لا يخفى العداء الأمريكي للمسلمين، ولا يمكن إحسان الظن بمشاريع الأمريكيين في المنطقة أو في مواقفهم العدائية. ويجب أن يكون هذا واضحا جليا. ومجرد الاختلاف في إمكان الاستعانة بها هو خلل عقدي وسياسي؛ مدمر للأمة ومحبط للجهاد

الشبهة محل السؤال

ما أثار الشبهة هو هذا السؤال:

حكم الاستعانة بالأمريكيين في حرب تنظيم الدولة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أما بعد:

فلم يعد خافياً على أحد ما تقوم به أمريكا وحلفاؤها من حرب على الاسلام وأهله، المتمسكين بعقيدتهم حيث رمت بثقلها تحت مسمى “الحرب على الارهاب” في استهداف أهل السنة ومدنهم في العراق والشام وأفغانستان واليمن وغيرها، يشاركهم في ذلك حلفاؤها الخونة لدينهم وأوطانهم وشعوبهم.

وبعد أن دُمرت (الموصل) ـ معقل أهل السنة ـ وقُصف أهلها في الليل والنهار بقنابل الفسفور، جاءت الى المدينة الثانية من مدن أهل السنة في الشام وهي (الرِّقة) لتدمرها كما دمرت الموصل؛ فقتلت النساء والأطفال بنفس الحجة “مسمى الحرب على الارهاب”، ودعمت وشكلت قوة من ملاحدة الأكراد للاستيلاء على الرقة وقتل أهلها و تهجيرهم وإحلال الكفر والإلحاد فيها.

وقد عرضت أمريكا في حملتها للاستيلاء على (الرِّقة) على بعض الفصائل المجاهدة في سوريا بان يشاركوها الحرب على تنظيم  الدولة في (الرِّقة) بحيث يكون لهم نصيب فيها بعد سقوطها ولا يستفرد بها الأكراد حسب دعواهم؛ فاختلف المجاهدون في حكم القتال مع الأمريكان لإخراج تنظيم الدولة من الرقة وبعث معهم مستفتي اهل العلم في جواز ذلك من عدمه.

نصيحة وعتاب

من أجل ذلك جاءت هذه الورقات التي هي أقرب إلى النصيحة والعتاب منها الى الفتوى.

إذ كيف يقبل المجاهدون أن تطرح هذه القضية للاستفتاء؟ وهل وصلت الحال من الجهل بحقيقة الإسلام وثوابته وحقيقة أمريكا وحربها الشاملة على الإسلام إلى هذا المستوى؟؟!!

و العجيب أن قاعدة “الحكم على الشيء فرع عن تصوره” قاعدة مشهورة محكمة لا أظن أحداً من أفراد المجاهدين يجهلها فضلا عن قادتهم و شرعييهم، إذ إن ضوابط المعرفة الصحيحة تفرض أن يكون الحكم على الشيء فرع عن تصوره.

فالأصل امتلاك معرفة دقيقة عن الشيء قبل الحكم عليه، وإلا فإن الحكم سيحمل من الخلل على حسب النقص الحاصل في إدراك الشيء على ما هو عليه في الواقع.

ورغم أن هذه القاعدة تعتبر من القواعد المتداولة في الأوساط الإسلامية، إلا أن الواقع المشاهد ينطق بتجاوزها في كثير من الممارسات العملية، ولعل هذا ما شكّل ارتباكاً واضحاً في المواقف المبدئية عند الكثير من الحركات الجهادية والجماعات الاسلامية من جهة، كما كان سبباً حقيقياً  في الحيلولة دون الصياغة الدقيقة للاجراءات العملية عند كثير من العاملين من جهة أخرى.

[اضغط لمعرفة: الولاء والبراء من أبرز صفات الطائفة المنصورة]

معرفة الواقع “تحقيق المناط”

وانطلاقاً من موقع الصراع القائم بين الجماعة المسلمة وأولياء الشيطان تتأكد الضرورة إلى امتلاك معرفة دقيقة بواقع هؤلاء الأعداء، بل يجب أن تصل هذه المعرفة الى حد الاستبانة كما قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ (الانعام :55)، قال النسفي في تفسيره:

ولتستوضح سبيلهم فتعامل كلاً منهم بما يجب أن يعامل به.(1)

وقد ذكر شيخ الاسلام رحمه الله تعالى في فتواه الشهيرة عندما سُئل عن حكم قتال التتار فقال:

 نعم يجب قتال هؤلاء بكتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم واتفاق أئمة المسلمين وهذا مبني على أصلين:

أحدهما: المعرفة بحالهم، والثاني معرفة حكم الله في مثلهم.(2)

ثم أخذ يصف واقع التتار بدقة وتفصيل فلما تمت معرفة حالهم وواقعهم نظر في الشرع ما يماثلهم فوجد أنهم مثل المرتدين الذين امتنعوا من بعض شعائر الاسلام بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، فقاتلهم أبو بكر رضي الله عنه على انهم مرتدون. وبناء على ذلك جاءت فتواه في وجوب قتال النفاق على أنهم أهل ردة وطائفة ممتنعة عن التزام شرائع الإسلام.

تطبيق الأصلين على واقع أمريكا وموقفها من المجاهدين

وعندما أنزل هذين الاصلين على ما يطرح من بعض الفصائل المجاهدة في الشام وسؤالهم عن حكم القتال مع الأمريكان ضد تنظيم الدولة في الرقة فإنه يظهر لنا ما يلي:

تحقيق المناط على واقع أمريكا

واقع أمريكا وما تقوم به من حرب شاملة مدمرة على الاسلام وأهله وما أهدافها وما مصداقيتها في دعاواها؟

إننا لن نجد أي عناء وجهد وبحث في معرفة الحرب الامريكية منذ عقود على الاسلام وأهله في أفغانستان والعراق والشام وغيرها، وما ترتب على ذلك من دمار لم يشهد له التاريخ البشري مثيلاً لبلاد أهل السنة وما صاحب ذلك من حرب أفكار وتشويه لدين الاسلام وتفريغه من مضامينه وعقيدته الثابتة، أضف ذلك الى ما تقوم به من حرب اقتصادية قذرة على المسلمين وجمعياتهم الخيرية لكي تمنع دعم المجاهدين بما أسمته مع حلفائها المنافقين “تجفيف منابع الارهاب”.

ومن آخر مؤامراتهم ما حصل من مؤتمرات الخيانة والضرار في زيارة ترامب للرياض وتواطئه مع عبيده من الطواغيت الصغار في إنشاء مركز لمحاربة الأيدلوجية الإسلامية وتمويل الإرهاب ويقصدون بذلك الجهاد والمجاهدين.

والمقصود أن حال الأمريكان وواقعهم وحقدهم ومكرهم لم يعد خافياً على الرجل العادي من المسلمين فضلاً عن المجاهدين وقياداتهم؛ ولذا كان العتب والاستغراب من الجرأة على طرح مثل هذا الاستفتاء.

وبناء على معرفة هذا الواقع القذر لأمريكا ومكرها وحقدها وحربها العالمية على المسلمين لا نتردد في القول بعدم جواز الدخول معهم في حربهم على تنظيم الدولة أو التعاون معهم بأي شكل من أشكال التعاون؛ فليس لهم منا إلا السيف والبراءة منهم ورد كيدهم وعدوانهم ﴿وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: 21).

شبهة الخلاف في جواز الاستعانة بالكافر لمحاربة أهل البدع والبغاة

وهنا شبهة يطرحها المتميعون أو من يسمون بالمعتدلين، وهي قولهم بأن أهل العلم اختلفوا في جواز الاستعانة بالكافر لمحاربة أهل البدع والبغاة وما دام أن المسألة مختلف فيها، وبما أنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد، فلا ضير على من أخذ بأحد القولين!!!

الجواب على الشبهة

وللجواب على هذه الشبهة الواضحة نقول وبالله التوفيق:

إن توصيف المسألة ليست كما قال المثيرون للشبهة حولها؛ لأنهم نظروا إليها بأنها استعانة بكافر على مسلم باغٍ أو مبتدع لكسر شوكته.

والحالة ليست كذلك وإنما هي عكسها وهي استعانة الكافر المتغلب بالمسلم الضعيف لكسر شوكة مسلم باغٍ أو مبتدع..

والحالتان مختلفتان تماماً، فبينما اختلف أهل العلم في جواز الاستعانة بالكافر على الباغي المسلم، فأجازها بعضهم بشرط أن لا يكون الظهور والقيادة فيها للكافر، والجمهور على عدم جوازها.

أما إذا كان الظهور والقيادة للكافر فلم يجزها أحدٌ من أهل العلم ولا خلاف بينهم فيها.

أما الحالة التي نحن بصددها فتختلف عن سابقتها بل هي عكسها، حيث أن المستعين بالمسلمين هم الأمريكان الكفرة الأقوياء الماكرون؛ حيث طلبوا من المجاهدين أن يقاتلوا معهم تنظيم الدولة بناءً على وعود ماكرة خبيثة.

وهذه الحالة لم يجزها أحد من أهل العلم بل الجميع متفقون على حرمتها، وعدُّوها من مظاهرة الكفار على المسلمين والتي هي ناقض من نواقض الإسلام.

قال ابن حزم:

وأما من حملته الحمية من أهل الثغر من المسلمين فاستعان بالمشركين الحربيين، وأطلق أيديهم على قتل من خالفه من المسلمين أو على أخذ أموالهم أو سبيلهم؛ فإن كانت يده هي الغالبة، وكان الكفار له كأتباع، فهو هالك في غاية الفسوق، ولا يكون بذلك كافراً؛ لأنه لم يأت شيئاً أوجب به عليه كفراً، قرآن أو إجماع، وإن كان حكم الكفار جارياً عليه فهو بذلك كافر على ما ذكرنا.(3)

وقال الشافعي في الأم:

لا يجوز لأهل العدل عندي أن يستعينوا على أهل البغي بأحدٍ من المشركين ذمي ولا حربي ولو كان حكم المسلمين الظاهر، ولا أجعل لمن خالف دين الله الذريعة إلى قتل أهل دين الله.(4)

الموقف من انحرافات تنظيم الدولة

ولا يفهم مما سبق أنه تأييد للانحرافات الثابتة على تنظيم الدولة. وهذه الانحرافات تحتاج للنظر من وجهين:

الأول: ثبوتها بمصادر صحيحة والتأكد من وقوعها منهم، وهذا من باب التثبت المأمور به شرعاً ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ (الحجرات 6)، فكثير من الأخبار المنسوبة لهم ولغيرهم من المجاهدين غير دقيقة ومصادرها أعداء الإسلام والمسلمين.

والثاني: الموازنة بين مفسدتين:

إحداهما: أفعالهم الثابتة. والثانية: إجرام الطغاة الأمريكيين وحلفائهم.

والنظر الشرعي الصحيح يقتضي فهم المآلات ومعرفة المستفيد من الموقف منهم.

ولهذا فهم برغم أخطائهم الكبيرة يقفون حجر عثرة أمام المشروع الإجرامي الغربي وهذا أظهر من أن يحتاج لإثبات، وهو في الوقت نفسه ليس تأييداً وموافقة لهم على أعمالهم غير شرعية.

[طالع أيضا: مهزلة الضربة الأمريكية لبعض المواقع السورية وانخداع البعض بذلك]

للتحالف مع الكفار صورتان وحالتان

نخلص مما سبق أن للتحالف مع الكفار صورتان وحالتان:

الأولى: التحالف مع الكفار بحيث تكون القيادة والراية والظهور لهم

مثل أن ينضم المسلم إلى الكفار، ينصرهم ويظاهرهم ويعينهم على المسلمين، ولو كانوا أهل بدعة.

والحال الثانية: أن تكون القيادة للمسلمين والراية الظاهرة لهم

وهذه أجازها بعض العلماء بشروط؛ وذلك بأن يكون التحالف أو التناصر بين مسلمين وكفار، ويُستعان بالكفار على قتال المسلمين تحت راية أهل الإسلام؛ بحيث يصير الكفار تابعين لأهل الإسلام، مؤتمرين بأمرهم، وهذه غير واقعة اليوم لعدم وجود شوكة للمسلمين وظهور.

فهاتان الحالتان لكل منهما حكمه الخاص به.

والذي يهمنا هنا هي الحالة الأولى؛ لأنها هي التي ينطبق عليها الواقعة اليوم، والتي تورط فيها بعض الدول المحسوبة على الإسلام، وهي التي يَسأل عنها بعض الفصائل المجاهدة، وهي: الانضمام تحت لواء الكفار، لحرب المسلمين سنةً أو مبتدعة وكسر شوكتهم.

فهذا من أعظم صور الموالاة وأخطرها على الإطلاق، وهو خيانة عظمى لله ولرسوله والمؤمنين، وهو كفر يخرج من الملة والعياذ بالله، كما هو الحاصل اليوم من تحالف (60) دولة تحت قيادة أمريكا ومن بين هذه الدول (بلاد الحرمين)!! بحجة الحرب على الإرهاب وهي حرب لإبادة أهل السنة في العراق والشام والتمكين للحشد الشعبي الرافضي في العراق أو للأكراد الملاحدة في الشام.

[للمزيد: حكم موالاة الكفار إذا كانت المظاهرة من أجل الدنيا]

الأدلة على أن مظاهرة الكفار على المسلمين ناقض من نواقض الإسلام

والأدلة على أن مظاهرة الكفار على المسلمين ناقض من نواقض الإسلام كثيرة منها:

قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (المائدة: 53).

حيث بين الله تعالى أن من فعل ذلك فهو منهم، أي من أهل دينهم وملتهم، فله حكمهم.

قال الإمام الطبري في تفسيره لهذه الآية:

إن الله تعالى ذكره نهى المؤمنين جميعاً أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصاراً وحلفاء على أهل الإيمان بالله ورسوله، وأخبر أنه من اتخذهم نصيراً وحليفاً وولياً من دون الله ورسوله والمؤمنين؛ فإنه منهم في التحزُّب على الله ورسوله والمؤمنين، وأن الله ورسوله منه بريئان…(5)

ثم قال:

«يعني تعالى ذكره بقوله: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ ومن يتول اليهود والنصارى من دون المؤمنين فإنه منهم، ويقول: فإن من تولاهم ونصرهم على المؤمنين، فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متولٍّ أحداً إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راضٍ، وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه، وصار حكمُه حكمَه…(6)

وقال ابن حزم:

وصحَّ أن قول الله تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ (المائدة: 51) إنما هو على ظاهره بأنه كافرٌ من جملة الكفار فقط ـ وهذا حقٌ لا يختلف فيه اثنان من المسلمين.(7)

وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب:

اعلم أن نواقض الإسلام عشرة نواقض…

ثم ذكرها، ومنها مظاهرة المشركين على المسلمين، حيث قال:

الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ (المائدة: 51).(8)

وقال الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ:

التولي: كفر يُخرج من الملة، وهو كالذبِّ عنهم، وإعانتهم بالمال، والبدن، والرأي.(9)

ويقول الشيخ عبد العزيز بن باز:

وقد أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم عليهم بأي نوع من المساعدة، فهو كافر مثلهم، كما قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ ]المائدة: 51[، وقال تعالى: ﴿ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَتَّخِذوا آباءَكُم وَإِخوانَكُم أَولِياءَ إِنِ استَحَبُّوا الكُفرَ عَلَى الإيمانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِنكُم فَأُولـئِكَ هُمُ الظّالِمونَ﴾.(التوبة: 23).(10)

وقد أصدرت لجنة الفتوى في الأزهر فتوى شهيرة في حكم الأحلاف العسكرية مع غير المسلمين، جاء فيها:

ولا ريب أن مظاهرة الأعداء وموالاتهم يستوي فيها إمدادهم بما يقوي جانبهم ويثبت أقدامهم بالرأي والفكرة، وبالسلاح والقوة سراً وعلانية، مباشرة وغير مباشرة، وكل ذلك مما يحرم على المسلم مهما تخيل من أعذار ومبررات.

ومن ذلك يعلم أن هذه الأحلاف ـ التي تدعو إليها الدول الاستعمارية، وتعمل جاهدة لعقدها بين الدول الإسلامية؛ ابتغاء الفتنة، وتفريق الكلمة، والتمكين لها في البلاد الإسلامية، والمضي في تنفيذ سياستها حيال شعوبها ـ لا يجوز لأي دولة إسلامية أن تستجيب لها وتشترك فيها؛ لما في ذلك من الخطر العظيم على البلاد الإسلامية…

وهي في الوقت نفسه من أقوى مظاهر الموالاة المنهي عنها شرعاً، والتي قال الله تعالى فيها: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ (المائدة: 51).

وقد أشار القرآن الكريم إلى أن موالاة الأعداء، إنما تنشأ عن مرضٍ في القلوب يدفع أصحابها إلى هذه الذلة التي تظهر بموالاة الأعداء، فقال تعالى: ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّـهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾ (المائدة: 52).(11)

فنصت الفتوى على علاقة هذه التحالفات وارتباطها الوثيق بالموالاة والمظاهرة المحرمة.

حقيقة التوصيف الشرعي للواقعة المذكورة

مظاهرة للمشركين وليست استعانة بهم على أمثالهم.

هذا هو توصيف القضية الواقعة اليوم وحكم الشريعة فيها فهي حالة من مظاهرة الكفار المتمكنين لإبادة مسلمين سواء كانوا سنة أو مبتدعة، وهي بهذا الوصف ناقض من نواقض الإسلام.

ولا يصح توصيف المسألة باعتبارها استعانة بالكفار على قتال أمثالهم؛ والتي فيها خلاف مشهور بين أهل العلم، ليس هذا محل استعراضه، فهذه غير تلك؛ ومن ثم لا يصح استصحاب الخلاف السائغ في الاستعانة بالكفار على أمثالهم بضوابط معروفة عند المجيزين ـ لا يصح استصحاب هذا الخلاف إلى هذه المسألة التي نحن بصدد الحديث عنها، والتي تختلف تماماً؛ حالاً ومآلاً.

إن من يشارك الأمريكان في حربهم للإسلام والسنة في العراق والشام لهو أشد عداوة للمسلمين من أعدائهم الكفرة، سواءً كانوا دولاً أو طوائف أو أفرادا، فهؤلاء هم المنافقون الأخطر على الأمة وهم الذين تستخدمهم أمريكا لوأد الجهاد وتدمير أهله، ولا تستطيع أمريكا تحقيق أهدافها ونشر قواتها بدونهم ولو فعلت لهُزمت، ولكنها تستخدمهم كوكلاء عنها في حربها على الإسلام.

نسأل الله عز وجل أن يبصرنا في ديننا وأن يهدينا لما اختُلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم.

كما نسأله سبحانه أن يشفي صدورنا بنصرة دينه وإعلاء كلمته، وهزيمة الكافرين ومن والاهم وتحالف معهم لقتال المسلمين.

كما نسأله سبحانه أن يرد كيدهم في نحورهم وأن يخالف بين كلمتهم ويمزق تحالفهم، وأن يؤلف بين قلوب المجاهدين ويوحد صفوفهم، وأن يجنبهم كيد الكائدين ومكر الماكرين، إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالميـن.

……………………………………..

هوامش:

  1. تفسير النسفي/ صـ325.
  2. مجموع الفتاوى 28/ 510.
  3. المحلى، 11/ 200.
  4. الأم، 4/ 232.
  5. تفسير الطبري، 8/ 507.
  6. تفسير الطبري، 8/ 507.
  7. المحلى، 12/ 33.
  8. مجموعة التوحيد، 1/ 38.
  9. الدرر السنية، 7/ 201.
  10. مجموع فتاوى ابن باز، 1/ 274.
  11. مجلة الأزهر، مجلد 27، صـ682.

اقرأ أيضا:

  1.  لا أخوة بين المسلمين والكافرين، والدين الحق هو الاسلام
  2. خسارة الأمة نتيجة غياب الهوية الاسلامية
  3.  القدس ونهاية القرن الأمريكي

التعليقات غير متاحة