ثبوت ولاء المسلم لله ورسوله وللمسلمين أحد أركان التوحيد، ولا يتم له إسلام إلا بهذا. وولاء الكافرين جريمة لها صورها، والمعاملة الحسنة ليست ولاء ولا تناقضه، والأحكام تنضبط بالمناطات الشرعية.

السؤال

ورد سؤال ما هي حدود الموالاة التي يكفر صاحبها وتخرجه من الملة، حيث نسمع أن من أكل مع المشرك أو جلس معه أو استضاء بنوره ولو برى لهم قلما أو قدم لهم محبرة فهو مشرك، وكثيرا ما نتعامل مع اليهود والنصارى نتيجة التواجد والمواطنة في مكان واحد، فما هي حدود الموالاة المخرجة من الملة؟ وهل الموالاة من شروط لا إله إلا الله؟

الجواب

الولاء أحد أركان توحيد العبادة، فهو جزء من أصل الدين الذي لا يكون المسلم مسلما إلا بتحقيقه، فالمسلم لا بد أن يكون له ولاء ثابت لله ورسوله والمؤمنين، وألا ينقض هذا الولاء بالتخلي عن ولاية الإسلام أو تقديم غيرها عليها أو بولاء الكافرين.

“ولذلك نجد أن كلمة التوحيد “لا إله إلا الله” تثبت ولاء وبراءً، نفياً وإثباتاً، ولاءً لله ودينه، وكتابه وسنة نبيه، وعباده الصالحين، وبراءً من كل طاغوت عبد دون الله، ﴿فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى﴾.

ومن هنا قال العلماء: أن الولاء والبراء ـ الولاء لله، والبراء من الكافرين ـ من لوازم لا إله إلا الله، حيث إنه لما كان أصل الموالاة الحب، وأصل المعاداة البغض، وينشأ عنهما من أعمال القلوب والجوارح ما يدخل في حقيقة الموالاة والمعاداة كالنصرة والمعاونة؛ كان الولاء والبراء من لوازم لا إله إلا الله”. (1)

التعريف الشرعي الاصطلاحي لمصطلح الولاء

الشأن الأعظم وأول المطالب والعلم النافع معرفة المعنى الاصطلاحي لولاء الكافرين، والذي نهى الله تعالى عنه، وكفّر فاعله، ووصفه بالنفاق، وجعله ممن والاهم، وقطع صلته بالله تعالى من كل وجه، ونفى عنه الإيمان، ووعده بالهزيمة والخذلان والندم على ما فعل.. إلى غير ذلك من الأحكام.

مع وجوب التفريق بينه وبين المعنى العرفي أو اللغوي الذي قد يُذم فاعله لارتكابه ما حرم الله تعالى، لكنه لا يكفر بذلك.

و تعريف الولاء اصطلاحا أو شرعا يتمثل في الصور التي ذكرها القرآن العظيم وسماها “ولاءً” وربط بها أحكام ولاء الكافرين.. فما لم يسمّه القرآن ولاء فليس بولاء، وإن سُمي ولاء في اللغة أو العرف.

فولاء الكافرين دائمًا كفر، وكل ما جعل اللهُ تكييفه الشرعي من الأقوال والأفعال أنه “ولاء كافرين” فهو كفر، إلا أن يقيّده بوصفٍ كما في قصة حاطب فيكون “شعبة” من شعب الولاء، وليس الولاء المطلق؛ فيخرج عن كونه كفرًا إلى كونه “ذنبًا” أو “خلافًا للأَوْلى” مثل شعب النفاق وفروع الكفر من المعاصي، ولم يرد في القرآن ذلك إلا في موضع واحد هو المذكور في سورة الممتحنة على تفسير ﴿تُـلقُـونَ﴾ بأنها حال من الفاعل أو صفة من المفعول وليست للاستئناف.

أما ما عدا ذلك من المعاني التي تصح أن تدخل في مسمي الولاء اللغوي أو المقيد فيسميها القرآن “ركونا” أو “طاعةً” أو “وليجة” أو “بطانـة” ويحتف بها من القرائن ما يخرجها عن “الولاء المطلق” لفظًا ومعنى.

مناطات نقض الولاء اصطلاحا وصور تحقق ولاية الكافرين

الولاء المطلق، ولاء الكافرين، الذي سماه القرآن ولاء، وكفّر به من فعله، ينحصر في صور محددة تُعرف بالاستقراء..

وهذه المناطات هي تفصيل لما أُجمل في قوله تعالى : ﴿لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ﴾، فهذه الآية في الولاء المطلق وبالاستقراء نجد أنه يتمثل في صور ذكرها القرآن الكريم:

مظاهرة المشركين

وهذا الناقض محل إجماع، وقد ذكره الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب في نواقض الإسلام العشرة فقال:

الناقض الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.

[للمزيد: أعظم نواقض الإسلام عشرة]

ترجيح ولاء القبيلة على ولاء العقيدة أو عدْله به

فهو حال تأرجُح بين ولاية العقيدة وما تقتضيه، وولاية القبيلة التي دفعهم ارتباطهم بها إلى مظاهرتهم حال الشرك ومعاونتهم ضد المسلمين، بينما تقتضي العقيدة حسم الولاء والانتماء والنصرة والمظاهرة للإسلام وأهله، ثم يوضع الوطن والقبيلة والقوم، كلٌ في محله الذي وضعه الله تعالى فيه.

تكثير سواد الطاعنين في دين الله ترويجًا لباطلهم ابتغاءً للعزة عندهم

وهو مناط يقع عندما يكون هناك مجالس واجتماعات للطعن في الدين والاستهزاء به، فيشارك فيها ـ بلا إكراه ـ بعضُ من قد لا يعتقد صحة ما يقولون، لكن هناك اعتبارات أخرى، من الرغبة في التزلف إلى هذه القوى، فيكثّر سواد “عدد” هؤلاء المجتمعين لتصبح مجالسهم مغشية فاشية ذكرها، فينتشر ما يتكلمون به من الطعن ويبلغ الآفاق.

وهذا التكثير لهؤلاء الطاعنين، ليس بالضرورة اعتقادا لصحة ما يقولون، بل نصّت الآية أن ما دفعهم لهذا الموقف هو الرغبة في أن تكون لهم يدٌ عندهم ووجاهة في حال ظهورهم خوفا من انكسار الإسلام في أي لحظة، ولهذا قال ﴿أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ﴾.

وقد كانت المجالس التي غشاها من نزلت فيهم الآيات هي مجالس كعب بن الأشرف اليهودي، كان يطعن فيها في رسول الله صلى الله عليه وسلم والإسلام والصحابة ويشبب بنساء الصحابة، ويؤلب على المسلمين سائر العرب.

الدخول طوعًا تحت ولاية الكافرين

أي من أدخل نفسه بطوعه تحت ولاية الكافرين، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ  لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ وهي تكليف وليست خبرًا.

وهذه الحال أشد من حال المظاهرة، فهي نوع منها لكنه أبلغ وأشد هبوطا، ذلك أن أصحابه يدخلون تحت راية غير المسلمين، يسالمون بسلمهم ويحاربون بحربهم، وبدلا من أن يكونوا كتيبة من كتائب الإسلام يصبحون كتيبة للعدو، ليس في موقف بعينه كالمظاهرة، ولكنه التزام لهذه الراية والوقوع تحتها برضا، بحيث تنسحق قوة المسلمين تحت أي راية أخرى.

وقد وُجد في عصرنا ما يُخشى كثيرا منه؛ بالوقوف التام تحت راية “الخط الدولي” أو “حلف معين” يلتزم بصراعاته وعداءاته ولو ضد طائفة من المسلمين، وهي رايات يروّج لها أن تبدو كتحالف دولٍ متوازنة، وفي حقيقتها هي سيطرة صليبية وصهيونية تقود هذه التحالفات، وتستتبع تحتها من كيانات المسلمين من يخرق هذه الأصول العقدية الكبار.

انعدام الولاء للمؤمنين والكفار

بتذبذب ولائه مع تذبذب مصالحه وأهوائه ﴿اتخذ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾، “تعس عبد الدرهم والقطيفة والخميصة”.

يبيع المؤمنين للكفار بأدنى ثمن ويبيع الكفار للمؤمنين بأدنى ثمن.

وذلك في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا * إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾.

وذلك أن المؤمن لا بد أن يكون له ولاء ثابت للمسلمين، فإذا انعدم الولاء من العبد لله ورسوله والمسلمين فهو لم يحقق حقيقة الإسلام.

وانعدام الولاء هو حالة “الجاسوس المحترف”.

[للمزيد: كيف أخرج رسول الله للناس خير أمة؟ (1-3) تحديد الهوية ومنع الالتباس]

التآمر مع الكفار على المؤمنين لإلحاق الضرر بهم

وللتفريق بينهم والتربص بهم..

وهو سلوك المنافقين في المدينة في تآمرهم مع اليهود، ومع أبي عامر الفاسق النصراني، ومع قريش وغيرها من قبائل العرب. والقرآن ملئ به في سورة براءة، والمجادلة، والحشر، والمنافقون، وغير ذلك من السور، يقول ابن كثير: «مالؤوهم وناصحوهم في الباطن على الباطل».

ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ﴾.

والضابط في هذا المناط هو “وضوح قصد الإضرار بالمسلمين مع عدم ثبوت الولاء لهم”.

التولي بغير ولاية الإسلام

وذلك في قوله تعالى: ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (الأنعام: 14)، وقوله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (الأنعام: 153).

ويتحقق هذا باستبدال الروابط البديلة وتقديمها على رابطة الإسلام، فيكون هذا من معاني اتخاذ الوليّ من دون الله.

فمن قدّم رابطة “القومية” أو “الوطنية” على الاسلام، وساوى بين الكفار والمؤمنين، وجعل الملاحدة والمؤمنين سياقا واحدا، وعادى بها المسلمين وفرّق بينهم..

فذلك التقديم لهذه الروابط هو اتخاذ للولي من دون الله ورفض لولاء الاسلام واتخاذ أنداد من نعرات الجنس وتخوم الأرض بديلا عن هذا الدين.

وهذا المناط يستلزم “التفرق المطلق” عن سبيل الله.

[للمزيد: حكم الدعوة للقومية العربية ونحوها]

التفرق المطلق والقتال على دعاوى الجاهلية

وهو مناط ملازم لمناط التولي بغير ولاية الإسلام.

وقد حذر تعالى الأنصار من الوقوع فيه

يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾.

الى قوله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا..﴾.

الى قوله ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾.

وجاءت الآيات عقب إثارة يهودي لثارات قبل الإسلام بين الأوس والخزرج.

والتحذير هنا هو أن تُترك ولاية الإسلام إلى ولاية ودعاوى ما قبل الإسلام؛ فيتولى الأوْسي في الأوسية والخزرجي في الخزرجية، بينما هذه الروابط هي روابط طبيعية بشرط تأخرها عن ولاء الإسلام، وهي محمودة ومقررة ما دامت خادمة للهوية الإسلامية، ومذمومة في حال الفخر، وأشد ذما في حال التعصب، ومكفرة في حال أن تكون بديلا عن رابطة الإسلام.

وهذه الصورة لا تقع في الواقع إلا ملازِمة للصورة السابقة؛ فإذا تولت كل طائفة بولاء غير ولاء الإسلام وقدّمته عليه، فإن كلا منها ستتولى برابطة غير رابطة الأخرى، فترجع كل قبيلة أو عرق أو قومية إلى ما يخصها دون الرجوع إلى العقيدة الواحدة الجامعة، ولا تضع إطارها الخاص في مكانه الصحيح المعتبر في العقيدة، فيحدث التفرق المطلق عن سبيل الله، بحيث يخلو السبيل ممن يقوم عليه كيان بسُنة وعدلٍ أو ببدعة وجور.

وهذه هي خطورة التولي بغير ولاية الإسلام، لأنها تلغي وجود الأمة السياسي وما يستتبعه ذلك من آثار سلبية..

وهذا هو مطمع أعداء الله تعالى من هذه الأمة.

وموقف المسلم الفرد من هذا هو البراءة من استبدال رايته تعالى: «فمن كره فقد بريء، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع». (2)

وهذا المناط مختلف عن مناط مطلق التفرق، والذي يشمل جميع الخصومات أو التنازع الذي قد يحدث بين المسلمين فرادى أو جماعات، وهو يدخل في نطاق المعاصي المحرمة.

التشبه المطلق بالكفار

لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»، ومعناه أنه لا يفعل الأمر إلا لو فعله الكفار تشبّها تاما بهم.

يقـول ابن تيمية:

وهذا الحديث أقل أحواله: أنه يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾.

وهو نظير ما سنذكره عن عبد الله بن عمرو أنه قـال: «من بنى بأرض المشركين، وصنع نَيْرُوزهم ومَهْرجانهم، وتَشَبَّه بهم حتى يموت، حُشر معهم يوم القيامة»، فقد يحمل هذا على التشبه المطلق، فإنه يوجب الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك.

وقد يُحمل على أنه صار منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه. فإن كان كفرًا أو معصية، أو شعارًا للكفر أو للمعصية، كان حكمه كذلك.

وبكل حال: فهو يقتضي تحريم التشبه بهم بعلة كونه تشبهًا. (3) أهـ.

[للمزيد: تحريم التشبه بالكفار وموالاتهم]

مناطات محرمة دون الكفر

وهي الأفعال والأقوال التي تكون محرمة أو تكون رقة في الدين أو تكون مباحة.

فما دون المناطات السالفة من “اتخاذ الوليجة” بالإبقاء على علاقات لا تتعارض مع أصل الانتماء للإسلام.. فهو محرم لكنه دون الكفر.

و”اتخاذ البطانة” بصداقات مقربة يُطلعه بها على أسراره، والاختلاط بالكفار دون حاجة، والسفر الى بلاد الكفر دون حاجة شرعية أو مصلحة دينية، وما الى ذلك..

هذه من المناطات التي شدد فيها أهل العلم، وهي محرمة لكن لا يكفر بها المرء، وقد أطلق بعض العلماء عليها أنها “ولاء على الدنيا” يقصدون بها أنها في إطار العلاقات الشخصية وليس ولاء على راية غير راية الإسلام.

وقد أساء البعض فهم هذا المصطلح حتى فرّغوا جريمة ولاء الكافرين من حقيقتها ومناطها.

وأما المعاملة للتجارة والمعاملات الشخصية فلا حرج فيها.

فمجمل هذه المناطات هي ما بين التحريم، أو الرقة في الدين، أو خلاف الأوْلى، أو الإباحة.

وأما المعاملة الحسنة وتحقيق العدل وإيفاء الحقوق لأهلها وحفظ حقوق غير المسلمين من الأموال والأعراض فهذا مشروع.

تعلق أحكام الولاء بالمناط لا بالمشاعر القلبية

فأحكام الولاء تتعلق بالمناط لا بالمشاعر القلبية غير المنضبطة، والمشاعر القلبية لا بد أن تتحقق في مناط مما ذكره الله

لا يقيد الولاء كذلك بالمشاعر القلبية، فالمشاعر القلبية تضيق وتتسع، وليس أي نوع أو قدر من المحبة تكون مكفرة؛ فقد قال تعالى: ﴿هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ﴾ وكان هذا مما عابه تعالى وليس مما كفّر به، ولم يسمه تعالى ولاء.

كما أن الحب يختلف ويضطرب، ويضيق ويتسع، بل ويتوهم وجوده، أو انتفاؤه، كما توهم عمر عدم حبه لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، أكثر من نفسه فلما خوطب بتعلق الإيمان بذلك وجده في نفسه.

وكما يتوهم المؤمن أن محبة الدنيا والأهل غالبة على محبته لله، فإذا سُب الله تعالى أو اعتُدي على دينه غضب وانتصر له ولو كلفه حياته وأهله وماله، فعلم أن محبته لله أعظم لكنه يتوهم عدم هذا القدر أحيانا.

فلا ترتبط الأحكام بالمشاعر أو توهّمها، بل بأعمال ظاهرة منضبطة مرتبطة بمقاصد تظهر بقرائنها الحالية والمقالية، وهي التي تترجم عن المشاعر وتضبطها وتبين حقيقتها.

………………………………….

هوامش:

  1. مقال “الولاء والبراء” لعلي مقبول الأهدل.
  2. رواه مسلم.
  3. اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، صـ 270-271.

المصدر:

  • البلاغ المبين، الشيخ عبد المجيد الشاذلي، صـ 286-287، 1059-1062، 1220.
  • وصية لقمان ص60-66 الشيخ الشاذلي، بإضافات يسيرة جدا للتوضيح.
  • الولاء الإسلامي والهوية.. بناء الأمة أو ضياعها ص160-170.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة