الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن وينطق فيها الرويبضة قالوا وما الرويبضة يا رسول الله قال: التافه يتكلم في أمر العامة)1(1) رواه أصحاب السنن وأحمد في المسند،  وحسنه أحمد شاكر والألباني.. وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: (كيف بكم إذا لبستكم فتن يربو فيها الصغير ويهرم فيها الكبير يتخذها الناس سنة فإذا غيرت قالوا غيرت السنة قيل يا أبا عبدالرحمن ومتى ذلك؟ قال: إذا كثر جهالكم وقلت علماؤكم وفقهاؤكم وكثرت قراؤكم وكثُرت أمراؤُكم وقلَّت أمناؤُكم، والتُمِست الدُّنيا بعملِ الآخرةِ، وتُفُقِّه لغيرِ الدِّينِ)2(2) أخرجه الدارمي والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين..

من مظاهر السنوات الخداعات لبس الحق بالباطل

إن فتن لبس الحق بالباطل وتسمية الأشياء بغير اسمها لمن أشد الفتن في هذه السنوات الخداعات وأول من بدأها وسنها إمام الملبسين إبليس حينما لبس على أبينا آدم عليه السلام وأقسم له بأنه من الناصحين له في إغرائه له بالأكل من الشجرة التي نهى الله عز وجل آدم وزوجه من الاقتراب والأكل منها حيث سماها له إبليس بغير اسمها فقال له: (هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ) (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ) (فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ).

وهذه السياسة الإبليسية هي التي يستخدمها اليوم أعداء الإسلام من كفار ومنافقين وسماعين لهم في الصد عن سبيل الله وإظهار الحق في صورة باطل والباطل في صورة الحق واستخدموا في ذلك كل ما يستطيعون من وسائل إعلامهم المسموع والمكتوب والمرئي فضلوا وأضلوا . ولا ينجوا من هذا التلبيس إلا من جعل الكتاب والسنة مصدر هدايته واتباعه فإنهما نور يفرق بهما العبد بين الحق والباطل . ومن أشهر الطوائف التي تبنت هذه السياسة الإبليسية طوائف اليهود والنصارى الذين حذرنا الله عز وجل في كتابه من كيدهم وتلبيسهم وتحريفهم فقال سبحانه عنهم: ( وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:78) وقال عنهم: (مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ) (النساء:46)، ونهاهم عن ذلك بقوله: (وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة:42) وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن أن هذا التلبيس وتسمية الأشياء بغير اسمها، سيقع في هذه الأمة فحذرنا منه ومن أهله فقال صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما يكفأ الإسلام كما يكفأ الإناء كفء الخمر، قيل: وكيف يا رسول الله وقد بين الله فيها ما بين. قال: يسمونها بغير اسمها يستحلونها)3(3) (صححه الوادعي في الصحيح المسند 1574) وأصل هذا الحديث جاء في المسند والنسائي وابي داود وغيرهم.  .

وفي هذا الحديث بين الرسول صلى الله عليه وسلم بأن أول شيء يقلب معناه في الإسلام الخمر كما يقلب الإناء ويكفأ. وفي الحديث إشارة إلى أن قلب الأمور وتسميتها بغير اسمها ليس مقتصراً على الخمر، وإنما الخمر أول ما يقلب معناها وتسمى بغير اسمها، وأن التلاعب في المصطلحات والتلبيس على الناس بها لمن أخطر ما ظهر في زماننا الذي يتميز بالكيد والمكر الكبار وخداع الناس بوسائل لم تكن ظاهرة فيمن قبلنا فأصبحنا نسمع مصطلحات مزخرفة يذم فيها الحق ويحسن فيها الباطل حتى انطلى هذا التزيين المقلوب على كثير من الناس بل بلغ دخانه إلى بعض المنتسبين للعلم والدعوة فأصبحوا سماعين لهؤلاء المتلاعبين غفلة منهم عما تحمله هذه المصطلحات والمسميات من كيد وخطر على الدين وأهله .

خطورة التلاعب بالمصطلاحات وضرورة التمسك بالمصطلحات الشرعية القرآنية

يقول الشيخ الإبراهيمي رحمه الله تعالى عن هذا التلاعب: (إن ظلم الكلمات بتغيير دلالتها كظلم الأحياء بتشويه خلقتهم كلاهما منكر وكلاهما قبيح، وإن هذا النوع من الظلم يزيد على القبح بأنه تزوير للحقيقة وتغليط للتاريخ وتظليل للسامعين، و يا ويلنا حين نغتر بهذه الأسماء الخاطئة، ويا ويح تاريخنا إذا بني على هذه (المقدمات الكاذبة) (عيون البصائر) والمصطلحات من أشد العناصر الثقافية فتكا في ثقافات الشعوب ومع أن المصطلح لا يتجاوز كلمة أو كلمتين إلا أن هذه الكلمة بكثرة استعمالها وتكرارها قادرة على أن تفرغ العقول والقلوب وتملأها، ولها مفعول السحر الذي يستعصى فهمه على المنطق وقوانين العقل…والمصطلح باختصار هو (حبة) أو (جرعة) سحرية، يتناولها فرد أو جماعة؛ فتحول اتجاه تفكيره أو تفكيرهم من جهة إلى جهة إن لم تفقده التفكير أصلاً)4(4) (انظر مجلة البيان العدد 9)..

ويتحدث الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى عن خطورة هذا التلاعب فيقول: (وأما الاشتباه في المعنى فيكون له وجهان: هو حق من أحدهما، باطل من الآخر فيوهم إرادة الوجه الصحيح ويكون مراده الباطل فأصل ضلال بني آدم من الألفاظ المجملة والمعاني المشتبهة ولا سيما إذا صادفت أذهانا مخبطة فكيف إذا انضاف إلى ذلك هوى وتعصب فسل مثبت القلوب أن يثبت قلبك على دينه وألا يوقعك في هذه الظلمات)5(5) (الصواعق المرسلة 3/927)..

ويؤكد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى على ضرورة التمسك بالمصطلحات الشرعية القرآنية والحذر من المصطلحات الحادثة فيقول: (والتعبير عن حقائق الإيمان بعبارات القرآن، أولى من التعبير عنها بغيرها؛ فإن ألفاظ القرآن يجب الإيمان بها، وهي تنزيل من حكيم حميد. والأمة متفقة عليها … والألفاظ المحدثة فيها إجمال واشتباه ونزاع. ثمّ قد يُجعل اللفظ حجة بمجرده، وليس هو قول الرسول الصادق المصدوق)6(6) (النبوات ص:333)..

فتنة التلبيس وتسمية الأشياء بغير اسمها

إن تحريف الكلم عن مواضعه لمن أشد أنواع التلبيس والتضليل وقد برز اليهود في هذا المكر والتحريف عن غيرهم من الأمم حيث حرفوا ألفاظ التوراة والإنجيل وحرفوا معانيها واتبعهم في ذلك الذين في قلوبهم زيغ ولكن لأن الله عز وجل قد تكفل بحفظ كتابه العزيز من تحريف ألفاظه وحال بين ذلك وبين من كل من هم بذلك فإن أحدا من هذه الأمة أو من غيرها لم ولن يستطع تحريف ألفاظه فلما أعجزهم ذلك توجهوا إلى تحريف معانيه وتأويلها وليها ليلبسوا على الناس دينهم ويحرفوا معاني الألفاظ عن الفهم الشرعي الصحيح لها وقد برز هذا التلبيس بعد الخلافة الراشدة وبزوغ أهل البدع والضلالات وترجمة كتب فلاسفة اليونان والإغريق والهنود والفرس فانتشرت البدع ومقالات أهل الفلسفة والمنطق والكلام واستمر هذا طيلة التاريخ الإسلامي حتى جاء زنادقة زماننا من الباطنيين والمنافقين العلمانيين واللبراليين ومن هو سماع لهم من ضعاف الإيمان فبرزت هذه الفتنة أعني فتنة التلبيس وتسمية الأشياء بغير اسمها وظهرت في صور كثيرة وخطيرة ساعدهم في نشرها وظهورها وسائل الإعلام المتنوعة التي لم يبق بيت وبر ولا مدر ولا جيب رجل ولا امرأة إلا دخلته فعظمت بذلك الفتنة واشتد لهيبها فاحتاج الناس إلى من يتصدى لها ويبين عوارها ويطفئ نارها وهذا دور أهل العلم والبيان والدعوة والجهاد في هذه الأمة.

أمثلة لبعض الخدع الشيطانية في تسمية الأمور بغير مسمياتها

ومشاركة في نصح الأمة وبيان خطر هذه الفتنة وتحذير الناس منها أذكر هنا أمثلة لبعض الأمور والمفاهيم التي يريد المتبعون للشبهات والشهوات أن يحرفوها عن فهمها الصحيح ويسموها بغير مسمياتها الشرعية فيميلوا بالناس ميلا عظيما.

وأول ما أبدأ به من هذه الصور ما كتبه الشاطبي رحمه الله في كتابه النفيس (الاعتصام) عن أهل زمانه وما رموه به من الأسماء المحرفة والتهم الباطلة وذلك بتسمية ما كان عليه رحمه الله تعالى من اتباع السنة والحق بأسماء باطلة يتلاعبون بها ويحرفون معانيها حيث يسمون الحق باطلا والباطل حقا قال رحمه الله تعالى: (وأن الدين قد كمل، والسعادة الكبرى فيما وضع ، والطلبة فيما شرع ، وما سوى ذلك فضلال وبهتان وإفك وخسران ، وأن العاقد عليهما بكلتا يديه مستمسك بالعروة الوثقى محصل لكلمتي الخير دنيا وأخرى ، وما سواهما فأحلام وخيالات وأوهام …فمن هنالك قويت نفسي على المشي في طريقه بمقدار ما يسر الله فيه..

ووجدت نفسي غريبا في جمهور أهل الوقت، لكون خططهم قد غلبت عليها العوائد ، ودخلت على سننها الأصلية شوائب من المحدثات الزوائد…فتردد النظر بين أن أتبع السنة على شرط مخالفة ما اعتاد الناس ; فلا بد من حصول نحو مما حصل لمخالفي العوائد ، ولا سيما إذا ادعى أهلها أن ما هم عليه هو السنة لا سواها ، إلا أن في ذلك العبء الثقيل ما فيه من الأجر الجزيل ، وبين أن أتبعهم على شرط مخالفة السنة والسلف الصالح ، فأدخل تحت ترجمة الضلال عائذا بالله من ذلك ، إلا أني أوافق المعتاد ، وأعد من المؤالفين لا من المخالفين، فرأيت أن الهلاك في اتباع السنة هو النجاة ، وأن الناس لن يغنوا عني من الله شيئا ، فأخذت في ذلك على حكم التدريج في بعض الأمور ، فقامت علي القيامة ، وتواترت علي الملامة ، وفوق إلي العتاب سهامه ، ونسبت إلى البدعة والضلالة ، وأنزلت منزلة أهل الغباوة والجهالة …..وربما ألموا – في تقبيح ما وجهت إليه وجهتي – بما تشمئز منه القلوب ، أو خرجوا بالنسبة إلى بعض الفرق الخارجة عن السنة شهادة ستكتب ويسألون عنها يوم القيامة .

فتارة نسبت إلى القول بأن الدعاء لا ينفع ولا فائدة فيه – كما يعزى إلى بعض الناس – بسبب أني لم ألتزم الدعاء بهيئة الاجتماع في أدبار الصلاة حالة الإمامة، وسيأتي ما في ذلك من المخالفة للسنة وللسلف الصالح والعلماء .

وتارة نسبت إلى الرفض وبغض الصحابة – رضي الله عنهم -، بسبب أني لم ألتزم ذكر الخلفاء الراشدين منهم في الخطبة على الخصوص ، إذ لم يكن ذلك من شأن السلف في خطبهم ، ولا ذكره أحد من العلماء المعتبرين في أجزاء الخطب . وقد سئل (أصبغ) عن دعاء الخطيب للخلفاء المتقدمين ؟ فقال: هو بدعة ولا ينبغي العمل به ، وأحسنه أن يدعو للمسلمين عامة .

قيل له: فدعاؤه للغزاة والمرابطين؟ قال: ما أرى به بأسا عند الحاجة إليه ، وأما أن يكون شيئا يصمد له في خطبته دائما ، فإني أكره ذلك .

ونص أيضا عز الدين بن عبد السلام: على أن الدعاء للخلفاء في الخطبة بدعة غير محبوبة .

وتارة أضيف إلي القول بجواز القيام على الأئمة ، وما أضافوه إلا من عدم ذكري لهم في الخطبة ، وذكرهم فيه محدث لم يكن عليه من تقدم .

وتارة أحمل علي التزام الحرج والتنطع في الدين ، وإنما حملهم على ذلك أني التزمت – في التكليف والفتيا – الحمل على مشهور المذهب الملتزم لا أتعداه ، وهم يتعدونه ويفتون بما يسهل على السائل ويوافق هواه ، وإن كان شاذا في المذهب الملتزم أو في غيره ، وأئمة أهل العلم على خلاف ذلك ، وللمسألة بسط في كتاب (الموافقات) .

وتارة نسبت إلى معاداة أولياء الله تعالى، وسبب ذلك أني عاديت بعض الفقراء المبتدعين المخالفين للسنة المنتصبين – بزعمهم – لهداية الخلق ، وتكلمت للجمهور على جملة من أحوال هؤلاء الذين نسبوا أنفسهم إلى الصوفية ولم يتشبهوا بهم .

وتارة نسبت إلى مخالفة السنة والجماعة ، بناء منهم على أن الجماعة التي أمر باتباعها – وهي الناجية – ما عليه العموم ، ولم يعلموا أن الجماعة ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان . وسيأتي بيان ذلك بحول الله .

وكذبوا علي في جميع ذلك ، أو وهموا ، والحمد لله على كل حال)7(7) (الاعتصام:1- 25 وما بعدها)..

وبعد هذا النقل عن الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى الذي تضمن صورا من التهم الباطلة التي يلبسها أهل البدع لبوسا شرعيا ويوجهونها إلى أئمة السلف لتنفير الناس عنهم. أسوق فيما يأتي بعضا من الصور المعاصرة التي يتلاعب فيها كفرة زماننا ومنافقوهم بالمصطلحات والمسميات ويسمون الأمور بغير اسمها تارة لتقبيح الحسن وتارة لتحسين القبيح والباطل . وهي على سبيل المثال لا الحصر.

أولا: صور تقبيح الحسن وتشويه الحق

الصورة الأولى: تسمية الدعاة الصادعين بالحق والمجاهدين الذين يقاتلون الغزاة الكفرة بأنهم إرهابيون وخوارج ومتطرفون غلاة.

الصورة الثانية: إظهار الجهاد مع الطوائف المرتدة بأنه إرهاب أو حروب طائفية أو أهلية إذا كانت في بلد واحد ويلحق بذلك الرد على المبتدعة المخالفة لمنهج السلف وبيان باطلهم بأنه يتعارض مع اللحمة الوطنية والأخوة الوطنية التي يعقدون عليها الولاء والبراء وليس على عقيدة التوحيد والموالاة والمعاداة فيها.

الصورة الثالثة: تسمية من ينصر عقيدة الولاء والبراء ولا يرى شرعية الأنظمة التي تحكم بغير ما أنزل الله ويتحدث عن شعيرة الجهاد للغزاة والمحتلين بأنهم خوارج وغلاة.

الصورة الرابعة: تسمية الإسلام والعقيدة والأخلاق بأنها التراث الثقافي.

الصورة الخامسة: تسمية الأحكام والحدود الشرعية بالعادات والتقاليد.

الصورة السادسة: تسمية جهاد المحتلين ومقاومتهم بالإرهاب.

الصورة السابعة: تسمية عداوة الكفار وكراهتهم بأنها سياسة الإقصاء وكره الآخر.

الصورة الثامنة: تسمية المداراة بالمداهنة والموالاة، يُرمى بعض الدعاة أو المجاهدون الذين يدارون أعداءهم لكف شرهم بأنهم مداهنون. وهذه في العادة تحصل بين المجاهدين والدعاة انفسهم

الصورة التاسعة: تسمية الدعاة والمجاهدين بالأصوليين.

الصورة العاشرة: تسمية المتمسك بأحكام الشريعة بالمتشدد والمتزمت.

الصورة الحادية عشر: تسمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والوقوف في وجه المفسد بالفتنة وزعزعة الأمن والاستقرار والتدخل في شؤون الغير.

الصورة الثانية عشر: تسمية المسلمين الوافدين بالأجانب لأنهم ليسوا مواطنين.

ثانيا: صور تحسين القبيح

الصورة الأولى: تسمية الطواغيت الذين يشرعون من دون الله ويتولون الكفار ويظاهرونهم على المسلمين والموظفين من قبل أعداء هذا الدين بأنهم ولاة أمور المسلمين كل في بلده لهم حقوق ولي الأمر الواردة في الكتاب والسنة.

الصورة الثانية: تسمية المفسدين أنفسهم بالمصلحين وتسمية المصلحين بالمفسدين والسفهاء (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون).

الصورة الثالثة: تسمية الوهن في عقيدة الولاء والبراء ومداهنة الكفار بالتسامح و التقارب بين الأديان أو التقارب بين السنة والشيعة وتسمية البراءة منهم وعداوتهم فرقة و طائفية وكراهية.

الصورة الرابعة: اظهار النفاق والمداهنة في صورة مداراة وحكمة ومحبة للسلام والإخاء والعقل المعيشي. فيوالى بهذا التلبيس وتسمية الأمور بغير اسمها أعداء الله وتهدم عقيدة الولاء والبراء القائمة على البراءة من الشرك وأهله ومعاداتهم وموالاة التوحيد وأهله ونصرتهم. ومن ذلك تخفيف مسمى (المنافقين) واستبداله بالعلمانيين والعصرانيين والليبراليين.

الصورة الخامسة: تسمية القرارات الكفرية التي يصدرها مجلس الأمن الكفري وتقر احتلال الكفار لبلدان المسلمين بالشرعية الدولية.

الصورة السادسة: تسمية الفساق الخائنين لأماناتهم العالمين بأمور الدنيا أو الكفار الصادين عن سبيل الله تعالى بالعقلاء والظرفاء والحكماء وهذا يذكرنا بالحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر حدثنا ( أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة وحدثنا عن رفعها فقال ( ينام الرجال النوم فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر الوكت ثم ينام النومة فتقبض فيبقى أثرها مثل المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرا وليس فيه شيء فيصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة فيقال إن في بني فلان رجلا أمينا ويقال للرجل  ما أعقله وما أظرفه وما أجلده وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان… الحديث ) متفق عليه.

الصورة السابعة: تسمية التحلل من الأحكام الشرعية أو تبديلها بأنها ضرورة أو للتيسير على الناس ورفع المشقة أو أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال مع أنها لا تنطبق عليها شروط الأخذ بهذه القواعد الشرعية.

الصورة الثامنة: تصحيح ديانة اليهود والنصارى بمصطلح الإبراهيمية التي يساوى به الأديان المحرفة بالإسلام.

الصورة التاسعة: تسمية التفلت من قيود الدين وحدوده بالحرية والتحرر وما علموا أن الحرية هي العبودية لله تعالى والتخلص من ربقة العبودية للأهواء والأشخاص.

الصورة العاشرة: تسمية القعود عن الدعوة ونصرة دين الله والتنازل عن محكمات الدين بأنها الحكمة والمصلحة واجتناب الفتن

الصورة الحادية عشر: إظهار التبديل في أصول الدين وقواعده الشرعية القائمة بأنها تجديد للخطاب الديني الذي تراعى فيه تغيرات العصر وأحواله.

الصورة الثانية عشر: تسمية الاستسلام والخنوع وإقرار الكفار على بلدان المسلمين بالسلام.

الصورة الثالثة عشر: تسمية الاحتلال لبلدان المسلمين من قبل الكفار بالاستعمار.

الصورة الرابعة عشر: تسمية النصارى بالمسيحيين واليهود بالإسرائيليين والمسيح بريء من النصارى المبدلين وإسرائيل بريء من اليهود المبدلين.

الصورة الخامسة عشر: العدول عن مسميات القرآن لمن لم يدخل في الإسلام بأنهم كفرة ومشركون إلى تسميات حادثة يراد منها التهوين من الكفر والتقارب والود مع الكافرين فيعدلون عن تسميتهم بالكافرين إلى كونهم غير مسلمين أو بالآخرين ومع وضوح بطلان هذا التلبيس إلا أنا نجد من المسلمين من يردد مثل هذه المصطلحات بسبب تكرار طرحها.

الصورة السادسة عشر: تسمية نشر الإلحاد والسخرية من الدين بحرية الرأي والفكر.

الصورة السابعة عشر: تسمية أسباب غزو بلاد المسلمين واحتلالها بأنها نشر للحرية والديمقراطية وحماية حقوق الإنسان كما تدعيه طاغية العصر أمريكا في غزوها للعراق وأفغانستان

الصورة الثامنة عشر: التحلل من أحكام الشريعة وتسميته باسم حقوق الإنسان أو حقوق المرأة.

الصورة التاسعة عشر: تسمية النفاق والكذب بالدبلوماسية والوعي السياسي.

الصورة العشرون: تسمية المكوس والمظالم المالية بالضرائب والجمارك.

الصورة الحادية والعشرون: تسمية من يعمل الفاحشة الشنيعة عمل قوم لوط بالمثليين والعدول عن التسمية الشرعية بإنهم أهل فاحشة اللواط والشذوذ ويطالبون بأن تراعى حقوقهم ويكون لهم تمثيل وألا يقسى عليهم في العقوبة والتشنيع.

الصورة الثانية والعشرون: تسمية المتساهل في أحكام الشريعة بالمعتدل والمتبع للوسطية والمرونة.

الصورة الثالثة والعشرون: تسمية المجتمعات العلمانية بالمجتمعات المدنية.

الصورة الرابعة والعشرون: تسمية المتصدين من النساء والرجال لتغريب المرأة ودعوتها للتمرد على أحكام الشريعة بالنسوية وتسمية النساء منهن بالخصوص بالناشطات في حقوق المرأة.

الصورة الخامسة والعشرون: تسمية التراجع والتنازل عن المبادئ الصحيحة بالمراجعة والمحاسبة.

الصورة السادسة والعشرون: تسمية التنصير والمنصرين بالتبشير والمبشرين.

الصورة السابعة والعشرون: تسمية التملق والتذلل والنفاق بالسياسة والفن في العلاقات العامة ومحبة السلام والتسامح

الصورة الثامنة والعشرون: تسمية المؤسسات الإفسادية التي تنشر الفجور والرقص والغنا والخلاعة بأنها مؤسسات ترفيه وترويح.

الصورة التاسعة والعشرون: تسمية السجين بالنزيل أو الموقف وتسمية السجون بأماكن الحماية المجتمعية.

الصورة الثلاثون: تسمية الرويبضة التافه بألقاب التعظيم كفخامة الرئيس وسمو الامير ومعالي الوزير وسعادة المستشار ورئيس التحرير وصاحب القلم السيال والكاتب المبدع والمفكر المعاصر .. الخ.

الصورة الحادية والثلاثون: تسمية الخمر بغير اسمها كتسميتها بمشروب روحي أو الكحول كما جاء في الحديث آنف الذكر وتسمية السكران بالشارب.

الصورة الثانية والثلاثون: تسمية الربا بغير اسمه لجذب الناس إليه فيسمونه بالفائدة والحساب الجاري حتى تخف شناعته وحرمته في قلوب الناس ويتكالبوا عليه ولاسيما عند المقترض للحاجة والعوز. وتسمية التأمين المحرم القائم على الغرر والجهالة بالتكافل الاجتماعي.

الصورة الثالثة والثلاثون: تسمية الغش بفن التعامل التجاري وبراعة التسويق والشطارة.

الصورة الرابعة والثلاثون: تسمية السفور والاختلاط بالتحضر والتمدن والتطور.

الصورة الخامسة والثلاثون: تسمية المشهورين من الساقطين والساقطات من أهل الفن والرياضة بالنجوم.

الصورة السادسة والثلاثون: تسمية المومسات العاهرات الزواني بأسماء للتخفيف من شناعة الزنا كتسميتهن ببنات الليل أو بائعات الهوى أو العشيقات.

الصورة السابعة والثلاثون: تسمية الرشوة بالهدية والأتعاب.

الصورة الثامنة والثلاثون: تسمية الزانية والعاهرة بالصديقة والخوية.

الصورة التاسعة والثلاثون: تسمية الغيبة والتعيير بالنصيحة وتحذير الناس من الشر.

الصورة الأربعون: تسمية التصوير والتماثيل المحرمة بالفن التشكيلي والتجريدي.

الصورة الحادية والأربعون: تسمية تغيير خلق الله بالتجميل.

سبل الاعتصام والنجاة من فتنة السنوات الخداعات

وفي ختام هذا المقال أود التذكير ببعض الأسباب التي ينبغي الأخذ بها للتحصن بإذن الله تعالى من هذه المسميات والتلبيسات أعاذنا الله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ومن أهمها:

أولا: سؤال الله عز وجل والتضرع بين يديه في أوقات الإجابة الهداية للحق والاستعاذة به من فتن الشبهات والشهوات كما جاء في الدعاء المأثور الذي رواه مسلم في صحيحه (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) ومثل الدعاء الآخر (اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا ووفقنا اجتنابه ولا تجعله ملتبسا علينا فنظل).

ثانيا: الاعتصام بالكتاب والسنة والعض عليهما بالنواجذ وألا نحيد عما تضمناه من المصطلحات الشرعية والوقوف عند معانيها بفهم الصحابة رضي الله عنهما والتابعين لهم بإحسان.

ثالثا: الحذر من المصادر المعرضة عن الكتاب والسنة لما فيها من الشبهات والتلبيسات والمغالطات ككتب الفلاسفة وأهل الكلام وكتب المنافقين المعاصرين من لبراليين وعلمانيين وعصرانيين والحذر من مجالستهم والدخول إلى مواقعهم.

رابعا: مجالسة أهل العلم الصادقين المتبعين للأثر المعظمين للكتاب والسنة بفهم الصحابة رضي الله عنهم والقراءة في كتبهم

خامسا: بيان الحق والمصطلحات الشرعية للناس بدأ من الأهل والأولاد والأقارب وبيان الباطل وتلبيساته،وتحصينهم من كل ذلك .  الأب في بيته والخطيب في منبره والمعلم في مدرسته والمربي في محضنه . أسأل الله عزوجل أن يتوفانا على الايمان والسنة وأن يستعملنا في طاعته ونصرة دينه وجهاد أعدائه.

الهوامش

(1) رواه أصحاب السنن وأحمد في المسند،  وحسنه أحمد شاكر والألباني.

(2) أخرجه الدارمي والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين.

(3) (صححه الوادعي في الصحيح المسند 1574) وأصل هذا الحديث جاء في المسند والنسائي وابي داود وغيرهم.

(4) (انظر مجلة البيان العدد 9).

(5) (الصواعق المرسلة 3/927).

(6) (النبوات ص:333).

(7) (الاعتصام:1- 25 وما بعدها).

اقرأ أيضا

تخدير المسلمين من اللهو والمعاصي

أهم مظاهر البُعد عن الاستقامة .. المجادلة عن المبدلين لشرع الله

حُماة الفضيلة .. وحِلف الرذيلة (3-3) الانتكاس وخطة المجرمين

 

التعليقات غير متاحة