قال تعالى: (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ) [الرعد:12-13].

قال قتادة: (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ) :أي: القوة والحيلة1(1) [رواه الطبري بسند حسن]..

انتشار الدراسات وحملات التوعية للتقليل من خسائر الصواعق

حملت لنا الأخبار أنباء تزايد القتلى – بصورة كبيرة – جراء الصواعق – في العديد من بلدان العالم-، وتكاثرت النصائح بما يجب فعله عند وجود أمطار وبرق في السماء.

وتقول دراسات أجرتها ما أطلق عليها حملة “التكيف مع البرق في الهند”: إنَّ الغالبية العظمى من ضحايا البرق في الهند يعيشون في القرى، ويموتون بعد الاحتماء تحت الأشجار العالية، كما يواجه أفراد القبائل الذين يعملون في الزراعة والصيد خطرًا بشكل خاص، ونجحت الحملة في الحد من الوفيات بسبب الصواعق بنسبة ٦٠% في بعض الولايات.

ويقول “سانجاي سريفاستافا” منظم الحملة: يوجد نقص في حملات التوعية بالسلامة التي يقودها المجتمع بواسطة حكومات الولايات للوصول إلى الأشخاص المعرضين للخطر حقا في مراكز حدوث البرق، مثل: المزارع والغابات والبحر والسواحل والبرك والبحيرات والأنهار.

التحليلات العلمية لكثرة الصواعق ومخاطرها على البشر

وتكاثرت أيضا التحليلات العلمية التي ربطت كثرة الصواعق بارتفاع درجات الحرارة؛ التي تزايدت الشهر الماضي بدرجة غير مسبوقة في تاريخ البشرية المعروف.

يقول علماء الطبيعة: إن التهديد الناجم عن تغير المناخ يؤدي إلى زيادة نشاط البرق، كما يؤدي إلى ارتفاع درجات حرارة سطح الأرض والبحر وتسخين الهواء أعلاه وتوفير المزيد من الطاقة لدفع العواصف الرعدية التي تؤدي إلى حدوث البرق.

ويقول “إس دي باوار” مدير قسم ديناميكيات العواصف الرعدية في المعهد الهندي للمناطق الاستوائية: الحرارة فوق الأرض والرطوبة فوق الماء والهباء الجوي بسبب تلوث الهواء جميعها تهيء ظروفًا مواتية للسحب الرعدية التي تحفز نشاط البرق.

ويضيف: مع زيادة ارتفاع درجات الحرارة في الهند وزيادة التلوث تزداد العواصف الرعدية. ويقول: إن شدة البرق آخذة في الزيادة، وأكد العلماء مؤخرًا حدوث صاعقة بطول ٥٠٠ ميل تقريبا أضاءت السماء عبر ثلاث ولايات أمريكية وسجلت رقما قياسيا جديدا لأطول وميض.

وخلصت دراسة أجراها علماء في جامعة كاليفورنيا إلى أن الصواعق في الولايات المتحدة يمكن أن تزيد بنسبة 12% لكل درجة ارتفاع في متوسط درجة الحرارة.

وأكدت إدارة الطيران والفضاء الأمريكية “ناسا” أن شهر تموز/يوليو الماضي كان أكثر سخونة من أي شهر آخر في سجل درجات الحرارة العالمية، والذي يعود إلى عام ١٨٨٠م.

ونقول وبالله التوفيق

التفسير الشرعي لظاهرة الصواعق

إن الرعد والبرق والصواعق ليست مجرد ظواهر طبيعية كما يتحدث علماء الطبيعة والفلك والفيزياء؛ بل لها تفسير شرعي لا يتعارض مع التفسير الطبيعي، فإن الذي وضع القانون الطبيعي هو الذي وضع القانون الشرعي، هو : الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، قال تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ * وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ۚ كَذَٰلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الأعراف:54-57].

وعن ابن عباس قال: أقبلت يهود إلى النبي صلى الله عليه وسلَّم فقالوا: يا أبا القاسم أخبرنا: الرعد ما هو؟ قال: «ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله» فقالوا: فما هذا الصوت الذي نسمع؟ قال: «زجرة بالسحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر» قالوا: صدقت..2(2) [رواه الترمذي (۳۱۱۷) وقال: هذا حديث حسن غريب. وصححه الألباني]..

وتصديق اليهود لذلك يعني أنه مذكور في كتبهم أو علم توارثوه كابرا عن كابر.

حال السلف عند سماع الرعد ونزول الصواعق

وقد كان السلف يسبحون عند سماع الرعد؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان إذا سمع صوت الرعد قال: سبحان الذي سبحت له. قال: «إن الرعد ملك ينعق بالغيث كما ينعق الراعي بغنمه»3(3) [رواه البخاري في الأدب المفرد (۷۲۰)، وحسنه الألباني]..

وعن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث، وقال: سبحان الذي سبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته. ثم يقول: إن هذا لوعيد لأهل الأرض شديد4(4) [أخرجه مالك في الموطأ (۱۸۰۱) بسند صحيح، وصححه النووي في الأذكار (٥٢٣) تحقيق الأرناؤوط، والألباني في تعليقه على الكلم الطيب (١٥٧)]..

وتكاثر الصواعق من علامات اقتراب الساعة؛ عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة حتى يأتي الرجل القوم فيقول من صعق تلكم الغداة فيقولون صعق فلان وفلان»5(5) [رواه أحمد (١١٦٢٠) بسند صحيح، وصححه الحاكم على شرط مسلم (۸۳۷۳)، وصححه الأرناؤوط]..

الصواعق من جنود الله يصيب بها من يشاء

ويرسل الله عز وجل الصواعق فيصيب بها من يشاء من فراعنة البشر إذا تمادوا في غيهم مرة بعد مرة، عن أنس بن مالك قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم مرة رجلًا إلى رجل من فراعنة العرب: أن ادعه لي. قال: يا رسول الله، إنه أعتى من ذلك. قال: «اذهب إليه فَادْعُه». قال: فأتاه فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك. قال: أرسول الله؟ وما الله؟ أمن ذهب هو؟ أم من فضة هو؟ أمن نحاس هو؟ فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، قد أخبرتك أنه أعتى من ذلك. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما قال. قال: «فارجع إليه فادْعُه». فرجع فأعاد عليه المقالة الأولى، فرد عليه مثل الجواب، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره. فقال: «ارجع إليه فادعه». فرجع إليه، فبينما هما يتراجعان الكلام بينهما إذ بعث الله سحابة حيال رأسه فرعدت ووقعت منها صاعقة فذهبت بقحف رأسه، وأنزل الله عزَّ وجلَّ:  (وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ)6(6) [رواه النسائي في الكبرى (۱۱۱۹٥) وغيره قال الهيثمي في مجمع الزوائد (٤٢/٧): ورجال البزار رجال الصحيح غير ديلم بن غزوان وهو ثقة. وصححه الألباني في ظلال الجنة (٦٩٢)]..

فهذه أخذة أسف نزلت بهذا الجاحد المستهزئ، كما ثبت عن عبيد بن خالد السلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «موت الفجأة أخذة أسف»7(7) [أخرجه أبو داود (۳۱۱۲)، وصححه ابن حجر في تخريج أحاديث المختصر (۳۱۷/۱)، وصححه الألباني]..

قال الفيروزآبادي: ويُروى: أسف، ككتف، أي: أخْذَهُ سَخَطٍ أو ساخط8(8) [القاموس المحيط ص (۷۹۱)]..

الصواعق سبب في انتشار الحرائق

إن ما نشاهده اليوم من كثرة الحرائق في الأشهر القليلة الماضية وبشكل غير مسبوق سببها الصواعق في الغالب الأعم ولا دخل للإنسان فيها – بطريقة مباشرة إلا من جهة ذنوبه وسوء تصرفه -، ومما حدث منها:

حرائق غابات هاواي في أمريكا قبل أسبوعين في ١٠ أغسطس، والتي أودت بحياة أكثر من ۱۱۰ حتى الآن، و ۱۳۰۰ مفقود، وتدمير هائل في الجزيرة في البيوت والسيارات والممتلكات.

حرائق غابات سيبيريا في 9 أغسطس، قبل هاواي بيوم.

حرائق غابات قبرص في ٤ أغسطس.

حرائق غابات البرتغال في ٤ أغسطس.

حرائق غابات كندا المهولة، والتي أفنت ٢٥ مليون فدان، بدأت في يناير وما زالت مستمرة حتى اليوم.

وكذلك حرائق كل من: إسبانيا، الجزائر، اليونان..

المسارعة بالتوبة واجب الوقت

فالواجب على البشرية أن تتعظ بهذه الإنذارات؛ فإنها من العذاب الأدنى، كما قال تعالى: (وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [السجدة:21]، وعليهم التوبة من الجرائم التي تتبجح بها البشرية اليوم؛ من محاربة الله ورسوله وأكل الربا وسفك الدماء والترويج للمثليين – اللواط والسحاق – وشرب الخمور واستحلال الزنا والغناء.. إلخ

قال تعالى: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ…) [الأنبياء:1-3].

وكل من مات فقد قامت قيامته وبدأ حسابه..

حال المؤمنين عند حدوث هذه الظواهر الكونية

والواجب على المؤمن أن يزداد إخباتا لله عز جل، وخاصة عند سماع الرعد ورؤية البرق وخشية نزول الصواعق؛ فإن أصابه شيء من ذلك كان كفارة له ورفعة في الدرجات.

قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ * أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ ۚ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ) [الأعراف:96-100].

نسأل الله تعالى أن يرد ضال المسلمين إلى الحق، وأن يحسن خاتمتنا وجميع المسلمين.

الهوامش

(1) [رواه الطبري بسند حسن].

(2) [رواه الترمذي (۳۱۱۷) وقال: هذا حديث حسن غريب. وصححه الألباني].

(3) [رواه البخاري في الأدب المفرد (۷۲۰)، وحسنه الألباني].

(4) [أخرجه مالك في الموطأ (۱۸۰۱) بسند صحيح، وصححه النووي في الأذكار (٥٢٣) تحقيق الأرناؤوط، والألباني في تعليقه على الكلم الطيب (١٥٧)].

(5) [رواه أحمد (١١٦٢٠) بسند صحيح، وصححه الحاكم على شرط مسلم (۸۳۷۳)، وصححه الأرناؤوط].

(6) [رواه النسائي في الكبرى (۱۱۱۹٥) وغيره قال الهيثمي في مجمع الزوائد (٤٢/٧): ورجال البزار رجال الصحيح غير ديلم بن غزوان وهو ثقة. وصححه الألباني في ظلال الجنة (٦٩٢)].

(7) [أخرجه أبو داود (۳۱۱۲)، وصححه ابن حجر في تخريج أحاديث المختصر (۳۱۷/۱)، وصححه الألباني].

(8) [القاموس المحيط ص (۷۹۱)].

 اقرأ أيضا

التفكر في بعض آيات الله الخارقة

عندما أشاعوا الفواحش فقد أضروك..!

الآخرة هي المستقبل

 

التعليقات غير متاحة