إن أحوال المسلمين اليوم شديدة الخطورة، ودور العلماء أن يُستضاء بهم، فعليهم واجب هداية الناس بالبيان، وأن يتقدموا في رفض الظلم، وإقامة الدين.

مقدمة

إن الناظر اليوم في أكثر بلدان المسلمين وأحوالهم ليحزنه ما ظهر في هذا الزمان من نبذ لشريعة الله عز وجل وتحاكم إلى القوانين الوضعية التي تقنن الظلم وتهدر قيمة الإنسان، وتحطم القيم والأخلاق وتجعل الناس مستعبدين لحفنة من شياطين الإنس الذين كرهوا ما أنزل الله تعالى فظلموا وبغوا في الأرض بغير الحق، وكثرت من جراء ذلك المظالم بين الناس؛ حيث لا رادع من دين ولا سلطان، وبغى الناس بعضهم على بعض وامتلأت المحاكم ودور القضاء من خصومات الناس ومظالمهم. ولم يقف هذا الداء العضال عند عامة المسلمين وسلاطينهم فحسب، بل تعداهم إلى بعض أهل الخير والدعوة فيهم، فظهرت صور من البغي والظلم بين بعض الدعاة والصّلاّح، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

تعريف الظلم وحقيقته وما ورد في ذمه من بعض الآيات والأحاديث والآثار.

تعريف الظلم وحقيقته

(الظلم عند أهل اللغة وكثير من العلماء: وضع الشيء في غير موضعه المختص به إما بنقصان أو بزيادة وإما بعدول عن وقته أو مكانه، ومن هذا يقال:

ظلمت السقاءَ، إذا تناولته في غير وقته ويسمى ذلك اللبن ظليماً. وظلمت الأرض: حفرتها ولم تكن موضعاً للحفر، وتلك الأرض يقال لها: المظلومة، والتراب الذي يخرج منها ظليم)1(1) المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، ص: 513. .

وفي القاموس المحيط: (الظلم بالضم: وضع الشيء في غير موضعه)2(2) القاموس المحيط: ص 1464. .

وفي ضوء هذه التعريفات يتبين لنا أن كل ذنب عُصي الله به سواء كان ذلك الذنب شركاً بالله عز وجل أو دون ذلك من سائر المعاصي ومظالم العباد، داخل في مسمى الظلم؛ لأنه وضع للشيء في غير موضعه الذي يرضاه الله عز وجل مع التفريق بين ظلم أكبر وظلم دون ظلم.

من هو الظالم والمظلوم؟

والظلم مصدر ظَلَمَ، والذي يفهم من لفظ الظلم وجود ظالم صدر منه الظلم، ومظلوم وقع عليه الظلم، فمن هو الظالم ومن هو المظلوم في ضوء الكتاب والسنة؟

إنه هذا الإنسان المسكين؛ فهو الظالم والمظلوم؛ حيث ظلم نفسه وأوبقها، وظلم عباد الله عز وجل فأساء إليهم وأساء إلى نفسه وظلمها بما يعرضها له من العقوبات في الدنيا والآخرة. قال الله عز وجل: ﴿وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُوا أََنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [البقرة: 57] وقال سبحانه: ﴿سَاءَ مَثَلاً القَوْمُ الَذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ﴾ [الأعراف: 177] وقال تعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [يونس: 44] .

ذم الظلم والنهي عنه في القرآن الكريم

والآيات الواردة في ذم الظلم وأهله كثيرة جداً ومتنوعة، ويمكن تقسيمها إلى المجموعات الآتية:

1- ما ورد في وصف الشرك والكفر بالظلم والمشركين والكافرين بالظالمين ومنها قوله تعالى: ﴿يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13] وقوله تعالى: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ . [البقرة: 254]

2- ما ورد في ذكر خيبة الظالمين ومقت الله لهم وعدم هدايتهم وتوفيقهم يقول تعالى: ﴿إنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ [الأنعام: 21] ﴿فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [المؤمنون: 41] .

3- ما ورد في ذكر إهلاك الله تعالى للظالمين في الدنيا وما أعده لهم من النكال والعذاب في الآخرة. يقول تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود: 102] وقوله تعالى: ﴿وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ [سبأ: 42] .

4- ما ورد في وصف ما دون الشرك من المعاصي بالظلم سواء ما كان منها بين العبد وربه أو ما كان ظلماً للعباد ومنها قوله تعالى: ﴿وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ [الطلاق: 1] وقوله تعالى: ﴿إنَّ الَذِينَ يَاًكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْماً إنَّمَا يَاًكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً﴾ [النساء: 10].

5- ما ورد في تنزيه الله تعالى نفسه عن الظلم، وأمره سبحانه بالعدل، ومحبته للمقسطين يقول تعالى: ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ﴾ [غافر: 31] ، وقوله تعالى ﴿وَأَقْسِطُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ﴾ [الحجرات: 9] .

ذم الظلم وعاقبة الظالمين في السنة النبوية

أما الأحاديث الواردة في ذم الظلم وسوء عاقبة الظالمين فكثيرة جداً أقتصر منها هنا على بعض الأحاديث التي وردت في ذم الظلم وسوء عاقبة الظالمين بعامة. ويلاحظ أن معظم هذه الأحاديث كانت تتوجه إلى صورة واحدة من صور الظلم ألا وهو ظلم العباد والاعتداء على حقوقهم.

ومن هذه الأحاديث العامة ما يلي:

الحديث الأول

عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: «قال الله تبارك وتعالى: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً؛ فلا تظالموا … » الحديث القدسي3(3) جزء من حديث رواه مسلم (2577) في البر والصلة. وكان أبو إدريس الخولاني رحمه الله تعالى إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه.

الحديث الثاني

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة»4(4) مسلم (2578) في البر والصلة باب تحريم الظلم. .

الحديث الثالث

عن أبي معبد مولى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث معاذاً إلى اليمن فقال: « … واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب»5(5) البخاري، كتاب المظالم، (5/121، 2448 الفتح، ومسلم بأطول منه (19) كتاب الإيمان باب الدعاء. .

الحديث الرابع

عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته» ثم قرأ: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود: 102]6(6) البخاري في التفسير (4686) ، ومسلم في البر والصلة (2583) . .

الحديث الخامس

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه»7(7) البخاري (2449)، والترمذي (2421). .

الحديث السادس

وعن عبد الله بن أنيس -رضي الله عنه- أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «يحشر الله العباد يوم القيامة -أو قال الناس- عُراة، غُرلاً، بُهمًا». قال: قلنا: وما بُهمًا ؟ قال: «ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الديان، أنا الملك، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقصه منه، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده حق حتى أقصه منه، حتى اللطمة». قال: قلنا: كيف وإننا نأتي عُراةً غُرلاً بُهمًا ؟ قال: «الحسنات والسيئات»8(8) رواه أحمد بإسناد حسَّنه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم 3608. .

حال السلف وخوفهم من الظلم وعاقبته

* قال الواقدي: حدثني أبو بكر بن أبي سَبْرة، عن عبد المجيد بن سُهيل، عن عوف بن الحارث: سمعت عائشة تقول: دعتني أم حبيبة عند موتها، فقالت: قد كان يكون بيننا ما يكون بين الضرائر، فغفر الله لي ولك ما كان من ذلك، فقلت: غفر الله لك كله وحلّلك الله من ذلك، فقالت: سررتِني سرك الله. وأرسلت إلى أم سلمة، فقالت: لها مثل ذلك9(9) سير أعلام النبلاء، 2/322. .

* وعن أبي الدرداء قال: (إياك ودعوات المظلوم؛ فإنهن يصعدن إلى الله كأنهن شرارات من نار)10(10) سير أعلام النبلاء، 2/350. .

* وقال ميمون بن مهران: (الظالم والمعين على الظلم والمحب له سواء)11(11) مساوئ الأخلاق، للخرائطي، ص279. .

* وقال الليث ابن سعد وغيره: كتب رجل إلى ابن عمر أن اكتب إلي بالعلم كله. فكتب إليه: إن العلم كثير، ولكن إن استطعت أن تلقى الله خفيف الظهر من دماء الناس، خميص البطن من أموالهم، كاف اللسان عن أعراضهم، لازما لأمر جماعتهم، فافعل.12(12) سير أعلام النبلاء، 222/3. .

الهوامش

(1) المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، ص: 513.

(2) القاموس المحيط: ص 1464.

(3) جزء من حديث رواه مسلم (2577) في البر والصلة.

(4) مسلم (2578) في البر والصلة باب تحريم الظلم.

(5) البخاري، كتاب المظالم، (5/121، 2448 الفتح، ومسلم بأطول منه (19) كتاب الإيمان باب الدعاء.

(6) البخاري في التفسير (4686) ، ومسلم في البر والصلة (2583) .

(7) البخاري (2449)، والترمذي (2421).

(8) رواه أحمد بإسناد حسَّنه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم 3608.

(9) سير أعلام النبلاء، 2/322.

(10) سير أعلام النبلاء، 2/350.

(11) مساوئ الأخلاق، للخرائطي، ص279.

(12) سير أعلام النبلاء، 222/3.

اقرأ أيضا

الظلم يوم القيامة .. دواوين ثلاثة

الظلم .. آثاره وعواقبه في الدنيا

أسباب معينة على توقِّي الظلم

 

التعليقات غير متاحة