مفاتيح التعامل مع القرآن، لا بدّ من الوقوف عليها ومعرفتها، واستخدامها في استخراج كنوز القرآن المذخورة فيه .. لقد حرصنا أن نضع هذه المفاتيح بين يدى أهل القرآن وجنوده وحملته، ليتعرفوا عليها، ويقفوا عليها، ويستخدموها في صلتهم بالقرآن، وتعاملهم معه، وأخذهم عنه، واستخراجهم لكنوزه ..

في الحلقة الأولى [من مفاتيح التعامل مع القرآن (1)] من هذه السلسلة تحدثنا عن بعض المفاتيح التي تساعد على فهم القرآن وتدبره، ونكمل ما بدأناه بمشيئة الله وتوفيقه.

المحافظة على جو النص القرآني

قارئ القرآن قد يشغل نفسه بشواغل أثناء التلاوة، تخايل له فتحجب عنه أنوار القرآن، وقد يسرح في ذهنه، ويجول خياله في الآفاق .. وقد سبق أن تحدثنا عن هذا في آداب تلاوة القرآن.

ولكن الذي نبينه هنا أن يبقى القارئ في «جو» النص القرآني، وأن يحضر معه كل أجهزة وأدوات التلقي والاستجابة والتأثر والانفعال في كيانه الإنساني، للتفاعل مع القرآن وتأخذ عنه .. على القارئ أن «يحافظ» على الجو القرآني المبارك، وأن يحرص على إبقائه وإثرائه وزيادته كلما أقبل على التلاوة، وأن يزداد من كل هذا كلما تكررت التلاوة وعاود النظر في كتاب الله ..

وهو في أثناء قراءته للآيات قد تستوقفه مجموعة منها، وتدعوه إلى أن يتوسع في تدبرها واستخراج ما فيها، ولا مانع أن يطيل هذه الوقفة، وأن يلبي تلك الدعوة!! لكن بشرط أن لا يخرج عن جو النص القرآني الكريم، وأن يبقى خواطره ومشاعره، وأفكاره وتصوراته، ونظراته واهتماماته، يبقيها مع الآيات وظلالها وإيحاءها .. فإذا ما سوغت له نفسه الخروج من هذا إلى اهتمامات أخرى فلا يستجب لها، وإذا ما زينت له أفكاره التعريج على مباحث وقضايا وجوانب واستطرادات لا ارتباط بينها وبين الآيات، ولا يتوقف فهم الآيات وتدبرها عليها، فلا يقبل ذلك ولا يقبل عليه، وليقصر نفسه وفكره على العودة إلى جو النص القرآني، وليكن يقظا ومنتبها لهذا أثناء التلاوة ..

إن البقاء في جو النص القرآني، والمحافظة عليه، هو مفتاح لا بدّ منه لفتح كنوز القرآن، وحسن التعامل معه والتلقي عنه والاستجابة له .. ولا أدرى كيف يجيز قارئ أو كاتب أو ناظر في القرآن لنفسه وفكره أن يخرج من صحبة القرآن الحبيب، ويغادر ظلاله وأنواره وأفياءه، وجوه وعطره وحكمته، إلى تحقيقات واستطرادات وشواغل ومشكلات أتى بها البشر وأشغلوا أنفسهم- والناس معهم- بها ..

اليقظة والتفاعل مع النص القرآني مفتاح لخير كثير

إن النص القرآني يطلق شحنات كامنة من معانيه، ويفيض فيوضات دافقة من أنواره، ولكنها لا يقتنصها ويدركها ويتعرض لها إلّا من كان يقظا لها، متفاعلا معها، حاضرا بكل كيانه لحظتها.

ليحاول القارئ- من باب التمثيل لهذا المفتاح- أن يتلو بكل كيانه هذه النصوص، وأن يعيش في جوها وأن يحافظ على ذلك، ثم لينظر الرصيد الضخم الذى أضافه إلى حياته في ظلال القرآن، والكنز الثمين الذى خرج به من هذه القاعدة، والثمار اليانعة التي جناها من هذه الصحبة الواعية ..

ــ ليعش طويلا مع قوله تعالى: (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) [النساء: 123 – 124]، والنقير هو النقرة في ظهر نواة التمر، وهذه هي أخوف آية في كتاب الله!!

ــ وليعش طويلا مع قوله تعالى: (قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) [الأنعام: 71].

ــ ومع قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفي بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 111].

ــ ومع قوله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ) [الزمر: 36 – 37].

استبعاد المطولات التي قد تحجب نور القرآن

وهذا متمم للسابق ومكمل له، فإن من لوازم المحافظة على جو النص القرآني، أن لا يلتفت إلى المطولات التي قد تخرجه من هذا الجو، وتحجب عنه أنوار القرآن وموحياته وتوجيهاته .. إن هذه المباحث الكثيرة في كتب التفسير وضعها السادة المفسرون من أجل «تثقيف» القارئ للتفسير، وتزويده بأكبر قدر من هذه الثقافة، هم فعلوا هذا بمقصد نبيل ونية حسنة، وهم مأجورون عند الله إن شاء الله، ولقد استفاد القراء من كثير منها وأضافوا إضافات إلى رصيدهم الثقافي التفسيري .. ولا مانع أن يقبل على هذه المطولات والمباحث والمشكلات والقضايا بعض المتخصصين في التفسير، بين الحين والآخر في فترات متباعدة .. لكن أن يعود إليها دارسو التفسير جمعيا، وقارئو القرآن، وأن تكون هذه المطولات المختلفة هي الهدف من الدراسة والقراءة، والغرض من النظر في القرآن، والثمرة التي تجنى من الحياة معه، فهذا حاجز يحجزهم عن القرآن، وحاجب يحجب عنهم نوره وهداه ..

لن يضير قارئ القرآن ودارسه شيئا لو لم يطلع على هذه المطولات أصلا، ولم يفته شيء من هدى القرآن وكنوزه لو لم يعرف عنها شيئا، ولن ينقص علمه بالقرآن لو لم يتعامل معها مطلقا. إننا نكاد نطالب قارئ القرآن أولا أن يقتصر عليه، ونطلب منه أن يستبعد المباحث والاستطرادات التي ذهب إليها دارسو القرآن ومفسروه من السابقين.

مطولات ومباحث قد تحجب نور القرآن وموحياته وتوجيهاته

منها النحوية المتعلقة باختلافات النحويين في وجوه إعراب الكلمات القرآنية، ونقاشاتهم وترجيحاتهم ..

ومنها البلاغية المتعلقة بالكلمة القرآنية ومعانيها واشتقاقاتها والخلافات والترجيحات فيها .. ومنها الفقهية المتعلقة باختلافات الفقهاء في الأحكام الفقهية المستنبطة من النص وردودهم وأدلتهم وتوجيهاتهم .. ومنها الأثرية المتعلقة بنزول الآيات وأسبابها وزمانها ومكانها والأقوال المأثورة المتعارضة عن السابقين في تفسيرها .. ومنها القصصية المتعلقة بقصص القرآن وحديثه عن السابقين، والخلافات في تحديد القصة أو زمانها أو أبطالها وتفصيلاتها وأحداثها ومجرياتها .. إلى غير ذلك من الأساطير والإسرائيليات والخرافات.

ــ إذا قرأ قارئ قوله تعالى: (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [البقرة: 30 – 31]، فليبق في جو هذه الآيات التي تعرض قصة آدم، ليتلقى إيحاءاتها .. ولا يخرج إلى مباحث مطولة واستطرادات مرفوضة قام بها بعض السابقين، تشغل هذا القارئ عن معايشة النصوص، وتحجب عنه أنواره: لا يهتم بالاختلاف في اشتقاق كلمة «الملائكة» والنقاش بين الآراء المختلفة فيه، ولا يذهب إلى تيه التأويلات الافتراضية حول كيفية قول الله لملائكته، وجوابهم عليه، ومعرفتهم أو توقعهم الإفساد وسفك الدماء من نسل هذا الخليفة وأدلتهم على ذلك، وتفاصيل ما جرى بعد ذلك بين آدم وإبليس، ومكان الجنة التي جرت فيها هذه القصة .. ولا يستطرد إلى الحديث عن العلم وشروطه وألوانه وفضله .. وغير ذلك.

ــ إذا قرأ القارئ قصة ابني آدم في سورة المائدة [27 – 32] فلا يقع تحت تأثير الاستطراد والتفصيل والخبط بلا دليل، الذى أتى به سابقون من المفسرين، في افتراض تفصيلات للقصة لا تقوم على أصل، ولم يرد بها نص موثوق.

ــ إذا قرأ الآيات التي تعرض أحكام الصيام في البقرة [183 – 187] أو تلك التي تقرر أحكام القتل وأنواعه وكفارته في النساء [92 – 93] أو التي تتحدث عن الذبائح والتسمية عليها في الأنعام [118 – 121] أو التي تتحدث عن حد الزنا والقذف واللعان في سورة النور [1 – 10]، إذا قرأ هذه الآيات وغيرها من آيات الأحكام، فليبق عند جو النص القرآني لا يغادره إلى استطرادات الفقهاء حولها. ولا يحول نظره في الآيات وتدبره فيها إلى موسوعة فقهية مذهبية، وإلى معركة جدلية بين الآراء والأقوال المتعارضة .. وليترك هذه للمتخصصين من الفقهاء في الدراسات الفقهية، وليحقق هو في نفسه ومن حوله أغراض القرآن، التي ليس من بينها قطعا الاستطراد والتوسع والتفصيل والتطويل.

تنزيه القرآن عن الإسرائيليات وعدم تبيين المبهمات

حديث القرآن الكريم عن السابقين وإيراده لقصصهم وأخبارهم، لم يكن يتبع المنهج التفصيلي التحليلي، فلم يتوسع في الحديث عن زمان أو مكان أو أبطال أو تفصيلات القصة، ولم يتحدث عن كل حادثة أو جزئية أو فرعية فيها، ولم يستطرد إلى تكميلات وتحليلات وتفصيلات في أحداثها وحركات أبطالها وخلفيات مشاهدها .. لم يفعل القرآن شيئا من هذا لأنه لم يستهدف من قصصه هذه التفصيلات والتحليلات، إنما هدف إلى عرض الحقائق وتقرير القيم والتصورات، واستخلاص العبر والدروس، والتوجيه إلى الدلالات، والانتفاع بما فيها من توجيهات .. وهذا متحقق في المقدار الذى عرضه القرآن، بالكيفية التي عرضه بها ..

وكان الأولى بالناظرين في القرآن والدارسين له- الذين اتجهوا إلى الإسرائيليات والأساطير- أن يقفوا عند العرض القرآني لقصص السابقين وأن يستفيدوا من منهجه وطريقته في النظر فيها وتحليلها، وأن يقبلوا على استخلاص التوجيهات والدروس فيها، وأن لا يجاوزوا القرآن إلى مصادر بشرية عاجزة جاهلة، يطلبون منها تفصيل ما أجمل القرآن، أو تبيين ما أبهم فيه، أو الحديث عما أغفل!!.

وليتهم طلبوا هذا من مصادر موثوقة قد تعطيهم علما ويقينا في هذا، ولكنهم طلبوا هذا من مصادر محرفة كاذبة، واستفتوا أناسا كافرين ظالمين محرفين لدينهم .. اتجهوا إلى بنى إسرائيل يسألونهم عن ذلك، وأقبلوا على الإسرائيليات، يزيدون منها علمهم وثقافتهم، ويملئون منها تفاسيرهم وأبحاثهم ودراساتهم، ويحددون بهذا الهراء والادعاء نصوص القرآن، ويفسرون بهذه الأساطير آيات القرآن، ويبينون بهذه الخرافات مبهمات القرآن، ويتقولون بهذا على السابقين ما لم يقولوه، وينسبون لهم ما لم يفعلوه ..

من توجيهات القرآن…ولا تقف ما ليس لك به علم

ونسى هؤلاء توجيهات القرآن في عدم البحث فيما لا دليل عليه، كأحداث الماضين التي هي من أنباء الغيب، وأن لا يسأل فيها من لا علم عنده، وأن لا يقفو المسلم ما ليس له به علم، ولا يتبع ما لا دليل عليه، لأنه يسأل عنه يوم القيامة (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا) [الإسراء: 36]، ونسوا نهي القرآن المباشر للمسلمين أن يأخذوا في قصص السابقين عن أهل الكتاب، وأن لا يستفتوهم في شيء منها، وذلك قوله- أثناء الحديث عن عدد أصحاب الكهف- (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً) [الكهف: 22]، ونسوا نفي القرآن الصريح العلم عن البشر في كثير من أحداث التاريخ الماضية، وتقريره عن حلقات في ذلك التاريخ لا يعلمها أحد من البشر وإنما يعلمها الله، وذلك في قوله تعالى: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ) [إبراهيم: 9]، ونسوا دعوة القرآن إلى التثبت في أنباء الفاسقين، فكيف في أنباء الكافرين الكاذبين (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) [الحجرات: 6].

الإسرائيليات والخرافات والأساطير تحجب كثيرا من أنوار القرآن الكريم

وعلى هدي هذا المفتاح في التعامل مع القرآن، وبخاصة حديثه عن قصص السابقين، فإننا ندعو قارئ القرآن أن يتجاوز كل الإسرائيليات والخرافات والأساطير التي وردت عنها، والتي ملأ بها مفسرون ودارسون كتاباتهم، فحجبوا بذلك كثيرا من أنوار القرآن في أكوام من ذلك الركام.

لا بدّ للقارئ أن ينزه القرآن عن الإسرائيليات كلها، وأن لا يجاوز نصوص القرآن وما صح من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام في ذلك، وأن لا يقبل أي قول آخر بعد ذلك مهما كان قائله، إذا لم يبين دليله الذي استدل به ومصدره الذي أخذ عنه ..

إذا فعل القارئ ذلك فكم سيسقط ويلغي صفحات من تفاسير سابقة؟ ويلغي كتبا وحكايات أسطورية؟ ويكون في منأى ومأمن عن أن يخبط في تيه الخرافات، لأنه مهتد بأنوار القرآن ..

لا أجد ما يدعوني إلى التمثيل بنماذج للإسرائيليات في قصص القرآن، لأنها ما تركت منها واحدة، وأي قارئ في التفاسير السابقة سيقف على ركام ثقيل منها. سيجد هذا إذا قرأ عن بقرة بني إسرائيل في سورة البقرة، وعن ولادة عيسى عليه السلام في سورة آل عمران، وعن رفعه في سورة النساء، وعن مائدة النصارى في سورة المائدة، وعن إبراهيم عليه السلام مع قومه في سورة الأنعام، وعن موسى عليه السلام مع فرعون ومع بني إسرائيل في سورة الأعراف .. وغير ذلك.

الموقف الصحيح من مبهمات القرآن الكريم

ومما هو مرتبط بهذه القاعدة موقف القارئ من مبهمات القرآن، وهي ما أبهمه القرآن من أسماء الأشخاص والأماكن في قصص السابقين.

وهي التي يستحيل علينا أن نبينها، وأن نحدد تلك الأسماء لأننا لم نشهدها، ولأن الروايات عن أهل الكتاب فيها مطعون فيها، ومردودة علميا، لتطرق التحريف والكذب إليها وغلبته عليها.

موقف القارئ منها أن ينظر في القرآن، فإذا وجد ما أبهم في موضع مبينا في موطن آخر أخذه، فإن لم يجده مبينا في القرآن، توجه إلى ما صح من حديث رسول الله عليه السلام، فإذا بين هناك أخذه .. ولا يجوز أن يبحث في غير هذين المصدرين اليقينيين، فليتركه بعد ذلك على إبهامه، وليسعه ما وسع رسول الله عليه الصلاة والسلام وأصحابه في موقفهم منه ..

فإن لم يفعل ذلك قال على الله بدون علم، واتبع من ليس عنده علم.

وأشغل نفسه في ما لا خير فيه، وخرج عن جو النص القرآني، وأقبل على موانع وحجب تحجب عنه نور القرآن .. وخالف في ذلك كله هدى رسول الله عليه السلام وأصحابه الكرام في الصلة بالقرآن، واستبعد هذه المفاتيح الضرورية للتعامل مع القرآن ..

من المبهمات التي لا يجوز أن يبحث عن بيانها: الشجرة التي أكل منها آدم عليه السلام، وخشب سفينة نوح عليه السلام، وأسماء وأصناف طيور إبراهيم عليه السلام، ونوع عصا موسى عليه السلام، وأسماء أهل الكهف وكلبهم، والثمن الذي بيع به يوسف عليه السلام، واسم الحاكم الذي حاجّ إبراهيم في ربه، واسم الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، واسم الذي عنده علم من الكتاب عند سليمان عليه السلام .. وغير ذلك.

المصدر

“مفاتيح للتعامل مع القرآن”، د صلاح عبد الفتاح الخالدي: ص87-97.

اقرأ أيضا

من مفاتيح التعامل مع القرآن (1)

أمور تعين على تدبر القرآن وتفهمه

تأمل .. كيف انبهروا بالقرآن !

التعليقات غير متاحة