان وأقواها وأمنعها ومعنى الحديث والله أعلم أن لوطا – صلى الله عليه وسلم – لما خاف على أضيافه ولم يكن له عشيرة تمنعهم من الظالمين ضاق ذرعه واشتد حزنه عليهم فغلب ذلك عليه فقال في ذلك الحال ” لو أن لي بكم قوة ” في الدفع بنفسي ” أو آوي ” إلى عشيرة تمنع لمنعتكم وقصد لوط – صلى الله عليه وسلم – إظهار العذر عند أضيافه وأنه لو استطاع دفع المكروه عنهم بطريق ما لفعله وأنه بذل وسعه في إكرامهم والمدافعة عنهم ولم يكن ذلك إعراضا منه – صلى الله عليه وسلم – عن الاعتماد على الله تعالى وإنما كان لما ذكرناه من تطييب قلوب الأضياف ويجوز أن يكون نسي الالتجاء إلى الله تعالى في حمايتهم ويجوز أن يكون التجأ فيما بينه وبين الله تعالى وأظهر للأضياف التألم وضيق الصدر والله أعلم5(5) [(شرح مسلم (2/184-185)]..
توكلوا على الله أسوة بأنبياء الله عز وجل
ولنا أسوة في أنبياء الله تعالى في التوكل على الله عز وجل في مواجهة أهل الكبر والفجور، وفي مقدمتهم سیدنا محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) [التوبة:40]، والمعنى: إن تخاذلتم عن نصرة نبيه صلى الله عليه وسلم أيها المؤمنون فإن الله غني عنكم، وقد نصره في أحوج الظروف وأشد حالات الضعف حين كان وحيدا، ليس معه إلا صاحبه.
وهذا هود عليه السلام يتحدى قومه متوكلا على الله تعالى قال الله تعالى – على لسانه عليه السلام -: (…… قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * مِن دُونِهِ ۖ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [هود:54-56].
ومثل ذلك كان من نبي الله نوح عليه السلام، قال الله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ) [يونس:71].
قال السعدي: أي: إن كان مقامي عندكم، وتذكيري إياكم ما ينفعكم {بِآيَاتِ اللَّهِ} الأدلة الواضحة البينة، قد شق عليكم وعظم لديكم، وأردتم أن تنالوني بسوء أو تردوا الحق. {فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ} أي: اعتمدت على الله، في دفع كل شر يراد بي، وبما أدعو إليه، فهذا جندي، وعدتي. وأنتم، فأتوا بما قدرتم عليه، من أنواع العَدَدَ والعُددَ.
{فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ} كلكم، بحيث لا يتخلف منكم أحد، ولا تدخروا من مجهودكم شيئًا.
{و} أحضروا {شُرَكَاءَكُمْ} الذي كنتم تعبدونهم وتوالونهم من دون الله رب العالمين.
{ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً} أي: مشتبهًا خفيًا، بل ليكن ذلك ظاهرًا علانية.
{ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ} أي: اقضوا علي بالعقوبة والسوء، الذي في إمكانكم، {وَلَا تُنْظِرُونِ} أي: لا تمهلوني ساعة من نهار. فهذا برهان قاطع، وآية عظيمة على صحة رسالته، وصدق ما جاء به، حيث كان وحده لا عشيرة تحميه، ولا جنود تؤويه.
وقد بادأ قومه بتسفيه آرائهم، وفساد دينهم، وعيب آلهتهم. وقد حملوا من بغضه، وعداوته ما هو أعظم من الجبال الرواسي، وهم أهل القدرة والسطوة، وهو يقول لهم: اجتمعوا أنتم وشركاؤكم ومن استطعتم، وأبدوا كل ما تقدرون عليه من الكيد، فأوقعوا بي إن قدرتم على ذلك6(6) [تيسير الكريم الرحمن صـ(369)]..
لا تأملوا أبدا في أعداء الأمة خيرا
واذكروا قول الله تعالى: (فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۚ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة:249].
وقوله تعالى: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الأنفال:26].
وخلاصة القول عند انقطاع الأسباب وتخلي الناس فإن اللجوء، يكون لله عز وجل خالصا لا لرافضي عدو بغيض، ولا لباطني ملحد فيه كل سوء، ولا لعلماني عبد لأمريكا..
إياكم وترك أمتكم وراء ظهوركم
ثم بعد الاعتماد على الله رهانكم سيكون على الشعب الفلسطيني الأبي والشعوب العربية والإسلامية، قال تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) [المائدة:55-56]، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) [الأنفال:73] أي: إن لم تقطعوا الكافرين وتوالوا المؤمنين تكن فتنة في الأرض بضعف الإسلام وأهله وتقوية الكفر وأهله.
– وخذلان الأنظمة العربية ليس جديدا ولا مستغربا، فخيانة حكام العرب لفلسطين قديمة منذ حرب 1948م إلى يومنا هذا بأشكال مختلفة متنوعة، أنتم أول من يعلمها، فإن الله لم يرد لهم شرف جهاد أعدائه كسلفهم من المنافقين الذين قال الله فيهم: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) [التوبة:46-47].
قال السعدي: {و} أما هؤلاء المنافقون فـ {لَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} أي: لاستعدوا وعملوا ما يمكنهم من الأسباب، ولكن لما لم يعدوا له عدة، علم أنهم ما أرادوا الخروج.
{وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ} معكم في الخروج للغزو {فَثَبَّطَهُمْ} قدرا وقضاء، وإن كان قد أمرهم وحثهم على الخروج، وجعلهم مقتدرين عليه، ولكن بحكمته ما أراد إعانتهم، بل خذلهم وثبطهم {وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} من النساء والمعذورين.
ثم ذكر الحكمة في ذلك فقال {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} أي: نقصا.
{وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ} أي: ولسعوا في الفتنة والشر بينكم، وفرقوا جماعتكم المجتمعين، {يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} أي: هم حريصون على فتنتكم وإلقاء العداوة بينكم.
{وَفِيكُمْ} أناس ضعفاء العقول {سَمَّاعُونَ لَهُمْ} أي: مستجيبون لدعوتهم يغترون بهم، فإذا كانوا هم حريصين على خذلانكم، وإلقاء الشر بينكم، وتثبيطكم عن أعدائكم، وفيكم من يقبل منهم ويستنصحهم. فما ظنك بالشر الحاصل من خروجهم مع المؤمنين، والنقص الكثير منهم، فللّه أتم الحكمة حيث ثبطهم ومنعهم من الخروج مع عباده المؤمنين رحمة بهم، ولطفا من أن يداخلهم ما لا ينفعهم، بل يضرهم.
{وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} فيعلم عباده كيف يحذرونهم، ويبين لهم من المفاسد الناشئة من مخالطتهم7(7) [تيسير الكريم الرحمن ص(339)]..
فهذا الكلام في المنافقين، أما الذين جمعوا إلى النفاق الحقد الباطني والإجرام كإيران وبشار ومن خلفهم بوتين الذين نكلوا بالأمة وقتلوا السوريين والفلسطينيين على حد سواء فالأمر فيهم جلي واضح، ولم تكن إيران ولا نظام البعث في سوريا عدوا لإسرائيل في يوم من الأيام -وإن اختلفوا على مصالح جزئية -، هذه الأنظمة حمت إسرائيل وأمدتها بوسائل البقاء، فكيف ترجون منها أن تقف معكم في حربكم ضد اليهود؟!
والمستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار
وهذا التاريخ والواقع يشهد بذلك.
نظام بشار أوهن من بيت العنكبوت
ونظام بشار الذي لم يقدر أن يحمي نفسه من صفعات اليهود المتكررة كيف سيحميكم؟! فالتمسك به متمسك بخيوط العنكبوت، كما قال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [العنكبوت:41].
ليكن خياركم هو الوقوف مع الشعوب العربية الإسلامية وثوابت دينها وقيمها
– إن الثورات العربية – وخصوصا الثورة السورية – وإن منيت بنكسات وهزائم كبيرة إلا أنها لم تنته، وعوامل قيامها ما زالت موجودة، بل تفاقمت، فالخيار الأفضل هو الوقوف مع الشعوب العربية الإسلامية وثوابت دينها وقيمها، وما يصلكم من قليلها خير وأبرك من كثير إیران وبوتين، والأهم من ذلك دعاؤهم لكم والتحامهم بكم، قال صلى الله عليه وسلم: «أبغوني الضعفاء: فإنما تنصرون بضعفائكم»8(8) [رواه أبو داود بإسناد صحيح].. أي: بصلاتهم ودعائهم، قال تعالى: (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).
إن المحافظة على الأمة الإسلامية كأمة يجمعها دين واحد مهما تباعدت أقطارها واختلفت نظمها السياسية هو أولى من المراهنة على أنظمة عفا عليها الزمن وأصبحت فاقدة لعوامل بقائها، فإن الأمة باقية والأنظمة والكيانات السياسية تزول وتقوم، وأولاها بالبقاء والاستمرار من يحافظ على الأمة وثوابتها.. قال تعالى: (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد:38].
وليست قضية فلسطين والمسجد الأقصى هي الأخطر في مشاكل هذه الأمة -وإن كانت من أخطرها – بل تنحية شريعة الله عن الحكم وتقسيم الأمة إلى دويلات وظيفية تابعة لليهود والنصاري هو الأخطر، والطريق لتحرير فلسطين والأقصى يجب أن يكون شاملا، يبدأ بتحرير المسلم والأمة من هذه التبعية وذلك بالمحافظة على دينها وثوابتها ومبادئها، قال صلى الله عليه وسلم: «المسلمون تتكافأ دماؤهم. يسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم»9(9) [رواه أبو داود (2751) وقال الألباني: حسن صحيح]..
استدلالات واهية
– ومن عجیب الاستدلال لتسويغ الاصطفاف مع أعداء الأمة ضد مصالحها استدلال بعضهم بقوله تعالى: (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ) [الأنفال:72]، فإن هذه الآية في الذين لم يهاجروا إلى المدينة، فلتقصيرهم في الدين نقصت ولايتهم في النصرة، قال ابن عباس: يعني: إن استنصركم الأعراب المسلمون، أيها المهاجرون والأنصار، على عدوهم، فعليكم أن تنصروهم، إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق10(10) [رواه الطبري بإسناد حسن عن علي بن أبي طلحة عنه]..
وكذلك الاستدلال باختلاف وجهات النظر بين سيدنا موسى وسيدنا هارون عليهما السلام في الموقف من عباد عجل السامري !!!
والواقع أن ليس بينهما خلاف في الموقف، فما يزال عليه السلام لم يمدح العجل ولا عبادته، بل ندد بها، إنما انتظر أياما عودة موسى لما استضعفه القوم وكادوا يقتلونه، وهو يعلم أن موسى عليه السلام شدید وتخضع له بنو إسرائيل، وحصول المصلحة متحقق باجتماع بني إسرائيل على التوحيد ونبذ عبادة العجل، وهذا خير من أن يفارق هارون بمن معه بني إسرائيل، ولذا لما عاتبه موسی علیه السلام قال هارون: (إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) [طه:94] أي لم تحفط وصيتي ولم تنتظر رأيي، قال ابن جريج: لم تنظر قولي: ما أنا صانع قائل. [عزاه السيوطي إلى ابن المندر].
وكذلك الاستدلال بصلح الحديبية .. فإن أبا بصير وأبا جندل ومن معهم حين تعارضت مصلحتهم مع مصلحة الجماعة في المدينة لم يتحالفوا مع أعداء الجماعة أو أي من المشركين، بل كونوا كيانا خاصا بهم حتى جعل الله لهم فرجا ومخرجا، قال تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق:2-3] وقال تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق:4].
ومن عجيب الاستدلال، الاستدلال بأخطاء وانحرافات لفتاوی معاصرة سوغت التحالف مع الكفار ضد المسلمين.
وهذا تبرير عجيب، فهل إذا انحرف الناس تنحرف معهم؟!!
واعلموا أنكم لن تخذلوا ما استقمتم على أوامر الله تبارك وتعالى.
وفقنا الله تعالى وإخواننا في حماس وعامة المسلمين للصواب وما يحبه ويرضاه .
الهوامش
(1) [رواه البخاري (1590) ومسلم (1314)].
(2) [فتح الباري (8/15)].
(3) [الطبقات الكبرى ( 1/178)].
(4) [رواه البخاري (3375) ومسلم (151)].
(5) [(شرح مسلم (2/184-185)].
(6) [تيسير الكريم الرحمن صـ(369)].
(7) [تيسير الكريم الرحمن ص(339)].
(8) [رواه أبو داود بإسناد صحيح].
(9) [رواه أبو داود (2751) وقال الألباني: حسن صحيح].
(10) [رواه الطبري بإسناد حسن عن علي بن أبي طلحة عنه].
اقرأ أيضا
فقه الاستضعاف والموقف من حماس في حربها مع اليهود
بين حماس وحزب الله .. العنوان خطأ