تمر بنا ذكرى فتح القسطنطينية، ولهذا الفتح دلالاته على صحة هذا الدين وربانية مصدره، ودلالة على حيوية الإسلام وإمكانياته، ودلالة على الواقع المستشرَف بإذن الله.
الخبر
جاء على موقع “الأناضول” تحت عنوان “أردوغان يهنئ الأتراك بالذكرى الـ(566) لفتح إسطنبول”:
“هنأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأتراك بالذكرى السنوية الـ 566 لفتح إسطنبول (القسطنطينية سابقًا) عام 1453 الموافق لـ 29 مايو / أيار من كل عام.
ونشر أردوغان الأربعاء، تغريدة في حسابه على موقع “تويتر” يهنئ فيها الأتراك بذكرى فتح المدينة.
وقال في تغريديته: “أقدم التهاني بمناسبة الذكرى الـ 566 لفتح إسطنبول، الذي غيّر مجرى التاريخ وأغلق عصرا وفتح عصرا”.
وتمنى أردوغان، الرحمة للسلطان محمد الفاتح وجيشه الباسل.
ويحتفل الأتراك خاصة، والمسلمون عامة في 29 مايو/ أيار من كل عام، بذكرى “فتح القسطنطينية”، وهي المدينة التاريخية التي فتحها السلطان العثماني “محمد الفاتح” من الإمبراطورية البيزنطية، عام 1453، بعد أن ظلت عصية على الفتوحات الإسلامية لعدة قرون”. (1موقع “الأناضول” بتاريخ 29/5/2019، على الربط:
“أردوغان يهنئ الأتراك بالذكرى الـ(566) لفتح إسطنبول“)
البشارة
عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنه، بينما نَحنُ حولَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ نَكْتبُ إذ سُئِلَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ : «أيُّ المدينَتينِ تُفتَحُ أوَّلًا : قُسطنطينيَّةُ أو روميَّةُ ؟ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ : مَدينةُ هرقلَ تُفتَحُ أوَّلًا يَعني قُسطَنطينيَّةَ». (2أخرجه أحمد (6645) واللفظ له، وابن أبي عاصم في ((الأوائل)) (110)، والدارمي (486). وصححه الشيخ أحمد شاكر)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش» (3روه الإمام أحمد في مسنده)
الدلالات
1) بشّر رسول الله، صلى الله عليه وسلم ـ المكلّف ببلاغ الوحي من السماء ـ بلغ وبشّر بفتح القسطنطينية قبل فتحها بقرون.
بقيت المحاولات منذ عهد “معاوية” وابنه يزيد، وفي الجيش أحفاد رسول الله، الحسن والحسين، وعبد الله بن جعفر، وأبو أيوب الأنصاري ـ الذي توفي هناك ودُفن ثَم ـ بقيت هذه المحاولات لبشارة رسول الله؛ إذ بلّغ خبر الله من السماء ما علم من المقادير؛ فهي دلالة ومعجزة باقية الى يوم القيامة.
وفي هذا أحد أدلة النبوة، ولا بد من التذكير به والإشارة اليه وبيانه للناس فهي دعوة الى دين الله تعالى، وبيان لربانية المصدر.
2) مَن بشّر بهذا صلى الله عليه وسلم ؛هو من بشر أيضا بفتح “روما” وبشّر بأن الإسلام لن يترك بيت “مَدر” ولا “وبر” (4بيوت المدن وبيوت البوادي) إلا ودخله هذا الدين؛ إما يعز أهله بالإيمان به أو يذلهم لو كفروا به.
فعن تميم الداري، رضي الله عنه، قال « ليبلُغنَّ هذا الأمرُ مبلغَ اللَّيلِ والنَّهارِ، ولا يترُكُ اللَّهُ بيتَ مدرٍ ولا وبرٍ إلَّا أدخلَهُ هذا الدِّينَ بعزِّ عزيزٍ أو بذُلِّ ذليلٍ، يعزُّ بعزِّ اللَّهِ في الإسلامِ، ويذلَّ بِهِ في الكفر..». الحديث (5رواه الحاكم في المستدرك برقم (5/615) وقال: صحيح على شرط الشيخين)
وهذه رسالة الى المؤمنين خاصة، والى العالم وقواه المتآمرة على الإسلام والمعادية له، والى أقزام الطواغيت، والى كل متآمر على الإسلام وأهله.. هذه رسالة بأن الإسلام لا يقبل أن يُمحَى، ولا أن يتراجع، ولا أن أن يُقتلع من الحياة..
وهي رسالة أن الإسلام مقبل على دورة تمكين وانسياح في الأرض، وأن يغمرها بهُداه الكريم، لا ما ترجوه شياطين الدنيا ويحلم به الطغاة أن يحصروه أو يتراجع.
3) وهي رسالة كبيرة للمسلمين الذين يعانون أوجاعا وآلاما، مذابح وتشريدا، حروبا وتآمرا، هجوما إعلاميا وتشويها منظما؛ أموالا تُنفق وأسلحةً تباع ليكون ضحيتها أبناء هذه الأمة..
فهذه رسالة لمن يعون هذه الحقائق ويتألمون لها ويقلقون من المستقبل؛ أن الأمور ذاهبة في اتجاه آخر غير ما يبدو.
فللبشارات الغيبية دورها من التثبيت والإطمئنان وإذهاب رجس الشيطان ونفي وساوسه. ولا بد من إذهاب وساوسه أيضا بقوة “الواقع” مقارنة لقوة “البشارات”. وهذا دور المسلمين.
إن الإسلام “فاعل” حضاري محوري، والآن ـ مع ما يعاني أهله ـ فكأنما يلتقط أنفاسه لعودة كبيرة.
تبقى ذكرى فتح القسطنطينية مثالا أن الإسلام فاعل وحي؛ تتحقق بشاراته ويكمل دوره في حياة البشرية.
4) وتبرز الدلالة الكبيرة؛ أن المسلمين بغير إقامة شريعة الإسلام ومنهجه وولائه، ليست لهم قائمة ولا احترام؛ بل ولا وجود؛ إذ وجودهم اليوم مهدد، وذلك مع الأوضاع العلمانية والتقزم الوطني والنعرات القومية والتنكر للإسلام.
لا وجود لهذه الملايين تحت الشمس ولا سيادة ولا قيادة إلا بهذا المنهج الذي أكرمهم الله تعالى به.
والعدو حقا هو من يزحزح الأمة عن هذه الثوبت، أو يشككها في منهجها أو يتعدى على شريعتها أو يخوّن الانتماء للإسلام؛ فيجعله خيانة للوطن..! أو يحول بينها وبين إقامة دين الله تعالى في واقع معاش ومؤسسات ونظم وقوانين ومنهج حياة؛ يشمل التعليم والإعلام والفكر والفن، ويشمل مجمل حياة الأمة.
هي تتوق الى هذا ويحول بينها وبين دينها كفار ومنافقون منسلخون من الإسلام.
5) وتبقى الدلالة الكبيرة أن الإسلام ليس عصبيةً لقومية ولا لعِرق، ولا للسان. بل هو منهج الله وكلمته. وقد أتم الله تعالى بشارته وحقق ما أخبر به على يد قوم من غير العرب؛ فقام “الترك” حيث أخلصوا لله وجاهدوا في سبيله، واندفعوا بحماسة صادقة لهذا الدين.. فنالتهم دعوة رسول الله جيشا وأميرا، ونالوا شرف هذا التاريخ الى يوم القيامة.
إنه دين الله لا دين البشر، وإنه ينتظر عصبة مؤمنة تنطلق صادقة مخلصة، لا تتلوث بشيء غير على نصاعة الإسلام ومنهجه والانتماء اليه، ليعطيهم ربهم تعالى شرف الدنيا وشرف الآخرة. مهما كانت قومياتهم والوانهم وألسنتهم.
واليوم دور المخلصين .. فأين أين المخلصون؟!
……………………..
هوامش:
- موقع “الأناضول” بتاريخ 29/5/2019، على الربط:
“أردوغان يهنئ الأتراك بالذكرى الـ(566) لفتح إسطنبول“ - أخرجه أحمد (6645) واللفظ له، وابن أبي عاصم في ((الأوائل)) (110)، والدارمي (486). وصححه الشيخ أحمد شاكر.
- روه الإمام أحمد في مسنده.
- بيوت المدن وبيوت البوادي.
- رواه الحاكم في المستدرك برقم (5/615) وقال: صحيح على شرط الشيخين.