لقد اعتنى العلماء قديمًا وحديثًا بنواقض الإيمان وأوسعوها بحثًا وتفصيلاً، دعوةً للحق ونصحًا للخلْق، وما أحرى المسلم أن يتنبه لهذه النواقض فيعلمها ويحذرها، ومن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها.

نواقض الإسلام عشرة نواقض

سبق الحديث في مقال سابق: [نواقض الإسلام (1)] عن أربعة من نواقض الإسلام هي:

أولاً: الشرك في عبادة الله وحده لا شريك له.

ثانيًا: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة.

ئالثأ: من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم.

رابعًا: من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذين يفضلون حكم الطاغوت على حكمه، فهو كافر.

الناقض الخامس: من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول ﷺ ولو عمل به فقد كفر

من أبغض شيئًا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو عمل به كفر إجماعًا، والدليل قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) [محمد: 9].

إن مفهوم الشهادتين تستلزمان المحبة والاستسلام، والطاعة والانقياد، وانشراح الصدر، وسرور القلب بأحكام الإسلام، أما الذين تضيق صدورهم بشيء من تكاليف الإسلام، أو يجدون كرهًا لبعض ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، فما أولئك بمؤمنين، إنها أنفس شريرة، وقلوبٌ مريضةٌ، وأمزجةٌ فاسدة، تلك التي ترغب عن الهدى، وتقع في شرك الردى .. تكره هدى الله، وإن لم تعلنه صراحةً، وتبغض أو تستثقل هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وإن لم تجرؤ على التصريح به .. إنها نماذج تتكرر في كل زمان ومكان، تحس منها بالنفرة والكراهية لهذا الدين، وما يتصل به، حتى إنها لتفزع من مجرد ذكره .. بل وتتجنب أن يجيء ذكره أو الإشارة إليه فيما تسمع حولها من حديث (1). وصدق الله (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) [الزمر: 45].

أما من فتح الله بصائرهم للهدى فيدركون أن هدى الله هو الهدى، كما يدرك الذين استقامت فطرهم أن في تشريعات الإسلام كلها تحقيق الخير للفرد والمجتمع. وإذا أثار الموتورون غبارًا مشينًا عن قسوة بعض أحكام الإسلام في العقوبات والقصاص بزعمهم- كقتل القاتل، ورجم الزاني المحصن، وقطع يد السارق، وجَلد الشارب .. أو نحوها- جاء رد القرآن جاء مختصرًا شافيًا (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 179]. وأكد الواقع الذي تنفذ فيه حدود الله نموذج الأمن والاستقرار.

أما الذين تلوك ألسنتهم الكذب، ويزعمون أن الإسلام ظلم المرأة ويكرهون أن تكون دية المرأة نصف دية الرجل، وشهادة المرأتين بشهادة رجلٍ واحد، أو يحاربون تعدد الزوجات بشتى الوسائل أو يعتبرون تشريعات الإسلام، تلك أو مثيلاتها تقاليد عفا عليها الزمن، ولا تناسب المدنية المعاصرة فأولئك يكفرون بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وإن عملوا به، وهم في عداد المنافقين، وإن صلوا وصاموا مع المسلمين (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) (1).

إنه مسلك خفي خطير، لابد أن يعالج المرء نفسه عن الوقوع في شراكه، فلا يكفي أن يعمل المسلم بشرائع الإسلام وهو يجد من نفسه كرهًا لشيءٍ فيها … بل لابد من الرضا والتسليم، وانتفاء الحرج (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)1(2) رواه البخاري، ح 6780 الفتح 12. (سليمان العلوان: التبيان: شرح نواقض الإسلام/ 43، 44)..

وثمة استدراكٌ لطيف في عدم الاستعجال بالحكم على الناس ببغض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم نتيجة خطأٍ واقع يجليه أحد العلماء العارفين ويقول: ومما ينبغي التنبيه عليه أن كثيرًا من الناس قد تبين له منكرًا ما، فيرفض القبول، ولا يقبل ما تقول، خصوصًا عند ارتكابه، فهذا لا يطلق عليه أنه مبغض لما جاء به الرسول دون تفصيل، لأنه قد لا يقبل الحق الذي جئته به، لا لأنه حق، ولكن لسوء تصرُّفك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلو جاءه غيرك وبين له نفس المنكر لقبل وانقاد، أو أنه لا يقبل منك لما بينك وبينه من شيءٍ ما، فهذا لا يسمى مبغضًا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم … إلى أن يقول: وهناك من يلزم صاحبه المعصية بما لا يلزم، فيلزم حالق اللحية، ومسبل الإزار، وشارب الخمر مثلاً، وغيرهم ببغض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الأمر بإعفاء اللحية، وعدم الإسبال، والنهي عن شرب الخمر، فيقول لهم: لولا أنكم تبغضون ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لما فعلتم هذه المنكرات. وهذا إلزامٌ باطل، فهناك من الصحابة من حصلت منه بعض المخالفات كشرب الخمر مثلاً، ولم يلزمه أحد من الصحابة بذلك الإلزام، بل كما أُتي بشارب الخمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولعنه بعض الصحابة، وقال: ما أكثر ما يؤتى به! نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن لعنه وقال: «إنه يحب الله ورسوله» (2).

إنه العدل في القول، والرفق في النصح، وعدم الاستعجال في إصدار الأحكام على الآخرين، دون تذويب لشرائع الإسلام، أو مداهنة في النصح تتكاثر بسببها الفواحش والآثام.

ألا وإن في دائرة الإسلام متسعًا لمن زلت بهم القدم، أو غلبت عليهم الشهوة، أو استحوذ عليهم الشيطان فترة ثم تابوا وأنابوا إلى ربهم شريطة أن يبقوا محبين لله ورسوله، غير مبغضين لشيءٍ من شريعة الله، وكيف نؤيس من لم يقنطه الله من رحمته.

(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ) [الزمر: 53، 54] … ولكن يقال لكل من خالف أمر الله:

احذر سوء العاقبة الواردة في قوله تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63].

السادس: من استهزأ بشيء من دين الرسول ﷺ ، أو ثوابه، أو عقابه، كفر

والدليل قوله تعالى: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة: 65، 66].

ويوضح معنى الآية سبب نزولها، فقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهم عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، قال: (قال رجل في غزوة تبوك في مجلس يومًا: ما رأينا مثل فرائنا هؤلاء، أرغبُ بطونًا، ولا أكذبُ ألسُنًا، ولا أجبنُ عند اللقاء، فقال رجلٌ في المجلس: كذبت، ولكنك منافقٌ لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن، قال عبد الله: فأنا رأيته متعلقًا بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحجارة تنكبه وهو يقول: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون؟ )2(3) انظر تفسير ابن جرير حول الآية..

والاستهزاء سخريةٌ واستخفاف، وإنما كان الاستهزاء بالدين كفرًا لأنه يدلُ على الاستخفاف، والعمدة الكبرى في الإيمان تعظيم الله بأقصى الإمكان، والجمع بين الأمرين محال3(4) الرازي في تفسيره الكبير 16/ 124..

يقول ابن قدامة، يرحمه الله: ومن استهزأ بالله تعالى أو بآياته أو برسله أو كتبه كفر .. ثم أورد الآية، ثم قال: وينبغي أن لا يُكتفى من الهازئ بذلك بمجرد الإسلام حتى يؤذن أدبًا يزجره عن ذلك4(5) المغني 10/ 113، الإنصاف 10/ 326..

والاستهزاء مؤشر لعدم تصديق القلب، ولذا قال ابن تيمية- رحمه الله-: (إن التصديق بالقلب يمنع إرادة التكلم، وإرادة فعلٍ فيه استهانة واستخفاف، كما أنه يوجب المحبة والتعظيم)5(6) الصارم المسلول/ 524..

والاستهزاء خصلةٌ من خصال المنافقين الذين تضيق صدورهم بهذا الدين وأهله، ولا يجرؤون على التصريح فيعمدون إلى التلميح، وربما ضعفوا عن إعلان ذلك في مجتمع الخيِّرين، فتداولوا ذلك في مجتمعات البطالين. والاستهزاء كفرٌ، وإن اعتذر أصحابه، أو ظنوا بأنفسهم أنهم لم يأتوا كفرًا، كما تفيد الآية وكما قرر أهل العلم6(7) الصارم المسلول/ 417 – 524..

ألا ما أعظم الاستهزاء سواء كان تصريحًا أو تلميحًا، ويتعاظم خطره في زمن باتت الكلمة فيه تسري بالآفاق، وتتناقلها وسائل الإعلام المختلفة في المشارق والمغارب.

ألا وإن واجب المسلم أن ينتصر لدين الله حين ينال بشيء من الاستهزاء، وأن يعتزل مجالس المستهزئين حتى يخوضوا في حديث غيره، وكذلك أمرنا خالفنا، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) [النساء: 140].

السابع: السحر- ومنه الصرف والعطف- فمن فعله أو رضي به كفر

والدليل قوله تعالى: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ) [البقرة:102].

الثامن: مظاهرة المشركين

ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة: 51] والمظاهرة هي المناصرة، والأصل أن تكون للمسلمين «انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا … » الحديث .. (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً) [الأنفال: 74].

وإنما تكون المناصرة للمشركين ومعاونتهم على المسلمين في فترات ضعف الإيمان من جانب، وضعف السلطان من جانب آخر.

ولا شك أن مظاهرة المشركين تمكينٌ لهم، وفي التمكين لهم غلبة لدينهم، ولا يخفى على عاقل فضلاً عن مسلم ما في ذلك من ضير على الإسلام وأهله، وما ينجم عنه من فتن ورزايا يراها الناس رأي العين، تراق لها الدماء، وتستباح الحمى، وتغتصب النساء، وتهدم العوامرُ من بيوت الله … فضلاً عن المنشآت

الحيوية الأخرى .. وكل ذلك يقع لأن المسلمين تفرقوا شيعًا، وظاهروا من لم يرقُب فيهم أو في إخوانهم إلاً ولا ذمة.

ولو أن المسلمين اعتصموا بحبل الله جميعًا ولم يتفرقوا، وساد حكم الشريعة التي ينتمون لها أنظمتهم كلها، وأقاموا الدين منزلته التي أنزله الله إياها.

لو وقع هذا لتغير الحال، ولامتدت روافد الإسلام إلى أصقاع المعمورة بدل أن يكون شغل المسلمين الشاغل الدفاع عن حقوقهم المشروعة، والتشبث بهويتهم الأصلية. وصدق الله: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11].

التاسع: من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فهو كافر

كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام ، ذلكم لأن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ناسخة للشرائع السماوية قبلها، والقرآن مهيمنٌ على الكتب قبله، وقد حكم الله أنه لا يقبل دينًا غير دين الإسلام، وأخبر عليه الصلاة والسلام: (أنه لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة، يهوديٌّ ولا نصراني، ثم يموت ولا يؤمن بالذي أُرسلتُ به إلا كان من أصحاب النار)7(8) رواه مسلم، مختصر المنذري/ 13، ح 20..

فإذا كان هذا شأن اليهود والنصارى فلا تسأل عن غيرهم، بل لقد أبصر النبي صلى الله عليه وسلم في يد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ورقةً من التوراة فقال: «أمتهوكون يا بن الخطاب؟ ! لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو كان موسى حيًا واتبعتموه وتركتموني لضللتم» وفي رواية «لو كان موسى حيًا ما وسعه إلا اتباعي، قال عمر: رضيت بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًا»8(9) قال صاحب النهاية: التهوك: التهور، وهو الوقوع في الأمر بغير روية (5/ 282)..

فإذا كان النبي في شأن التوراة هكذا، والأمر بالاتباع لمحمد صلى الله عليه وسلم حتى ولو كان من قتل موسى .. فلا شك أنه لا مسوغ لأحد كائنًا ما كان أن يتبع غير شريعة الإسلام، أو يهتدي بغير هدي القرآن، ويتم لا يكون ذلك كذلك وقد أكمل الله الدين بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنزل عليه القرآن فيه بيان كل شيء (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ) [النحل، الآية: 89].

والذين يرغبون عن صراط الله المستقيم تتفرق بهم السبل، وتستحوذ عليهم الشياطين، والله يقول: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) [الأنعام: 153].

أما الذين يجنحون إلى أفكار ضالة ومبادئ منحرفة، ونحلٍ فاسدة، أو يتشبثون بالإلحاد أو بالعلمنة، أو الحداثة فأولئك ضلوا السبيل، واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، ومن يضلل الله فما له من هاد.

العاشر: الإعراض عن دين الله تعالى، لا يتعلمه ولا يعمل به

والدليل قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ) [السجدة: 22].

والمراد بالإعراض هنا، الإعراض عن تعلم أصل الدين الذي به يكون المرء مسلمًا، ولو كان جاهلاً بتفاصيل الدين الأخرى، إذ العبادة هدف الخلق (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56].

ولابد من عبادة الله بما شرع الله، ولا يتوصل إلى ذلك إلا بالمعرفة التي يطبقها عادة الناس، وليست بالمعرفة الخاصة بالعلماء، وكذلك العمل فالمقصود به العمل بأصول الإسلام التي بها يحكم بالإسلام. قال الشيخ ابن سحمان يرحمه الله: ( … إن الإنسان لا يكفر إلا بالإعراض عن تعلم الأصل الذي يدخل به الإنسان في الإسلام، لا بترك الواجبات والمستحبات)9(10) الدرر السنية 10/ 472..

ويجلي الإمام ابن القيم رحمه الله الإعراض بقوله: (وأما كفر الإعراض فإنه يعرض بسمعه وقلبه عن الرسول صلى الله عليه وسلم، لا يصدقه ولا يكذبه، ولا يواليه، ولا يعاديه، ولا يصغي إلى ما جاء به البتة)10(11) مدارج السالكين … عن التبيان، ص 69..

نعوذ بالله من الصدود والإعراض، وما أعظم زواجر القرآن لمن عقل، والله يقول: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) [طه: 124، 126].

ألا وإن الجزاء من جنس العمل، ومن يزرع الشوك لا يحصد العنب! إخوة الإسلام، ثم يختم الشيخ محمد بن عبد الوهاب يرحمه الله هذه النواقض بتنبيه مهم يقول فيه: (ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف، إلا الكره، وكلها من أعظم ما يكون خطرًا، ومن أكثر ما يكون وقوعًا فينبغي للمسلم أن يحذرها، ويخاف على نفسه فيها)11(12) الدرر السنية 8/ 89، 90..

اللهم احفظ علينا ديننا، وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.

الهوامش

(1) الظلال 6/ 9.

(2) رواه البخاري، ح 6780 الفتح 12. (سليمان العلوان: التبيان: شرح نواقض الإسلام/ 43، 44).

(3) انظر تفسير ابن جرير حول الآية.

(4) الرازي في تفسيره الكبير 16/ 124.

(5) المغني 10/ 113، الإنصاف 10/ 326.

(6) الصارم المسلول/ 524.

(7) الصارم المسلول/ 417 – 524.

(8) رواه مسلم، مختصر المنذري/ 13، ح 20.

(9) قال صاحب النهاية: التهوك: التهور، وهو الوقوع في الأمر بغير روية (5/ 282).

(10) الدرر السنية 10/ 472.

(11) مدارج السالكين … عن التبيان، ص 69.

(12) الدرر السنية 8/ 89، 90.

المصدر

كتاب: “شعاع من المحراب” ، د. سليمان بن حمد العودة (2/38-48).

اقرأ أيضا

نواقض الإسلام (1)

حدود الولاء المكفر .. حفظا للأمة ومنعا للغلو

مصطلحات وتعريفات “الكُفر”

التعليقات غير متاحة