الإخلاص هو أقرب الطرق وأقصرها لنجاح الحوار بين طرفين أو عدة أطراف، فلابد أن يكون الهدف من الحوار هو ابتغاء وجه الله ومعرفة الحق واتباعه.

بعض الآيات والأحاديث الواردة في آداب الحوار وحسن المناظرة

قال تعالى:

– ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً﴾  [البقرة:83].

– ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ﴾ [الإسراء:53].

– ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون:3].

– ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ﴾ [القصص:55] .

– ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ﴾ [المؤمنون:96].

– ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل:125].

– ﴿لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾ [النساء:114] .

– ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طـه:44].

والآيات في ذلك كثيرة .

أما الأحاديث النبوية ، فمنها:

– «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت»1( 2 ) متفق عليه . .

– «الكلمة الطيبة صدقة»2( 2 ) متفق عليه ..

– «تبسمك في وجه أخيك صدقة»3( 3 ) رواه الترمذي  في البر والصلة(1956)، والحديث في صحيح سنن الترمذي (1602) ..

– «وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم»4( 4 ) رواه الترمذي في الإيمان (2616)، وابن ماجه في الفتن (3973)، والحديث في صحيح سنن الترمذي ( 2110)، وفي صحيح سنن ابن ماجه ( 3209 ) ..

– «الكبر بطر الحق وغمط الناس»5( 5 ) رواه مسلم في الإيمان ( 91 ) ..

– « يسروا ولا تعسروا ، وبشروا ولا تنفروا»6( 6 ) متفق عليه ..

– « ليس الشديد بالصرعة ، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»7( 7 ) متفق عليه . .

– «إن الله رفيق يحب الرفق ، ويعطي على الرفق ما لا يعطيه على العنف ، وما لا يعطي على سواه»8( 8 )  رواه مسلم في البر والصلة ( 2593 ) . .

والأحاديث في ذلك كثيرة .

أصول الحوار

وبعد هذه التعريفات والآيات والأحاديث التي تشير إلى الآداب الإسلامية في المعاملة مع الناس ومحاورتهم ، نأتي لتفصيل أصول الحوار في ضوء الآية الكريمة: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ [سبأ:46].

تعتبر هذه الآية منهجاً قويماً لمن أراد الوصول إلى الحق ، ولأن المقصود من الحوار الوصول إلى الحق ؛ فإن هذه الآية الكريمة ترسم لنا بمقوماتها الثلاثة أصول الحوار الصادق، وذلك فيما يلي:

الأصل الأول : الإخلاص لله عز وجل ، والتجرد الكامل قبل الحوار وأثنائه وبعده : ﴿أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ﴾ .

الأصل الثاني : العلم بحقيقة واقع القضية المطروحة من الناحية الشرعية والواقعية : ﴿ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾ .

الأصل الثالث : اعتبار مراعاة ظروف الحــوار والمحاورة : ﴿مَثْنَى وَفُرَادَى﴾  .

الأصل الأول الإخلاص لله عز وجل والقيام له وحده  ﴿أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ﴾

ويدخل تحت هذا الأصل عدة متعلقات ، نذكر منها ما يلي :

1- تصحيح النية قبل الدخول في الحوار

وذلك بمساءلة النفس عن الغرض من الحوار ؛ أهو إرادة الحق فحسب، أو أن هناك أغراضاً أخرى: كحب الظهور، وإفحام الخصم، و أن يرى الناس مكانه؟،فإذا كانت هذه الأغراض موجودة  فليحجم المحاور عن الحوار حتى تتجرد نيته تماماً لله عز وجل، وأنه يريد الحق، ولو ظهر على لسان الطرف الآخر .

2- حسن الاستماع والاهتمام بكلام الطرف الآخر

فالمتحدث البارع مستمع بارع ، فلابد من حسن الاستماع ، والانتباه لما يقوله الطرف المقابل ، وعدم مقاطعته ، وتركه حتى ينتهي ، وتدوين أي فكرة تطرأ أثناء كلامه حتى يفرغ تماماً ، وهذا من التواضع ، وإعطاء الأهمية لكلام الآخرين ؛ حتى لا يحصل العجب بالنفس ، وأنه الذي ينبغي أن يستمع له وأن غيره ليس عنده ما يستحق ذلك. كذلك على المحاور المخلص أن يراعي الوقت أثناء حديثه فلا يستأثر بالكلام كله ، بل يعطي الفرصة المكافئة للطرف الآخر؛ حتى لا يحصل العجب بالنفس المنافي للإخلاص ، أو الاحتقار للطرف الآخر . وكذلك لأن المستمع لا يستطيع أن يركز في سماع من يحاوره دون مقاطعة له أو انشغال عنه أكثر من ربع ساعة ، وبعد ذلك يكل الذهن ويقل التركيز ، وكما يقال : «إذا أردت أن ينفضّ الناس من حولك ويسخرون منك فتكلم بغير انقطاع ، ولا تعطي لأحد الفرصة في الحديث» .

3- مراقبة النفس أثناء الحوار

جرت العادة عند أكثر المتحاورين أن يركزوا انتباههم على الطرف الآخر؛ يحصون الملاحظات على فكرته وطريقته في الحوار، دون أن يراقبوا أنفسهم بنفس المقياس ، فينسى الإنسان نفسه ونوازعها ، ونبرات صوته وطريقته في الرد مما يكون له أثر سيء على الحوار ، ولا شك أن الإخلاص في الحوار يجعل الإنسان ينتبه لنفسه وعيوبه أكثر من غيره . وضعف الإخلاص يحدث في النفس عجباً وشعوراً بأنها فوق الملاحظات .

4- التسليم بالخطأ

الإنسان بشر يخطئ ويصيب ، فمن الطبيعي أن يخطئ المحاور في مناقشاته وحواره مع غيره ، والإخلاص لله عز وجل ، يفرض عليه التسليم بالخطأ عندما يتبين له وجه الصواب ، بل يشكر لصاحبه فضله في تبصيره له بالخطأ.

5- الحذر من الكذب والغموض والمراوغة

قد يلجأ إلى الأساليب الغامضة ـ بل الكذب أحياناً ـ إذا أحس بضعف حجته، أو أنه يريد أن يلبس على الطرف الآخر ويوهمه بما ليس له حقيقة، وهذه صفة ذميمة يرفضها الإخلاص لله تعالى، والخلق الكريم، بل إن الحوار المبارك هو الحوار الصادق الذي يطمئن كل طرف فيه إلى الآخر، وإذا طُرِحَ سؤال لا يريد أحد الطرفين الإجابة عليه فيعتذر عن الإجابة ، ولا يلجأ إلى الغموض والمراوغة ؛ لأنه إذا فقدت الثقة بين الطرفين فقد فشل الحوار .

6- الأمانة

لابد من الأمانة في العرض والنقل واحترام الحقيقة ، وألاّ تقطع عبارة عن سابقتها أو لاحقتها عند الاقتباس لتخضعها لخدمة فكرتك ، فهذا نقص في الدين والإخلاص؛لأنه أخو الكذب،فضلاً عن أنه يعرض من هذه صفته للسخرية وعدم الثقة به لتلاعبه بالنصوص.

7- الإنصاف

من الإنصاف أن يبدي المحاور إعجابه وثناءه على الأفكار الصحيحة ، والأدلة الجيدة، وحسن الاستدلال، والمعلومات الجديدة التي يوردها الطرف الآخر، والإيجابيات والحسنات التي تتمثل فيه أو في فكرته وإن ظهر معها جوانب سلبية ، كما أن من الإنصاف وضع النفس موضع الطرف الآخر ، والظروف المحيطة به ، والتي أدت به إلى الرأي المخالف .

8- وضع الخطأ في حجمه الطبيعي ، وتجنب الشماتة

عند وضوح خطأ الطرف الآخر يجب أن يشعر بأن الخطأ ميسور التصحيح حتى لا يداخله الشيطان ، وتفقده مسيرة الدعوة من جراء خطئه، كما أن تواضع الطرف المصيب أمر مهم حتى لا يداخله الشيطان ؛ فيشعر بالتعالي على الطرف الآخر، أو يشمت به وبفكرته الخاطئة ؛ فالمسلم المخلص يقصد من الحوار إظهار الحق ولو على لسان مخالفه .

9- على كل طرف في الحوار تجنب الهزء والسخرية

وكل ما يشعر باحتقار أحدهما للآخر، أو ازدرائه لفكرته، أو وسمه بالجهل، أو قلة الفهم، أو التبسمات والضحكات التي تدل على السخرية .

10- تجنب ضمائر المتكلم أثناء الحديث

حتى لا يدخل الشيطان إلى النفس ؛ فيقع فيها العجب والغرور ، ينبغي تجنب إدخال ضمائر المتكلم أو ضمير الجماعة في الحديث كتكرار ((نحن، أنا، عندنا…إلخ )) مع ما فيها من المضايقة للطرف الآخر .

الهوامش

( 1 ) متفق عليه .

( 2 ) متفق عليه .

( 3 ) رواه الترمذي  في البر والصلة(1956)، والحديث في صحيح سنن الترمذي (1602) .

( 4 ) رواه الترمذي في الإيمان (2616)، وابن ماجه في الفتن (3973)، والحديث في صحيح سنن الترمذي ( 2110)، وفي صحيح سنن ابن ماجه ( 3209 ) .

( 5 ) رواه مسلم في الإيمان ( 91 ) .

( 6 ) متفق عليه .

( 7 ) متفق عليه .

( 8 ) رواه مسلم في البر والصلة ( 2593 ) .

اقرأ أيضا

الأسباب الواقية من لبس الحق بالباطل

الناس خصمان شرعاً وواقعاً .. (1-2)

أهم مظاهر البُعد عن الاستقامة .. المجادلة عن المبدلين لشرع الله

 

التعليقات غير متاحة