أمر الله بالعلم، حتى لا تعمل ثم يحبط العمل بشرك أو بدع عظام، وقد يظفر الشيطان بمحبطات الأعمال فيخدع العبد بالاجتهاد الظاهر في العبادة.
البصيرة فريضة
اعلم أنه قد يضل الإنسان عن الطريق إذا لم يصْدق في الطلب، ولم يضْرع ويتوكل، ولم يطلب العلم قبل المسير، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «وكمْ منْ مريدٍ للخيْر لنْ يصيبه». (1رواه الدّارميّ في سننه (210) وقال الألْبانيّ في إسْناد الدّارميّ في «سلْسلة الأحاديث الصّحيحة». (2005): «وهذا إسْنادٌ صحيحٌ»)
وكم ضل كثيرون الطريق، كما أن للطريق قُطَّاعًا يخدعون الناس ويَضلون ويُضلون غيرهم، ولهذا لا بد للسالك أن يكون على بينة من أمره.
قال تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّه﴾ [محمّدٍ:19]، وقال البخاري: «باب العلْم قبْل القوْل والعمل». (2الباب رقم (10) منْ كتاب العلْم منْ صحيح البخاريّ)
فلا بد من قدر من العلم لكل سالك.. فقد تصدّق أقوام وصلّوا وحجّوا وظنوا أنهم ملاقوه في الآخرة وقد قبِل عملهم؛ فأخبر تعالى أنه كسراب لن يجدوا عنده ريًّا يوم لقائه، وأخبر أنه كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، ولن يحصّلوا من ثواب أعمالهم شيئًا..
فإن قلت: هذا في الكافرين، فاعلم أن هناك من المكفّرات المعاصرة ما يحبط الأعمال، وهناك من البدع أيضًا ما يحبط الأعمال أو كثير منها.
ونذكر هنا جملًا نافعة ومختصرة..
أحقّ وأهمّ شروط صلاح العمل وقبوله
أصل هذا الدين الذي لا يقبل الله تعالى عملًا إلا ممن جاء به أوّلًا، ثم يقع العمل بعد على وفقه ومقتضاه، هو إفراد الله تعالى بالعبادة وقبول الشرائع منه وحده بلا شريك؛ فالمسلم لا يعبد إلا الله ولا يلتزم شريعةً ولا قانونًا إلا ما أنزل الله تعالى أو ما استمد سلطانه من الله باجتهاد صحيح..
والخوف هنا هو أن يعمل أحدنا عمره، ويحج ويتصدق ويظن أن هذا نافعه يوم لقاء الله بينما هو متلبس بشرك ينقض عمله، وهو داخل في قوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ [الكهْف103-104]، ولهذا نحذّر من أمور مناقضة للدين لا ينفع معها عمل صالح.
لا تتهاون بهذا فقد خشى «إبراهيم» عليه السلام الشرك فتضرع لربه: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾ [إبْراهيم:35]، كما خاف «يعقوب» عليه السلام على بينه ـ وهم أنبياء ـ من الشرك ﴿إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي﴾..؟ لم يستهينوا بسؤاله، ولم يروه خرف الموت؛ بل رأوه من علمه وإيمانه وإرث النبوة العظيم فأجابوا: ﴿قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة:133]
احْذرْ شرْك العبادة مهما كان زخرف الشبهة
فمن صرف عبادة لغير الله من الدعاء أو الاستعانة أو الاستغاثة أو طلب المدد والعون من غير الله، كضريح أو قبر رجل صالح سواء كان من أهل البيت الكرام أو من غيرهم من الصالحين أو العلماء، أو مكذوبًا على الصالحين..
أو نذر لهذه القبور أو ذبح لهم أو تمسح بها تبركًا وتعظيما وعكوفا، أو اشتكى إليهم فاقته وحاجته..
أو ظنَّ لهم تأثيرًا غيبيًّا، أو أنهم يعلمون ما به من حاجة..
أو خافهم بالغيب أن يضروه أو خضع لهم وسكن وانحنى فهذا سجود..
كل هذه عبادات لغير الله واعتقادات مبطلة للتوحيد؛ فمن عمل على هذا الأصل فعمله مردود وباطل، إلا أن يتوب ويراجع ويترك هذا الشرك بالله تعالى ويصرف حق الله الخالص إليه لا إلى غيره؛ فبهذا بُعث رسول الله ﷺ، وعلى هذا كان هؤلاء الصالحون يعملون ويأمرون، وهم كانوا ينكرون على من قام بهذا الضلال.
وأما الصالحون فنحبّهم ونعرف لهم قدرهم وندعو لهم ـ لا أن ندعوهم ـ ونتبع طريقتهم ونتأسى بهم.
واحذرْ شرك التّشريع
فالله تعالى أنزل شرائعه لتكون هي القانون العام للمسلمين، يلتزمونها فرادى وجماعات ويقيمون على أساسها ووفقها نظامهم السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ويزاولون على وفقها نشاطهم الفكري والأدبي والفني، ويربون على مبادئها وغاياتها الأمة في الإعلام والتعليم، وبهذا تتحقق الغاية من الرسالة.
فمن رفض شريعة الله تعالى أن تكون قانونه العام واعتذر عن هذا بتطور الزمان والاستغناء عنها أو طعن في حكمتها، أو طعن في رحمة أحكامها، أو صلاحيتها، أو غير ذلك؛ فالطعن في هذا راجع إلى رب العالمين فهو يطعن في حكمته تعالى أو رحمته، أو يطعن في عدله تعالى بين خلقه، أو يطعن في علمه تعالى بتطور الحياة وتجاوز الزمان الحاجة إلى الشريعة فيدّعي أنه تعالى ألزم خلقه بما لا حاجة بهم إليه، حاش لله.
وكذلك من جعل مجاملة غير المسلمين سببًا لعدم إقامة ما أنزل الله، أو كان منبهرا بالحضارة المادية لغير المسلمين فرأى كل ما هم عليه حسنًا، ولم يفرّق بين ما يمكن أخذه وما يجب رده، وظن أن سبب تقدمهم هو تنحيتهم للدين عن الشأن العام؛ فترك دين الله تعالى المنزل الصحيح ليتقدم بزعمه..! وساوى بين الدين المبدل المحرف وبين دين الله تعالى وهدايته المحفوظة إلى يوم القيامة.
فكل من رفض شرع الله تعالى كان هادمًا للتوحيد، ومن لم يحقق قاعدة العبودية «قبول شرع الله ورفض ما سواه»، فهو لم يحقق معنى “لا إله إلا الله”، والله تعالى لا يتقبل من الأعمال إلا ممن وحّده وأفرده بالعبادة.
البدع المكفرة ضلالاتٌ مرْدودةٌ في وجْه صاحبها
فالقاعدة النبوية العامة أن «كلّ بدْعةٍ ضلالةٍ». (3رواه مسْلمٌ في صحيحه 43 (867))
وأن «منْ عمل عملًا ليْس عليْه أمْرنا فهو ردٌّ». (4رواه مسْلمٌ في صحيحه 18 (1718))
والبدع اختراع واستحداث أمر في الدين، عملا أو اعتقادا، لم يكن عليه رسول الله ﷺ وأصحابه..
والبعض ينصرف ذهنه إلى مفردات البدع العملية، وهو صحيح، ولكن يدخل قبل مفردات البدع العملية المتمثلة في بعض المظاهر المنتشرة ما هو قواعد عامة مبتدعة تستلزم الكثير من البدع المفصلة.
وهنا ننوه إلى أصول بدع عظام منتشرة…
بدع غلاة المتصوّفة
هناك متصوفة السنة الملتزمون بها باطنًا وظاهرًا، فلا كلام في هذا؛ فهم من العبّاد الكرام..
ولكن من البدع المكفرة التي يجب الحذر منها هو غلو المتصوفة القائلين أن هناك “شريعة” للظاهر و”حقيقة” للباطن، وزعموا أن “الشريعة” لعموم الناس و”الحقيقة” لخواصهم، ويقصدون بالحقيقة التحلل من الشريعة بزعم أنهم يوافقون القدَر! أو لاعتقادهم ما هو أفحش من هذا وهو حلول الله تعالى واتحاده بمن يرونه قد وصل لمرتبة “الوليّ”! وهو اعتقاد مكفّر كاعتقاد النصارى في المسيح عليه السلام.
ويجب أن تعلم أن من لم يلتزم الشريعة باطنًا وظاهرًا، فقد استحلّ ما حرم الله ورفض أوامره وفرائضه، ومن لم يعتقد أنه ملزَم بما أمر الله في باطنه وظاهره، فقد نقض دينه وهدم الإسلام وخرج منه لم يبق له منه شيء؛ فإذا عمل ـ من أصحاب هذه الاعتقادات الفاسدة ـ مِن عمل صالح يظنه يلقاه عند ربه فهو مخادع ومخدوع، وعمله باطل؛ إذ إنه لم يُسْلم لله وجهه كما أمر تعالى، ﴿بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة:112]، فهذا هو المأجور.
أما من عبد غير الله أو لم يلتزم شرعه فعبده بهواه لا بما أنزل، فعمله مردود، وباطل قد أحبطه صاحبه.
الرّافضة باب الضّلالات والزّنْدقة التّاريخيّ
ومن البدع الشنيعة التي يجب الحذر منها هو بدع الروافض الشيعة الذين يسُبّون أصحاب رسول الله ﷺ ويلعنونهم ويرونهم شر الأمة لا خيرها، ويكذّبون أو يؤوّلون آيات الكتاب العظيم التي تثني عليهم وتخبر برضا رب العالمين عنهم، والأخبار لا تُنسخ، وقد رضي الله سبيل أصحاب رسول الله ﷺ واشترط لرضاه عمن بعدهم أن يأتي منتهجًا سبيلهم، ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التّوْبة:100]
وذكر الله أصنافهم من المهاجرين ثم الأنصار ثم مَن بعدهم ذكر الله له الخير إذا جاء يستغفر لهم.. فعن هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت لي عائشة رضي الله عنها: «يا ابْن أخْتي، أُمروا أنْ يسْتغْفروا لأصْحاب النّبيّ ﷺ فسبّوهمْ». (5رواه مسْلمٌ في صحيحه 15 (3022) كتاب التّفْسير)
ولهذا قال أهل العلم يوضحون فحش هؤلاء:
«قيل للْيهود: منْ خيْر أهْل ملّتكمْ؟ قالوا: أصْحاب موسى، وقيل للنّصارى: منْ خيْر أهْل ملّتكمْ؟ قالوا: أصْحاب عيسى، وقيل للرّافضة: منْ شرّ أهْل ملّتكمْ؟ قالوا: أصْحاب محمّدٍ!!». (6شرْح العقيدة الطّحاويّة لابْن أبي العزّ الدّمشْقيّ (293) (2/ 696-697))
فلما كفّروا أصحاب رسول الله ﷺ ولعنوهم واحتفلوا بقاتل عمر رضي الله عنه وأقاموا له ضريحا يدعونه من دون الله، فلم يقتدوا بهم ولم يأخذوا دينهم كما أخذوا..
والأفحش من هذا أنهم لما كفّروا أصحاب رسول الله ﷺ بينما أصحاب رسول الله ﷺ هم نقلة القرآن ونقلة الحديث والعلوم والسير والمغازي وقول رسول الله ﷺ وعمله، وهم الذين أقاموا الدين ونقلوا العبادات وفتحوا البلاد وأقاموا النظام السياسي الراشد..
فلما عادى الرافضة أصحاب رسول الله ﷺ فتحوا باب الطعن في هذه الثوابت فطعنوا في القرآن واتخذهم الزنادقة بابًا للطعن في الدين والتشكيك في ثوابته فانتحلتهم أغلب فئات الزنادقة من القرامطة والحشاشين، والزنادقة القرامطة الذين سرقوا الحجر الأسود سنين طويلة بل ومنعوا الحج في بعض الأعوام..
أوضحنا فحش عقائدهم لما غلب من فتنتهم في زماننا، وكثرة أموالهم يغرون بها الناس، مع شدة كذبهم ونفاقهم، وادعائهم نصرة الإسلام بينما هم مع الصليبيين والوثنيين واليهود ضد المسلمين في أي مواجهة أو عداء.
واحذر؛ فبين الصوفية والشيعة دهليز ينقل من التصوف إلى التشيع، فهم باب للشيعة والشيعة باب للزندقة، أقصد غلاة المتصوفة ومبتدعتهم لا متصوفة السنة المستقيمين الكرام.
واحْذرِ الغلوّ
واحذر الغلوّ والإبتداع بتكفير عامة المسلمين ومن يرى أن الأصل في الناس الكفر، واحذر من يكفّر بالذنوب والمعاصي وليس بالشرك والتبديل.
خاتمة
لا تنخدع باجتهادات أحد في العبادات مع التلبس بهذه الفواحش العقدية العظام والتلبّس بالبدع المهلكة؛ فاحذر ردّ الشرائع في صورة العلمانية والليبرالية والإباحية، واحذر غلاة المتصوفة وعبادة غير الله، واحذر التشيع المبغّض لأصحاب رسول الله ﷺ خير الخلق بعد نبيهم قد اختارهم الله اختيارًا، واحذر الغلوّ فإن هذا الدين عدل بين طرفين ووسط بين جانبين وخير قويم واستقامة جامعة..
إذا وجدت متلبسًا بشيء من هذا مع اجتهاد في عبادة فلا تنخدع واعلم أن الشيطان غرّهم بهذه العبادات لما ظفر به منهم من انحرافات عظام؛ فإنه لا يبالي بما عملوا بعد ذلك؛ إذ أخذ منهم نهمته.. عافانا الله وعافاك.
……………………………….
الهوامش:
- رواه الدّارميّ في سننه (210) وقال الألْبانيّ في إسْناد الدّارميّ في «سلْسلة الأحاديث الصّحيحة» (2005): «وهذا إسْنادٌ صحيحٌ».
- الباب رقم (10) منْ كتاب العلْم منْ صحيح البخاريّ.
- رواه مسْلمٌ في صحيحه 43 (867).
- رواه مسْلمٌ في صحيحه 18 (1718).
- رواه مسْلمٌ في صحيحه 15 (3022) كتاب التّفْسير.
- شرْح العقيدة الطّحاويّة لابْن أبي العزّ الدّمشْقيّ (293) (2/ 696-697).